الرفض اليوناني الذي يزرع الشك في البناء الأوروبي
برفضهم الواسع لمقترحات الدائنين الدوليين، قرّر اليونانيون اتباع توصية حكومتهم في لعبة الشدّ والجذب مع بروكسل. ولكن المخاطر المحدقة هائلة، ترى الكثير من افتتاحيات الصحف السويسرية. ومسألة الخروج من منطقة اليورو أصبحت الآن من القضايا الحارقة.
“الرفض الذي يهزّ أركان أوروبا”، “اليونان يختار المواجهة”، او كذلك “اليونانيون يتحدّون دائنيهم والإتحاد الاوروبي”، وكذلك “التصويت الذي يغيّر وجه الإتحاد الأوروبي”: هذه بعض العناوين التي تصدّرت واجهات الصحف السويسرية الصادرة يوم الإثنيْن 6 يوليو 2015. جميع هذه الصحف أفردت جزءً كبيرا من صفحاتها للإستفتاء الذي نظّمه يوم الأحد ألكسيس تسيبراس، الوزير الاوّل اليوناني الذي ينتمي إلى أقصى اليسار.
“بقولهم “لا” لمقترحات الدائنين الدوليين بنسبة 61.3% من الأصوات المشاركة “قرّر اليونان اتباع حكومته التي تأخذه إلى الفوضى”، تقول “البوند”، و”تاغس انتسايغر”. ووفقا لصحيفة “نويه لوتسيرن تساينونغ”، اختار اليونانيون ركوب مخاطر غير محسوبة العواقب، موقف “لا يتخذه المرء إلا عندما يرى أنه ليس لديه ما يخسره”.
المزيد
“المصرف الخاص” اليوناني
نفس اللهجة المثيرة نجدها أيضا في صحيفة “كورييري ديل تيتشينو”، الصادرة في لوغانو، “الليلة الماضية وُضِع حد لمرحلة تاريخية في مسيرة عملية التكامل الأوروبي. وتبدأ الآن مرحلة اخرى. غير متوقعة. ولا أحد يبدو مهيّأً لذلك. بجعة سوداء قطعت طريق عدم اليقين لقادة منقسمين وقصيري النظر. هاجسهم الوحيد، كان حماية مصالحهم الوطنية منفردة”.
لعبة محفوفة بالمخاطر
لعبة بوكر: من خلال هذا التشبيه حاولت صحيفة “بليك” الشعبية تحليل تصويت الناخبين اليونانيين ب “لا”: “انهم يراهنون على أن الإتحاد الاوروبي سيواصل المفاوضات، والأهم من ذلك أنه سيتخلّى عن متطلبات التقشّف”. ومن مصلحة بروكسل تجنّب زعزعة استقرار القارة العجوز، واليونانيون يعلمون ذلك، تضيف “بليك”.
مع ذلك تشتمل هذه اللعبة على مخاطر عظيمة: “التصويت ب “لا” بالأمس الاحد يعزّز بلا شك الموقف التفاوضي لليونان مقابل بروكسل، لكنه خطير جدا في نفس الوقت. وإذا ما نفذ صبر وزراء الإتحاد الأوروبي، فإن أوّل المتضررين سيكون اليونانيون أنفسهم. وهذه المرة بطريقة عنيفة جدا”.
إعادة الأصول اليونانية مطلوب
قال النائب البرلماني الإشتراكي عن زيورخ، سيدريك فيرموت، في حديث إلى swissinfo.ch أن “انتصار ألكسيس تسيبراس هو انتصار لليونان، ولأوروبا، وللديمقراطية”. وأن على سويسرا الآن أن “تطالب صندوق النقد الدولي بالإحترام الكامل لقرار الشعب اليوناني وبتغيير سياساته”. وقال هذا النائب السويسري قد انشأ لجنة لدعم اليونان مشكلة من شخصيات سياسية يسارية، أن على سويسرا كذلك: “بدء التحقيقات الازمة لإعادة الودائع المالية اليونانية المهرّبة، والمودعة بشكل غير قانوني في المصارف السويسرية منذ 2008”.
“نويه تسوخر تسايتونغ”، انفردت من بين جميع الصحف السويسرية اليومية بالتعبير عن رغبتها في رؤية اليونان يخرج من منطقة اليورو عقب هذا التصويت: “على قوات سيريزا أن تشق طريقها من اجل ايجاد حل لتحقيق استقرار نفقاتها وايراداتها من دون مساعدة “الأخ الاكبر الغني” في بروكسل. وسيعترف اليونانيون عاجلا ام آجلا أنهم سيكونون أكثر تنافسية في إطار يونانيتهم”. وهذا لن يلحق ضررا بأوروبا، وفقا لهذه الصحيفة القريبة من الدوائر الاقتصادية.
“أثينا تحترق”
إذا كان من الصعب تحديد الدلالات الحقيقية لهذا التصويت ساعات قليلة فقط بعد اعلان النتائج، الكثير من كتاب الافتتاحيات، مع ذلك رأو ا في تلك النتيجة رفض من اليونانيون لإجراءات وخطط التقشّف، دون التخلي عن انتمائهم للأتحاد الاوروبي: “إنها “نعم” لألكسيس تسيبراس، ولكنها ليست “لا” لأوروبا”، وفقا لما جاء في افتتاحية “لا تريبون دي جنيف”، وهي واحدة من اليوميات القليلة التي تعترف ب”شجاعة” الشعب اليوناني واخياره.
“بتصويتهم ب “لا” بالأمس، لم يمنح اليونانيون حكومتهم شيكا على بياض للخروج من منطقة اليورو: ومن الواضح أنهم لا يريدون العودة إلى الدراخما. هم يعتقدون أنه بالإمكان إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لتخفيف وطأة ديونهم في حين يظلون داخل منطقة اليورو”، تشدّد كذلك صحيفة “اكسبرس” الصادرة بنيوشاتيل.
وتشاطر صحيفة “لوتون” هذا التحليل، ولكنها تبدو أكثر قلقا بشأن عواقب هذا التصويت بالرفض، ونقرأ في افتتاحية هذه الصحيفة: “أثينا تحترق. نعم، والمشهد المتناقض أمام السياح الأوروبيين، المتراخين، المبتسمين والفرحين، مهما كانت جنسياتهم، بوجودهم في هذا البلد المضياف، وفي مواقعه الأثرية العريقة، تحت أشعة الشمس، وعلى الشواطئ، لكن كل ذلك لا يجب ان ينسي المخاطر المحدقة”.
اطفاء الحريق
“ما العمل الآن؟”، تتساءل صحيفة “لوتون”: “الإجابة الوحيدة الممكنة، كما هو الحال مع اندلاع أي حريق، هو الإسراع بعمل ما هو ممكن من أجل إطفائه. “فالقليل جدّا، والمتأخّر جدا “، هذا الجرح النازف في الجسد الأوروبي، لم يعد بالإمكان أن يتواصل. والشعب والاقتصاد في اليونان بحاجة إلى أفق واضح، وإلى مواجهة الحقيقة. وهذه الحقيقة لا يجب أن تختفي وراء شروط من الصعب الإيفاء بها، وإصلاحات لا تغادر مكانها، وجدولة زمنية للسداد أو لعائدات الضرائب لا يمكن الدفاع عنها”.
في المقابل، لا تخفي افتتاحيتا كل من “البوند” و”تاغس انتسايغر” انتقاداتها تجاه اليونان: “التوافق يبدو شيئا معابا لدى البعض في أثينا. اليونان تريد أن تظل عضوا في منطقة اليورو، لكن من دون احترام قواعد اللعبة. والبلطيق والسلوفاك وسلوفينيا، الذين هم أشدّ فقرا من اليونان، يجب عليهم التنازل عن المليارات التي منحوها إلى هذه الأخيرة. ولا تزال حكومة أثينا تريد المزيد من المال، ومن التضامن والدعم، ولكن من دون أي شروط”.
مع ذلك، لم تفتقر اليونان يوما إلى المال. وحتى قبل اندلاع الازمة، كان هذا البلد يحصل على تدفقات ضخمة من اموال الدعم الاوروبي، تقول هاتان الصحيفتان الناطقتان بالألمانية.
ما الفائدة من اليورو؟
درسان رئيسيان يمكن استخلاصهما مما جرى في الآونة الأخيرة في اليونان وفقا لتحليل “كورييري ديل تيتشينو”، الناطقة بالإيطالية: “بالإمكان أن تكون هناك ديمقراطية فدرالية اوروبية من دون عملة موحّدة. ولكن لا يمكن أن تكون لدينا عملة موحّدة من دون ديمقراطية. العملة هي اوّل مؤشر على الثقة بالنسبة لأي تجمّع وإذا كان المواطنون الأوروبيون يؤمنون بالمشروع الاوروبي، فإن العملة الموحّدة هي المشروع المستقبلي”.
في النهاية تبدو “أورغاور تسايتونغ”، أكثر تفهما للتصويت بالرفض من طرف اليونانيين. وهذا التصويت لا يجب ان يفهم كبادرة تهديد، بل كحجة أخلاقية لا يمكن لأوروبا أن تتجاهلها.
وتضيف هذه اليومية السويسرية: “من المرعب إلى أي حد، كان الساسة الأوروبيون، يفتقرون إلى الإحساس بالتعاطف، وهو يمارسون الضغوط على اليونان قبل هذا الاستفتاء. الاقتراع الشعبي هو اداة للتعبير الديمقراطي، ويجب ان ينظر إليه كذلك. وعناد تسيبراس، والذي لم ينقطع عن تذكير اوروبا بقيمها الاساسية، أي السلام والتضامن، يصبّ أيضا في مصلحة الاتحاد الأوروبي”.
(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.