إينياتسيو كاسيس..الرجل الذي يشبه بلده
وزير الخارجية إينياتسيو كاسيس يصبح رئيساً للكنفدرالية. لقد كانت خطواته حثيثة في منصبه كوزير، وبدا معزولاً داخل الحكومة الفدرالية، كما كانت نجاحاته غير ملموسة، أما الملف الأوروبي فقد باء على يديه بالفشل. ورغم كل ما وجه إليه من نقد: فإن مسيرته السياسية تشي بالكثير حول الكيفية التي تدار بها الأمور في سويسرا.
“مرن”، و”قابل للتغيير”، كانت هذه بعض النعوت التي وصف بها سياسيون سويسريون إينياتسيو كاسيس. هذا بينما قال آخرون، إنه “مراوغ”، و”غير ماهر”. وهذا ليس بالأمر المستغرب، إلا أن هذه الأوصاف قد التصقت به. فمن أقصى اليسار، مروراً بالوسط، وحتى أقصى اليمين، هكذا كانت مسيرته التي تتردد أصداؤها في العاصمة الفدرالية.
من ناحية أخرى، يصرح أحد أعضاء الحزب الإشتراكي الناشطين في مجال السياسة الخارجية عن كاسيس: “إنه يوحي لك بأنك على الحق، لكنه يقوم بعدها بفعل العكس. وهذا يؤدي إلى الشعور بالخذلان”. ولم يرغب هذا المصدر في ذكر من تصرف معهم كاسيس هكذا بالاسم. أما روجر كوبل، عضو حزب الشعب السويسري (يمين محافظ) والناشط في مجال السياسة الخارجية أيضاً، فيقول بدوره: “إن سياسة إنياتسيو كاسيس قلما تحدوها المبادئ، بل إنه يوجهها وفقاً لفرصه في الفوز بالانتخابات.” من جهتها تتحدث إليزابيت شنايدر-شنايتر، الناشطة في مجال السياسة الخارجية من حزب الوسط (الحزب الديمقراطي المسيحي سابقا)، عن “إحدى صفاته الشخصية التي تستحق التقدير: فهو يسعى إلى إرضاء الجميع”.
في المقابل، يرى ميكائيل شتاينر، المتحدث باسمه، أن في الأمر سوء فهم. فرئيسه منفتح، ويسعى إلى التوافق، ويجيد الإنصات. “إنه من المستغرب حقاً، أن يعتبره البعض متقلباً”، على حد قول شتاينر. أما كاسيس نفسه فلم يجد في أجندته متسعاً من الوقت لإجراء حوار معنا.
الفشل
إن إينياتسيو كاسيس، ابن كانتون تيتشينو ذا الستين عاماً، يعتبر نتاجا مثاليا لنظام الميليشيات السويسري (للتعرّف على هذا النظام انقر على الرابط) فقد وصل سريعاً إلى أرفع المناصب، بعد أن وضعه حزبه كقطعة شطرنج، حتى يضمن مقعداً في الحكومة الفدرالية من خلال أحد أبناء كانتون تيتشينو. وبدون أي خبرة سابقة له في مجال الدبلوماسية، تناول كاسيس هناك أصعب ملف سويسري، وهو الاتفاق الإطاري المؤسساتي مع أوروبا. إلا أن مساعيه باءت بالفشل في الكثير من خطواتها.
لكن استحضار كل هذا صحافياً، ليس بالمهمة السهلة: لذلك فقد تحدثنا مع ما يربو على عشرين شخص من مجالات السياسة والدبلوماسية، من بينهم مراقبون وزملاء مقربون من كاسيس، وهم من أبناء كانتونيْ تيتشينو وبرن. وقد أدلى بعضهم ببعض المعلومات غير الرسمية، لأنهم يعملون في الإدارة الفدرالية، أو لأنهم يعبرون عن تقديرات شخصية، وهو ما لا يتلاءم مع مناصبهم. هذا بينما انتقد آخرون كاسيس في العديد من المرات، حتى سئموا النقد. لذلك فإنهم لم يعودوا راغبين في الظهور بصورة المنتقد مرة أخرى.
وهنا نؤكد أنه برغم تنوع الطيف السياسي للمصادر، تظل الصورة متناغمة بشكل مدهش: فقد ظهر شبه إجماع على صورة تُظهر كاسيس كرجل لطيف، صعد في مساره السياسي بسرعة وانتهى به هذا المسار إلى أقصى اليمين. وقد بدأ عمله في الحكومة مختلفاً، وواعداً، أملاً في التمكن من حلحلة الوضع المتأزم بين بلاده والاتحاد الأوروبي. من هنا يأتي الإحباط الذي يشعر به الشعب أيضاً. حيث شهد الاستبيان الدوري الذي تقوم به هيئة الإذاعة والتليفزيون السويسرية حصول كاسيس – من بين جميع زملائه في الحكومة – على أقل تقدير في كل مرة تقريباً. وكان آخر هذه الاستبيانات في الخريف الماضي، حينما حصل على تقدير ضعيف.
الفرصة
لقد كان هذا هو الوضع في نهاية عام 2021. والآن سيُصبح كاسيس رئيساً للكنفدرالية ـ وهو ما يبدو وكأنه نور في الأفق. فهل سيمكنه التخلص من شبح ملف أوروبا، ربما ليصبح الشخص الذي يرسخ التماسك، بل وليظهر في الجائحة بمظهر الطبيب والخبير؟ هذا ما يتمنى حتى كبار المحبطين حدوثه، مثلما تردد في التقارير الإعلامية إثر الإعلان عن انتخابه ـ ذلك لأنه سيكون أمراً مبشراً بالخير في هذا البلد الذي يُعاني من بعض الاضطراب.
في هذا الصدد نشير إلى ما قد ينساه البعض بسهولة: فإينياتسيو كاسيس يشبه سويسرا. فهل ذلك في القدرة على المراوغة وعدم المهارة؟ إن هذا هو حقاً حال كنفدرالية جبال الألب مع أوروبا. حيث كتب أحد الدبلوماسيين قائلاً: “إن سويسرا طيبة وتقول للجميع، ‘كونوا طيبين معنا’. بعدها يجيء الرد البسيط: ‘حسناً، ماذا تريدون إذن؟’ وهنا تصمت سويسرا. فليس لديها إجابة، بل تكمن الطرافة في عدم وجود إجابة من الأصل”.
فلا يوجد حراك في أي اتجاه. وهذه هي سويسرا إبان تقلد كاسيس لكرسي الوزارة، فحالها في 2017 هو حالها في 2021: باقية على حالها، في وسط أوروبا. وحبيسة في وضعها: ذلك الذي يُمَكِّن الشعب والبرلمان من تصحيح كل خطوة تقدم عليها الحكومة في كل وقت، لدرجة تجعلها لا تجرؤ على القيام بأية خطوة.
الجذور
كان والده لويجي كاسيس مزارعاً، وعمل لاحقاً كممثل لإحدى شركات التأمين، أما الجدّ فكان مهاجراً إيطالياً، استقر في قرية سيسا الحدودية بكانتون تيتشينو. “إن المرء إذا ما نشأ في أسرة مع ثلاث أخوات وكان هناك حمام واحد، فإن هذا يجعله يتعلم فن التفاوض”، يقول كاسيس لاحقاً معلقاً على نشأته المتواضعة. لقد كان الطفل أحول، لذلك كان عرضة للتنمر من كل رائح وغادٍ. وفي عمر الثانية عشر فقد الإصبع الأصغر ليده اليمنى، بسبب تسلقه أحد الأسوار، الذي تعلق به وهو ينزل من فوقه. وفي عامه الخامس عشر حصل على جواز سفر سويسري، بينما تمكن من الاحتفاظ بجوازه الإيطالي.
عندما وصل كاسيس إلى عامه السادس والعشرين استطاع الحصول على دبلوم الطب من جامعة زيورخ، وفي سن الخامسة والثلاثين أصبح الطبيب المسؤول في كانتون تيتشينو، هذا بينما مُنِح درجة الدكتوراه في الطب حينما بلغ السادسة والثلاثين. أما حلمه في أن يصبح عازفاً لآلة البوق في فرقة لموسيقى الجاز فقد تبخر، ليصبح طبيباً ميدانياً أولا في الجيش. أما عامه الثالث والأربعين، فقد شهد تقلده لأول منصب سياسي في المجلس البلدي بـ “كولينا دورو”، إحدى بلديات كانتون تيتشينو، التي لا يزال يسكن بها حتى اليوم، وهي تقع على بعد خمسة كيلومترات من مسقط رأسه في قرية سيسا، وتضم 4600 نسمة.
لاحقاً انتخب إينياتسيو كاسيس كعضو بمجلس النواب (الغرفة السفلى بالبرلمان الفدرالي)، وجاءت هذه الخطوة متأخرة إلى حدٍ كبير، إذ كان آنذاك في السادسة والأربعين. “لم يكن سياسياً، لكننا وجدناه مرشحاً مناسباً، لذلك أضفناه إلى القائمة”، كما يتذكر فولفيو بيلّي؛ حيث كان يدعم كاسيس لسنوات طويلة كي يصبح شخصية قيادية في الحزب الليبرالي الراديكالي. فبينما بدأ مساره كسد لخانة في القائمة ـ بدون انتخاب، بل أضيف إليها فقط لمناسبته للمكان ـ سنحت الفرصة أمام كاسيس كي يمضي قدماً، وذلك حينما انتقلت زميلته في الحزب لاورا ساديس إلى الحكومة المحلية بكانتون تيتشينو. “إنه شخص ذكي، ولديه قدره على التعلم”، على حد قول داعمه بيللي.
إلى أن جاء سبتمبر من عام 2010. وإذا بإينياتسيو كاسيس، الذي يفتقر إلى الخبرة الإدارية، ولم يمض على شغله لمقعده كنائب في مجلس النواب سوى ثلاث سنوات، وحاسته السياسية لازالت في طور التبلور، إذا به يترشح لعضوية الحكومة الفدرالية. لقد فعل ذلك “من أجل سويسرا الإيطالية” (أي المناطق الجنوبية المتحدثة بالإيطالية من البلاد)، على حد قوله.
التحوّل
كان الحزب الليبرالي الراديكالي في كانتون تيتشينو يتكون من كتلتين. فهذا أحدهم من محيط المركز المالي بلوغانو يتطوع: حيث يدعم الاقتصاد الليبرالي. وذاك ينحدر من مدينة بيلينزونا، فهو منطبع بالصراع الثقافي، لهذا فهو يميل أكثر لأن يصبح تقدمياً. إنهما ينتميان لرجال الأعمال الذين يشعرون بالالتزام بالتوازن المجتمعي. أما إينياتسيو كاسيس فلا يتناسب مع هذا التقسيم الثنائي. “إنه من الصعوبة بمكان تصنيفه في إحدى الخانتيْن”، كما يقول بيلّي. فكاسيس كطبيب شاب مطبوع بالطابع الكاثوليكي؛ هو “متعقل”، مثلما يشهد له الآخرون، كما أنه يتصف بالإنسانية. وفي اللجنة الفدرالية المعنية بشؤون مرض نقص المناعة المكتسب “إيدز”، حيث تولى مهامه بها منذ أن كان طبيباً شاباً، يبذل كاسيس جهداً ضد وصم الشواذ جنسياً. وصحيح أنه برجوازي، إلا أنه مع شرعنة استخدام القنب.
إنه يتميز بروحه المنفتحة، وهو نشط وعملي. أما عالم الأخلاقيات ألبرتو بوندولفي، الذي يتعاون معه تعاوناً وثيقاً في مجال مكافحة الإيدز، فيقول عنه: “لقد كان في البداية يشبه أهل بيلينزونا، ثم أصبح لاحقاً كأبناء لوغانو”. هذا هو كاسيس، القابل للتحوّل.
مغرّدٌ خارج السرب
إلا أن الصورة تُظهر أيضاً أن إينياتسيو كاسيس لم يكن من البداية في مكانه الصحيح. لم يكن يحظى بشبكة علاقات. فحينما قاد لاحقاً حملته الانتخابية من أجل الحصول على عضوية مجلس النواب، فعل ذلك حقاً باسم حزبه. ولكن لافتاته لم تكن تلك التابعة للحزب الليبرالي الراديكالي، كالتي يستخدمها الآخرون. بل إنه أضفى على نفسه مظهراً خاصاً. إذ سيُصبح ترشحه مساراً ناجحاً ومتميزاً. إن إينياتسيو كاسيس يشبه سويسرا.
فحينما فقد إصبعه وهو صبي صغير، أخذه والده إلى المشفى ـ ثم تركه. حيث جلس إينياتسيو الصغير وحده لثلاث ساعات في قاعة انتظار مظلمة، انتظاراً لبتر إصبعه الصغير. وقد تعلم مبكراً الاعتناء بنفسه، على حد قوله في عام 2017 لجريدة “بليك” (تصدر بالألمانية من مدينة زيورخ).
“يبدو أنه لم يلقَ الدعم الكافي في الحكومة الفدرالية، وفي الإدارة”، على حد ما يصرح به اليوم الخبير السياسي كلود لونشان. إذ أن كاسيس كوزير لم يقم بعقد تحالفات تساعده حينما يتأزم الوضع.
فهل تنقصه شبكة من العلاقات؟ “داخل الحزب الليبرالي الراديكالي وخارجه هناك العديد من الأشخاص الذين يساندونه، إلا أنهم لا يُقَدِّرون الاعتداءات المستمرة عليه من اليسار السياسي”، على حد قول فولفيو بيلّي، ومن بينهم كاسيس نفسه. فضلاً عن ذلك، من المعروف أن كاسبار فيليغر، الوزير الفدرالي السابق عن الحزب الليبرالي الراديكالي، يقدم المشورة لوزير الخارجية. ولكن فيما عدا وزارته نفسها، فإن أعضاء الحكومة الآخرين يحظون بشبكات علاقات أفضل من التي يتمتع بها كاسيس، وفقاً لرأي لونشان.
إنها نغمة مكررة:
“كاسيس، وحده في البيت” (جريدة تاغس آنتسايغر، تصدر بالألمانية من مدينة زيورخ، مارس 2019)
“كاسيس، وحده في البيت” (جريدة بلِيك، تصدر بالألمانية من مدينة زيورخ، أبريل 2021)
“كاسيس في مهمة فردية” (جريدة نويه تسورخر تسايتونغ، تصدر بالألمانية من مدينة زيورخ، نوفمبر 2021)
التواري
لقد تصاعدت هذه النغمة منذ أن وأدت الحكومة الفدرالية الاتفاق الإطاري. حيث قيل إن كاسيس قد قطع الجسور السياسية، مثلما تردد في “صوت واحد” داخل لجنة السياسة الخارجية بالبرلمان الفدرالي. فهؤلاء الذين يحبونه يرون أنه أصبح اليوم “أقل تلقائية” و”أكثر انغلاقاً”. “لقد هاجمه الإعلام بشدة، وظلمه”، على حد قول زميلته في الحزب والعضوة بمجلس النواب كريستا ماركفالدر.
على الجانب الآخر، يروي آخرون كيف فقد توازنه حينما طرحت عليه أسئلة محرجة بشأن الملف الأوروبي. لقد كان هذا في الصيف الماضي، حينما أراد أعضاء لجنة السياسة الخارجية معرفة سبب تخلي الحكومة الفدرالية عن مساعي التواصل إلى اتفاق إطاري مع الاتحاد الأوروبي، بدون الرجوع للبرلمان: “إننا هنا لسنا في المحكمة الفدرالية!”، كان رده بتوتّر.
ولكن بعد أن أصبح حساساً جدا لأي انتقاد يُوجّه إليه، جعل كاسيس من وزارة الخارجية “برجاً عاجياً”، على حد قول أحد السياسيين من معسكر اليسار.
أما بالنسبة لميكائيل شتاينر، المتحدث الإعلامي باسمه، فإنه يمكنه على الأقل تفهم الإحباط السائد في لجنة السياسة الخارجية بمجلس الشيوخ. فالكثير من البرلمانيين قد عكفوا على الاتفاق الإطاري لمدة طويلة، وبصورة مكثفة.
ثم وأدته الحكومة الفدرالية فجأة. والقرار في النهاية قد اتخذته الحكومة الفدرالية بأكملها، ومن ثم استشارت بعدها لجنة السياسة الخارجية في هذا الشأن”، كما يقول شتاينر. فبعد الانتهاء من الاتفاق الإطاري في سويسرا ودول الاتحاد الأوروبي، قام كاسيس بعمل توعوي كبير. “فالادّعاء بأنه قد توارى في برج عاجي، مخالف للواقع”.
المرشح
لا يصح وصف كاسيس بالتواري والإنزواء، وهو المنحدر من كانتون تيتشينو الذي يتصف أبناؤه بالدف والانفتاح، وهو فعلا ما كان كاسيس تعبيرا صادقا لهذه الشخصية حين كان عضوا بمجلس النواب، وكان مسؤولاً عن شركات التأمين الصحي ودور المسنين، وجماعات المصالح المهنية، بينما كان يحصل على راتب قدره 300،000 فرنك سنوياً. علاوة على ذلك، كان يتولى مهام رئيسية في اللجان البرلمانية؛ كل هذا عندما ترأس الكتلة البرلمانية للحزب الليبرالي الراديكالي.
آنذاك أظهر تلك الجوانب، التي جعلت الكثيرين يرون فيه مرشحاً مناسباً لعضوية الحكومة الفدرالية في عام 2017، وأهمها: إنه متعدد اللغات، لهذا فإنه الوسيط الأنسب بين أقاليم الدولة، كما أنه “يحظى بالكثير من القبول” و”يتميز بالبشاشة”، مثلما يقول زملاؤه. كذلك لفت انتباه الآخرين بـ “ذكائه القوي”، و”ثقته في المهام الموكلة إليه بدرجة تثير الإعجاب”.
في عام 2017، كان المقعد المخصص للحزب الذي ينتمي إليه في الحكومة الفدرالية قد أصبح شاغراً ومثيرا للجدل في آن واحد. حيث كان الحزب الليبرالي في حاجة إلى مرشح، يتمكن به من التغلب على أي هجوم. وكان الحل في اللجوء إلى تقليد سويسري لتعزيز فرص الحزب من خلال التلويح بضرورة احترام حق الأقليات. فهذا التوجّه يمثل العمود الفقري لهذه الأمة ذات الإرادة القوية، وهو ما يؤدي إلى تماسك البلاد، خاصة أن الأنحاء المتحدثة بالإيطالية لم يكن لديها أي تمثيل في الحكومة الفدرالية منذ ثمانية عشر عاماً. بهذا دافع الحزب الليبرالي من خلال ترشيحه لكاسيس ابن كانتون تيتشينو عن أحقيته في الحصول على مقعد بالحكومة. ويوضح فولفيو بيلّي، أن الحزب هو الذي طلب من كاسيس الترشح وليس العكس.
الاختبار
على الرغم مما سبق، بقيَ شيء لابد من التوقّف عنده. فالبرلمان السويسري لا ينتخب أي شخص لعضوية الحكومة الفدرالية، إلا إذا كان قد استطاع إثبات نجاح في الاقتصاد الخاص أو في مجال السلطة التنفيذية. وقد برهن كاسيس على ذلك بترؤسه للكتلة البرلمانية لحزبه. حيث تمكن من توحيد صفوف نواب البرلمان من الحزب الليبرالي الراديكالي. وفي ربيع عام 2017، إبان مناقشة إصلاح معاشات التقاعد السويسرية، قاد كاسيس، الذي يحمل رتبة رائد في الجيش السويسري، كتلته الحزبية لرفض هذا الإصلاح بقوة.
لقد كان هذا هو امتحانه الحقيقي، حينما أصاب ذلك المشروع الوجيه الذي تقدم به الحزب الإشتراكي بقيادة زميله الحالي في الحكومة الفدرالية آلان بيرسيه، إذ مُني مشروعه لإصلاح معاشات التقاعد بخسارة فادحة. أما رئيس الحزب الاشتراكي كريستيان لوفرا، فقد ثارت ثائرته. بل إنه قد اتخذ من إنياتسيو كاسيس عدواً. لذلك، كان لزاماً على كاسيس آنذاك أن ينسى تماماً أي مساندة من اليسار السياسي، إذا ما أراد أن يصبح وزيراً فدرالياً.
إذن، فعليه الحصول على الأصوات اللازمة له من أحزاب اليمين. لهذا السبب، انضم كاسيس إلى لوبي السلاح السويسري المعروف باسم “برو تل”، وتخلى عن جنسيته الإيطالية، بدون وجود حاجة ملحة لذلك، ولكن لتخوفه من التقارير الإعلامية، مثلما تكهن آخرون في كانتون تيتشينو. إلا أن كاسيس ما لبث أن نأى بنفسه مجدداً عن جماعة “برو تل”.
الفخاخ
إضافة لما تقدم، استغل كاسيس الكتلة الكبرى بالبرلمان (كتلة حزب الشعب السويسري اليميني المحافظ)، حينما وعد معارضي الاتحاد الأوروبي ببرنامج شامل، وأقل حدة. “لا، لعقد اتفاق إطاري مع الاتحاد الأوروبي؛ لا، لتعديل القوانين (السويسرية) تلقائياً؛ ولا، لوجود قضاة أجانب. هكذا كانت أقواله”، على حد قول رئيس حزب الشعب السويسري آنذاك آلبرت روستي.
إذن، فقد نُصبت الفخاخ بالفعل قبل أن يصبح وزيراً عضوا في الحكومة الفدرالية.
إن انتسابه الخاطف للوبي السلاح، وتخليه عن جنسيته الأصلية تسببا في اكتساب كاسيس سمعةً كشخص انتهازي، وهو ما يصعب عليه التخلص منه. عدا ذلك، فإن هذا السياسي التوافقي قد أفسد علاقته بالحزب الإشتراكي اليساري للأبد.. حيث أنه قد مال بشدة جهة اليمين، مما جعله يفقد كذلك الوسط. مما يعني أنه سيصبح في الانتخابات القادمة مُعتمداً تماماً على دعم حزب الشعب السويسري له.
الصدع
أما إلى أي مدى أصبح كاسيس بهذا التوجه رهينة لحزب الشعب السويسري، فإن هذا ما ظهر بعد ذلك بعام واحد، أي عام 2018. وتحديداً، حينما وصلت كارين كيلر-سوتر – زميلة كاسيس في الحزب الليبرالي الراديكالي – إلى الحكومة الفدرالية. فقد كانت تسعى إلى تقلد حقيبة الاقتصاد، بعدما أصبح هذا المنصب شاغراً. إلا أن غي بارمولان، من حزب الشعب السويسري، كان يرغب بدوره أيضاً في الحصول على هذه الوزارة، بل إن كلاهما كانا يطمح إليها بأي ثمن.
لقد كان الصراع على هذا المنصب بمثابة حرب بالوكالة بين كل من حزب الشعب السويسري، والحزب الليبرالي الراديكالي. إذ أن وزارة الاقتصاد هي المجال التقليدي للبراليين. وفي الحكومة الفدرالية حديثة التشكل، كان من الضروري إجراء اقتراعات متكررة لهذا السبب. وهنا: قام كاسيس بالتصويت لصالح حزب الشعب السويسري، أي ضد زميلته في الحزب.
وقد أدت خيانته لثقة زميلته في الحزب إلى صدع عميق، لا يزال أثره مستمراً حتى اليوم. منذ ذلك الحين، لم تعد كاترين كيلر-سوتر – كما يروي اثنان من معارفها، كل منهما على حدة ـ تبذل أي جهد لإخفاء رأيها الشخصي في إينياتسيو كاسيس.
وزارة ليس عن طيب خاطر
في نوفمبر من عام 2017، تولى إينياتسيو كاسيس وزارة الخارجية. وبنظرة إلى الوراء، كان تقلده لهذه الوزارة يبدو كأنه مقدمة لكوميديا عبثية: حيث اضطلع الدبلوماسي المؤهل آلان بيرسيه بالجائحة، بينما كلف الطبيب المختص في الصحة العامة بالملف الأوروبي. ثم رفع الستار.
كيف حدث هذا؟ لقد كان كاسيس يحظى بجميع المعارف التي تؤهله لتولي حقيبة الشؤون الداخلية، إلا أن بعض أعضاء الحزب الاشتراكي لم يرغبوا في ترك هذا اليميني الليبرالي يستأثر بالتأمينات الاجتماعية ـ وفي ذات الوقت لم تكن لديهم أية رغبة في الحصول على وزارة الخارجية. فمساحة الحركة في وزارة الخارجية السويسرية محدودة. إذ أنها ليست تلك الوزارة التي يمكنها شغل البرلمان والشعب بأفكار جديدة، حيث أن المساعدات التنموية والدبلوماسية تعتبر من المسارات طويلة الأمد. “إن السياسة الخارجية ليست من الوزارات المحببة في سويسرا”، كما يقول فولفيو بيلّي. “ولأن لا أحد يرغب في تولي حقيبة الخارجية، لذلك فقد أخذها”. إضافة لذلك، وكما هو الحال في وزارة الدفاع، تسود في وزارة الخارجية السويسرية أيضاً روح الفريق بصورة واضحة. فالضباط والدبلوماسيون يعملون بصورة تختلف عن الموظفين، ذلك لأنهم يتبعون قواعدهم الخاصة.
صديق لإسرائيل
سرعان ما أدرك كاسيس هذا الأمر، حيث اختار الرئيس السابق للمخابرات السويسرية ماركوس سايلر، هذا الرجل الذي يتميز بالذكاء والتكتيك والخبرة القيادية، كمساعد أول له.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن في وزارة الخارجية السويسرية ـ وفق مصادر شتى ـ خط شائك يتعلق بالسؤال الجوهري في الدبلوماسية: ما هو موقفك من الشرق الأوسط؟ فالتموضع إزاء مشكلة الشرق الأوسط يعني باختصار: تأييد فلسطين في مواجهة تأييد إسرائيل، وهو خط تتمايز بسببه أحزاب اليمين وأحزاب اليسار.
ذلك أن سايلر، العضو في الحزب الليبرالي الراديكالي، يُعتبر صديقاً لإسرائيل بوضوح، شأنه في ذلك شأن كاسيس نفسه. وسوف يؤثر تعيينه والصداقة الجديدة التي ربطت وزارة الخارجية الفدرالية بإسرائيل على سياسة الوزارة، أو سياسة أفرادها في السنوات القادمة. كما أنها سوف تؤدي إلى نشوب هجمات حادة على كاسيس، والتي ستدور رحاها في المقام الأول في الصحافة. فمن يشارك كاسيس في الخط الذي يتبعه، فإنه سيمدحه في هذا الشأن، خاصةً بسبب شجاعته وصموده. أما من لا يشاركه، فإنه سوف يجد في السنوات التالية مناسبات مواتية لإمداد الإعلام بمواد سلبية، ستتصدر عناوين الصحف.
إلا أن العديد من الأشخاص المطلعين يرون في تعيين سيلر أمراً وخيم العواقب وذلك لأسباب أخرى: إذ أنه لا ينتمي إلى المجال الدبلوماسي. فالدبلوماسي كان من شأنه – وبفضل طبيعة وظيفته – التحلي بالقدرة على الإقناع، كي يتمكن من بناء تحالفات داخل الوزارات الأخرى، على حد قول تلك المصادر. كما أن مسار سايلر المهني لم يكن يوحي بأنه سيساهم في إقناع الداخل السويسري ببرامج إينياتسيو كاسيس.
وبالفعل جاءت الرياح بما لا يشتهيه السّفِنُ. فكاسيس كان يسعى إلى “كسر نزعة القطيع” في وزارته، أي عدم اتباع “فلسفة بعينها”، مثلما صرح في حواره لمجلة “فيلتفوخه” (تصدر بالألمانية من مدينة زيورخ). “لقد أراد وضع نهاية لحقبة ميشلين كالمي-ري اليسارية”، كما يؤكد فولفيو بيلّي. إلا أن عددا من العاملين في الحقل الدبلوماسي بدأوا في التذمر. وما لبث أن وقعت بعض التسريبات، التي تعالى ضجيجها: إن وزارة الخارجية يحكمها سراً “راسبوتين”، اسمه ماركوس سايلر، على حد ما كتبه أحد الدبلوماسيين السابقين. وهنا كان لزاماً على كاسيس التدخل. حيث قام بعدة تنقلات، وبذل جهدا من أجل توحيد صفوف العاملين في وزارته: وكانت تلك بداية ما يوصف اليوم بـ “البرج العاجي”.
سويسرا أولاً
لكن قبل ذلك بكثير أدرك كاسيس المنتخب حديثاً، عواقب أمر آخر، ألا وهو خلافه مع كريستيان لوفرا، رئيس الحزب الإشتراكي (سابقا). فبعد أن خطى كاسيس أولى خطواته في الحقل الدولي، بمقابلته لرئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر، جاء وصف لوفرا الوزير الفدرالي الجديد، بـ “المتدرب”. إلا أن كاسيس قد أكد بتصرفاته ما قاله لوفرا، وسرعان ما ظهر سرب من المنتقدين الذين تصيدوا أخطائه. حيث تكلم بأسلوب غير دبلوماسي عن دور وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “أونروا” في مسألة الشرق الأوسط، بينما نشر تغريدة على موقع تويتر من أحد المناجم بزامبيا مُذيعاً لأخبار تتعلق بالعلاقات العامة داخل شركة التنقيب “غلينكور”.
علاوة على تلك الوقائع، عمل كاسيس على تعديل وزارة السياسة الخارجية لتصبح ضرباً من السياسة الاقتصادية الخارجية. “لقد ربطها أكثر باحتياجات الاقتصاد وسياسة الهجرة”، كما يلخص المحاضر في مادة الدبلوماسية باول فيدمر في هذا الصدد.
سويسرا أولاً. تتساءل صحيفة زونتاغس بليك (تصدر بالألمانية من مدينة زيورخ): “هل أنت يميني أكثر مما كنا نظن؟”، ويرد إينياتسيو كاسيس: “لا، لقد كانوا يعلمون من أنا. لذلك لم يخترني اليسار”.
المزيد
القيم والأسلحة.. سويسرا تُصَدِّر كليهما!
المُحاور
منذ البداية، كان كاسيس يعمل بحماس على سرعة إنهاء المباحثات مع بروكسل. فقد عيّن مندوباً جديداً للتفاوض، إلا أنه قام بنفسه بإدارة الحوار المباشر. وكان نظيره في بروكسل هو المفوض الأوروبي يوهانس هان، ذو الخبرة الدبلوماسية. وقد التقى الاثنان في العديد من المرات، كما تهاتفا طويلاً. كذلك دعا كاسيس هان لزيارة تيتشينو. وسرعان ما أصبحا ينعتان بعضهما البعض على تويتر بـ “الصديق”. وبعد قضائه نصف عام في منصبه، أصبح يوهانس هان يناديه باسمه الأول “إينياتسيو”.
في هذا الشأن يُذكر أن عمل أعضاء جماعات الضغط يكمن في إقامة علاقات، وخلق الفرص والمنطلقات، لأجل تحقيق مصالحهم. ثم: “لقد كان كاسيس باستمرار سياسياً توافقياً، يعمل على توحيد الصفوف”، كما يؤكد فولفيو بيلّي.”إذن، فالعلاقات، والبحث عن التوافق، هما ما ميّزا كاسيس في تلك المباحثات”.
أما بالنسبة لصورته العامة، أي أمام الرأي العام السويسري، فقد استطاع أن يظهر بدور المحاور، بل يمكن القول، بدور: الوسيط. فقد كان يستمع إلى ما يتطلبه الواقع ويتوسط بين المصالح المختلفة لكل من سويسرا والاتحاد الأوروبي. حيث يوضح “إن السياسة الخارجية هي ذاتها سياسة داخلية”. إلا أن قوته الحقيقية تصبح في تلك اللحظة نوعاً من الضعف. فمن يحاور ويمثل منصباً في ذات الوقت، يصل مع الزمن إلى صراع حول الهدف ـ فالمسألة في نهاية المطاف مسألة تموضع.
ففي إطار حوار تقليدي، صرح كاسيس في يونيو من عام 2018، أنه في حال نشوء نزاع حول الإجراءات الداعمة، يجب على كل من “الاتحاد الأوروبي وسويسرا أن يكونا على استعداد لتخطي مخاوفهما”.
لقد كانت هذه المقولة علامة فارقة في تاريخ الاتفاق الإطاري الطويل. حيث زحزح كاسيس المساس بحماية الأجور في سويسرا إلى نطاق الممكن، وتجاوز بذلك خطاً أحمر. وقد أثار ذلك ثائرة النقابات المهنية. أما اليسار السياسي فقد انتقل إلى المعسكر المُعادي لكاسيس. بهذا استطاع كاسيس “تحريك تلك الدينامية، التي انتهت بقطع المباحثات مع الاتحاد الأوروبي”، مثلما كتبت جريدة تاغس آنتسايغر في تحليل لها.
الاضطراب
إذن، ما حجم نصيبه من المسؤولية عن فشل سويسرا في عقد اتفاق مع الاتحاد الأوروبي؟ يتفق جميع من تحدثنا إليهم على شيء واحد: هناك جزء من المسؤولية يقع على عاتقه، لكنه في نهاية المطاف كان واحداً من سبعة وزراء فدراليين. “كان من الممكن التوصل لاتفاق، ولكن ذلك في حال وجود تركيبة حكومية أخرى”، على حد قول إليزابيت شنايدر-شنايتر من حزب الوسط. وماذا يعنى هذا بالتحديد؟ “إذا ما كانت كارين كيلر-سوتر قد تمكنت من تقلد حقيبة الاقتصاد آنذاك، فإن كاسيس كان سيستفيد من وجودها في الوزارة لأجل التوصل لاتفاق إطاري” مع بروكسل.
في الأثناء، صب بعض من التخبط الذي وقع في بروكسل في صالح كاسيس بصورة مباشرة. ففي الثالث والعشرين من نوفمبر 2018، سعت بروكسل إلى إنهاء المباحثات. لهذا التقى كاسيس بالمفوض الأوروبي يوهانس هان في زيورخ، حيث اتسم هذا اللقاء بالتكتم. ومجدداً لعب كاسيس فيه دور كبير المفاوضين. إلا أن وفد الاتحاد الأوروبي مارس ضغوطاً عليه. حيث يصف فيلكس م. مولر، مؤلف كتاب “التاريخ المختصر للاتفاق الإطاري” هذا اللقاء في صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ بقوله: “لقد أجرى فريق هان عدة مكالمات هاتفية مع بروكسل حتى يتثبتوا من بعض الأمور. أما الجانب السويسري، فلم يفعل هذا، مما جعل الدبلوماسيين الأوروبيين يستنتجون أن المواقف التي اتخذها كاسيس، كان قد اتفق عليها من قبل مع الحكومة”.
ثم وقع أمر أدهش الجانب السويسري! إذ قدم وفد الاتحاد الأوروبي لهم عقداً بصياغة نهائية متضمناً الاتفاق. ولم يكن أعضاء الوفد السويسري موافقين على كل الصياغات التي جاءت في ذلك العقد. “إلا أن الفرصة لم تتح لهم لإبداء تحفظاتهم، ذلك لأن كاسيس لم يسألهم”، على حد ما كتبه فيلكس م. مولر. فكاسيس، هذا المفاوض “عديم الخبرة في عالم الدبلوماسية”، لم “يكن على وعي بلعبة القوى التي لعبتها بروكسل”.
المحصلة
بعد ذلك أصاب الجمود كل شيء. فلم يتجرأ اليسار ولا اليمين على اتخاذ الخطوة التالية؛ ولا حتى الاتحاد الأوروبي ولا برن. لهذا استغل كاسيس الوقت، كي يضع بصمةً جديدة في مجال المساعدات التنموية، وذلك من خلال تخصيص تمويل، بلغ قدره 11 مليار فرنكاً. وفي مجال السياسة الخارجية بدأ يضع أولويات، شملت الصين والشرق الأوسط. وقد مرر كل هذا بدون تعقيدات في البرلمان. فضلاً عن ذلك استطاع توسعة شبكة العلاقات الخارجية لسويسرا مجدداً. حيث مارس سياسة خارجية واضحة المعالم، وذات طابع ليبرالي بالأساس، إلا أنها كانت مصحوبة بنقد متواصل.
أما اليوم فيجري تقييم كاسيس وفقاً للمسألة المصيرية لسويسرا، وهي الملف الأوروبي، والذي ما كان يمكن تحقيق نجاح يُذكر فيه. لذلك ـ ولأن مقترحاته في هذا الشأن لم تجد آذاناً صاغية بالصورة الكافية في الحكومة الفدرالية، فإنه سوف يتنازل عن هذا الملف لآخرين أثناء سنة رئاسته للكنفدرالية.
إمكانات جديدة
من جانبه، يسعى كاسيس لتكريس جهده لأشياء أكثر بهجة، ألا وهي التواجد داخل سويسرا. حيث أن مقعد حزبه في الحكومة الفدرالية معرض للخطر الآن أكثر من أي وقت مضى: حيث يتعلق الأمر بمنصبه. لذلك فإن كاسيس يبدو الآن بصورة أكثر انفتاحاً، وأكثر تقبلاً لمطالب اليسار. بل إنه يسعى لإجراء حوار مع الصين حول حقوق الإنسان، وتعددية الأطراف بصفة عامة، ومن بين موضوعاتها: جنيف الدولية، والدبلوماسية الرقمية، وقمة المياه في أفريقيا. فهناك نقاط محورية جديدة في السياسة الخارجية السويسرية يراها في جنوب شرق آسيا، وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية. أما من الناحية العملية، فإن حصول سويسرا على مقعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يكاد يصبح من المسلمات، وربما تلعب سويسرا دور الوساطة في الأزمة الأوكرانية: وكل هذا ينعكس إيجابياً على صورة كاسيس، كما أن من شأن هذه التحركات تمكين الرئيس الجديد من استعادة القبول بين صفوف الوسط واليسار. لكن سليطي اللسان يقولون حالياً، ها قد عاد كاسيس إلى الصراع الانتخابي، إنه ذلك المتلوّن؛ فهذه الفكرة قد ترسخت عنه.
أما ميكائيل شتاينر، المتحدث الإعلامي باسمه، فإنه يرد على ذلك بقوله: “إنه يعيش ما يصنع روح وعمق السياسة السويسرية، ألا وهو انتهاج الحل الوسط”. فالرجل يشبه دولته.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.