“دجبّة” تُطور إنتاج التين الرفيع في تونس بمساعدة من سويسرا
بدعم من سويسرا، أطلقت "الشركة التعاونية للخدمات الفلاحية" بمنطقة دجبة التونسية شاحنة مُكيّفة لتوزيع منتوجها من التين الرفيع على نقاط البيع المختلفة في البلد، مع تخصيص قسم من المنتوج للتصدير. وقد سمح هذا النشاط الزراعي، إلى جانب استخدامات أخرى مثل إنتاج التين المجفف والمربَى ورقائق التين، من تشغيل عدد ما فتئ يتزايد من سكان المنطقة، وخاصة النساء، بعدما كان عملهم الزراعي موسميا.
منذ عقود، طور فلاحو مدينة دجبة التونسية ذات الأصول الرومانية إنتاج أصناف رفيعة من التين، كمَا ونوعا، انطلاقا من مهارات المنتجين ومن خلال تطوير أساليب الجني والغراسة، لتحقيق التعاطي الأمثل مع شجرة التين. كما قاموا بتنويع أساليب الري، تماشيا مع المتغيرات المناخية الحادة. وقد ورث أهالي دجبة عن أسلافهم التعاطي الجماعي والتكتل لتسويق منتوجهم في الأسواق الداخلية، خاصة سوق الجملة جنوب العاصمة تونس، مما ولد لديهم شعورا جماعيا بانفرادهم بإنتاج هذه النوعية من التين (بوحولي) التي تحصلت على “التسمية المُثبتة للأصل”.
يُعدّ نبات التين من النباتات المعمرة دائمة الخضرة، والتي تضم العديد من الأجناس والأنواع. تؤكل ثماره طازجة ومجففة مثل البوحولي والوحشي والذقاقلي والخرطومي والزيدي والذي يحتوي على العديد من المواد البروتينية والكربوهيدراتية والفيتامينات والأملاح المعدنية والإنزيمات المهضمة.
بفضل هذه التسمية، وجد تين دجبة عناية واهتماما كبيرين من وزارة الزراعة التونسية منذ سنوات، بهياكلها المهنية والإدارية، إذ ساهمت في تنظيم هذا القطاع سواء على صعيد تجميع منتجيه، أو بدعم الشركة التعاونية “غلال دجبةرابط خارجي“.
وفي هذا الصدد، اعتبر فوزي السالمي، رئيس مجمع التنمية الزراعية بدجبة، أن اهتمام وزارتي الزراعة والصناعة التونسيتين وسفارة سويسرا بتونس بهذا المنتوج ذي المنشأ الفريد، ترك أثرا طيبا وملموسا، لاسيما بعد تنفيذ مشروع نفاذ تين دجبة إلى الأسواق الداخلية والخارجية، وقد أوكل تنفيذه إلى المنظمة العالمية للتنمية الصناعيةرابط خارجي على امتداد أربع سنوات انطلاقا من سنة 2014.
دجبة الرومانية
منذ أيام الرومان تُوزع مدينة دجبة، التي تبعد 120 كيلومترا عن العاصمة تونس، منتوجاتها الزراعية المتنوعة على المدن والقرى المجاورة في إفريقية (الاسم القديم لتونس الحالية). كانت تُعرف عند السكان الأمازيغ بـ “تيجبة” وسمّاها الرومان “تيجبة بورى”. وقد اكتشف الرومان في هذا المكان ثروات طبيعية ومعادن منها الزنك والرصاص، فاستثمروها. واليوم صارت دجبة – بفضل حيوية المُزارعين وتأطير المجتمع المدني ومساعدة الدولة – تُصدّر منتوجها من التين والفواكه الأخرى إلى خارج تونس.
كما هو معلوم، فإن التين فاكهة متوسطية تحتاج إلى كثير من الشمس والماء، ويتم إنتاجها في حقول تُسمَى هُنا “الأجنة”، وقد تراجعت مساحاتها في السنوات الأخيرة بسبب تقاسم الملكية بين الورثة، إذ قلما نعثر اليوم على جنان تتجاوز مساحته الهكتار الواحد. في المقابل، تعدّ منطقة دجبة حوالي 25 الف شجرة تين وتنتج 17 صنفا من هذه الغلال وأبرزها نوعية “بوحولي”.
الحصول على “التسمية المُثبتة للأصل”
تتسلق بيوتُ المدينة ذات السقوف القرميدية سفوح الجبل عند أسفل الكهف، الذي يُرجّح أنه كان معبدا رومانيا، وهو مازال إلى اليوم مزارا للسكان، الذين يوقدون فيه الشموع تقرُبا من “الرقود السبعة”، مُعتقدين أن هؤلاء الأولياء الصالحين ينامون هُنا… كما أن فعاليات المهرجان السنوي للمدينة “مهرجان التين” تُقام أيضا في مدخل هذا الكهف التاريخي الفسيح.
تمتاز دجبة بغزارة ينابيعها التي كانت مهدورة قبل أن تُبعث جمعيات التنمية الزراعية ومجامع التنمية التي قامت بإعادة هيكلة الري في السياق الجبلي. ومن تلك المجامع “مجمع العيون (الينابيع) الصافية” الذي تأسس في 2002، بوصفه “مجمع مصالح مشتركة” ليُصبح في عام 2006 منظمة غير حكومية متخصصة في التنمية الزراعية. وأوضح الرئيس الحالي للمجمع فوزي السالمي أن المُسيّرين الستة منتخبون في إطار جمعيات عمومية تُعقد كل ثلاث سنوات. وأفاد السالمي في حوار أجرته معه swissinfo.ch في مكتب المُجمّع أن فكرة الإنتقال إلى صيغة المنظمة غير الحكومية مُقتبسة من تجربة “جمعية أصدقاء البلفيدير”، وهي أكبر حديقة عمومية في العاصمة التونسية.
اشتغل “مجمع العيون الصافية” على تطوير الري بالنظر لتراجع مستوى التساقطات المطرية السنوية، فحافظ على الهياكل الموجودة وطورها بواسطة مد قنوات إسمنتية تحمي الماء من الضياع. وتكتسي المحافظة على المياه أهمية حيوية لدى فلاحي دجبة، بالنظر لتناقص الموارد المائية وارتفاع الطلب عليها. وقدر فوزي السالمي غابة أشجار التين بـ 25 ألف شجرة تمتد على مساحة 500 هكتار، من ضمنها 290 هكتارا مروية بواسطة خمسة ينابيع، يتم توزيع مياهها بطريقة عتيقة موروثة عن المهندس العربي الذائع الصيت ابن شباط. وبفضل هذا النظام تُعطي شجرة التين ثمارها مرتين في السنة الواحدة، الأولى هي باكورة الإنتاج بين 20 يونيو وأواخر يوليو، والثانية من 20 أغسطس إلى بداية أكتوبر. وتُعتبر منتوجات التين مصدر الدخل الأساسي لنحو 75 في المائة من سكان دجبة.
في السياق، ركز المُسيّرون على السعي للحصول على شهادة “التسمية المُثبتة للأصل” AOC، بدعم من “منظمة الأغذية والزراعة” الأممية، ما جعل تين دجبة يحصل على تصنيف (label) خاص به، مُكرسا الإعتراف بفرادته بوصفه نسيجُ وحده بين أصناف التين الأخرى في العالم. على هذا الأساس صار هذا التين يُصدّر إلى خارج البلاد حاملا تسمية “Djebba Fruits” الخاصة به.
يُمكن القول أن الإتصال بين مسؤولين في “الشركة التعاونية للخدمات الفلاحية” غلال دجبة”، وجمعية “أصدقاء البلفيدير” (منظمة غير حكومية) كان منعطفا في مسار النخبة المحلية الساعية إلى النهوض بالزراعة في دجبة. وفي هذا الصدد، قال شكري كلوز، الخبير البيئي وعضو جمعية “أصدقاء البلفيدير” لـ swissinfo.ch: “إن أبناء دجبة، ومنهم الرئيس السابق للمجمع شاكر السالمي ورئيسه الحالي فوزي السالمي، اقتبسوا من تجربتنا فأسّسوا “مُجمّع التنمية الفلاحية”، بوصفه مؤسسة غير حكومية وغير ربحية، وتلقوا تدريبا على تقديم المشاريع إلى الجهات المانحة، فكانت تلك انطلاقة جديدة لهم”.
لئن كان هاجس الفلاح الوحيد في منطقة دجبة هو تحسين منظومة الري التقليدي، حيث تم التركيز على تدعيم البنية الأساسية، فان الإنخراط في منظومة الإنتاج البيولوجي دخل أيضا في محاور اهتمامه، كشكل من أشكال تحسين النوعية و ضمان الترويج.
حاليا، يعمل المزارعون على دعم إنتاج التين وتحسين النوعية والتشجيع على الإنخراط في منظومة الإنتاج العضوي (أو البيولوجي)، ومن بين الخطوات الجديدة غراسة الأخاديد وضفاف الأودية بأشجار الكلاتوس للتشجيع على تربية النحل في المنطقة.
البنك الدولي وسويسرا
من جهته، شرح فوزي السالمي الفرق بين الشركة التعاونية للخدمات الفلاحية “غلال دجبة”، وهي شركة ذات غاية ربحية يستفيد من خدماتها الفلاحون وتتمتع بامتيازات جبائية على مدى عشر سنوات، وبين “مُجمّع التنمية الفلاحية”، وهي مؤسسة غير ربحية يتركز دورها على تعبئة الفلاحين وإقناعهم بفوائد الإنضواء تحت مظلة الشركة التعاونية.
السالمي أضاف أن البنك الدولي ساعد فلاحي دجبة وساهم في وضع الدراسات الفنية، كما أرسل وفودا من الخبراء قاموا بزيارات ميدانية إلى بساتين التين والمشاريع المائية في المنطقة. أما المندوبية الجهوية للزراعة بمحافظة باجة، التي تتبعها دجبة إداريا، فأعدت دراسة أخرى لتأمين مصدر آخر من مياه الري، يتمثل في سحب المياه من وادي مجردة، وقُدرت كلفة المشروع بـ 10 ملايين دينار (3.9 ملايين فرنك). وأوضح أن مجمع التنمية الفلاحية” العيون الصافية” حظي بدعم سويسري، بوصفه جمعية غير حكومية وغير ربحية، في إطار مشروع يخص دعم ثلاثة منتوجات فلاحية تونسية، وهي هندي الزلفان (الصبار أو التين الشوكي) وتين دجبة وهريسة سيدي بوزيد (متكونة من فلفل أحمر مُجفَف ومطحون). وتبلغ اعتمادات المشروع 9 ملايين دينار (3.5 ملايين فرنك) على مدى أربع سنوات.
في سياق حواره مع swissinfo.ch، قال السالمي موضحا: “عندما انتقلنا إلى بعث الشركة التعاونية استمر الدعم السويسري، وتمثل في دفع قسم من نفقاتنا فيما نُعوّل على إمكاناتنا لدفع القسم المُتبقي”. وضرب مثلا بالمكتب الذي يجلس فيه، بالإضافة إلى مخزن لحفظ المنتوج، وقد استأجرهما بوصفه رئيس الشركة التعاونية فيما منحه الطرف السويسري حواسيب وساهم في تهيئة المكان وتأثيث المكتب. كما اقتنى شاحنة نقل مُبرّدة بالإشتراك مع مشروع Pampatرابط خارجي و”المُجمّع المهني المشترك للغلالرابط خارجي” (وهي جمعية تضم منتجي الفواكه في البلاد التونسية).
إثر ذلك، تولت الجهات الثلاث إيداع الإعتمادات المالية لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية التي تقوم بالمتابعة والتنسيق، بما فيه تحديد الخطوات العملية على مدى الأربع سنوات. ويتقاضى خبراء المنظمة 13 في المائة من اعتمادات المشروع مقابل خدماتهم. ومن حين لآخر يزور مندوبون من السفارة السويسرية مدينة دجبة للإطلاع على مدى تقدم المشروع.
خلاصة القول، يُساهم الدعم الذي يتلقاه مزارعو دجبة من جميع الأطراف المتعاونة معهم في بقاء منطقتهم على رأس المناطق المُنتجة للتين ومشتقاته في تونس، حيث اتضح أنها تستأثر – حسب أحدث الأرقام – بحوالي 75 في المائة من منتوج التين التونسي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.