مصفاة تكرير سويسرية تكسر حاجز الصمت بشأن إمدادات ذهب من مناطق مشبوهة
في مقابلة نادرة، دافع فيليب شاف، المدير التنفيذي لشركة "بي إكس بريسينوكس PX Precinox"، عن نشاط شركته في بيرو، وقال إن إدارة الظهر لعمال المناجم الحرفيين لا يخدم الشفافية ولا استدامة التعدين.
منذ سنوات، والتقارير الواردة من بيرو تسلط الأضواء على ممارسات تعدين المعادن الثمينة التي تخالف القانون وتلوّث البيئة وتدمر الغابات وتنتهك حقوق الإنسان وظروف العمل، الأمر الذي تسبّب في إحراج المصافي السويسرية لكونها تحصل على إمدادات الذهب من هذا البلد الواقع في غرب أمريكا الجنوبية، مما حدا ببعض هذه الشركات إلى التخلي عن التعامل مع عمال المناجم الحرفيين خوفا من التعرّض للمساءلة القانونية، بينما تقدّمت شركات أخرى من بينها صنّاع المجوهرات والساعات بمبادرات من شأنها تعزيز الشفافية على مستوى خط الإنتاج برمّته، من الاستخراج إلى البيع.
وفي شهر سبتمبر 2020، قدمت الحكومة السويسرية مقترحًا إلى المنظمة العالمية للجمارك لتعديل تصنيف التعريفة الدولية للذهب بهدف تحقيق أكبر قدر من الشفافية وتعزيز تتبع تجارة الذهب الدولية، مما يتيح إمكانية التفريق بين استيراد الذهب الخام والذهب المكرر ، ومن المعلوم أنه يتم في سويسرا تكرير حوالي 70 بالمائة من الذهب العالمي.
وفي بيرو ، أقامت الشركة السويسرية “بي اكس بريسينوكس PX Precinox”، التي يُوجد مقرها في كانتون جورا، شراكة مع شركة “مينيرا فيتا دورادا Minera Veta Dorada” ، التي تعمل في معالجة الذهب الخام الذي تشتريه من عمال المناجم الحرفيين ممن لديهم في العادة تراخيص للعمل في نطاق حر ومحدود، ولكنه لا يُستبعد أن يدخل من ضمنهم أيضا الكبار من أصحاب المعدات الثقيلة، كالحفارات الميكانيكية لاستخراج الذهب، والشاحنات لنقله، وقد تعزز هذا الاتجاه إثر ارتفاع أسعار الذهب إبان الأزمة المالية في عام 2008.
ومؤخرا ورد اسم شركة فيتا دورادا ، المملوكة لمجموعة التعدين الكندية “ديناكور Dynacor” ، في التحقيقات التي أعقبت عملية مسح نفذتها الشرطة في جميع أنحاء بيرو، قادت إلى اكتشاف مقالع تعدين غير مشروعة وضبط شحنات من الذهب.
ومن بين من تمّ اعتقالهم أعضاء في جماعة “لوس توبوس” الإجرامية، لانتحالهم شخصيات عمال مناجم لديهم تراخيص من الدولة، لنقل الذهب الخام المستخرج بشكل غير قانوني من مناجم مخبأة خلف حيطان مبان وهمية.
في السابق، أكد فيليب شاف مدير شركة “بي إكس بريسينوكس PX Precinox” أن شركته لم تشتر منذ عام 2015 سوى الذهب القانوني، وأنها وشريكتها، شركة “مينيرا فيتا دورادا Minera Veta Dorada” ومقرها ساحل جنوب المحيط الهادي قد تعاونتا مع سلطات التحقيق، وفي مقابلة مع SWI swissinfo.ch، تحدث بشأن مسار التحقيقات ومدى صعوبة العثور على “الذهب النظيف” في المنطقة.
swissinfo.ch: كيف بدأتم العمل في بيرو؟
فيليب شاف: لقد لاحظنا وجود تفهم متزايد من جانب السوق والأفراد بشأن مصدر الذهب، إذ قبل عشرين عامًا ، لم يكن أحد يأبه كثيرا بظروف التعدين، فكانت بالنسبة لنا بمثابة فرصة لإيجاد سبيل لتحسين مستوى التتبع، الأمر الذي أتاح لنا إثبات مصدر الذهب وظروف تعدينه، فقد كان من الضروري سد ذلك الفراغ الكبير مع وجود الإمكانيات الهائلة.
يُعتبر عمال المناجم الحرفيون هناك وأصحاب الصناعة الفاخرة هنا قطبي عملية توريد المعدن الثمين، ويعتمد كل منهما على الآخر دون أن يعرف بعضهم بعضا، ويخضع الفاعلون من أفراد الصناعة المرفّهة للتدريب على المهنة ليتعرّفوا على مداخلها ومخارجها ويكون بإمكانهم مساعدة العاملين في قطاع التعدين الحرفي.
المزيد
لماذا تُـكـافح سويسرا الذهب “القذر”
رابط خارجيوفي حين يرى البعض بأن الحل يكمن في التعدين الصناعي، إلا أنها فكرة غير قابلة للتحقيق، نظرا لوجود ملايين الأشخاص ممن يعتمدون على التعدين لتأمين لقمة عيشهم، ولذلك كان الحل السليم والسبيل الوحيد بتشجيعهم على النظام والتخلي عن الفوضى، فإذا لم يدفعوا الضرائب، كيف سيحصلون على البنية التحتية اللازمة؟ وكيف سنتحدث عن التتبع؟
وقد عمدنا إلى إقامة شراكة وتبادل للقيم والأفكار مع شركة “ديناكور Dynacor”، وأقمنا تحالفا استراتيجيا معهم.
swissinfo.ch: من أين يأتي خام الذهب الذي يُعالَج في المصنع الذي تتعاونون معه والواقع في مدينة شالا على الساحل الجنوبي لبيرو؟
فيليب شاف: من جميع أنحاء بيرو ومن العديد من عمال المناجم ، ويتراوح عددهم بين 400 و 600 حرفي، ويختلف عددهم باعتبار أنهم يبيعون أيضا لأطراف أخرى، ومن يريد من عمال المناجم أن يبيع الذهب لشركة “ديناكور Dynacor” فعليه أن يستوفي جملة شروط، منها التسجيل لدى الحكومة، والحصول على رقم ضريبي ورخصة تعدين، ويتم التحقق من ذلك عند كل عملية.
ولعمال المناجم حرية الاختيار، البقاء على الطريقة التقليدية واستخدام الزئبق لاستخراج الذهب، وهذه الطريقة لا تسمح لهم بالحصول على أكثر من نسبة 50 في المائة من الذهب، بينما يمكن لشركة ديناكور، التي لها منشأة على مستوى رفيع وتعمل كما لو كانت في سويسرا، الحصول على نسبة 95 في المائة من الذهب، باستخدام مواد كيميائية غير الزئبق، وهذا يصب أيضا في مصلحة عمال المناجم الحرفيين إن هم باعوا محصولهم لشركة ديناكور.
swissinfo.ch: كيف تتصرّفون بعد ذلك؟
فيليب شاف: نفرض على عملائنا (من صانعي المجوهرات والساعات) مساهمة مالية تحدّدها كمية الذهب التي يلتزمون بشرائها كل عام وسعر السوق، ومن جانبنا نضمن أقصى درجات الشفافية في توظيف هذه الأموال، وبحيث تستخدم مائة بالمائة في مشاريع حساسة ومستدامة، وذات أثر متجدد كما لو كانت كرة ثلج متدحرجة.
وكلما زادت استثمارنا في تلك المجتمعات، كلما أدرك عمال المناجم أن من مصلحتهم الخروج من الوضع غير الشرعي والتحوّل إلى العمل الرسمي والقانوني، وكلما زاد عدد أصحاب التراخيص المسموح لهم ببيع ذهبهم، كلما زاد ما نطرحه من ذهب في السوق، وزادت القدرة المالية التي يُعاد استثمارها في المجتمع، وهذه هي الديناميكية التوالدية التي نسعى لتكريسها.
swissinfo.ch: قلتَ إن الظروف مواتية لعمال المناجم. ماذا تقصد بالضبط؟
فيليب شاف: عمال المناجم أحرار في التعامل مع من يريدون، ومن يعرض علينا منهم كمية من خام الذهب، نقوم بفحصها لتحديد نسبة نقائها ونسبة شوبها بالكبريت أو بالأكسدة، وبذلك تتحدد للبائع كمية الذهب الصافي في بضاعته، وله بعد ذلك أن يبيعها لشركة “ديناكور” إن رأى أن ذلك أنسب له، وإلا بإمكانه أن يبيعها لمشتر أو مصنع تكرير آخر إن رأى أن بإمكانه الحصول على سعر أفضل.
swissinfo.ch: كيف يتم استخراج الذهب، وما هي الكمية التي يمكن إستخلاصها من طن من الذهب الخام؟
فيليب شاف: في المتوسط، يُستخرَج من كل طن حوالي 0.8 أوقية، أو 24 غرامًا، ويُستخرج الذهب من عروق ضيقة في الصخر وهو ما يجعل التعدين الصناعي صعبًا، بينما يجد فيه قطاع التعدين الحرفي ضالته، حيث أنه يستطيع من خلال العمل اليدوي الوصول إلى المكامن الضيقة داخل عروق الصخر، وإلا لما كانت عمليات الاستخراج مُجدية.
swissinfo.ch: ماذا حدث بالضبط خلال مداهمات الشرطة في فبراير 2020؟
فيليب شاف: أبلغتنا ديناكور في نفس اليوم الذي حدثت فيه المداهمة من الشرطة، ثم إن التحريات أثبتت بأن جميع الأنشطة والمعاملات التي جرت مع أشخاص متورطين كانت متوافقة مع القانون، ومع أن ديناكور تتعامل مع عدد كبير من الحرفيين إلا أنها تتحقق من كل معاملة.
من بين جميع عمال المناجم الذين على صلة بديناكور، أفادت السلطات الأمنية بأن خمسة من بينهم لديهم رخصة قانونية لاستخراج الذهب من أماكن تواجدهم، لكنهم فيما يبدو تورّطوا بأنشطة تعدين في منطقة محظورة وتابعة للبلدية.
swissinfo.ch: هل كانوا نفس عمال المناجم المتورطين في أنشطة تعدين غير قانونية في مقاطعة باركوي شمال بيرو، وكانت لهم تعاملات تجارية مع ديناكور – فيتا دورادا؟
فيليب شاف: في وقت من الأوقات، تعامل عمال المناجم الخمسة مع مينيرا فيتا دورادا، ومنه، تمت مصادرة الذهب الذي كان معدا للتصدير، للتحقق من احتمال وجود أي علاقة مع منظمة “لوس توبوس Los Topos”، ولم تؤد التحقيقات إلى توجيه أي تهمة لديناكور ولا إلى إلقاء القبض على أحد من أفرادها.
أما ادعاء الصحافة المحلية بأن كميات هائلة من الذهب جرى غسلها في سويسرا غير صحيح، فكل الذهب المستورد قانوني، وينبغي الرجوع، ليس فقط إلى وسائل الإعلام البيروفية، وإنما أيضا إلى مصادر أخرى لمعرفة كافة تفاصيل الحكاية، وقد أصبح الأمر سهلا مع وجود وسائل الاتصال الحديثة، والحقيقة أنه لا توجد تجارة ذهب غير قانوني بين بيرو وسويسرا.
swissinfo.ch: هل تقلقكم صعوبات التوثّق من عمال المناجم الذين تتعاملون معهم؟
فيليب شاف: نعم، سواء نحن أم ديناكور، ولذلك نسعى إلى تحسين وتطوير العملية، فمثلا من خلال دعمها بمزيد من الوسائل والإجراءات، ولا نريد أن يرتبط اسم شركتينا بما حدث مؤخرا، لكي لا نحصد نتائج عكسية، فضلا عن كون ذلك لا يتماشى مع قيمنا، ولذلك نحن عازمون فعلا على معالجة المشكلة، ومع أن الأمر ليس بالسهل، خاصة في مناجم بيرو، إلا أنه يتحتم علينا اتخاذ إجراءات معقولة للحد من المخاطر.
swissinfo.ch: ما مدى خطورة العمل في بيرو؟
فيليب شاف: التعدين دائمًا محفوف بالمخاطر، خاصة إذا كنت تتعامل مع حرفيين وبعدد كبير، وللتوضيح، عندما نتحدث عن الذهب غير القانوني، القادم من منطقة التعدين “مادْري دي دِيوس Madre de Dios” في جنوب شرق بيرو، فإنما نشير إلى أنشطة إزالة الغابات وتلويث البيئة بالزئبق وعمالة الأطفال والاتجار بالبشر وغير ذلك، وديناكور لا تتعامل قطعا مع عمال المناجم من تلك المنطقة التي هي مصدر خام الذهب غير القانوني، وقد كشفت التحقيقات بشأن القضية سالفة الذكر بأن عمال المناجم المتعاونين معنا لم يعملوا في منطقة نزاع ولم يستخدموا الزئبق، وبالتالي من العدل أن تُذكر الأمور على حقيقتها، إذ غالبًا ما يحصل عند الناس الكثير من اللبس.
swissinfo.ch: في العام الماضي، قررت مصفاة سويسرية أخرى، ميتالور Metalor، وقف استيراد الذهب من المناجم الحرفية في أمريكا الجنوبية (بعد أن علّقت وارداتها من بيرو)، وإثر تعرض الشركة للانتقاد لعدم دعمها التعدين المستدام، أعلنت عن دخولها في شراكة مع إحدى الشركات الصغيرة في بيرو ومع “مبادرة الذهب الأفضل السويسرية Swiss Better Gold Initiative”رابط خارجي لدعم عمال المناجم الحرفيين. هل يُفهم من هذا أن المصافي السويسرية أصبحت تعيد التفكير في استراتيجياتها؟
فيليب شاف: أنتِ أيضا بإمكانك الحكم على ما نقوم به، ولست لأقول لكِ بأن كل الأمور تسير في سويسرا على ما يرام، ولكننا نسعى بجد إلى تغيير الوضع، وبعد إعلان ميتالور في العام الماضي، سَأَلَنا عملاؤُنا إن كنا لا نزال نشتري الذهب من بيرو ، فقلنا لهم نعم، فضغط بعضهم لكي نتوقف نحن أيضًا عن شراء الذهب من بيرو، واليوم نجيب، مشجعين للحوار، بأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية على الصناعة السويسرية الثرية وسمعتها، ناهيك عمّا باتت تواجهه من تحديات.
هنالك من الأشخاص في صناعة التعدين الحرفي من يقومون بعمل رائع، ولقد اخترنا شريكا جيّدا على أرض الواقع، يُعتبر مثالا ممتازا للشفافية، فالكثير من عمال المناجم الحرفيين نظموا أنفسهم في تجمع للشركات الصغيرة والمتوسطة، أطلقوا عليه “بي ام آي PMI”، ويعملون على نطاق صغير ومجهزين بالمعدات والآلات اللازمة.
وأن يقال “نتخلى عن الجميع” ليس حلاً، لأنه سيضطر الحرفيين العاملين في قطاع التعدين إلى العودة للعمل غير الرسمي، وحين تتناول وسائل الإعلام الموضوع، فيجب علينا بيان الخطأ، وطبعا من خلال الحوار، فلربما نُثني في نهاية المطاف على شركة تخلّت عن قطاع الحرفيين، ثم نتساءل عمّا إذا كانت قد تصرفت تصرفا مسؤولا أم لا.
swissinfo.ch: كيف تتم عمليات الفحص والتدقيق في ظروف انتشار وباء كوفيد – 19، لاسيما وأن النقل الجوي والبري متوقف في بيرو بسبب الإغلاق؟
فيليب شاف: لابد لنا من مواصلة الفحص والاختبار، حتى في ظل وجود فيروس كورونا، ولا يمكن أن تتم عملية بدون كشف ومعاينة، وقد اعتمدنا في ذلك برنامجا إضافيا، لكن تقييد الحركة يقف عقبة في طريقه، ونحن من جانبنا نبذل قصارى جهدنا ونواصل التحقق من كل عملية.
swissinfo.ch: بعد تفشي الوباء، أظهرت البيانات الجمركية البيروفية أن شحنات الذهب المتجهة إلى “بي اكس بريسينوكس PX Precinox” مرت عبر ميامي (مركز تكرير عالمي آخر)، بدلاً من نقلها جوا إلى زيورخ مباشرة..
فيليب شاف: لقد تغيّرت الخدمات اللوجستية بسبب كوفيد – 19، فعادة ما يتم نقل البضائع عالية القيمة على متن طائرات تجارية وليس طائرات شحن، ولكن تم إلغاء الرحلات الجوية المعتادة، وحاليًا، يتم نقل البضائع من ليما إلى فلوريدا، ثم تمر عبر مطار في الشرق الأوسط لتصل أخيرًا إلى زيورخ، ولسوء الحظ، هذه هي الطريقة الوحيدة المتاحة في الوقت الحاضر لإيصال الذهب إلى سويسرا.
swissinfo.ch: كيف تقيّم الجهود التي تبذلها السلطات البيروفية لتنظيم وتقنين نشاط عمال المناجم؟
فيليب شاف: نحن نثق بإمكانيات قطاع التعدين في بيرو، ولكن هناك أيضا تحديات كبيرة جدا، ونعتقد بأن الوضع ممكن التحسن وأن علينا القيام بدورنا، وإشراك جميع الأطراف المعنية، حيث لا يمكن لنا وحدنا أن نتصدّر حل مشاكل صار لها عقود، وننتظر الدعم من الأفراد ووسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية والسوق.
Traduzione dall’inglese: Luca Beti
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.