مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الذهب ينتعش في فترة الوباء ولكن بأي ثمن؟

حقل
إعادة زراعة جزء صغير من منطقة لا بامبا في بيرو بعد أن أزال عمال المناجم غير القانونيين مساحات شاسعة من الغابات المطيرة. Paula Dupraz-Dobias

أدى الارتفاع الكبير في أسعار الذهب خلال الوباء إلى الحفاظ على نشاط شركات تكرير المعادن السويسرية، لكنه عزز أيضاً التعدين غير القانوني، مما يعرض حياة الناس والبيئة للأخطار الناتجة عن ذلك.

أدت زيادة الطلب على معدن الملاذ الآمن إلى تذبذب أسعار الذهب في الأسابيع الأخيرة حتى وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2011. وكتبرابط خارجي مارك هيفيليه، كبير المستثمرين في البنك السويسري يو بي إس UBS، أن هامش ارتفاع أرباح هذا المعدن ستكون أكبر إذا زادت التوترات الجيوسياسية. فبين شهريّ مارس ويونيو المنصرمين، قامت سويسرا، حيث يتم تكرير حوالي 60% من العرض على المستوى العالمي، بتصدير كميات قياسيةرابط خارجي من الذهب إلى الولايات المتحدة لتلبية احتياجات المستثمرين.

وعلى الرغم من قيام السلطات في العديد من البلدان المنتجة للذهب بتطبيق صارم لإجراءات الإغلاق للحد من انتشار فيروس كورونا، إلا أن قطاع تعدين الذهب غير القانونيرابط خارجي يشهد ازدهاراً ملحوظاً. ومع توقف بعض المناجم الصناعية عن العمل، يقوم عمال المناجم غير القانونيين بتعويض نقص الذهب في الأسواق. 

التعدين تحت الأرض في بيرو

في الغابات حيث الأمطار الاستوائية في بيرو، وبعد مضي عام واحد فقط على إرسال الحكومة للشرطة والجيش لاحتلال الأراضي التي دمرها عمال المناجم، في إطار الحملة على التعدين غير القانوني، فإن الوضع يبعث على القلق. وتقول لوسيا داميرت، الأستاذة البيروفية المتخصصة في الأمن العام في جامعة سانتياغو دي تشيلي، لـ swissinfo.ch : “المنظمات الإجرامية لا تحد من نشاطاتها”.

وتضيف داميرت “هناك انتشار متزايد لعمالة الأطفال والاتجار بالبشر، وبصورة خاصة بالنساء لأغراض الدعارة”، مشيرة إلى أن الأزمة الاقتصادية بسبب إجراءات الإغلاق أدت إلى تفاقم الوضع. ففي أبريل من هذا العام، شهد اقتصاد البلاد انكماشاً بنسبة 40% مقارنة بنفس الشهر من عام 2019. ويعتمد حوالي 72% من السكان فعلياً على ممارسات اقتصادية غير نظامية. وقد دفعت قيود فيروس كورونا المزيد من الناس إلى الإقبال عن هذه الأنشطة غير القانونية.

والجدير بالذكر، أن بيرو تعد سابعرابط خارجي أكبر منتج للذهب في العالم، حيث يُستخرج 20% منه بطرق غير مشروعة. وعلى مدار الثلاثين عاماً الماضية، اختفى حوالي 960 كيلومتراً مربعاً من الغابات الاستوائية، وهي المناطق التي يتم فيها اكتشاف هذا المعدن، والتي استقطبت سكان الأجزاء الفقيرة من البلاد بحثاً عن الثراء. وغالباً ما تقع النساء ضحايا حلقة مفرغة من البغاء والديون والرقّ.

في سويسرا، أُجبرت ثلاث من أكبر مصافي التكرير في العالم، الواقعة في تيتشينو، على الإغلاق لفترة من الوقت بسبب الإجراءات التي اتخذتها السلطات المحلية للحد من جائحة فيروس كورونا. وكان الكانتون الجنوبي المتاخم للحدود لإيطالية، هو الأكثر تضرراً خلال الأشهر الأولى من الوباء. والجدير بالذكر أن مصافي التكرير “بامب” PAMP و”فالاكامبي” Valcambi و”أرغور-هيراوس” وArgor-Heraeus تعالج ثلث إمدادات الذهب العالمية.

ويقول نيل هاربي، كبير المسؤولين الفنيين في جمعية سوق لندن للسبائك الذهبية LBMA، التي تضم في عضويتها شركات التعدين العالمية ومصافي التكرير والبنوك وصائغي المجوهرات، إنه بينما استأنفت هذه المصافي عملياتها، يتعين عليهم الانتظار لرؤية كيفية ارتداد صناعة الساعات والمجوهرات على تعويض الخسائر.

ويضيف: “إن الطلب من سوق الاستثمار هو في واقع الأمر ما يُبقي المصافي تعمل بالقدرة التي يمكن أن تعمل بها”.

ويصرّح الجنرال راؤول ديل كاستيلو، رئيس شرطة البيئة في البلاد، لـ swissinfo.ch أنه منذ ظهور الوباء، لم تكن الحرب ضد التنقيب غير القانوني عن الذهب سهلة. لقد تم تحويل الموارد العامة للدولة نحو مكافحة كوفيد-19، بينما تضررت قوة الشرطة الوطنية بشدةرابط خارجي من الفيروس، مع حوالي 24 ألف حالة مؤكدة وحوالي 400 حالة وفاة في صفوف أبناء هذه المؤسسة. ومنذ منتصف يوليو الماضي، سجلت “مادري دي ديوس” Madre de Dios ، التي كانت نقطة محورية لتعدين الذهب غير القانوني، أعلى معدل للإصاباترابط خارجي داخل البلاد.

ويؤكد ديل كاستيلو أنه حتى مع وجود ثلث قدرة قواته فقط في عام 2019، كان تأثير اجراءات تطبيق القانون في نطاق منطقة لا بامبارابط خارجي الشاسعة في إقليم مادري دي ديوس، والتي أصبحت منطقة قاحلة، تأثيراً إيجابياً.

لكنه يضيف: “بسبب وجود سلطات تطبيق القانون والخوف من الملاحقة القانونية، فإن العديد من عمال المناجم في مادري دي ديوس، هاجروا إلى مناطق أخرى حيث لم يكن حضور السلطات هناك قوياً “، وذلك لمواصلة أنشطتهم غير المشروعة. ويقول الجنرال إن الكثيرين انتقلوا إلى مناطق “لا ليبرتاد”، في الشمال الغربي من البلاد، و”أريكويبا” وأجزاء من “كوسكو” بالقرب من مادري دي ديوس، حيث لم يعد هناك الكثير من أعمال إزالة الغابات، ولكن حيث تنتشر انتهاكات حقوق الإنسان ويتفشى التلوث. كما أقام آخرون معسكرات للتعدين بشكل غير قانوني فيما يسمى بممر التعدين في مادري دي ديوس، حيث لا يُسمح عادة بالتعدين إلا في ظل ظروف معينة.

ويستطرد قائلاً: “بالنظر إلى المكاسب المحتملة، فإنهم يواصلون العمل غير القانوني. لن يقول أحدهم: “لقد انتهيت وسأعود إلى المنزل”، بل سيستمرون، ولن يتوقفوا حتى تصبح سلطة الدولة حاضرة بشكل أقوى”.

ويقول لويس هيدالغو، محافظ مادري دي ديوس، لصحيفة “الكوميرسيو” El Comercio رابط خارجي اليومية الوطنية، إنه مع استمرار التعدين، فإن التجار “غير الرسميين” في “بويرتو مالدونادو” عاصمة المنطقة، يدفعون أقل من نصف السعر المعتاد، حيث أصبحت هذه الخيارات محدودة الآن.

رجال يقفون أمام متجر لتجارة الذهب
أحد متاجر تجارة الذهب العديدة في مادري دي ديوس قبل اندلاع الجائحة. يستمر إنتاج المعدن وتداوله بسعر مخفض وفقًا لحاكم المنطقة، مع احتدام كوفيد – 19. Paula Dupraz-Dobiaz

الحصول على الصيد الثمين

يعتبر ديل كاستيلو بأنه من المهم ملاحقة المسؤولين عن شراء الذهب وتبييض أمواله بتزوير المستندات التي قد يبدو فيها المعدن على أنه شرعي، وذلك “قبل تصديره إلى وجهات، مثل سويسرا ودبي والصين”.

وفي وقت سابق من هذا العام، كان ديل كاستيلو قد شارك في عملية حساسةرابط خارجي أسفرت عن اعتقال أعضاء شبكة مافيا عبر خمس مناطق في بيرو ومصادرة 200 كيلوغرام من الذهب متجهة إلى سويسرا وألمانيا ودبي والهند والصين. وكان استخراج الذهب يتم داخل أنفاق محفورة في التلال خلف هياكل مصنوعة لتبدو وكأنها منازل سكنية، حيث كان يتم حبس العمال في هذه الأنفاق ليلاً.

حقل
مروحية تابعة للشرطة تحلق فوق منطقة مدمرة في لابامبا في غابة بيرو في عام 2019، قبل خفض أعداد القوات بسبب الوباء. انتقل العديد من عمال المناجم غير القانونيين إلى مناطق أخرى من البلاد. Paula Dupraz-Dobias

كما تم تخزين صناديق الذهب وأكياس التربة الممزوجة بتركيز عالٍ من المعدن النفيس بقيمة تقدر بنحو 10 ملايين دولار بالقرب من مطار ليما الدولي ليتم تصديرها إلى تلك البلدان عبر شركات التعدين القانونية المسجلة في بيرو. وقامت إحدى تلك الشركات، “فيتا دورادا”، بتصدير الذهب إلى سويسرا في وقت مبكر من هذا العام، وفقاً لسجلات الجمارك البيروفية التي كشفتها إلى swissinfo.ch. وقالت الشركة لموقع “مونوغاباي” Mongabay الإخباري إنها “تشتري خام الذهب من عمال المناجم الرسميين والحرفيين الصغار المسجلين حسب الأصول لدى وزارة الطاقة والمناجم”.

ويقول ديل كاستيلو إن التحقيقات جارية لكشف المزيد عن العلاقات الأجنبية للتعدين غير القانوني.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية