الـتـسـوّق في كل آن وحين.. نعمة أم نقمة؟
في ظاهرة ملفتة، تكاد لا تنقضي عطلة نهاية أسبوع انتخابي تنظم فيها استفتاءات في سويسرا دون أن يكون موضوع أحدها سواء على المستوى البلدي أو الجهوي (في الكانتونات) أو الوطني متعلقا بأوقات فتح المحلات التجارية.
وفي الواقع، لا ينتبه كثيرون إلى أن مردّ قصر هذه الأوقات في سويسرا مقارنة بما هي عليه في البلدان الأخرى يعود إلى آليات نظام الديمقراطية المباشرة. وبالفعل، تنتاب الدهشة العديد من الزوار الوافدين من الخارج باستحالة اقتناء مواد غذائية في العديد من الأماكن في أيام الآحاد وبقية أيام الأسبوع بعد الساعة السادسة والنصف مساءا حيث تكون المحلات التجارية مُوصدة الأبواب.
في تصريح لـ swissinfo·ch، تشير السيدة إيفا غيل، من نقابة أونيا Unia العمالية إلى أن “سويسرا لم تنخرط في التطورات الخاطئة التي عرفتها بلدان أخرى”، وتقول مضيفة: “تشكل الديمقراطية المباشرة في سويسرا (أي إمكانية إطلاق المبادرات واللجوء إلى تنظيم الإستفتاءات) آلية مكنتنا من كبح جماح موجة الليبرالية الإقتصادية التي اجتاحت أوروبا منذ التسعينات”.
وبالفعل عمدت النقابات إلى استخدام مكثف لهذه الآلية، وقد كان استخداما ناجحا في أغلب الأحيان سواء على مستوى الكانتونات أو على المستوى الفدرالي. وذكّـرت المسؤولة النقابية أنه “في %90 بالمائة من الإستفتاءات التي أجريت في السنوات الأخيرة أجاب الناس بلا لرفع القيود عن العمل ليلا أو في أيام الآحاد”.
الأمر نفسه حصل يوم الأحد 17 يونيو الجاري في كانتون زيورخ، حيث رفض الناخبون مبادرة شعبية أطلقها الحزب الليبرالي الراديكالي تحت شعار “الزبون هو الملك”، تدعو إلى تحرير كامل لأوقات فتح المتاجر والمحلات بشتى أصنافها.
في السياق نفسه، دُعيَ الناخبون في كانتون لوتسرن في نفس اليوم إلى الإدلاء برأيهم بخصوص توقيت فتح المتاجر، على الرغم من أنه لم تمضي سوى 6 سنوات على رفضهم لتحرير القانون المنظم ليوم الراحة الأسبوعية وللقانون الخاص بأوقات عمل المحلات التجارية. ومثلما كان متوقعا، لم تكن نتيجة هذا الإستفتاء الجديد مغايرة لسابقتها. ومن المنتظر أن يُصوت نفس الناخبين مجددا في سنة 2013 على مبادرة أخرى أطلقها شباب الحزب الليبرالي من أجل إلغاء القانون المحدد بصرامة لفترات عمل المتاجر.
تحرير تدريجي
من الناحية النظرية، يُسمح في سويسرا للمحلات التجارية بأن تفتح أبوابها من الإثنين إلى السبت من الساعة السادسة صباحا إلى الساعة الحادية عشر ليلا، لكن يتوجب على الكانتونات الإلتزام واحترام قانون الشغل الذي يختص بحماية العمال. وتبعا لذلك، أدخلت معظم الكانتونات قيودا إضافية على القانون الخاص بتوقيت عمل المحلات التجارية.
مع ذلك، عرفت أوقات فتح المحلات التجارية في سويسرا (التي تعتبر الأكثر تقييدا بالمقارنة مع معظم البلدان الأوروبية الأخرى) تحريرا تدريجيا في السنوات الأخيرة. إذ بات يُسمح للمحلات التجارية التابعة لمحطات البنزين ولتلك الموجودة في محطات الأرتال – التي توالدت في السنوات الأخيرة كنبات الفطر – والمحلات التي يعمل بها أفراد العائلة الواحدة بتمديد أوقات عملها، ويشمل هذا الإمتياز أيضا المطارات والمنتجعات السياحية.
في هذا السياق، تعتقد السيدة غيل أن مسألة تمديد أوقات فتح المحلات التجارية أصبحت قضية سياسية، رغم أنها غالبا ما تلقى الرفض من قبل المواطنين، وترى في هذا التحول ترجمة للصراعات القائمة حول عملية التوزيع بين تجار التجزئة والتي غالبا ما تكون على حساب الضعفاء من التجار. وتقول مضيفة: “إن تجار التجزئة الذين يعملون باستقلالية هم المتضررون لأنهم لا يستطيعون مجاراة أوقات العمل الطويلة، إذ أن تكاليف أجور العاملين مرتفعة جدا والمداخيل متدنية”.
العمل الليلي الإضطراري
تقول السيدة إيفا غيل: “يجب على من يريد اقتناء حاجاته من المواد الغذائية والمنزلية ليلا أو في أيام الآحاد، أن يُدرك أن ذلك سيكون على حساب العاملين، الذين غالبا ما يُضطرّون لهذا العمل. فمع التمديد المستمر في أوقات فتح المتاجر، يفقد العاملون وقت الفراغ الذي يُفترض بهم أن يقضوه مع عائلاتهم وأصدقائهم، أو في ممارسة أنشطة أخرى في النوادي والجمعيات”.
وتقول السيدة غيل: “في كل استطلاعات الرأي التي أُجريت معهم، حمّل الباعة العاملون في القطاع نقابة Unia رسالة واضحة مفادها أنهم ضد تمديد أوقات فتح المتاجر”، لذلك ستلتجئ النقابة إلى إطلاق استفتاء ضد مبادرة رئيس الحزب الليبرالي الراديكالي السيد كرستيان ليشار التي يطالب فيها بفتح المحلات التابعة لمحطات البنزين على مدار الساعة.
في الأثناء، تلقى مساعي النقابة مساندة الرابطة السويسرية لتجارالتجزئة (sdv) التي ترفض بدورها أيضا هذه المبادرة موضحة في رد كتابي على مقترح السيد ليشار أنها “تُعطي امتيازا لأحد الأطراف المهمين الفاعلين في السوق بشكل أحادي الجانب في منافسة حادة تميز قطاع تجارة التجزئة، في حين يُعاني هذا القطاع من تقلص هامش الربح وتراجع متزايد في المداخيل بات يهدد وجودهم”.
سياح التسوق في دائرة الإهتمام
على عكس ما سبق، يتبنى تجار الجملة موقفا مختلفا كل الإختلاف، إذ أنهم يساندون كل المقترحات السياسية الداعية لإدخال مزيد من المرونة على أوقات فتح المحلات التجارية حيث تعمل منظمة تجار الجملة بشكل دؤوب على تحرير التجارة.
هذه الحملة الكثفة تعود بالأساس إلى المنافسة القائمة مع الخارج. وفي هذا الصدد، يقول السيد مارتين شليبفار رئيس سلسة متاجر ميغرو الواسعة الإنتشار في سويسرا في تصريح لـ swissinfo·ch: “تشكل أيام السبت المشكل الأكبر، حيث يعمد الناس إلى اشتراء كل حاجياتهم من البلدان المجاورة”. ويقول مضيفا: “لقد أقام الألمان في مناطق الحدود الجنوبية والتي ليس بها كثافة سكانية عالية مراكز للتسوق مثل آلدي Aldi و ليدل Lidl وغيرها. وتستهدف هذه الإستراتيجية الزبائن السويسريين” بالدرجة الأولى، حيث “يقتني السويسريون بقيمة مليار من اللحوم من الخارج”، على حد تأكيده.
السيد شليبفار يشير أيضا إلى أن تنامي سياحة التسوق لم يبلغ من قبل هذا المستوى الذي وصلته اليوم. ويوضح قائلا: “لقد ازدادت العمليات الجمركية الخاصة على الحدود مع ألمانيا في في منطقة بازل (شمال) بنسبة %67 في عام 2011. و مرد ذلك ليس قوة الفرنك السويسري فحسب، بل كذلك الأوقات الأكثر مرونة لفترات عمل المتاجر والمحلات على الجانب الآخر من حدودنا. نريد من الحكومة الفدرالية توحيد أوقات عمل المحلات التجارية، إذ أن سويسرا فضاء اقتصادي في واقع الأمر”.
في هذا السياق، يُطالب ممثل تجار الجملة على وجه التحديد بالسماح بفتح المحلات من الاثنين إلى السبت من الساعة السابعة صباحا إلى الساعة الثامنة ليلا وبرمجة أمسية واحدة في الأسبوع تُفتح فيها المحلات إلى الساعة التاسعة ليلا، إلى جانب الترخيص بفتح المحلات في أربع أيام أحد في السنة. وكانت برن ردّت على مقترح مماثل تقدم به كريستيان فسّرفالن، أمين عام الحزب الليبرالي الراديكالي بالتأكيد على أنها لا ترغب في ضبط أوقات عمل المحلات التجارية على المستوى الوطني، بل إبقاء هذه المسألة في عهدة الكانتونات.
ولا يُخفي مارتين شليبفار، رئيس سلسة متاجر ميغرو تذمره قائلا: “لقد خيب السيد يوهان شنايدر آمان وزير الإقتصاد في الحكومة الفدرالية آمالنا. لا يجوز للوزير أن لا يكون غير مبال إزاء ما يحدث على الحدود”. وحذر شليبفار أيضا من فقدان مواطن الشغل مشددا على أن “تجارة التجزئة قطاع خدماتي بامتياز”.
ومن وجهة نظره، فإن موقف العاملين في هذا القطاع المُعلن عنه في استطلاعات الرأي والرافض للتمديد في أوقات فتح المجلات التجارية قد “أصبح من الماضي”. ويقول محذرا: “يتبنى العاملون في هذا القطاع موقفا محافظا إلى حد ما، لكن في الماضي لم تكن لمسألة تأمين مواطن الشغل أهمية بعد، لكننا نجد أنفسنا اليوم في حقبة جديدة تتميز بارتفاع قيمة الفرنك السويسري”.
في تصريح لـ swissinfo.ch أعربت السيدة سارة شتادلار، رئيسة منظمة حماية المستهلك في الأنحاء المتحدثة بالألمانية من سويسرا (SKS) أن المنظمة عموما ليست ضد أو مع تمديد أوقات فتح المحلات. وتقول بهذا الصدد: “نعتبر اعتماد نفس الشروط في كل الكانتونات أمرا مفيدا”، وتضيف أنه “يمكن دائما فيما بعدُ مراعاة الحاجات المختلفة لمناطق معينة”.
في الوقت نفسه، تعرب السيدة شتادلار عن ترحيب المنظمة بنظام الأوقات الموحدة التي تفتح خلالها المحلات أبوابها. وتقول في هذا السياق: “إنها تعطي للمستهلكين شعورا بالثقة. وما يتعدى ذلك يمكن تدارسه بشكل منفرد. يجد العديد من المستهلكين صعوبة في قبول تمديد أوقات فتح المتاجر على حساب العاملين بها، فهؤلاء يعيشون عموما ظروفا صعبة، ومن السهل ممارسة ضغوط عليهم من قبل أرباب العمل”.
اتخذت منظمة الدفاع عن المستهلك SKS موقفا ايجابيا حذرا إزاء المبادرة التي تطالب بفتح المحلات التجارية التابعة لمحطات البنزين على مدار الساعة وبتوفير كل أصناف البضائع المسموح ببيعها فيها. وترى السيدة سارة شتادلار أنه “من غير المعقول أن لا يجد المسافرون والسيّاح في هذه المحلات كل ما يحتاجونه من مشتريات سوى في أوقات معينة، لأنه لا يسمح إلا ببيع جزء من السلع”.
ألمانيا
يُعدّ تحديد أوقات فتح المحلات من مشمولات السلطات المحلية في المقاطعات. فقد تم وضع ضوابط مُوحّدة أيضا على المستوى الإتحادي في القانون المنظم لأوقات العمل تتعلق براحة أيام الأحد وأيام الأعياد الرسمية: في مقاطعة بادن فيرتمبرغ المتاخمة للحدود السويسرية تُعتمد الأوقات التالية: في أيام العمل تفتح المحلات على مدار الساعة ويُسمح بفتحها بثلاثة أيام من أيام الأحد والأعياد.
النمسا
وفقا للقانون المنظم لأوقات عمل المحلات يُسمح للمتاجر أن تفتح أبوابها من الإثنين إلى الجمعة من الساعة 6:00 إلى 21:00 وأيام السبت إلى الساعة 18:00. أما أيام الأحد تكون المحلات التجارية مغلقة. ولكن هناك العديد من الإستثناءات. يجوز لمحافظ المقاطعة أن يأذن بتمديد أوقات فتح المحلات. إذا ما كانت هناك حاجة خاصة متعلقة بالمقاطعة أو الجهة، فيمكن فتح المحلات أيام السبت بعد الساعة 18:00 وفي أيام الأحد وأيام العطل الرسمية.
فرنسا
ليست هناك لا يُوجد قيود قانونية تحد أوقات فتح المحلات. يوجد في المدن الصغيرة، استراحة الغداء. أما محلات السوبرماركت فعادة ما تكون مفتوحة من الساعة 9:00 حتي 20:00 أو 21:00. في أيام الأحد والعطلات الرسمية يُسمح للمحلات الصغيرة بفتح أبوابها، لكن لا يتمتع العاملون فيها بأي حماية خاصة. في بعض الأماكن يجوز لمتاجر ذات حجم أكبر ولمحلات السوبر ماركت أيضا أن تفتح في تلك الأيام.
إيطاليا
تم منذ عام 2012 رفع كل القيود بالكامل على أوقات عمل المحلات التجارية في ايطاليا، ويُسمح لها حاليا بالعمل على مدار الساعة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.