خبير مصري: سويسرا اختارت ربط المجاليْن البحثي والأكاديمي بالميدان التطبيقي
أوضح الباحث المصري الدكتور هشام إسماعيل، الخبير الأكاديمي بقسم الفارماكولوجي بكلية الصيدلة بجامعة جنيف، أن سوق العمل البحثي في سويسرا، يمتاز عن غيره من كبريات دول العالم، بالارتباط الوثيق، والتعاون والتكامل، بين المجال البحثي الأكاديمي، والمجال التطبيقي، خاصة الصناعي؛ مشيرًا إلى أن سويسرا كدولة وحكومة، تدعم هذا النوع من الأبحاث، التي ترتبط بواقع المجتمع وتقدم خدمات مباشرة له.
وقال “إسماعيل”، الحاصل على الدكتوراة من جامعة جنيف، والمقيم بها منذ قرابة 10 سنوات، في حوار خاص لـ”swissinfo.ch”: “الباحث السويسري يمتاز بأن لديه القدرة على إحداث التوازن، بين أبحاثه العلمية، وحياته الاجتماعية؛ موضحًا أن المعامل في سويسرا، خاصة الأكاديمية منها، تتميز بتوافر أحدث الأجهزة، والتجهيزات المعملية المتطورة، فضلاً عن توافر الاعتمادات المالية اللازمة لإتمام الأبحاث العلمية”. المزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:
swissinfo: بداية؛ نود أن توضح لنا كيف سافرت إلى سويسرا للدراسة بجامعة جنيف؟
د. هشام اسماعيل: كنت قد قدمت بحث الماجستير الذي أنجزته في مصر، كعمل علمي في مؤتمر دولي عُقد في كندا، لمناقشة موضوع الأساليب المتطورة لعلاج أمراض العضلات النادرة، وهناك قابلت الدكتور أورث رواج، بروفسور الفارماكولوجي بجامعة جينف، والذي أعجب ببحثي، وطلب مني السفر إلى سويسرا، لدراسة الدكتوراة في موضوع علاجات أمراض العضلات النادرة، على حساب جامعة جينف، فرحبت، وسافرت إلى هناك.
سافرت إلى جامعة جنيف كطالب دكتوراة، وتم تعييني مدرسًا مساعدًا بقسم الفارماكولوجي بكلية الصيدلة بنفس الجامعة، حيث كنت أقدّم المحاضرات للطلاب باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وظللت كذلك طوال الفترة من 2009، وحتى حصلت على الدكتوراة في عام 2013.
وقد كانت الدراسة في جامعة جنيف بالنسبة لي في هذا التوقيت، فرصة جيدة للتعلم واكتشاب الخبرات، حيث أتيحت لي فرصة العمل في معمل له سمعة دولية ممتازة، في مجال البحث العلمي، ألا وهو معمل الفارماكولوجي، بكلية الصيدلة بجامعة جنيف، والمعروف بمعمل الدكتور أورث رواج.
swissinfo: هل اقتصر عملك خلال الفترة (2009- 2013)، على إعداد الدكتوراة فقط؟
د. هشام اسماعيل: بالطبع لا؛ فبالإضافة إلى عملي كمدرس مساعد بكلية الصيدلة بجامعة جنيف، عملت في شركة نوفارتس للأدوية، وفي شركات أخرى، على أبحاث لتطوير الأساليب المستخدمة لعلاج أمراض العضلات النادرة، إضافة إلى قيامي بتدريب الباحثين الذين سيعملون على أجهزة أبحاث أمراض العضلات النادرة.
وقبل الانتهاء من الدكتوراة جاءتني شركة سويسرية تدعى (Esperare) وهي شركة متخصصة في مجال بحثي، وعرضت عليَّ أنا وزميل لي، باحث فرنسي يُدعى (Olivier dorchies)، العمل معها في البحث في مدى فعالية مادة كيميائية تسمى (Rimeporipe)، في علاج مرض ضمور العضلات، وبالفعل عملنا معها.
يمتاز سوق العمل البحثي في سويسرا، عن غيره من كبريات دول العالم، بالارتباط الوثيق، والتعاون والتكامل، بين المجال البحثي الأكاديمي، والمجال التطبيقي، خاصة الصناعي.
ومنذ عام 2013؛ وحتى الآن، أعمل كمدرس بقسم الفارماكولوجي بكلية الصيدلة بجامعة جنيف، إلى جانب عملي مع عدة شركات متخصصة في تطوير أساليب علاج الأمراض العضلات النادرة، فضلاً عن قيامي بعمل أبحاث خاصة بي، في هذا المجال.
swissinfo: من خلال خبرتك الممتدة في هذا المجال؛ ما هي أبرز أمراض العضلات النادرة؟
د. هشام اسماعيل: أبرز وأهم أنواع أمراض العضلات النادرة، هي الأمراض الجينية، التي تتسبب في أن الطفل المولود يفقد القدرة على استخدام العضلات، أولاً في الحركة، وفي التنفس، وفي القلب، ومعلوم أن الأمراض النادرة في العضلات، تصيب عددًا قليلاً جدًا من الناس، حيث تصيب واحدًا من بين 3500 مولد ذكر (تصيب الذكور فقط).
swissinfo: من خلال معايشتك للباحثين السويسريين.. ما هي برأيك أبرز مميزاتهم؟
د. هشام اسماعيل: لكي تبدو الصورة واضحة، سأقارن بين الباحث السويسري، والباحث الأمريكي، فالباحث السويسري يمتاز بأن لديه القدرة على إحداث التوازن، بين الحياة العلمية، والحياة الاجتماعية، فهو في معمله أو جامعته دقيق جدًا، يركز على بحثه، ويحافظ على وقته، فإذا عاد إلى منزله أو كان في إجازة نهاية الأسبوع، فإنه يدع بحثه جانبًا ليستمتع بوقته، مع نفسه أو أصدقائه أو أسرته، وهو يفعل ذلك ليعود إلى عمله بعدها في قمة النشاط والحيوية والتركيز.
ناهيك عن الجودة العالية التي يتميزون بها في عملهم، بالإضافة إلى ما تتميز به المعامل في سويسرا، وخاصة الأكاديمية منها، حيث تتوافر أحدث الأجهزة، والتجهيزات المعملية المتطورة، فضلاً عن توافر الاعتمادات المالية اللازمة لإتمام الأبحاث العلمية المخطط لها.
swissinfo: وما أهم ما يميز سوق العمل البحثي في سويسرا؟
د. هشام اسماعيل: يمتاز سوق العمل البحثي في سويسرا، عن غيره من كبريات دول العالم، بالارتباط الوثيق، والتعاون والتكامل، بين المجال البحثي الأكاديمي، والمجال التطبيقي، خاصة الصناعي، إضافة إلى أن سويسرا كدولة وحكومة، تطور وتنشط، وتدعم هذا النوع من الأبحاث، التي ترتبط بواقع المجتمع.
فعلى سبيل المثال؛ تقدم الحكومة السويسرية منح (CTi)، للشركات والمعامل البحثية الأكاديمية، التي تعمل معًا على حل مشكلة، أو البحث عن علاج لمرض اجتماعي أو عضوي، أو اختراع دواء لمرض يعاني منه المواطنون، أو تطوير علاج معين لخدمة المجتمع السويسري، وهي تقدم للطرفين؛ الشركة والمعمل الأكاديمي، رواتب شهرية، طوال فترة المنحة.
swissinfo: ما هي الدولة الأكثر إرسالاً لباحثيها إلى سويسرا للدراسة والتعلم بجامعة جنيف؟
د. هشام اسماعيل: الباحثون الفرنسيون، هم الأكثر تواجدًا في جامعات ومعامل جنيف، وربما كان ذلك بسبب اللغة، والتقارب الجغرافي، بين فرنسا ومقاطعة جنيف.
swissinfo: ماذا استفدت من دراستك في سويسرا، على مدى 10 سنوات تقريبًا، على المستويين العلمي والإداري؟
د. هشام اسماعيل: أكبر استفادة حصلت عليها من الدراسة والتعلم في سويسرا، هي أنني طورت كثيرًا من منهجي وأسلوبي في البحث العلمي، ووسعت من الافتراضات العلمية التي أعمل عليها في مشروعاتي البحثية. إضافة إلى أن طريقي في البحث العلمي بدأ يتجه نحو التطبيقات التي تفيد المواطن، بشكل أسرع، بمعنى أنني أصبحت أكثر قدرة على تطويع البحث العلمي الذي أعمل عليه لخدمة المرضى.
ففي سويسرا يعتمدون على تعليم الطالب أو الباحث أساليب البحث العلمي؛ والمدرسة السويسرية في هذا تختلف عن المدرسة الأمريكية، التي تقوم على إعطاء الطالب الكورسات اللازمة لمعرفة جميع متطلبات البحث العلمي، بينما المدرسة السويسرية تركز على تطوير الباحث للأساليب التي يحتاجها في البحث العلمي، من خلال وضعه تحت ضغط البحث، وتركه يعلم نفسه بنفسه من خلال التجربة.
وعلى الرغم من أن المدرسة السويسرية في البحث العلمي تستغرق وقتًا أطول، لكنها تخرج لنا في النهاية باحثًا مستقلاً، لديه رؤية شاملة، للعملية البحثية برمتها، ولأن العملية البحثية تنافسية، فإنها تحتاج إلى الجمع بين السرعة والدقة، وهذا هو التوازن المطلوب من الباحث.
swissinfo: بعد 10 سنوات من المعايشة؛ ما هي انطباعاتك عن المواطن السويسري؟
د. هشام اسماعيل: المواطن السويسري محب لبلده، يسعى لتحسينه وتطويره، يهتم بفهم ومعرفة طبيعة الأجنبي الذي يعيش في سويسرا، قبل أن يتعامل معه، كما أن انطباعات الأولية عن الأجنبي عمومًا، والعرب منهم على وجه الخصوص، فيها توجس يخالطه فضول ورغبة في معرفة الآخر. فقليل من السويسريين يبادرون بالتعرف على الأجنبي، لكنه عندما يتعرف عليك جيدًا، يتجه للتعرف على ثقافتك.
swissinfo: وماذا عن نسبة الطلاب والباحثين الأجانب في الجامعات السويسرية؟
د. هشام اسماعيل: نسبة الطلاب والباحثين الأجانب المسجلين للدكتوراة، في الجامعات السويسرية، أعلى بكثير من السويسريين، والأجانب ذوو المستوى التعليمي الأعلى لهم فرص أكبر في العمل بالمجتمع البحثي السويسري، ونسبتهم تتراوح بين 60 – 70%، وكذا في المستشفيات السويسرية، فإن فرص عمل الأطباء الأجانب أعلى من السويسريين.
السويسريون عمومًا يفضلون الأوربيين، على غيرهم من الأجانب، ووفقًا للقانون السويسري؛ فالمواطن السويسري ذي الكفاءة أولى بالفرصة المتاحة، يليه الأجنبي من دول الاتحاد الأوروبي عمومًا، ويأتي في النهاية الأجانب من غير الأوربيين.
swissinfo: ما التجربة التي لفتت انتباهك بسويسرا، خلال عملك البحثي طيلة عقد من الزمان؟
د. هشام اسماعيل: التجربة التي توقفت عندها كثيرًا في سويسرا؛ هي تجربة التعاون بين المعامل الأكاديمية، ومراكز البحوث السويسرية، من جانب، والمصانع والشركات من جانب آخر؛ حيث يبدو واضحًا للعيان أن هناك اتجاه واضح، لتطوير التعاون بين المعامل الأكادية والمصانع.
وقد أنشأت سويسرا هيئة عليا للتكنولوجيا (CTI)، مهمتها إدارة هذا التعاون، ومتابعته ورصد نتائجه، وتقييمه في نهاية المطاف، بينما نجد في كثير من دول العالم، من بينها مصر، تباينٌ واضح، وفجوة كبيرة، بين البحث الأكاديمي والتطبيقات الصناعية.
كما أن الحكومة في سويسرا، ليس لها هدف تجاري من هذا التوجه، وإنما فقط تطويع البحث العلمي، وتوجيه المصانع، للعمل على خدمة المواطن السويسري، بهدف تحقيق كل ما هو حديث ومتطور ومفيد للمواطن في الوقت نفسه.
swissinfo: في النهاية؛ بعد كل هذه السنوات التي قضيتها في سويسرا؛ هل تفكر بالعودة إلى مصر؟
د. هشام اسماعيل: طول عمري أحلم بالعودة إلى مصر، حاملاً العلم الذي تعلمته، والخبرة التي اكتسبتها، من سويسرا، طوال هذه السنوات، آملاً في استخدامها في تطوير البحث العلمي، وتحديث منظومة التعليم الجامعي، في مصر.
ففي مصر هناك نقص شديد في الإمكانات والأدوات والأجهزة المعملية، فضلاً عن الحاجة لتوافر الجدية والإرادة، للنجاح في البحث العلمي، أضف إلى هذا وجود عجز واضح في الإمكانات المادية، وفي الميزانية المخصصة للبحث العلمي.
تعريف بالباحث الدكتور هشام حامد
· تخرج هشام محمد إسماعيل حامد من كلية الصيدلة، بجامعة القاهرة، دورة مايو 2003، بتقدير امتياز.
· عُين معيدًا بكلية الصيدلة بجامعة 6 أكتوبر من 2003– 2005.
· انتقل للعمل معيدًا بكلية الصيدلة بالجامعة الألمانية بالقاهرة، من 2005- 2008.
· حصل على درجة الماجستير من كلية الصيدلة، بجامعة القاهرة عام 2008، في موضوع “تأثير سم العقرب على الدورة الدموية والقلب”.
· بعد حصوله على درجة الماجستير ترقى بالجامعة الألمانية، إلى درجة مدرس مساعد.
· في عام 2009 سافر إلى سويسرا، وعُين مدرسًا مساعدًا بقسم الفارماكولوجي بكلية الصيدلة جامعة جنيف.
· سافرت إلى جامعة جنيف كطالب دكتوراة، وتم تعييني مدرسًا مساعدًا بقسم الفارماكولوجي بكلية الصيدلة بجامعة جنيف.
· في الفترة من 2009 – وحتى 2013 كان يُدَرِس الطلاب بجامعة جنيف، باللغتين الفرنسية والإنجليزية.
· حصل على درجة الدكتوراة في عام 2013، في دراسة حول تطوير أساليب علاج الأمراض النادرة للعضلات.
· لا يزال حتى اليوم يقيم في سويسرا، حيث يُدَرِس الطلاب بقسم الفارماكولوجي بكلية الصيدلة جامعة جنيف.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.