مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حقيقة الجيش العراقي الجديد وأسباب الانتِكاسات المتلاحقة

متطوّعون من القبائل السنية يرفعون العلم الوطني العراقي خلال حفل تخرّجهم في الحبّانية، الواقعة على بعد 80 كلم غرب بغداد يوم الأربعاء 17 يونيو 2015. Keystone

كشف العميد الرّكن المتقاعد إسماعيل السوداني، الملحق العسكري العراقي السابق في واشنطن والذي خدم 30 عاما في الجيش العراقي، الأسباب التي أدّت إلى انتكاسات القوات العراقية في الفلوجة والموصل، وأخيرا في الرمادي، وكيف أن الإحتلال الامريكي ومن خلال الأخطاء التي ارتكبها سواء بعد غزو الكويت او خلال تحريرها وما تلاه، قد أسهم في الوصول إلى هذا الوضع. 

هذه الاخطاء الأمريكية تتجلى على أكثر من صعيد: الحصار المحكم بعد غزو صدام للكويت، وتقليص قدرات الجيش العراقي بعد حرب تحرير هذا البلد الخليجي، وتسريح الجيش العراقي بعد احتلال العراق، أو في إعادة بناء قوات مسلحة عراقية جديدة، والفساد المالي والإداري داخل المؤسسة العسكرية، والمحاصصة والطائفية التي استشرت في عراق ما بعدَ الاحتلال.

التقت swissinfo.ch بالعميد إسماعيل السوداني للوقوف بشكلٍ مركّز على تحليله لانتِكاسات القوات العراقية وكيفية إصلاح ما أفسَده الاحتلال الأمريكي للعراق، وطريق الخلاص من تمدّد تنظيم الدولة “داعش” في العراق، وهذا هو نص الحوار:

swissinfo.ch: وزير الدفاع الأمريكي تشكك في وجود رغْبة قتالية لدى القوات العراقية، استنادا إلى هرَبِهم أمام تنظيم “داعش” في الموصل أولا، ثم في الرمادي. فهل تتّفق معه في ذلك، أم لك تفسير آخر؟

العميد إسماعيل السوداني: أنا لا أتَّفق مع الوزير، لأن وضع اللَّوم على الجيش العراقي بشكلٍ مُطلق، وهو جزء من تحالُف دولي ترأسه الولايات المتحدة الأمريكية، هو عبارة عن تنصّل من المسؤولية والْـتزامات التحالُف الدولي بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، في الحرب للقضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي.

إن هناك أسبابا أكبر من تشخيص الوزير لِما حدث في الرمادي. فالاختلافات السياسية بين الشركاء الدوليين والإقليمين والمحليِّين مع العراق حول الخيارات المطروحة، دون إعطاء البديل المكافِئ، أدّى إلى عرقلة تنفيذ تحقيق الهدف من إستراتيجية القضاء على هذا التنظيم. إضافة إلى ذلك، الإسناد الجوي، الذي يُفترَض أن يقدِّمه التحالف للجيش العراقي، لم يرقَ إلى مستوى العمليات وتحييد تحركات التنظيم واستنزاف قدراته العملياتية واللوجستية بالشكل الذي يفسح المجال أمام القوات العراقية لانتزاع واستعادة الأرض التي يسيطر عليها التنظيم. إن الجيش العراقي ونتيجة القتال المُستمِر دون توقّف ولمدة 18 شهرا دون توفر وحدات بديلة، استنزف الكثير من قدراته العملياتية، حيث أن القيِاسات العسكرية تنُص على أن كل وِحدة تعطى كل 6 أشهر فترة شهر لإعادة التنظيم والتدريب، إلا أن ذلك لم يحصل.

swissinfo.ch: هل قيادات “داعش” من ضباط صدّام حسين الذين أبعدهم بول بريمر، الذي أدار العراق بعد الاحتلال، أكفأ من القيادات العراقية الحالية في التكتيك والتخطيط العسكري؟

العميد إسماعيل السوداني: المقارنة بهذا الشكل، ليست منطقية، ولكنهم يتّفوقون على قيادات الجيش الحالية بأمريْن أساسييْن هما: الاستخبارات وأسلوب العمل والقيادة والسيطرة. ففي حرب العِصابات عندما تكون البيئة توفّر حواضن حامية ولوجستية للتنظيمات المسلحة، يكون من الصعب الحصول على معلومات استخباراتية موثوقة ومعتمد عليها. أما أسلوب العمل، فإن العِصابات الإرهابية خاصة تعمل بشكل لا مركزي، ولقياداتها حرية العمل في مسرح العمليات، كما أنها لا تلتزم بقواعد اشتباك، وليس لها ضوابط تحكُمها، على العكس من القوات النظامية التي ترتبط بهَرم القيادة والسيطرة، ولها بيروقراطية في اتخاذ القرار .

swissinfo.ch: بعد عشرة أعوام من التدريب والتجهيز الأمريكي للقوات العراقية، لماذا لم يصل الجيش العراقي إلى القدرة على حماية البلاد من مُقاتلي “داعش” وهم قوات غيْر نظامية؟

العميد إسماعيل السوداني: هناك عوامِل عدّة، أهمها اختلال وهشاشة العملية السياسية في العراق، والذي أدّى إلى أن تكون المؤسسة العسكرية غيْر رصينة بما يكفي، لتقوم بواجباتها كمؤسسة دولة، حيث ان الأطراف السياسية لم تتّفق فيما بينها على تأسيسها ومساندتها سياسيا. فالأكراد على سبيل المثال، يشعرون بالخِشية من الجيش، والسُنّة يعتبرونه تشكيلا طائفيا، فيما يختلف الشيعة حوله.

كما أن وضع قاعدة توزيع المناصِب وِفقا للحِصص الطائفية من قِبل الإدارة الأمريكية، أدّى إلى التضحية بالمِهنية على حساب إشغال المناصِب، كما أدّى إلى تأثر المؤسسة العسكرية بالتدخّلات السياسية، بينما كان من الواجب أن تكون المؤسسة فوْق الميول والاتجاهات.

وهناك أسباب تتعلّق بإستراتيجية التسليح والتجهيز، التي لم تأخذ في الاعتِبار طبيعة التهديد المُعادي الحالي، مما أدّى إلى التبذير في موازنة الدّفاع في مُعدّات وأسلحة لا يحتاج إليها الجيش في حربه الحالية. ولا شك أن الفساد المالي والإداري المستشري وعدم وجود إجراءات لمكافحته، يشكِّل عاملا إضافيا.

swissinfo.ch: وما الذي تُوصي به كطريقة أفضل لإعادة بناء القوات المسلحة العراقية، بحيث تكون قادرة بمفردها على حماية الأمن القومي للعراق؟

العميد اسماعيل السوداني: ينبغي العمل بما يلي:

• أن تكون المؤسسة العسكرية فوق الميول والاتجاهات.

• أن توافِق الأحزاب السياسية على جعل مؤسسات الدولة بعيدة عن التّقسيمات الطائفية.

• أن يكون الدستور كفيلا بتحديد الصلاحيات والضمانات بعدَم التدخّل في عمل المؤسسة. فمنصب القائد العام للقوات المسلحة، هو منصب مناط لرئيس الوزراء، حسب الدستور ويُتَّـخذ من خلاله قرارات الحرب والسِّلم. أما القائد العسكري العام للقوات المسلحة، فهو القائد العام للقوات المسلحة.

• إعادة بناء القوات المسلحة على أسُس مِهنية وِفق ضوابط وسياقات تُحدِّد اختيار القيادات.

• اتِّباع سياسة تسليح تتماشى مع التهديدات الحالية والمستقبلية.

• سدّ الفجوة بين القوات المسلحة والشعب بكافة شرائحه، من خلال وضع إستراتيجية علاقات عامة وإعلامية، لإبراز الصورة الحقيقية ومجابهة الإعلام الموجّه المُعادي.

swissinfo.ch: كقائد عسكري، ما الذي تراه لازما حتي يمكن تحرير العراق من تنظيم “داعش”، وهل إرسال 450 مستشارا عسكريا أمريكيا إلى العراق، سيُسهم في تغير ملموس على الأرض؟

العميد إسماعيل السوداني: لا أعتقد أن إضافة 450 مستشارا أمريكيا سيؤدّي إلى تحقيق شيء في المدى القريب، ويبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية قد عدلت في الإستراتيجية بما يتلاءم مع إمكانية تحقيق القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي، أو أنها أجّلت ذلك لحين ما ستُسفر عنه انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2016، بمعنى آخر، أنها تحوّلت من إستراتيجية القضاء، ولو بشكل مؤقّت على “داعش”، إلى إستراتيجية الاحتواء إلى حين.

وفي تحليلي الشخصي، أرى أن أفضل إستراتيجية وأكثرها تأثيرا، هو تقطيع أوصال التنظيم وحصرها وقطع طُرق إمداداتها ومنعها من تعزيز قُدراتها، من خلال السيْطرة على خطّ الحدود بين العراق وسوريا، إما بقوات عمليات خاصة، وهو الأفضل، أو بتأمين غطاء جوّي على مدى أربع وعشرين ساعة وطوال أيام الأسبوع. وبما أن العراق لا يمتلك هذه القوات، فعلى التحالُف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، تخصيص هذه القوات، وسوف يُؤمن ذلك عدم وضع قوات برية عسكرية في خطّ المواجهة، كما أن ذلك يوفِّر قوات تدخّل سريع لمعالجة المواقف غيْر المُتوقّعة كما حصل في تدمر أو الرمادي.

وأرى أن تحديد ثلاث سنوات للقضاء على التنظيم، يعتبر تسويفا غيْر مقبول من الولايات المتحدة، حيث ترى دُول المنطقة تنظيم “داعش” وتواجده، تهديدا لوجودها ولأمنها القومي.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية