البورصة السويسرية تستعد لعصر الأصول المُشَفَّرة
ليست البورصة السويسرية سوى واحدة من منصات التداول العديدة التي تستعد لموجة متوقعة من تداول الأصول المُشَفَّرة. فما الذي يَكمُن وَراء هذه الخطوة؟
تعتبر بورصة الأوراق المالية السويسريةرابط خارجي (SIX Group) في طليعة البورصات العالمية التواقة إلى إنشاء منصة دفتر الأستاذ الموزع على طراز تقنية الـ “بلوك تشين” المطلوبة لتداول مثل هذه الأصول.
تَعِد تكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزعة (DLT)، والتي تتضمن تكنلوجيا الـ “بلوك تشين” بعددٍ من أوجه الكفاءة، تتمثل بالتداول الاسرع والأقل تكلفة، وخفض الإجراءات الورقية، وخيار إصدار العديد من الرموز المميزة لكل سند ضمان (أو ورقة مالية). كما أن من شأن تقسيم حقوق الملكية للأصول ذات القيمة العالية، مثل العقارات، أن يُخَفِّض الحواجز المالية أمام اللاعبين الأصغر حجماً الراغبين بالاستثمار، كما انه يُسَهِّل إصدار الأسهم بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
لا شك ان الأمور قد مضت إلى الأمام كثيراً منذ ظهور عملة بيتكوين المشفرة، والبروز القوي لموجة التمويل الجماعي لعروض العملات الأولية. واليوم يُعتبر رَمز سندات الضمان (أو security token باللغة الانجليزية)، والذي هو عبارة عن تمثيل رقمي لمُلكية الأصول، هو الوليد الجديد لهذه التقنية .
ويمكن تعريف رَمز سندات الضمان بأنه رَمز رقمي مشفّر يُمثل الأدوات المالية، كالأسهم والسندات، أو حتى العقارات والمُمتلكات من القطع الفنية. وهذه الرموز هي علامة مُشفرة تخص الشخص الذي يمتلك سند الضمان الأصلي، والذي يمكن نقله مُباشرة من شخص إلى آخر مع كل معاملة مُسجلة في قاعدة بيانات سلسلة الكتل (أو “بلوكتشين”)، أو أشكال أخرى من تقنية دفتر الأستاذ الموزع (DLT).
من الواضح أن التكنولوجيا المالية “Fintech” (وهي اختصار لكلمتي financial technology بالإنجليزية) قد غيرت وجه التمويل العالمي. ومن العملة المُعماة (أو المشفرة) بيتكوين، وحتى تقنية سلسلة الكتل أو “البلوكتشين” (blockchain)، يُبدي المركز المالي السويسري استعداده لمواجهة التحديات وفُرص المَوجة الجديدة من التكنولوجيا الرقمية. واليوم، تمس قاعدة بيانات الـ “بلوكتشين” عملياً جميع أنواع الصناعات، من اللوجستيات إلى الطاقة، وتجارة السلع والنقل.
دخول اللاعبين الكبار
كانت الأصول المشفرة حتى وقت قريب مجالاً لعدد متزايد من التبادلات المستقلة وغير المنظمة إلى حدٍ كبير. لكن، ومع وصول سندات الضمان المُرَمَزة [التي هي عبارة عن رموز أو عملات رقمية مشفرة] بدأت البورصات الوطنية الكبيرة تتحرك لاحتلال مواقعها.
من جانبها، أعلنت مجموعة “سِـيكس” Six Group (المالكة للبورصة السويسرية) في شهر يوليو الفائت، أنها بصدد انشاء “خدمة متكاملة من البداية إلى النهاية لتداول وتسوية وإيداع الأصول الرقمية”، من المتوقع انطلاقها في منتصف عام 2019. وبالإضافة إلى تداول الأسهم والسندات بشكل أكثر كفاءة، سوف تستضيف هذه المنصة شكلاً جديداً من أسهم الشركات المُرَمَّزة، التي من شأنها أن تتيح للشركات الصغيرة زيادة رأس مالها بسهولة من خلال الإدراج.
وفي نفس السياق، تستعد بورصة شتوتغارت، وهي ثاني أكبر منصة تداول في ألمانيا، والتي تمتلك بورصة بَرن أيضاً، لإطلاق تطبيق “بيسون” (Bison) لتداول العملات المشفرة من خلال شركة فرعية، كما سَتَتبَع ذلك بمسرح تداول متعدد الأطراف للعملات المُشَفَرة والرموز.
كذلك فإن مُشغل البورصة “إنترناشيونال أكستشاينج” Intercontinental Exchange (الذي يقع مقره في ولاية أطلنطا الأمريكية)، والذي يمتلك عدداً من المنصات بما في ذلك بورصة نيويورك، هو جزءٌ من اتحاد مالي يخطط لإطلاق بورصة “باكت” (Bakkt) بهدف “إطلاق العنان للإمكانات التحويلية للأصول الرقمية عبر الأسواق العالمية والتجارة”.
المزيد
السوق السويسرية لـ “عروض العملات الأولية” ليست “غابة بلا ضوابط”
بدورها تعتزم بورصة تايلاند احتلال موقع الريادة الإقليمية في آسيا، من خلال بورصة رقمية جديدة منظمة “كمكان بديل لفُرَص جَمع الأموال والاستثمار”.
كذلك تشارك كل من شانغهاي، ولندن، وفرانكفورت، وأستراليا، وسنغافورة، والإمارات العربية المتحدة، ومالطا وجبل طارق، في سباق تطوير أجزاء من خدماتها للتداول لموائمتها مع تكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع على الأقل، والاستفادة من “اقتصاد الرموز” الناشئ. ومن المتوقع أن يشهد العام المقبل إطلاق مثل هذه البورصات.
كيف سيبدو ذلك في المستقبل؟
في الوقت الراهن، تتصارع البورصات الكبيرة للظفر بميزة الاعتماد المُبَكِّر، لكن هذه التقنية الجديدة لم تخضع للاختبار على نطاق واسع بعد. وتقول مجموعة “سِـيكس” أنها سوف تبدأ بطرح منصتها الجديدة بحلول نهاية الصيف المقبل، مع تقديم مجموعة محدودة من الخدمات في البداية التي لم يتم تحديدها بعد. ورغم أن أحداً لا يريد التخلف عن الركب، ولكن لا أحد أيضاً يرغب بالاستعجال والتعرض لأخطاء لاحقاً.
وكما يقول دانيل ديمرس من شركة برايس ووترهاوس كوبرز (التي تحمل الاسم التجاري PwC) وهي شبكة خدمات مهنية متعددة الجنسيات تضم فريقاً دولياً من الاستراتيجيين الذي يقدمون الاستشارات والنصح إلى مجموعة “سيكس”، فإن من المنطقي تقديم كامل سلسلة القيمة للتداول تحت سقف واحد. “لا يرغب المتداولون بالذهاب إلى 10 أماكن مختلفة لمطابقة الصفقات وتسويتها وغيرها من المعاملات”، كما قال لـ swissinfo.ch. “إنهم يريدون مشاهدة الحزمة بأكملها، مُنَفَّذة بشكل احترافي في مكان واحد”، كما أضاف.
ويعتقد ديميرس أن أحد خطوط الأعمال المُربحة قد تكون من خلال توفير خدمات بيانات سوقية عالية الجودة في الوقت الحقيقي لهذا الشكل الجديد من التداول. وقد يُشكل فَرض رسوم اشتراك للوصول إلى خلاصات البيانات، أو توفير خدمات مُتخصصة في إدارة المخاطر، نشاط جانبي مُربح.
بيد أن إحدى العقبات المُحتَمَلة التي يمكن أن تحول دون الاعتماد السريع، هي أن عملية تنظيم هذه التداولات لاتزال مُتخلفة عن التقدم التكنلوجي الحاصل. وعلى سبيل المثال، تسمح التكنلوجيا بترميز ملكية الأصول وتمرير هذه الرموز بحرية، وبشكل مستقل عن الضمان المالي نفسه، لكن هذه العملية لم تُقَنَّن بعد.
وفي هذا السياق، تنتهج كل دولة أسلوبها الخاص في تنظيم الاقتصاد الرمزي. وعلى سبيل المثال، تعمل إمارة ليختنشتاين حالياً على وضع قانون خاص بتقنية سلسلة الكتل “بلوكتشين”، في حين يبدو أن سويسرا لا تزال بعيدة بعض الشيء في تحديث التشريعات الحالية لدمج الأصول المشفرة.
وماذا عن المتداولين المستقلّين؟
وفقا لشركة برايس ووترهاوس كوبرز، تسيطر أكبر عشرة بورصات عالمية للعملات المشفرة حالياً على حوالي 70 % من حجم التداول اليومي في الأصول المشفرة. وفي سويسرا، تشمل هذه البورصات: شركة “تاوروس” (Taurus) و”سويس كريبتو أكستشاينج” (Swiss Crypto Exchange) وLykkeرابط خارجي، التي عقدت شراكة مع منصة التداول الهولندية Nxchange مؤخراً.
ويكما يرى ديميرس، فأن وصول البورصات الوطنية يمكن أن يشهد اندماجاً فيما بينها، مع توقف النشاط الاقتصادي لبعض الشركات المستقلة المتوسطة الحجم، أو اندماجها مع الشركات الأثقل وزناً.
ومع ذلك، ترى شركة الأصول المشفرة السويسرية “تاوروس” أن الإصدارات الرقمية للبورصات الوطنية لن يكون بوسعها تحقيق كل ما تريده وفق اسلوبها الخاص. وكما يقول الأمين ابراهيمي، المؤسس المشارك لمجموعة “تاوروسرابط خارجي“، فإن هناك مجال لجميع أنواع التبادل وفُرص التعاون بين أنواع الشركات المختلفة.
وكما أشار السيد ابراهيمي في حديثه مع swissinfo.ch، فإن سوق الأصول الرقمية “متنوع ومُجزأ إلى حدٍ كبير، وهناك مجال كافٍ لشاغلي المناصب واللاعبين الجدد”. وأضاف: “سوف تكون هناك حاجة أيضاً للوصول إلى المهارات والمعرفة والبُنية الأساسية التقنية المناسبة” .
في البداية، فإن نفور المؤسسات من العملة المُشفرة سوف يضعها في وضع غير مواتٍ مع المُتعاملين بعملة البيتكوين، على حد قول ابراهيمي. لكنه يقر بأن أي مؤسسة سوف تحتاج إلى موافقة الجهات التنظيمية في حال أرادت الازدهار على المدى الطويل. “هناك طلب قوي من المستثمرين المؤسسيين [المصارف ومديري الأصول] لتبادل الأصول الرقمية المنظمة بشكل حقيقي والتي تُطَبَّق على أعلى المعايير المؤسسية. لكن لا شيء موجود حتى الآن”، كما قال.
مَن سيحقق المكاسب أيضاً؟
يعتقد المدافعون عن رموز الضمانات المالية بأن هذه التكنولوجيا سوف تساهم في تحوّل الأسواق المالية، مما يسمح لمزيد من الناس بزيادة رأس المال، والتداول بطريقة أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة.
ومن شأن ذلك أن يفتح الباب لمجموعة من اللاعبين خارج البورصات المالية. وإذا ما سارت جميع الأمور كما هو مخطط لها، فسوف تكون الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم قادرة على إصدار الأسهم بسهولةُ وجَمع الأموال بهدف التوسع. كما أن زيادة حجم التداول قد يكون مفيداً أيضاً بالنسبة للمصارف ومديري الأصول، الذين يفرضون رسوماً على وضع الصفقات بالنيابة عن العملاء، او يتداولون بالأصول الخاصة بهم.
ومؤخراً، قام العديد من اللاعبين الماليين المتخصصين بالاستقرار في سويسرا للحاق بموجة “اقتصاد الرموز”. ومن ضمن هؤلاء شركة “ميلونبورت”(Melonportرابط خارجي)، وهي بوابة لمديري الأصول للانخراط في تداول الأصول المشفرة، ومُقَدِّم الأصول المُرَمَّزة البديلة Smart Valorرابط خارجي، وشركة Instimatchرابط خارجي، التي تقوم باستكشاف خيارات تقنية “بلوكتشين” لمنصتها الرقمية التي تطابق المُقترضين والمُقرِضين في سوق سندات الشركات.
تكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع هي نظام رقمي لحفظ السجلات الخاصة بمالكي أصول معينة، والتأكد من توازن الحسابات (الدفاتر) عند تغير المالك. وقد صُمِّمَت هذه التقنية لكي تحل محل الآلية المركزية التقليدية التي تديرها البنوك والوكالات الحكومية، وما إلى ذلك.
وتقوم تقنية دفتر الأستاذ الموزع بهذه الوظيفة من خلال السماح لجميع الأشخاص داخل النظام بالاطلاع على المعاملات والموافقة عليها. ويقوم النظام بخزن التاريخ الكامل لجميع المعاملات في سجل دفتر الأستاذ المشفر، الذي يمكن رؤيته من قبل جميع المشاركين وتعتبر تقنية الـ “بلوكتشين”، وهي أساس العملات المُشَفَرة غير المركزية مثل بيتكوين، أحد أشكال تقنية دفتر الأستاذ الموزع.
(ترجمته من الانجليزية وعالجته: ياسمين كنّونة)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.