الزراعة السويسرية تختبر علفًا يقلل انبعاث غاز الميثان من الماشية
الأبقار لا تنتج الحليب واللحوم فقط ، وإنما تنتج أيضًا انبعاثات غاز الميثان الذي هو أحد أهم غازات الدفيئة. ويمكن لمضافات الأعلاف تقليل تلك الانبعاثات الناجمة عن تربية المواشي، والمساهمة في زراعة أكثر استدامة، إلا أن آثارها على الحيوانات على المدى الطويل يبقى موضع تساؤل.
لقد بلغ السيل الزبى، هكذا يمكن وصف حالة الإحباط التي يشعر بها طوماس فافر وغيره من المزارعين الشباب، حيث يقول : “نحن متهمون بتلويث البيئة، مع أننا نبذل ما في وسعنا للحماية المناخ والبيئة”.
فالمزارع البالغ من العمر 34 عامًا يدير مزرعة عائلية في قرية لوكري، الواقعة في كانتون فريبورغ بين تلال غرب سويسرا الساحرة، ويقوم بتربية حوالي خمسين بقرة، معظمها من سلالة مونتبِليارد الملوّنة ببقعتين حمراء وبيضاء، وفي كل عام ينتج 150 ألف لتر من الحليب، تدخل في إنتاج جبن غرويير السويسري الشهير، فضلًا عن عدة قناطير من اللحوم التي تُباع للمستهلكين بطريقة مباشرة.
في 25 سبتمبر 2022، رفض الشعب السويسري المبادرة الشعبية الداعية إلى حظر التربية الحيوانية المكثّفة في سويسرا ، والتي تهدف ، وفق لجنة المبادرة ، إلى حماية رفاهية الحيوانات، ثم التأثير الإيجابي على المناخ، باعتبار أن التخلي عن الإنتاج الحيواني على نطاق صناعي من شأنه أن يساهم في تقليل ما ينتج عن تربية المواشي من انبعاثات (غازي الميثان وثاني أكسيد الكربون) وملوثات (الأمونيا)، كما يقلل من استيراد نباتات الأعلاف كفول الصويا الذي تتطلب زراعته مساحات واسعة .
ومزرعة طوماس فافر هي واحدة من المزارع السويسرية متوسطة الحجم (22 هكتارًا) ، ترعى حيواناتها في مروج خضراء مسيّجة تحيط بالحظيرة ، ونحن في هذا اليوم من نهاية شهر أغسطس، لا تزال بعض المواشي في المراعي الجبلية الألبية، ويشير فافر إلى مساحات من الأرض ، مغطاة بنباتات الهندباء ، رعتها الأبقار قائلًا: “كل هذه المروج الخضراء … إنها مستودعات كربون” ، ويضيف: “إن لها دورًا إيجابيًا في المناخ”.
بيد أن تحسين البصمة الكربونية لمزرعة فافر لا يتوقّف على المراعي فقط ، فهو ، منذ شتاء عام 2021 ، يغذِّي ماشيته بمضافات غذائية خاصة تكمّل النظام الغذائي القائم على العشب والتبن والأعلاف المركزة ، ومن شأنها تقليل انبعاثات غاز الميثان ، ويقول: “أنا لست استثناءً ، فأنا أعرف العديد من المزارعين يفعلون نفس الشيء”.
ومن خلال مزرعته المتواضعة، يساهم مزارع فريبورغ في حل مشكلة عالمية، فالميثان غاز دفيئة قوي وبدون حدوث انخفاض حاد في انبعاثاته في السنوات القادمة لن يكون ممكنًا الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري عند 1,5 درجة مئويةرابط خارجي.
120 كغم من الميثان لكل بقرة
غاز الميثان له أكبر تأثير على المناخ بعد غاز ثاني أكسيد الكربون ، ومع أنه أقصر منه عمرًا ، أو أقل منه بقاء في الغلاف الجوي ، بكثير ، إلا أنّ له قدرة احترار تفوق على مدى 20 عامًا قدرة غاز ثاني أكسيد الكربون بـ 80 مرة.
والجزء الأكبر من الميثان ، أي حوالي 60٪ ، هو من صنع الإنسان ومرتبط بالأنشطة الزراعية لاسيما تربية الماشية وبمعالجة النفايات وصناعة الوقود الأحفوري ، وقد تضاعفت نسبة تركيز الميثان في الغلاف الجوي قياسًا لما كان عليه الحال في حقبة ما قبل الصناعة.
الميثان تنتجه الأبقار وغيرها من الحيوانات المجترة ، بواسطة البكتيريا الموجودة في بطن البقر، وهي الجزء الأول والأكبر من المعدة المكونة من أربعة أجزاء ، وأساسًا يتكوّن الميثان أثناء تخمر الألياف النباتية ، ويخرج غالبًا عن طريق الفم مع زفير الحيوان أو تجشؤه ، كما ينتج غاز الميثان أيضًا عند تحلل الروث في التربة.
وبينما تنتج البقرة الواحدة ما بين 70 و 120 كغم من الميثان سنويًا ، فإن جميع المواشي في العالم ، سواء تلك التي يتم تربيتها للحوم والألبان ، أو غيرها ، تطلق في الغلاف الجوي سنويًا ما يعادل 3,1 مليار طن من ثاني أكسيد الكربونرابط خارجي ، ولو افترضنا وجود هذا العدد من المواشي في بلد واحد ، لعُدّ أكبر منتج لغازات الدفيئة بعد الصين والولايات المتحدة.
> > ما هو التأثير البيئي لطعامنا ؟
وفي سويسرا ، يعتبر القطاع الزراعي مسؤولاً عن 83٪ من انبعاثات غاز الميثان، وفقًا للمخزون الوطني لغازات الاحتباس الحراري ، وفي العام الماضي ، تعهدت سويسرا ومائة دولة أخرى بخفض انبعاثات الميثان بنسبة 30٪ بحلول عام 2030رابط خارجي ، وهذا الهدف يمكن تحقيقه بتحسين إدارة الأعلاف ، وخاصة بتغيير نوعية التغذية للمواشي في المزارع.
وفي تصريح لـ SWI swissinfo.ch ، قال موتيان نيو ، أستاذ التغذية الحيوانية في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ: “يمكن لمضافات الأعلاف أن تلعب دورًا هامًا جدًارابط خارجي ضمن استراتيجية الحد من انبعاثات الميثان من المواشي”.
ميثان أقل وحليب أكثر
بإمكان مضافات الأعلاف أن تعيق إنتاج الإنزيمات المسؤولة للميثان ، أو تغيّر الظروف المساعدة في تكوين الميثان داخل الأمعاء ، وقد تحتوي على زيوت أساسية أو نترات أو تانينات أو مستخلصات نباتية طبيعية.
ويستخدم فافر مستحضرًا يتركّب من القرنفل والجَزر البري وبذور الكزبرة ، طورته شركة أغولين السويسرية وتوزعه شركة التغذية الحيوانية “اتحاد التعاونيات الزراعية UFA”رابط خارجي ، ولا يكلفه أيَّ عناء لأنه يدخل تلقائيّا كمادة مضافة في تركيبة العلف ال الذي إعتاد أن يحصل عليه.
وتشير الدراساترابط خارجي التي أجريت في الولايات المتحدة وهولندا وإسبانيا وبريطانيا ، وبعضها أجريت على عدد محدود من الحيوانات ولمدة أسابيع قليلة فقط ، إلى أن مستحضر أغولين يقلل إجمالي انبعاثات الميثان بنسبة 10 إلى 20٪ ، وأن المنتج، وفقًا لبياتريس زويفيل المديرة الفنية لشركة أغولين ، هو حاليًا داخل ضمن النظام الغذائي لحوالي 5٪ من أبقار الألبان في أوروبا.
ويشار إلى أن فافر يتلقى المادة المضافة دون أي تكلفة إضافية ، مقابل أن يتنازل للتعاونية الزراعية فيناكو ، التي ينتمي إليها والمالكة لشركة اتحاد التعاونيات الزراعية “UFA” ، عن حقه فيما يتحصل عليه من خفض للانبعاثات، واعتبارًا من هذا الخريف، ستبدأ فيناكو في إصدار شهادات ثاني أكسيد الكربونرابط خارجي لتبيعها في الأسواق الدولية لتعويض الانبعاثات.
وبحسب شركة فيناكو ، يمكن عن طريق أبقار الألبان في سويسرا توفير “مئات آلاف الأطنان” من إجمالي مكافئ ثاني أكسيد الكربون البالغ 1,9 مليون طن سنويًا ، فضلًا عن أن المادة المضافة المستخلصة من النباتات ، تتميّز ، وفق دراسةرابط خارجي حديثة ، بقدرة طفيفة على زيادة إدرار الحليب.
أيّ تأثير على صحة الحيوانات؟
لكن ليس الأمر بتلك البساطة، إذ يوضّح جويل بيرارد ، من مركز الاختصاص السويسري للبحوث الزراعيةرابط خارجي “آغروسكوب Agroscope” ، أن استخدام مثبطات الميثان لا يزال مجالًا غضًا نسبيًا وتنقصه الخبرة العملية ، وفي رسالة إلكترونية بعثها إلى SWI swissinfo.ch قال: “حدوث انخفاض كبير في إطلاق الحيوانات للميثان لم يثبت على المدى الطويل إلا في حالات معزولة”.
وقد خلص تقييمرابط خارجي لفعالية مضافات الأعلاف، نُشر في نهاية عام 2021 ، إلى أن ثلاث فئات فقط (3-نيتروكسي بروبانول ، وطحالب الأسباراغوبسيس ، والنترات) من ضمن عشر فئات من المكملات الغذائية التي شملتها الدراسة هي التي تقلل من انبعاثات الميثان بنسبة تزيد عن 10٪.
ويشير غويل بيرارد إلى إشكالية أخرى ، وهي أن الآثار طويلة المدى على صحة الحيوان لا تزال غير معروفة ، وبحسب تقريررابط خارجي نُشر في يونيو 2022 ، من الممكن أن تؤثر زيادة استخدام الزيوت النباتية والبذور الزيتية سلبًا على وظيفة الكرشة ومكونات الحليب ، فيما قد تؤثر النترات على صحة الحيوان ، ويقول بيرارد: ” أيضًا يمكن للإضافات أن تهاجم الكائنات الحية الدقيقة المفيدة الموجودة في بطن البقر ، أو تمنعها من تأدية دورها الذي يتيح الاستخدام الأمثل لموارد الغذاء الطبيعية، وخاصة الألياف والعشب والتبن”.
وفي المقابل ، أكّد موتيان نيو ، الأستاذ في المعهد التقني الفدرالي العالي ، على أن: “أي تأثيرات قصيرة أو طويلة المدى تعتمد على الجرعة وتحتاج إلى الدراسة بعناية” ، وشدد على أهمية مراعاة الجوانب الأخرى للنظام الغذائي للحيوان ، مثل التناسب بين نسبتي العلف والمركزات ، كما أن زيادة طول عمر الأبقار ، والاختيار الجيني للحيوانات منخفضة الانبعاثات ، قد يساعد في تقليل نسبة انبعاثات الميثان مقابل لتر واحد من الحليب المنتج.
تقليل استهلاك اللحوم
وفي حال تعذّر تلك الحلول ، فلن يكون أمامنا سوى الحد بشكل كبير جدًا من أعداد الماشية ومن استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان ، على نحو ما دعت إليه منظمات رعاية الحيوان والبيئة مثل منظمة السلام الأخضر غرينبيسرابط خارجي ، وهو الحل الذي لا يروق لطوماس فافر.
وفي الوقت الحالي ، ليس في وسع فافر تحديد ما إذا كان للمادة المضافة المثبطة للميثان تأثير حقيقي على انبعاثات ماشيته ، نظرًا لوجود عوامل أخرى يمكن أن تؤثر على عملية التمثيل الغذائي، كموجة الحرارة الاستثنائية والصدمة الحرارية أبان الصيف الفائت ، في حين أكّد مُزارعنا أن طعم الحليب الذي ينتجه لم يتغير ، وأنّ: “الأبقار بصحة جيدة ، وهذا هو المهم”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.