انياتسيو كاسيس: “جوهر معضلة السلام في العالم انعدام الثقة بين المتنازعين”
بناء السلام وتعزيزه هو من أوكد مهام الأمم المتحدة. وحاليا يمثّل المهمة الأصعب. لهذا السبب جعلت سويسرا موضوع "بناء سلام دائم" في مقدمة أولوياتها خلال رئاستها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال شهر مايو الجاري.
تحدثنا في نيويورك مع وزير الخارجية إنياتسيو كاسيس، الذي ترأس اجتماعا حول هذا الموضوع في مجلس الأمن عُقد بمبادرة من سويسرا.
إن بناء السلام وتعزيز أواصره هما المهمتان المحوريتان للأمم المتحدة. هناك إجماع واسع على هذه الأولوية. ولكن بمجرد أن يصبح الأمر ملموسًا، وبمجرد أن يتعلق الأمر بنزاعات بعينها، يصبح الأمر صعبًا وغالبًا ما تتم إعاقة الأمم المتحدة عن أداء مهمتها الرئيسية …
إنياتسيو كاسيس: الثقة هي محور كل شيء. عندما تكون هناك ثقة متبادلة، نكون مستعدين للبحث عن حلول وغالبًا ما نجدها. إذا لم تكن هناك ثقة، فلا يمكن العثور عليها. جوهر معضلة السلام في العالم انعدام الثقة بين المتنازعين.
يبدو الأمر بسيطًا، لكنه ليس كذلك. البشر كائنات معقدة. يعلمنا التاريخ كذلك أننا في معظم الأوقات لا نتعلم شيئًا من الماضي. لإحراز تفاهم، نحتاج إلى وضع قواعد معيّنة. لقد أنشأت الأمم المتحدة مثل هذه القواعد. لقد بنينا نظامًا عالميًا قائمًا على قوانين ومعاهدات محددة تسمح لنا بإيجاد اتفاقيات، والتوصّل إلى حلول في كثير من الأحيان تكون دقيقة جدا، وتحقيقها يقتضي المضي خطوة بخطوة، خلال مناقشات حامية الوطيس في بعض الأحيان.
لدينا مجموعة القواعد هذه، مضمنة في ميثاق الأمم المتحدة. لكن عليك أن تلتزم بها. لأن هذه القواعد هي بالضبط أساس الثقة. إذا اُنتهكت هذه القواعد من قبل الدول التي لعبت دورًا حاسمًا في صياغتها، فإن هذا يؤدي إلى اهتزاز الثقة.
كيف تُبنى الثقة عمليا؟
المؤسسات مثل البشر. لذلك نحن بحاجة إلى التفكير: كيف يمكننا تعزيز الثقة داخل الأسر أو بين الجيران؟ آليات بناء الثقة بين الدول متشابهة للغاية: إنها تتعلق بالصدق والشفافية. فعل ما نقوله، وقول ما نفعله. وأحيانًا يقتضي الامر التراجع خطوة إلى الوراء ومحاولة رؤية الأشياء من مسافة قريبة.
ما المرجو من النقاش الذي أطلقته سويسرا في مجلس الأمن حول موضوع التعزيز المستدام للسلام؟ هل تم إستخلاص دروس من ذلك؟
كان هذا هو الهدف. لا يوجد حل آخر سوى أخذ خطوات مهما كانت صغيرة. في سويسرا، نحن نعلم كم هو صعب التوصّل إلى حلول وسطى في برلمان يتخاطب أعضاؤه بأربع لغات مختلفة ويصدرون عن أربع ثقافات.
هنا، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، يجتمع أكثر من 190 بلدا ولكل بلد أساليبه المختلفة في التفكير. والبعض منها بلدان ديمقراطية وأخرى ذات أنظمة استبدادية، لكنها جميعها تشارك في أعمال الامم المتحدة. لذلك من الصعب للغاية التوصل إلى توافق في الآراء.
ولكن لهذا السبب بالضبط الأمم المتحدة هي عبارة عن منصة. ولو لم تكن الأمم المتحدة موجودة، لكان من الواجب انشاؤها. نحن بحاجة إلى الاستفادة القصوى من الفرص المتاحة لنا. حتى لو لم تكن مثالية، حتى لو كانت محبطة. لكن العالم هو العالم.
في النقاش حول السلام الدائم، يتعلق الأمر أيضًا بالمساهمة في التقرير المنتظر الذي يريد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تقديمه في يونيو ضمن “أجندته الجديدة للسلام”. ما الجديد الذي من المفترض أن تتضمنه هذه الأجندة من المنظور السويسري؟
رغم وجود الامم المتحدة، وميثاقها الذي يقره أعضاؤها جميعا، من الواضح أن الحروب لم تختف من العالم. وهنا أيضا نعود إلى ما سبق أن أشرنا إليه من انعدام الثقة والحاجة إلى ترميمها.
كيف يمكن استعادة هذه الثقة؟ وكيف نضمن أن يكون للأمم المتحدة وأجهزتها مرة أخرى المزيد من التأثير والقدرة الاكبر على التغيير؟ نحن غير راضين عن الوضع الراهن. لكن ليس لدينا ما هو أفضل لنفعله في الوقت الراهن.
هل يكفي إجراء مثل هذه النقاشات على المستوى النظري؟ ألا ينبغي إجراؤها أيضًا على أساس الأمثلة الملموسة والمواقف الإشكالية – مع الحرب في أوكرانيا، أو السودان مؤخرًا كأمثلة. لأن هذا هو المكان الذي تظهر فيه الاختلافات؟
ليس بالضرورة. لأن كل هذه الصراعات هي تعبير عن نفس المشكلة الأساسية، وهي عدم قدرة الإنسان على التصرف بطريقة معقولة مع الآخرين، مع أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف.
لذلك يجب علينا أولاً معالجة هذه المشكلة الأساسية. يجب أن يلهمنا هذا ويمكن أن يلهم الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره من حيث المبدأ. هناك، سيكون من الضروري بالطبع أن نكون أكثر واقعية.
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.