رغم نجاح واضح في صناديق الاقتراع، لا تزال الزراعة السويسرية تحت الضغط
من خلال رفض مبادرة حظر مزارع الانتاج الحيواني المكثّف يوم الأحد 25 سبتمبر، أعرب سكان سويسرا مرة أخرى عن تمسكهم بزراعة وطنية قوية. ولكن الدوائر الزراعية لن تكون قادرة على تجاهل الجدل المتزايد حول تأثير الغذاء على المناخ. فيما يلي تحليل لنتائج الاقتراعات الأخيرة.
الآن، يمكن للمزارعين والمزارعات في سويسرا أن يتنفسوا الصعداء. على الأقل، الغالبية العظمى منهم، ممن عارضوا حظر مزارع الانتاج الحيواني المكثّف في سويسرا. على الرغم من أن الحملة المتعلقة بهذه المبادرة كانت أقل عاطفية وإثارة للمشاعر من مبادرة حظر المبيدات الحشرية الاصطناعية العام الماضي، إلا أن تصويت الأمس حمل مع ذلك طابع المشهد المتكرر الذي سبقت رؤيته.
>> تقريرنا الخاص بنتيجة الاقتراع على المبادرة المناهضة للانتاج الحيواني المكثف:
المزيد
الشعب السويسري يقول لا لحظر الانتاج الحيواني المكثّف
قدم العالم الريفي جبهة موحدة لمقاومة هذا الهجوم القادم من الأوساط المناهضة للتمييز بين الأنواع، بدعم من عدة جمعيات مدافعة عن البيئة. وكافحت الأصوات المعارضة القليلة لإيصال صوتها، في حين فضل بعض المزارعين والمزارعات من المؤيدين لهذه المبادرة التزام الصمت خوفًا من التعرض للتهجم أو الانتقام.
كما هو الحال في المبادرات السابقة التي استهدفت قطاع الزراعة – المبيدات الحشرية، وقرون الأبقار، والغذاء المستدام – انحاز الناس مرة أخرى إلى حجج الاتحاد السويسري للمزارعين، وهي منظمة قوية تدافع عن مصالح الزراعة السويسرية ولها صلات فعالة في صفوف الطبقة السياسية بشتى توجهاتها.
ملل في أوساط المزارعين
في سياق غير موات لخوض تجارب جديدة كالحرب في أوكرانيا، وتفاقم المخاوف من نقص الموارد وزيادة التضخم، خيّمت أجواء من الحذر على هذا التصويت، حيث يرغب المواطنون والمواطنات، وهم المعنيّون الأوائل بكل ما له علاقة بالاستهلاك، أن تكون لديهم القدرة على الاستمرار في اختيار طعامهم والحصول عليه بأسعار معقولة. وكما كان عليه الحال عليه في اقتراعات سابقة حول مبادرات مشابهة، وصلت حجة واحدة (المنافسة الأجنبية) إلى تحقيق الهدف، حيث يتم تقديم كل تشديد لظروف ممارسة المهنة في سويسرا من قبل مجموعات الضغط في قطاع الزراعة على أنها تفتح الباب بوجه الأغذية المستوردة، التي تقدم على أنها أقل جودة من المُنتجات المحلية.
مع ذلك، وعلى الرغم من الانتصار المريح (62% من الرافضين) الذي حققته الأطراف المعارضة للمبادرة يوم الأحد الماضي، خلّفت هذه المعركة الجديدة آثارا سلبية في الأرياف السويسرية، حيث يقول جيريمي فورنيرابط خارجي، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة نوشاتيل والمتخصص في عالم الزراعة: “يشعر المزارعون بملل شديد. فقد تشكل لديهم الانطباع بأنه يتعيّن عليهم تقديم التبريرات باستمرار، وبأنه يُنظر إليهم ظلماً على أنهم مُسمّمون أو قتلة للحيوانات من قبل سكان المناطق الحضرية الذين لديهم، حسب رأيهم، رؤية مثالية حول مهنة الزراعة والذين يُبدون قدرا متزايدا من الصرامة فيما يتعلق بالامواد الغذائية التي يقومون باستهلاكها”.
يسمح النظام السياسي السويسري بسهولة نسبيّة لمجموعة صغيرة من المواطنين والمواطنات، كما حدث بالنسبة للمبادرات المتعلقة بالمبيدات الحشرية أو تلك المتعلقة بقرون الأبقار، بالمطالبة بإجراء تغييرات جذرية في قطاع معين، دون الحاجة بالضرورة إلى التمتع مُسبقا بدعم سياسي واسع. ويؤكد جيريمي فورني “بما أنه من السهل جدًا استهداف قطاع الزراعة، فقد تم تكليف هذا القطاع بتحمل المسؤولية الكاملة عن مشكلة أوسع نطاقًا وأكثر تعقيدًا. وبالتالي فإننا نحاول فرض قيود هائلة عليه، في حين أن حرية المستهلك المقدسة، على سبيل المثال، لا يتم التشكيك فيها أبدًا”.
المزيد
ضحايا وجناة في آن معا
مع ذلك، وحتى إذا ظلت سويسرا دولة ذات أغلبية يمينية محافظة، فسيتعين على قطاع الزراعة أن يطور نفسه إذا كان يعتزم الاستمرار في اجتذاب تعاطف السكان. يقول جيريمي فورني: “لم يعد الأمر يقتصر الآن على النباتيات والنباتيين المتشددين الذين يطالبوننا بتناول كميات أقل من اللحم. فهذا الخطاب أصبح يُروج له من طرف العلم ورجال السياسة. لم يعد بإمكان ممثلي الزراعة المؤسسية الاستمرار في الدفاع عن أنفسهم بحجج مبسطة، يجب عليهم تقديم بدائل وأن يكونوا منفتحين على الحوار”.
هذا الصيف، تلقت الصورة النمطية للأبقار التي ترعى بسلام في منظر طبيعي مصور على البطاقات البريدية ضربة قوية، حيث تركت صور المراعي الجبلية الجافة وشهادات مزارعين حُكم عليهم بالتضحية بجزء من قطعانهم لعدم توافر الأعلاف بكميات كافية انطباعًا دائمًا في الأذهان، كما كان للجفاف الاستثنائي تأثير صادم على جزء كبير من السكان، حيث اتضح أن الاحتباس الحراري لا يؤثر فقط على البلدان الأكثر ضعفا وهشاشة في العالم، بل إن سويسرا تُعاني من عواقبه أيضا.
المفارقة هنا هو أن الأبقار، التي عانت بشكل خاص من الصيف الجاف والحارق، هي أيضا حيوانات المزرعة ذات التأثير الأكثر أهمية على ظاهرة الاحتباس الحراري، لا سيما بسبب إنتاجها الكبير من غاز الميثان، وهو غاز قوي يساهم في الاحتباس الحراري.
>> ما هو الأثر الذي يتركه غذاؤنا على البيئة؟
في الوقت الذي تمت فيه مناقشة رعاية الحيوان بشكل أساسي خلال الحملة الانتخابية التي سبقت التصويت على المقترح الداعي إلى حظر التربية المكثفة للماشية، تم تضمين قضية الانبعاثات الناتجة عن حيوانات المزرعة في الحجج التي استندت إليها اللجنة التي تقف وراء المبادرة. ولم يتردد معارضو التربية المكثفة للمواشي في التنديد بالهراء المتمثل في تدمير جزء من الغابات المطيرة في البرازيل من أجل زراعة فول الصويا هناك المُوجّه لتسمين الماشية في سويسرا.
وعلى الرغم من أن أزمة الطاقة هي التي تشغل بال الجميع اليوم، فإن مسألة تأثير الزراعة على المناخ والبيئة لن تختفي من الأجندة السياسية، حيث يمكن الجزم بقدر كبير من الثقة أنه سيتم إطلاق مبادرات أخرى في السنوات القادمة. يقول جيريمي فورنيكس: “الخبر السار هو أنه على الرغم من التوترات العرضية، لم يكن المواطنون السويسريون أبدًا مهتمين بمثل هذا القدر بقضية الزراعة. ومع وصول جيل جديد من المزارعات والمزارعين، ممن هم أكثر استعدادًا لخوض تجارب جديدة والتواصل مع المستهلك، فإن العالم الزراعي لديه كل البطاقات في متناول اليد للاستفادة من الدعم الذي حصل عليه هذا الأحد في صناديق الاقتراع”.
أما المواطن – المستهلك فلن يكون بحاجة لانتظار التصويت المقبل قبل أن يتمكن من التعبير عن رأيه مرة أخرى. ففي كل يوم يُمكنه، أثناء قيامه بالتسوق، تحديد نوعية الزراعة التي يريد الترويج لها.
تحرير: بالتس ريغندينغر
ترجمة: ثائر السعدي
المزيد
نتائج اقتراعات 25 سبتمبر 2022
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.