هل يبقى المصرف الوطني السويسري مستقلاً في حال منعه من الاستثمار في الأسلحة؟
قريبًا سيتم التصويت في سويسرا على مبادرة حظر الاستثمار في صناعة الأسلحة الحربية. المصرف الوطني السويسري يدعو إلى رفض المبادرة ويقول بأنها تحد من استقلاليته. لكن الخبير الاقتصادي فابيو كانيتغ يقول في تحليله إن هذه الاستقلالية ليست مطلقة.
منذ مائةٍ واثنين وسبعين عامًا يسمع السويسريون بالصراعات المسلحة ولا يعرفونها. لكن سويسرا ما زالت تشترك في تلك الصراعات بشكل غير مباشر، فالمصرف الوطني السويسري يموّل منتجي المواد الحربية. من بين هؤلاء شركة “ريثيون” الأمريكية التي يشترك فيها المصرف الوطني السويسري بـرأسمال قدره 369 مليون فرنك سويسريرابط خارجي. تنتج “ريثيون” صواريخ تستخدم، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمزرابط خارجي، ضد المدنيين في الحرب الأهلية اليمنية. في الإجمال يستثمر المصرف الوطني السويسري حوالي 20 مليار فرنكرابط خارجي في شركات عاملة في مجال الأسلحة.
ذلك قد يتوقف قريبًا، فهذا ما تريده المبادرة الشعبية: “لمنع تمويل منتجي مواد الحرب”، والتي تطالب بألّا يشترك المركز المالي السويسري مستقبلاً في شركات تكون أكثر من 5% من مبيعاتها مواد حربية.
أكثرية البرلمان والحكومة الفدرالية والمصرف الوطني السويسري يقفون ضد المبادرة: “التعدّي على استقلالية المصرف بتقييد الاستثمارات يضر بتكليفه الأساسي”، هذا مثلاً ما حذر منه خلال المناقشة البرلمانيةرابط خارجي النائب عن الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين) توماس رخشتاينر. مهمة المصرف الوطني تكمن في اهتمامه بالحفاظ على أسعارٍ مستقرّة.
استقلالية السياسة النقدية أمرٌ جوهري
من أين تأتي هذه المخاوف؟
يدين المصرف الوطني باستقلاله للبحث الأكاديمي الذي جرى في أعقاب ارتفاع معدلات التضخم في سبعينيات القرن الماضي ونص على أن السياسة النقدية المستقلة فقط، هي التي تستطيع منع حدوث ارتفاع جديد في تلك المعدلات، ولا ينبغي أن يكون لوزارات المالية التي يسعدها الإنفاق إمكانية الوصول إلى الحنفيات المالية للبنوك المركزية.
كان هذا أيضًا سببًا يفسر لماذا مُنح المصرف الوطني السويسري استقلالية واسعة، حيث لا يجوز له أن يقبل توجيهات من الحكومة أو من البرلمان وبإمكانه أن يقرر بشكلٍ مستقل كيفية رسم سياسته النقدية.
هذه الاستقلالية كانت مهمة عندما قرر المصرف استثمار أكثر من 150 مليار فرنك سويسري للحفاظ على الحد الأدنى من سعر صرف اليورو، كما أنها سمحت له في العام 2015 أن يُلغي، وبشكلٍ مفاجئ، الحد الأدنى لسعر الصرف.
هذه القرارات التي لا تتمتع بشعبية وما كان للمصرف الوطني السويسري أن يتخذها لو لم يكن يعمل خارج أجواء التأثيرات السياسية.
المصرف الوطني السويسري ليس بمعزل عن القانون
يعتمد المصرف الوطني على هدف استقرار الأسعار كمُوجِّه له في قراراته. إذا برزت بينه وبين ذلك أهدافٌ أخرى، سواءٌ أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فإنه ليس من المضمون أن يكون قادراً على تأدية مهمته بشكلٍ صحيح.
استقلالية المصرف الوطني إذاً جوهرية، لكنها ليست مطلقة، فهي تشمل مجال السياسة النقدية فقط، وكل شيء لا يتعلق بهذه السياسة يحق للسلطة التشريعية أن تنظمه وفقًا لتقديراتها الخاصة، فعلى سبيل المثال ينطبق قانون العمل وقانون المساواة على المصرف أيضًا.
لذلك فإن المهم ليس التساؤل فيما إذا كان المصرف الوطني سيطبِّق، رغمًا عن إرادته، القواعد الجديدة لسياسة الاستثمار، بل إنه السؤال الأدق فيما إذا كان نص التعديل الدستوري المقترح سيحد من سياسته النقدية أم لا. وهذا بالضبط ما حذّرت منه عضو مجلس إدارة المصرف الوطني السويسري أندَريا أم. ميشلر في محاضرةرابط خارجي ألقتها في العام 2019.
تقول المحاضرة في جوهرها: “إن تشديد السياسة النقدية سيكون أمراً صعبًا فيما لو جرى وضع قواعد صارمة لسياسة الاستثمار، وإذا هدد التضخم في وقتٍ ما بالتصويب أبعد من الهدف فإن المصرف المركزي يجب أن يكون قادراً على تصفية استثماراته بسرعة، وهذا ما لا يكون ممكنًا إذا كانت هنالك قيودٌ كثيرة في السياسة الاستثمارية.”
خفض الميزانية ليس خياراً
مثال يجسد هذه الرؤية: لو أن السلطة التشريعية تُلزم المصرف الوطني باستثمار كل احتياطاته النقدية في الفيسبوك، فإن بيعًا مفاجئًا للفيسبوك سيكون له تأثيرات صعبة. لكن المصرف الوطني يرسل أسهم الفيسبوك إلى أسفل السلم بينما لا يتأثر أيٌّ من من أسعار الأسهم الأخرى.
كخشية الشيطان من الماء المقدس يخشى المصرف الوطني من خلق رابحين وخاسرين في سوق الأسهم، فهو يرغب في أن تكون عملياته على قدر الإمكان محايدةً في السوق، وفي حال تخفيض الميزانية فإنه سيجري تحريك كامل السوق وليس أسعار أسهم منفردة أو فئات استثمار معينة.
حجة ميشلر ناتجة عن فهم للسياسة النقدية تجاوزه الزمن. المصرف الوطني السويسري سوف لا يبيع استثماراته إذا ارتفع التضخم يومًا ما، فهو يستطيع بوسائل أخرى منع ارتفاع أسعار البضائع والخدمات، وقد برهن على ذلك في العام 2010:
آنذاك كان يخشى من إمكانية ارتفاع التضخم بشكل كبير بسبب شرائه للعملات، ولكي يمنع ذلك لم يبِع استثماراته، بل أصدر ما سُمّي بـ SNB Bills. وبذلك خُفِّضت كمية المعروض النقدي دون أن يضطر إلى خفض الميزانية. (اقرأ هنا كيف تعمل هذه الأداةرابط خارجي)
البنك الفدرالي الأمريكي (Fed) أيضًا شدد من سياسته النقدية في العام 2015 دون أن يبيع استثماراته، فقد رفع لأجل ذلك مدفوعات الفائدة في النظام المصرفي. وهذا يبين أن السياسة النقدية تعمل بمعزل عن مدى سهولة إمكانية قيام البنك المركزي ببيع استثماراته.
استقلالية المصرف الوطني السويسري ليست في خطر
يبدو أن البنك المركزي الأوروبي يشاطر هذا الرأي. رئيسته، كريستينا لاغاردا، تعمل منذ استلامها لمنصبها من أجل سياسة نقدية خضراء للبنك، وهي ليست قلقة بشأن التأثيرات الناتجة عن السياسة النقدية لهذا الاتجاه الجديد.
كذلك في سويسرا فإن القبول بالمبادرة الشعبية “لمنع تمويل منتجي مواد الحرب” ليس له عواقب في السياسة النقدية، ففي جميع المجالات المهمة يبقى المصرف الوطني السويسري مستقلّاً وقادراً على التصرف. وما إذا كان له أن يستثمر في إنتاج الأسلحة أم لا، فإنه ببساطة أمرٌ ليس ذا أهمية بالنسبة للسياسة النقدية.
فابيو كانيتغرابط خارجي: باحث في مركز غيرتسن سي للدراسات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
اكتب تعليقا