الاتحاد الأوروبي يتّـجه لمراجعة المسار الثنائي في العلاقات مع سويسرا
وصفت وزيرة الاقتصاد دوريس ليوتهارد حصيلة المحادثات التي أجرتها مع ثلاثة مفوضين أوروبيين في بروكسل يوم 4 سبتمبر، بالإيجابية.
المحادثات تطرّقت إلى ملفات متعدّدة، بدءً بالتشريعات المتعلقة بالمواد الكيماوية ومرورا بالتأمينات، ووصولا إلى قانون التكتّـلات (ألكارتيلات)، في الوقت الذي عادت الملفات الساخنة، لتطفُـو على السّـطح مجددا بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا.
هذه الملفات الساخنة ليست جديدة، لكن من المفيد التذكير بأنها تتعلّـق بالنهج الذي تسير عليه العلاقات بين بروكسل والكنفدرالية وبالجباية على مستوى الكانتونات وبالحقوق المتعلقة بالمنافسة، ما يعني واقعيا أن الغيوم تتلبّـد مجددا في سماء العلاقة المعقّـدة والجيدة في آن معا، القائمة منذ عشرات السنين بين الطرفين.
ففي الوقت الذي تُـعلن فيه الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي أنها لم تعُـد مستعدة للقبول ببلورة اتفاقيات ثنائية على المقاس لسويسرا، تعود ثلاث ملفات دقيقة جدا، لتُـطرح مجددا على بساط البحث في الأيام المقبلة.
يوم الخميس 4 سبتمبر، جاء الدور على ملف تبادل المعلومات على القضايا المرتبطة بالتنافس، وفي يوم 23 سبتمبر، ستُـطرح مسألة الجباية المحلية على مستوى الكانتونات السويسرية، وختاما، سيعود الحديث قبل موفى الشهر الجاري عن جباية المدّخرات (المودعة من طرف مواطني دول الاتحاد الأوروبي في سويسرا).
وبعد انتهاء الهُـدنة الصيفية التقليدية، عقدت يوم 2 سبتمبر، المجموعة التي تحمل اسم Groupe AELE، التابعة للاتحاد الأوروبي، التي تضُـم دبلوماسيين من الدول الأعضاء الـ 27 والمكلّـفة بمتابعة العلاقات مع سويسرا، اجتماعها الأول منذ يوليو الماضي ودخلت على الفور في صُـلب الموضوع.
في هذا الاجتماع، عبّـرت الدول الـ 27 عن تحفّـظات عديدة بخصوص مقترح تقدّمت به المفوضية الأوروبية، يرمي للترخيص بافتتاح مفاوضات جديدة مع برن في مجال الصحة العمومية والأمن الغذائي.
إصرار على السّـير المتوازي
وفيما أشارت بعض المصادر إلى أن المصادقة على هذا التكليف، كانت “سابقة لأوانها”، إلا أن كل المعطيات المتوفِّـرة تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي قرر أن يُـصعِّـد الضغط على الجانب السويسري.
مشروع التكليف، الذي اطّـلعت سويس انفو على نسخة منه، يشير بوضوح إلى ضرورة الالتزام بمبدإ التوازي (وهي مسألة أقرب ما تكون إلى العقيدة داخل الاتحاد الأوروبي)، أي أنه لا مجال للاقتصار على إبرام اتفاقيات في صالح برن. وقد ورد حرفيا في النص، الذي أعدّته المفوضية الأوروبية، أنها “توصي بأن تؤخذ بعين الاعتبار المباحثات الجارية مع سويسرا والاتفاقيات القائمة في قطاعات أخرى”.
إضافة إلى ذلك، يُـشدد المشروع على ضرورة التزام سويسرا بالتشريعات الأوروبية، وهو ما يعني أن الاتفاق المُـرتقب “سيتضمّـن نفس الالتزامات لسويسرا بتطبيق التشريع الأوروبي، مثلما هو الحال للدول الأعضاء في الاتحاد”.
التأقلم مع القوانين الأوروبية
فرنسا، التي تترأس حاليا الاتحاد الأوروبي، تريد من جهتها الذهاب إلى أبعد من ذلك، حيث اقترحت يوم الثلاثاء 2 سبتمبر أن يتم في كل اتفاق قطاعي جديد يُـبرم مع سويسرا، إدماج “آلية أكثر تطورا” لكيفية اعتماد برن لتطورات التشريع الأوروبي المشترك.
بكلمة أخرى، سيتوجّـب على سويسرا (في صورة إقرار هذا المقترح) ملاءمة تشريعاتها بشكل مستمر مع القرارات المتّـخذة في بروكسل، في حين أن العديد من الاتفاقيات الحالية بين الطرفين، ذات طبيعة ثابتة لا تتغيّـر مع تغير القوانين الأوروبية.
هذا الطرح الجديد الذي يُـعيد النظر في الأسلوب الذي تسير وفقه العلاقات الثنائية بين برن وبروكسل، يأتي عشية مواعيد هامة ودقيقة. ففي الأيام الأخيرة، كشفت صحيفة “لوتون”، الصادرة في جنيف، عن اعتزام بروكسل التأكيد خلال زيارة وزيرة الاقتصاد إلى المفوضية الأوروبية، على تعزيز تعاونها معها في مجال المنافسة، الذي يتّـسم بحساسية شديدة.
وكانت نيلي كرووس، المفوضة الأوروبية للمنافسة، قد عبّـرت عن هذه الرغبة في رسالة سبق وجّـهتها إلى برن يوم 27 مايو الماضي. وبالنسبة لبروكسل، التي تعتبر أن سويسرا تمثل جنّـة للكارتيلات (وهي تحالفات وفاقية في قطاعات اقتصادية محدّدة)، التي تحاربها أوروبا بضراوة، فإن الأمر يتعلّـق بتحسين تبادل المعلومات مع لجنة المنافسة (ComCo). وفي هذا السياق، يشير أحد الخبراء إلى أنه “ملف حساس جدا جدا”، ومع ذلك، فلن يكون محل الخلاف الوحيد.
الجباية في الكانتونات.. محل نقاش
المفوضية الأوروبية طرحت أيضا على طاولة النقاش مسألة الإجراءات السويسرية المصاحبة للاتفاق حول حرية تنقّـل الأشخاص، التي تعتبرها مبالغا فيها. من جهة أخرى، تقدّمت المفوضية بطلب عاجل آخر لإجراء “نقاش” غير رسمي حول قضية الحوافز الجبائية، التي تقدِّمها الكانتونات السويسرية لفائدة بعض الشركات والمجموعات الاقتصادية. هذا الاجتماع سينعقد يوم 23 سبتمبر في بروكسل.
وتقول مصادر قريبة من الملف في برن، لا يتعلّـق الأمر بالتفاوض على أي شيء، ولكن بإعلام بروكسل حول سير الأشغال المتعلقة بتعزيز القدرة التنافسية السويسرية، (وانطلاقا من ذلك، احتمال إجراء إصلاح في مجال جباية الشركات)، التي بدأتها في الربيع الماضي مجموعة من الخبراء.
ويتوقّـع البعض أن تشهد الفترة القادمة خلافات كبيرة بين الطرفين، حيث يُـتكهّـن بأن التقرير، الذي سيقدِّمه الجانب السويسري، لن يُـجيب عن جميع انتظارات بروكسل، التي ترغب في تفكيك الأنظمة الجبائية، التي توجّـه إليها أصابع الاتهام.
وفيما ستبذل برن جهدها لإقناع الاتحاد الأوروبي بأنها مجرّد بداية لعملية طويلة الأمد، يتساءل مراقبون: هل ستقبل المفوضية والدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي بالانتظار، في الوقت الذي يبدو فيه أن خطر الدعوة إلى إجراء استفتاء سلبي (أي معارض) حول حرية تنقل الأشخاص في عام 2009 يبتعد، وفي ظل وجود احتمال تعرّضهم لرفض سويسري آخر في مجال جباية المدّخرات؟
السّـر المصرفي على المِـحك
في أعقاب فضيحة المؤسسات المالية في إمارة الليختنشتاين، التي سمحت للمئات من دافعي الضرائب الأثرياء الأوروبيين بإخفاء ممتلكاتهم عن دوائر الضرائب في بلدانهم، اتّـفقت البلدان الـ 27 للاتحاد على مراجعة التشريع الأوروبي حول جباية المدخرات، وتبعا لذلك، مراجعة الاتفاقيات التي أبرمها الاتحاد في هذا المجال مع عدد من البلدان الأخرى، من بينها سويسرا.
ومع أن المفوضية التي ستعرض على الدول الأعضاء تقريرا بهذا الخصوص في موفى سبتمبر الجاري، لن تقترح عليهم إعادة النظر في وجود السر المصرفي في بعض البلدان، إلا أن قضية الليختنشتاين والفضيحة التي تسبّـب فيها مصرف يو بي إس في الولايات المتحدة، قد تدفع فرنسا وألمانيا إلى مزيد من التشدد.
وإذا ما حصل ذلك، فإن باريس وبرلين ستُـطلقان مواجهة جديدة داخل صفوف الاتحاد الأوروبي ومع سويسرا، التي ترفُـض بشكل قاطع التطرق إلى هذه المسألة قبل عام 2013.
وفيما يُـعتقد أن برن قد لن تعترض مبدئيا على إدخال بعض التحويرات على اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي في الوقت المناسب، إلا أن “الشيطان يختبئ في التفاصيل”، مثلما هو معلوم. فعلى سبيل المثال، تبدو بروكسل مصمِّـمة على إدماج الأشخاص المعنويين (المؤسسات والتروست، وهي اتحاد احتكاري بين عدد من الشركات للحد من المنافسة، وما شابه ذلك…) في مجال تطبيق التشريع الأوروبي الخاص بالجباية على المدّخرات.
سويس انفو – اعتمادا على تقرير بالفرنسية لتانغي فيرهوسيل – بروكسل
في ندوة صحفية عقدتها في بروكسل يوم الخميس 4 سبتمبر 2008، قالت وزيرة الاقتصاد دوريس ليوتهارد “إن سويسرا تواصل النظر في طلب الاتحاد الأوروبي، الذي يدعو إلى مزيد من التعاون في مجال المنافسة”.
وفي هذا السياق، تحادثت مع نيلي كرووس، المفوضة الأوروبية للمنافسة، بحضور فالتر ستوفل، رئيس لجنة المنافسة (ComCo)، الذي أعلن أن النتائج الملموسة للتعاون القائم بين سويسرا والاتحاد الأوروبي في مجال حقوق الكارتيلات، ستكون متاحة في الربيع المقبل، على أقصى تقدير.
في اللقاء الذي أجرته مع مفوض التجارة بيتر ماندلسن، انتقدت وزيرة الاقتصاد السويسرية، بالخصوص، القانون الأوروبي الجديد الذي يُـرغم الصناعيين في المجال الكيماوي والمورّدين، على إقامة الدليل على أن المواد التي يُـنتجونها أو يُـسوِّقونها، آمنة ولا تُـلحق الضرر بالصحة والبيئة قبل ترويجها. واعتبرت السيدة ليوتهارد أن إجبار الشركات السويسرية، التي تريد مواصلة الاستيراد من الاتحاد الأوروبي على تسجيل مُـسبَـق لمنتجاتهم قبل موفى نوفمبر القادم في مكتب يوجد في بروكسل، يمثل “تمييزا”.
النقطة التي لا زالت عالقة في المفاوضات بين برن وبروكسل، تتمثل في الاعتماد الآلي من طرف سويسرا للقواعد والترتيبات التي طرأت عليها تغييرات. السيدة ليوتهارد لم تعبِّـر عن رأي واضح بهذا الخصوص، لكنها ترى أنه “من غير المتصوّر لدولة ذات سيادة، مثل سويسرا، اعتماد القواعد الأوروبية بشكل آلي”، مع ذلك، قالت إنها مستعدة “للعثور على طريق مشترك”.
وفي لقاء جمعها بالمفوض شارلي ماكريفي، المسؤول عن السوق الداخلي والخدمات، تمّ الاتفاق على إجراء تقييم لحصيلة الاتفاقية الثنائية بين سويسرا والاتحاد الأوروبي حول التأمينات، المعمول بها منذ عام 1989. يجدر التذكير بأن الاتفاق لا يتضمّـن فتح السوق لمجال التأمينات على الحياة، وهي وضعية ترغب سويسرا في تغييرها.
(سويس انفو مع الوكالات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.