الصادرات السويسرية من العتاد الحربي تعود إلى واجهة الأحداث
اعتبر خبراء قانونيون أن التشريعات السويسرية بشأن تصدير العتاد الحربي لا زالت تفتقر إلى الشفافية بخصوص الإستخدام النهائي لصادرات الأسلحة.
وبالرغم من متانة هذه القوانين وصرامتها، إلا أن دراسة بعنوان “صادرات الأسلحة السويسرية على المِحك – الاختلاف بين القانون والممارسة”، أنجزها باحثون في جامعتي برن وزيورخ، كشفت عن الحاجة إلى بذل مزيد من الجُهد لضمان تنفيذها بشكل صحيح.
وكانت الحكومة السويسرية تعرّضت في ديسمبر 2011 إلى الإنتقاد، إثر قرارها رفع حظر تصدير المُعدّات الحربية المفروض على دولة قطر منذ ستة أشهر، بسبب انتهاك الدوحة لاتفاقية انتشار الأسلحة، إذ تمّ العثور على ذخيرة من صنع شركة “رواغ Ruag” السويسرية بين أيدي الثوار في ليبيا. وقد وصفت كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية، المسؤولة عن منح تراخيص تصدير جميع أنواع العتاد الحربي العملية بأنها كانت مجرد “خطإ عسكري لوجستي”.
ويوم الخميس 22 مارس، أعلنت شركة رواغ Ruag التي تمتلك الحكومة السويسرية أغلبية أسهمها أن أرباحها الإجمالية في عام 2011 بلغت 97 مليون فرنك أي بزيادة 5،9% عن عام 2010. وفي الوقت نفسه، وفرت مبيعاتها إلى الجيش السويسري حوالي 37% من كامل المداخيل التي بلغت 1،77 مليار فرنك.
وفي حديث مع swissinfo.ch، أوعز الكسندر سبرينغ، أحد المشرفين على إعداد دراسة بعنوان “صادرات الأسلحة السويسرية على المحك – تباين بين القانون والممارسة” لفائدة منتدى “فوراوس Foraus” وهو عبارة عن خلية تفكير حول السياسة الخارجية السويسرية، بوجود نقص في الشفافية، سواء بالنسبة لقرار استئناف صادرات الأسلحة إلى قطر، أو فيما يتعلق بالتحريات التي أعقبته.
وأضاف سبرينغ قائلا: “نحن لا نعلم شيئا حول هذه التفتيشات التي تجري بعد عملية الشحن”، مضيفا أنه “من خلال هذا السطر الوحيد (الوارد في البيان) حول خطإ لوجيستي، ليس بإمكاننا القول ما إذا كان (وهذه حالة قصوى) موظفا عاملا لدى السفارة السويسرية في قطر هو الذي ذهب إلى مستودع الذخيرة واطلع على بعض الصناديق أم أن الأمر تعلق ببعض الخبراء من وزارة الدفاع المؤهلين فعلا للقيام بعملية تفتيش لما بعد الشحن؟”
أما سايمون بلوس، المسؤول عن مراقبة الصادرات في كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية فقد ردّ في رسالة بالبريد الإلكتروني على سؤال وجّهته إليه swissinfo.ch مؤكدا عدم حصول أي نوع من التفتيش بعد عملية الشحن، “ذلك أن قطر بنفسها أكّدت منذ البداية أن القصور في المهام اللوجستية، كان وراء تسليم الذخيرة السويسرية إلى المعارضة الليبية”.
وبعد أن أشار بلوس إلى تحول مندوبين عن الحكومة السويسرية مرّتين إلى الدوحة للحصول على معلومات مفصلة حول الموضوع ومناقشة كيفية التوصل إلى حل للمشكلة، أضاف “قرّرت كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية أن تقوم، على كل حال، بعمليات التفتيش لِما بعد الشحن، وحيث أن الإجراءات والمقاصد تختلف من حالة إلى أخرى، فمِن المفروض أن يتم الإتِّفاق عليها مع البلد المستقبِـل للعتاد الحربي عبْـر القنوات الدبلوماسية”.
الصادرات الهندية
من جانبه، اعتبر توبياس شنيبلي، الناشط في منظمة “من أجل سويسرا بدون جيش” غير الحكومية، أن المشكلة تكمُن في عدم وجود شفافية كافية بشأن الإستخدام النهائي للصادرات، وأشار إلى صفقات الأسلحة من المَدافع الرشاشة والبنادق الهجومية، التي تم تصديرها في عام 2011 إلى أجهزة الشرطة الرسمية في ولايتي أوريسا وجهارخاند الهنديتين، باعتبارها مثيرة للجدل، ذلك أن كِلتا الولايتين انخرطتا في السنوات الأخيرة في صراع دمَوي بين السلطات الهندية ومتمرِّدي الجماعات الماوية، المعروفة باسم جماعة ناكساليت، راح ضحيته الآلاف من الأشخاص.
وفي عام 2011، صدّرت سويسرا عتادا حربيا إلى الهند بقيمة حوالي 7,4 مليون فرنك سويسري، بزيادة حوالي 6,03 مليون فرنك عمّا كان في عام 2010، مما جعل الهند في المرتبة الـ 16 بين أكبر مستورِدي المعدّات الحربية السويسرية.
وأضاف شنيبلي: “لقد ثبت بأن الشرطة في ولاية أوريسا استخدمت الأطفال القُصّـر تحت سن 16 سنة، لمحاربة المتمرِّدين في تلك المناطق”، مشيرا بذلك الى المخاوف التي أثارتها منظمة حقوق الإنسان غير الحكومية “هيومن رايتس ووتش”. وأوضح الناشط الحقوقي: “قالت لنا كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية بأنها ستقوم بإجراء عمليات تفتيش، وفي اعتقادنا أن المنظمات غير الحكومية يجب أن تطالِب بأن يشارك ممثلون عن منظمات حقوق الإنسان في تلك العمليات، لمعرفة مَن هو المستخدِم النهائي لهذه الأسلحة، وإلا كان من السّهل على قوات الجيش وأجهزة الشرطة إخفاء الحقيقة”.
من جهة أخرى، لفت بلوس إلى أن عمليات التفتيش بعد الشّحن، ربما تمس سيادة الدولة، وإشراك مراقِب مستقِل، مسألة في “غاية الحساسية”، وبالتالي، ينبغي التعامل معها بـ “حذر”. وألمح إلى أن صادرات الأسلحة إلى ولايتَي أوريسا وجهارخاند “يجب التعامل معها كحالة خاصة”، وفي بعض الحالات، عمدت سويسرا إلى إقرار وجوب القيام بعمليات التفتيش بعد الشّحن وإلى طلب تأكيد خَـطّي بأن لا يتم استخدام الأسلحة ضد السكان المدنيين.
في سياق متصل، نـوّه سايمون بلوس إلى أنه “يجب الأخذ بعين الإعتبار أن الغرض من بعض الأسلحة المُصدّرة، هو حماية الشخصيات المهمة. وفعلا، يتم استخدامها في ذات الشأن”، كما أن “هذا الصنف من الأسلحة باهظ التكاليف واقتناؤها وصيانتها تحتاج إلى كفاءة عالية، ولذلك، لا يُمَكن من استخدامها إلا القوات الخاصة من ذوي الخِبرة المدرّبين تدريبا جيدا، وليس أفراد الشرطة العادية، الأمر الذي يقلل من خطر سوء الإستخدام”.
قانون صارم
جدير بالذكر، أن القانون السويسري يحظر صراحة تصدير العتاد الحربي إلى البلدان المشاركة في صراع مسلّح، داخلي أو خارجي أو حيث يوجد احتمال قوي بأن يتم تمرير هذه الأسلحة إلى “جهة أخيرة غيْر مرغوب فيها”، أو حيث توجد مخاطر من أن يتِم استخدامها ضدّ السكان المدنيين، كما يشمل الحظر الدول التي ترتكِب انتهاكات مُمَنهَجة لحقوق الإنسان. ويُراعَى أيضا وجوب الحفاظ على السِّلم وعدم تجنيد الأطفال والتصرّف وِفقا للقانون الدولي والإلتزام بالتعاون في مجال التنمية السويسرية.
في الأثناء، بلغت قيمة الصادرات السويسرية من العتاد الحربي نحو 872,7 مليون فرنك سويسري في عام 2011، محققة بذلك زيادة بنسبة 36٪ عمّا كانت عليه في عام 2010، الذي تم فيه بيع طائرات تدريب عسكرية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بقيمة 258,8 مليون فرنك، بحسب كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية.
وفي نفس السياق، يتفق سبرينغ من منتدى “فوراوس Foraus” وشنيبلي من منظمة “من أجل سويسرا بدون جيش” على أن القانون السويسري، الذي يحكم تصدير العتاد الحربي، هو من بين القوانين الأكثر صرامة في العالم، إلا أنه لا يزال يعتريه بعض الغموض، وسيكون من الجيد، برأي سبرينغ، “إدخال بعض التعديلات” عليه. بينما يرى شنيبلي أنه يترك “هامشا كبيرا من التفسيرات” عند التطبيق.
وبدوره، تساءل سبرينغ حول مدى الفائدة التي تعود على الإقتصاد المحلي من جرّاء صادرات العتاد الحربي، باعتبار أنها لا تمثل سوى 0,4٪ من إجمالي الناتج المحلي، غير أن جان أتيسلاندر، المتحدث باسم “رابطة الشركات السويسرية”، قال لـ swissinfo.ch: “إن صناعة الدِّفاع السويسرية مـزوّد مهم بالمهنيّين من ذوي المهارات العالية وبالمنتجات إلى المناطق الصناعية الأخرى”.
يعود تاريخ أول فضيحة ارتبطت بتصدير معدات حربية إلى الحرب الأهلية في نيجيريا. ففي عام 1968، عُلم أن طائرات تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر تعرضت للقصف بصواريخ مصنوعة في سويسرا.
بعد عشرة أعوام، اتضح أنه بالإمكان إدخال تغييرات يسيرة على طائرات التدريب من طراز PC-7 المصنوعة من طرف شركة بيلاتوس السويسرية كي تتمكن من استخدام القنابل.
في الأثناء، أشارت تقارير إلى أن طائرات PC-7 التي لُقبت بـ “قاذفات الفقراء” بسبب تكلفتها الزهيدة، قد تكون استخدمت من طرف وكالة الإستخبارات الأمريكية في عمليات نظمتها في كل من لاوس وميانمار وغواتيمالا والمكسيك وتشيلي وبوليفيا ونيجيريا.
في السنوات الأخيرة، تم العثور على منتجات تابعة لنفس هذه الشركة السويسرية المتخصصة في صناعة الطائرات في كل من العراق وجنوب افريقيا وإقليم دارفور غرب السودان.
في عام 1972، أطلقت مجموعة من دعاة السلام أول مبادرة (من جملة ثلاث) تطالب بحظر تصدير العتاد العسكري من طرف سويسرا. جميع هذه المبادرات، بمن فيها تلك التي تم التصويت عليها عام 2009 ولم تحصل على تأييد أكثر من 32% من الناخبين، قوبلت بالرفض.
في يوليو 2011، عاد الإعلام ليسلط الأضواء مجددا على ملف تصدير العتاد العسكري، عندما تم العثور في ليبيا على بعض الذخائر بيعت في الأصل إلى دولة قطر، وهو ما اعتبر انتهاكا لاتفاق التصدير الخاص بها.
على الفور، قامت كتابة الدولة السويسرية للشؤون الإقتصادية بتجميد الصادرات إلى الدولة الخليجية على مدى ستة أشهر إلا أن التحقيقات أظهرت أن الأمر تعلق بـحدوث “خطإ في المجال اللوجيستي العسكري”.
ارتفع حجم التجارة العالمية للأسلحة خلال الفترة ما بين عامي 2007-2011 بنسبة 24٪ عما كان عليه خلال فترة الأربع سنوات التي سبقتها.
أكبر خمس دول مستوردة للأسلحة، جميعها آسيوية.
بلغت حصة آسيا وأوقيانيا 44٪ من واردات الأسلحة العالمية، تليها أوروبا (19٪)، والشرق الأوسط (17٪) والأمريكتين (11٪) وإفريقيا (9٪).
سجلت الهند خلال هذه الفترة، أكبر حجم استيراد للأسلحة في العالم، حيث بلغت وارداتها من الأسلحة 10٪ من مجموع واردات الأسلحة العالمية، ثم جاءت بعدها أربع دول أخرى في الترتيب وهي: كوريا الجنوبية (6٪)، وباكستان (5٪)، والصين (5٪) وسنغافورة (4٪).
واصل كبار المُوردين عمليات تصدير الأسلحة إلى بلدان ما عُرِف بالربيع العربي، على الرغم من مراجعتها في عام 2011 لسياساتها حيال نقل الأسلحة إلى تلك المنطقة، فيما لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية المورد الرئيسي للأسلحة إلى كل من تونس ومصر، وفي عام 2011، سلّمت الولايات المتحدة إلى مصر 45 دبّابة من نوع ام 1 أي1 ووافقت على إرسال 125 دبّابة أخرى.
في حين زوّدت روسيا سوريا بنحو 78٪ من مجموع الواردات السورية من الأسلحة التي كانت خلال الفترة بين 2007 و2011، وواصلت خلال عام 2011 تسليم سوريا بطاريات صواريخ أرض-جو من نوع بوك وبطاريات دفاع صاروخية من نوع باستيون- بي، فضلا عن توقيعها اتفاقا بتزويد سوريا بـ 36 طائرة تدريب وقتال من طراز ياك 130، مما ساهم في زيادة حجم واردات سوريا من الأسلحة بنسبة بلغت 580٪ بالنسبة للفترة التي سبقتها والتي كانت بين عامي 2002-2006.
(المصدر: التقرير السنوي لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بتاريخ 19 مارس 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.