هل تليق عاطفياً لهذه الوظيفة؟ اختبار سويسري يطلعك على ذلك
يُعتَبَر الذكاء العاطفي مهارة مطلوبة بشكل مُتنامي في مكان العمل، لكن ليس من السَهل على أرباب العمل مَعرفة الأشخاص الذين يتَمتعون بهذا النوع من الذكاء ومن يَفتقر إليه. حول ذلك، يَسعى اختبار طَوَّره عُلماء في سويسرا إلى قياس ميزة لا يمكن العثور عليها في السيرة الذاتية.
لقد أنتهيتَ للتو من العَمل في مشروعٍ إستغرق منك عدة شهور مُرهقة. وبينما تَستَعِد للعودة إلى روتين عملك اليومي وأنت فخور بإنجازك، يدخل رئيسك إلى مكتبك ويسأل عن سَبَب إهمالك لِمَهامك الأخرى، دون أن يُثني على عملك الممتاز في المشروع ولو بكلمة.
كيف ستكون ردة فعلك في حالة كهذه؟ هل تفكر بِتَرك عملك؟ أم توبّخ نفسك بسبب ضعف قدرتك على إنجاز مهام متعددة في نفس الوقت؟ أم إنك تتقبل ببساطة حقيقة أن الرؤساء لا يشعرون بالرضا التام أبداً؟ إذا اخترت تقبل هذا الوضع، فإن ذلك يعني خروجك بنتيجة جيدة على مقياس الذكاء العاطفي.
“إن تَحَلّيك بالكفاءة العاطفية لا يعني شعورك بالسعادة دائماً، لكنه يعني قُدرتك على فَهم وإدارة عواطفك الشخصية وعواطف الآخرين أيضاً والتعامُل معها. وهذه قد تكون سلبية أو إيجابية”، كما يوضح مارسيلو مورتيلّارو، العالم بجامعة جنيف، الذي يقف وراء اختبار جنيف للكفاءة العاطفيةرابط خارجي. الأمر هنا لا يتعلق بالتعبير عن المشاعر، بل بالقراءة ما بين السطور والتقاط الإشارات، ومَعرفة الوقت المناسب لتقديم التنازلات أو اللجوء للصمت.
ومع بَحث المزيد من الشركات عن شخص “مُناسب عاطفياً” للقيام بوظيفة ما، فإنهم يلجأون بشكل مُتنامي إلى إستخدام أدوات مثل تلك التي ساعَدَ مورتيلّارو في تطويرها، لِتَقييم الصفات والمهارات الشخصية (غير التقنية) لدى الأفراد، مِثل الإيثار، والتعاطف، والقُدرة على تسوية نزاعات لطالما اعتُبِرَت غير مادية، وغير مُقيسة، وشخصية إلى حَدٍّ بعيد.
العنصر المفقود
يقول عالم النفس الصناعي سيباستيان سيموني من شركة “نانتيسرابط خارجي” السويسرية للاستشارات في مجال الموارد البشرية، إن حادث تَحَطُّم طائرة “جرمان وينغز” في جبال الألب الفرنسية في مارس 2015 هو مثال على حاجة أماكن العمل للحديث عن الذكاء العاطفي.
وكان أن مساعد الطيار البالغ من العمر 27 عاماً، والذي تبين تَقَصُدَه تحطيم الطائرة، قد حَصَل على مذكرة مرضية من طبيبه تبين أنّ حالته الصحية لا تؤهله لممارسة مهام قيادة الطائرات. بَيد أن صاحب العمل لم يكن مُطلِعاً على هذه المعلومات.
“عندما نختار الطيارين لشركات الطيران، فإنهم يعرفون الآن مدى أهمية الصحة العقلية للطيارين”، يقول سيموني. “كلما كان الذكاء العاطفي للشخص معروفاً في وقت مُبكر، كلما كان ذلك أفضل”، كما يضيف.
الذكاء العاطفي
يعود التعريف المُستخدم على أوسع نطاق للذكاء العاطفي إلى كلٍ من جون ماير وبيتر سالوفي من جامعة ييلرابط خارجي الأمريكية. في عام 1990، وَصَف العالمان هذه المهارة الإجتماعية بأنها مجموعة من القُدرات المُتعلقة بالتمييز والفهم الدقيق لمشاعر الشخص ومشاعر الآخرين، واستخدام هذه القدرات بالطُرُق المناسبة لتحقيق الأهداف الفردية. يتضمن اختبار جنيف للكفاءة العاطفية (EmCo4) أربعة مكونات:
1. الاقرار بالمشاعر – القدرة على إدراك وتفسير وتصنيف التعبيرات غير اللفظية بِدِقة عند الآخرين.
2. فهم المشاعر – القدرة على فهم طبيعة وأسباب ونتائج عواطف الفرد الشخصية وعواطف الآخرين، وهو المُكَون الأكثر اقتراناً مع مفهوم التعاطف.
3. إدارة المشاعر – القدرة على الاستجابة المُناسبة لمشاعر الآخرين (التي عادة ما تكون سلبية) والتلطيف منها من خلال الاستراتيجيات السلوكية.
4. ضَبْط المشاعر – القُدرة على التعامل الفعّال مع المشاعر السلبية الخاصة ومُعالجتها باعتماد استراتيجيات التكيف.
لا يتم البحث عن الذكاء العاطفي فقط بين صفوف الطيارين، أو الأطباء، أو غيرهم مِمَن يعملون في وظائف تُعَرِضُهُم للضغوط. وقد جدت دراسة استقصائيةرابط خارجي أجراها موقع CareerBuilder للتوظيف قبل بضع سنوات، أن 71% من أرباب العمل يُقَدّرون الحاصل العاطفي أكثر من تقدريرهم لدرجات معدل الذكاء، كما تشير دراسات أخرى إلى أن الذكاء العاطفي هو أحد المؤشرات الرئيسية للنجاح في الوظائف، ابتداءً من الرؤساء التنفيذيين وحتى العاملين في تخطيط حفلات الزفاف.
تقييم العواطف
على الرغم من وجود بعض الاختبارات العلمية حول الذكاء العاطفي، لكن أياً منها لم يُصمَّم لموقع العمل على وجه الخصوص، حتى بدأ مورتيلّارو وزملاؤه في عام 2012 بتطوير اختبار الكفاءة العاطفية في جنيف. وكان هدفهم من ذلك هو تطوير “مقياس” يرتكز على العلوم الموثّقة والحقائق القائِمة في مَقر العمل.
بالإضافة إلى فريق سيموني في شركة “نانتيس”، الحاصل على براءة الاختراع التجاري للإختبار تحت اسم EmCo4رابط خارجي، جَمَع مورتيلّارو بين تقديرات الخُبراء والنظريات العلميةرابط خارجي وتوافق الآراء، وهو ما تضمن ردوداً من آلاف الأشخاص.
يَستخدم الاختبار مُتَعَدِّد الخيارات تَصورات حقيقية لأماكن العمل، وهو يَخرج بنتائج مُشابهة لاختبار معدل الذكاء. ويعني ذلك وجود إجابات صحيحة أو خاطئة لجميع أسئلة الإختبار البالغ عددها 115 سؤال.
ضِمن هذه الأسئلة على سبيل المثال تجد التالي: كيف يَتَعَيَّن عليك التَصَرُّف في حال تَجادل اثنان من زملائِك مع بعضهما البعض أمام عميل تحاول تجديد عَقدٍ معه؟ و: ماذا لو طَلَب منك رئيسك أن تَحُلَّ مَحَل زميل لتقديم عَرضٍ توضيحي في اليوم التالي حول موضوع لا يُمثل جُزءاً من مسؤولياتك، وفي وقت تكون فيه مشغولاً جداً؟ الإجابات الصحيحة قد تفاجئك.
على عَكس الاختبارات التي لا تَصدُر أي حُكم، يوفر هذا الاختبار نطاق ألوان من الأحمر إلى الأخضر اعتماداً على المكان الذي تضعك نتيجتك فيه مقارنة بالمتوسط.
“هذا الاختبار يجب أن يتعلق بالأداء، ولا يمكن تقديره ذاتياً”، يقول سيموني. “عندما نقوم بقياس الذكاء، تكون هناك بعض الأشياء الصحيحة وبعض الأشياء الخاطئة”.
الاختبار أيضاً ليس للمعرفة الذاتية، كما يشيع كثيراً في اختبارات أخرى. فـ “لتحديد مستوى ذكاء شخص ما، فإنك لن تسأله أبداً – ما هو مستوى ذكائك حسب اعتقادك؟” كما يوضح سيموني.
وبرأي كل من مورتيلارو وسيموني فإن الذكاء العاطفي مهارة يُمكن تَعَلُّمها، وهما يَرفضان فكرة كونه مهارة فطرية ثابتة. مع ذلك، يُحذر مورتيلارو من المُدَرِبين الذين يَعِدون بِتَعزيز الذكاء العاطفي باستخدام أساليب لا تَستَند على أي أساس علمي.
طلب قد يرتفع
مع تزايد التركيز على رفاهية الموظف ويقظته الفكرية الكاملة، فإن مورتيلارو يَتَوقع نمو الطلب على مثل هذه الاختبارات. ومنذ إصدار اختبار جنيف في عام 2017، تقوم شركة ‘نانتيس’ باستخدامه لتقييم جميع المُرشحين الذين يتقدمون للعمل لدى عملائها. ويشمل هؤلاء شركة ‘نستله’ وشركة ‘سانوفي’ لصناعة وتسويق الأدوية، بالإضافة إلى الحكومة السويسرية.
وماذا عن السويسريين؟
بالُمقارنة مع الثقافات اللاتينية على سبيل المثال، لا يُمكن القول بأن السويسريين هم الشعب الأكثر أظهاراً لمشاعرهم. لكن سيموني يشير إلى أن السويسريين يخرجون بنتيجة جيد للغاية عندما يتعلق الأمر بضبط الإنفعالات – عندما يكون التَحَكُّم بالمشاعر في ظل ظروف صَعبة مسألة مهمة.
وكما يوضح: “إن وجود شخص مثل دونالد ترامب [في موقع العمل] مستحيل في سويسرا، لإن أحداً لن يتهاون مع تصرف كهذا. إن شخصاً لا يتحكم بمشاعره لن يكون قادراً على العمل في مثل هذا المستوى”.
برأي العديد من الخبراء، فإن أحد الأسباب الُمضافة لارتفاع الطلب على الذكاء العاطفي هي أنه سيصبح عنصراً أساسياً للعمال مع تحول أماكن العمل بشكل متزايد إلى استخدام الروبوتات والتعلم الآلي لإنجاز مهام معينة. إحدى الفوائد الأخرى غير المباشرة لهذه التقييمات الموحدة هي قدرتها على تحقيق التكافؤ في التنافس على الفرص، ومواءمة الشخص المناسب مع الوظيفة المناسبة، بصرف النظر عن الجنس، أو الفئة العمرية، أو الخلفية الاجتماعية والاقتصادية.
لكن اختبار جنيف لا يزال غير جاهز تماماً للانتقال إلى المستوى العالمي – أي متجاوزاً الوظائف المكتبية في أوروبا وأمريكا الشمالية. ووفقاً لمُطَوري الإختبار، فإن استقرار سويسرا الاقتصادي وتقاليد أماكن العَمل غير الهرمية القائمة على الإجماع، يجعل منها مكاناً جيداً لتطوير مثل هذه الأداة.
“لن أقول إنه [الإختبار] لَنْ يصلح للاستخدام في شركة في إفريقيا أو أمريكا الجنوبية أو آسيا. نحن لا نعرف ذلك بعد، لأن أحداً لم يلجأ لاستخدامه هناك” يقول مورتيلارو.
المزيد
كيف تندمج في مكان العمل في سويسرا؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.