مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحصيلة الهزيلة لتحقيقات المدعي العام بشأن ملفات “فساد الفيفا”

مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم
Keystone / Walter Bieri

في مايو 2015، تصدّرت الصفحات الأولى لوسائل الإعلام الدولية أنباء اعتقال سبعة مسؤولين من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بعد أن داهمت الشرطة فندقاً فخماً في مدينة زيورخ.

وعلى إثر هذا النبأ، أصبحت سويسرا محطَّ الأنظار في قضية فساد كبيرة. ولغاية يومنا هذا، لم تفض التحقيقات التي أجراها القضاء السويسري على مدى ثماني سنوات في هذه القضية الضخمة إلا عن نتائج هزيلة.

وكان مكتب المدعي العام الفدرالي السويسري قد فتح أول تحقيق له بِان الاتحاد الدولي لكرة القدم قبل أشهر قليلة من المداهمة الشهيرة التي شنَّتها قوات الشرطة على فندق “بور أو لاك (Baur au Lac Hotel) “في مدينة زيورخ. عندئذ، كان موضوع التحقيق هو النظر في الإجراءات التي أفضت إلى اختيار روسيا لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم لعام 2018 وقطر لعام 2022. وجاء هذا التحقيق على إثر تقرير صدر بعد أن رفعت الفيفا دعوى جنائية ضد مجهولين في نهاية عام 2014.

ومع أنَّ مجريات التحقيق دارت في ظروف سادتها السرِّية التامَّة، إلا أنَّ الاعتقالات التي جرت في زيورخ وضعت سويسرا تحت ضغوطات أكبر من الرأي العام الوطني والدولي. كما أنَّ المعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام بشأن عملية الاعتقال دفعت عدداً كبيراً من مؤسسات الوساطة المالية في سويسرا إلى إرسال تقارير إلى المكتب السويسري للتبليغ عن عمليات غسيل الأموال.

وللنظر في هذا الكمِّ الهائل من المعلومات المالية، شكَّل المدَّعي العام فريق عمل خاص. وفُتح ما مجموعة 25 تحقيقاً، ما يجعله واحداً من أكبر التحقيقات التي تولّاها مكتب المدَّعي العام في تاريخه. والسؤال الذي يُطرح اليوم: أين وصلت هذه التحقيقات؟

إدانة ثلاثة متَّهمين 

إنَّ تقديم لائحة اتهام إلى المحكمة الجنائية الفدرالية وإصدار أحكام إدانة ليست بالعملية السهلة، وهذه القضايا هي خير مثال على ذلك. ففي بعض القضايا، قرر المدعون العامون أن يصدروا أوامر بإجراء محاكمات جنائية. وحتى الآن، تمت إدانة ثلاثة أشخاص بهذه الطريقة:

  • يونيو 2017: أُدين يورغ لويس أرزواغا، موظف سابق في بنك “جوليوس باير” ( Julius Bär)، بجريمة التزوير وانتهاك التزامات الإفصاح. ويعترِف بأنَّه مكَّن أليخاندرو بورزاكو، رئيس شركة Torneos y Competencias للتسويق الرياضي من دفع رشاوى بقيمة 25 مليون دولار أمريكي (22.6 مليون فرنك سويسري) لمسؤولين في الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم. وكان التحقيق في هذه القضية قد فُتح على إثر معلومات قدَّمها البنك.
  • نوفمبر 2019: أُدين بجريمة التزوير جينارو أفرزا، صهر خوليو غرندونا الرئيس الأسبق الراحل للاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم. إذ ساعد الأول زوجته على سحب أموال غير مشروعة أودعها “دون خوليو” في بنك جوليوس باير.
  • ديسمبر 2020: أدين الأرجنتيني إدواردو ديلوكا، الأمين العام السابق لاتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم (كونميبول) بجرائم غسيل الأموال والاختلاس ومخالفات إدارية جنائية. وكان قد اختلس 300000 دولار من حسابات كونميبول. واتهم الرئيس السابق لاتحاد كونميبول، نيكولاس ليوز من باراغواي، باختلاس 8.3 مليون فرنك سويسري، ولكنه توفي قبل أن تبدأ إجراءات محاكمته. وكان التحقيق في هاتين القضيتين قد فُتح على إثر معلومات إفصح عنها بنك كريدي سويس.

محاكمات لم تُفض إلى إدانات

على مدى السنوات الثلاث الماضية، قدَّم مكتب المدَّعي العام الفدرالي ثلاث لوائح اتهامات تتعلق بالفساد في كرة القدم. إلا أنَّ هذه الدعاوى لم تُحقِّق إلا نتائج هزيلة.

  • سبتمبر 2020: مَثَلَ أمام المحكمة الجنائية كل من جيروم فالكي، الأمين العام السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم، وناصر الخليفي، مدير مجموعة بي إن (BeIN) الإعلامية والرئيس الحالي لنادي باريس سان جيرمان، ورجل أعمال يوناني ناشط في مجال الحقوق الرياضية. ووُجِّهت لفالكي، الفرنسي الجنسية، تهمةرابط خارجي تقاضي أكثر من مليون يورو وحصوله على فيلا في جزيرة سردينيا الإيطالية لقاء منح حقوق بث مباريات بطولة لكأس العالم لعدَّة أعوام. وبينما حكمت المحكمة بتبرئة الخليفي والمُدَّعى عليه الثالث، أُدين فالكي بجريمة التزوير، ولكن لم يثبت عليه الاتهام الرئيسي بارتكاب مخالفات إدارية جنائية، وصدر حكم ببراءته منها. وفي يوليو 2020، تقدَّم المدعي العام بطلب استئناف، قررت محكمة الاستئناف أنَّ فالكي ورجل الأعمال اليوناني مذنبانرابط خارجي بعدد من أعمال الفساد. ولكن الحكم النهائي لم يصدر بعد.
  • مايو 2021:أعلنترابط خارجي المحكمة الجنائية الفدرالية إغلاق التحقيق في قضية الدفعات المشبوهة المرتبطة باستضافة ألمانيا لكأس العالم 2006، وإسقاط التهم. وكان المدَّعي العام قد وجَّه تُهماً بالاحتيال والتواطؤ بالاحتيال إلى كل من هورست رودولف شميت وثيو تسفانتسيغير وفولفغانغ نيرسباخ (مسؤولون سابقون في الاتحاد الألماني لكرة القدم ورؤساء مشاركين في اللجنة المنظمة للبطولة) وأورس لونسي (سكرتير الفيفا السابق). وكانت المحاكمة قد بدأت في مارس 2020، ذروة جائحة كوفيد-19، وعُلِّقت لعدم حضور المتهمين. ولاحقاً، سقطت الدعوى بالتقادم.
  • يوليو2022: أصدرترابط خارجي المحكمة الفدرالية الجنائية حُكماً بترئة جوزيف بلاتر، رئيس الفيفا الأسبق، وميشال بلاتيني، الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا). وكان الرجلان متَّهمينرابط خارجي بالاحتيال في قضية التربُّح غير المشروع من مناصبهم عقب ادعاءات بأنَّ بلاتر دفع لبلاتيني مبلغ مليونيْ فرنك سويسري من أموال الفيفا. وطعن مكتب المدعي العام بحكم البراءة، وطلب إلغاء القرار برمته. وفي ديسمبر 2022، قررت دائرة الاستئناف التابعة للمحكمة الجنائية الفدرالية تعليقرابط خارجي إجراءات المحاكمة بعد أن تلَّقت طلباً لتنحية جميع أعضاء لجنة القضاة. وصدرترابط خارجي الموافقة على تنحية بعض القضاة.

إيقاف التحقيق في عدد من القضايا

على مدى السنوات الماضية، أوقف مكتب المدعي العام الفدرالي التحقيق في مجموعة من القضايا المرتبطة بكرة القدم لأسباب منها اقتراب مواعيد سقوط الدعاوى بالتقادم، وقيام دول أخرى بإجراء تحقيقات في القضايا ذاتها، وعدم تعاون السلطات القضائية في بلدان أخرى. ومن الأمثلة على القضايا التي توقَّف التحقيق فيها:

  • نوفمبر 2017: أُغلق التحقيق في قضية حقوق بث مباريات الويفا.
  • يوليو 2018: إنهاء إجراءات التحقيق في قضية تتعلَّق بحقوق التسويق خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2014.
  • أكتوبر 2019: إنهاء التحقيق بقضية تتعلَّق الجهات المورِّدة لتكنولوجيا خط المرمى.
  • سبتمبر 2020: إنهاء التحقيق بقضية أخرىرابط خارجي ضدَّ الأرجنتيني ديلوكا، الأمين العام السابق لاتحاد كونميبول، الذي قُدِّم للمحاكمة في الأرجنتين.
  • مارس 2021: إيقاف الإجراءات الجنائية ضدَّ فيرنون مانيلال فرناندو، العضو السابق للجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم.
  • فبراير 2022: أُسقطت الدعوى الجنائية المتعلقة بحقوق رعاية بطولة كأس كوبا أمريكا لكرة القدم.
  • أغسطس 2022: إغلاق التحقيق في قضية منح روسيا عقود استضافة بطولة كأس القارات لعام 2017 وبطولة كأس العالم لعام 2018.
  • أغسطس 2022: إنهاء الإجراءات الجنائية في قضية قرض بقيمة مليون دولار أمريكي قدَّمته الفيفا لاتحاد ترينيداد وتوباغو لكرة القدم. وكان هذا التحقيق يستهدف مباشرة جوزيف سيب بلاتر.

مصادرة حوالي 100 مليون وثيقة

في سياق التحقيقات السابقة، أجريت 160 مقابلة و40 عملية تفتيش. ودرس المكتب السويسري للتبليغ عن عمليات غسيل الأموال أكثر من 200 تقرير، وصادر المدَّعي العام 90 مليون وثيقة.

وفي المُجمل، تمت مصادرة 42 مليون فرنك سويسري و/أو إعادتها إلى الأطراف المتضررة مثل اتحاد كونميبول. وتم تجميد أرصدة أخرى بقيمة 9 ملايين فرنك سويسري وتحويلها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث صُودرت في إطار تحقيقات جنائية أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي اتصال أجرته SWI swissinfo.ch مع مكتب المدَّعي العام الفدرالي، علَّق المكتب على هذا التحقيق المُعقَّد في عالم كرة القدم وقال: “يظلُّ هذا واحداً من أكبر التحقيقات التي يتولاها مكتب المدعي العام الفدرالي وأكثرها استفاضة”، وأضاف أنَّه “بالنظر إلى أنَّ العديد من الحيثيات موضع التحقيق حدثت في تواريخ تسبق بكثير تاريخ بدء التحقيق، فقد كانت التحقيقات منذ أن بدأت ترزح تحت ضغط كبير بسبب قوانين التقادم”.

ووفقاً للمدَّعي العام، فإن التحقيقات في قضايا كرة القدم على العموم تتعرض لتحدِّيات منها “التعقيد بسبب الطابع الدولي للحيثيات موضع التحقيق، لا سيَّما لأن العديد من الأشخاص المشاركين في إجراءات التحقيق يقيمون في الخارج، بالإضافة إلى الحاجة إلى التحقيق في أنشطة تجارية وتدفقات مالية عابرة للحدود في دول عديدة”.

وبسبب العنصر الدولي، فإنَّ أعضاء مكتب المدعي العام السويسري يعتمدون على تعاون دول أخرى وموافقتها على تقديم المساعدة القضائية في الأمور القضايا الجنائية من أجل التحقق من الحيثيات. وبسبب اختلاف الأطر السياسية والقانونية من بلد لآخر، فإنَّ التعاون يتفاوت في قدره من دولة إلى أخرى.

ونتيجة لما سبق، لا تزال بعض الدول لم تستجب لطلب تبادل المساعدة القضائية، على الرغم من إرسال الطلب تكراراً. وفي المُجمل، بدأت سويسرا ونفَّذت إجراءات تبادل المساعدة القضائية في هذه القضايا مع نحو 20 دولة. ولا يزال أكثر من نصفها غير مستكمل.

تحرير: سامويل جابيرغ

ترجمة: ريم حسونه

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية