سويسرا تتجاوز عقبة هامة في مجال الشفافية الضريبية
بعد أن أحرزت المزيد من التقدّم على مستوى تلبية المعايير الدولية المتعلقة بالإمتثال الضريبي، ستنتقل سويسرا إلى المرحلة الثانية من التقييم من طرف نظرائها من البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية. ولكن الضّغوط لن تتوقّف بما أن الإختبارات العملية ستبدأ في الخريف المقبل.
من المُحتمل أن تكون عمليات التّدقيق التي ستواجهها سويسرا في الأشهر المُقبلة أكثر صرامة، وخاصة فيما يتعلّق باستخدام البيانات المصرفية التي سُرقت من قبل دول أخرى لطلب المعلومات حول المُشتبهين بالإحتيال الضريبي.
وقد أشاد المنتدى العالمي لمنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية – الذي أنشئ لاختبار معايير الإمتثال الضريبي في الدول الأعضاء – بأداء سويسرا لدى إعلانه يوم الإثنين 16 مارس 2015 عن نتائج تقريره التكميلي الخاص بالكنفدرالية.
وكانت سويسرا قد اعتمدت عددا من التّغييرات القانونية لتلبية معايير المُنتدى الدّولي حول تبادل المعلومات الضريبية مع بلدان أخرى. وتضمّنت التحويرات قوانين حظرت استخدام الأسهم لحاملها (أي تلك التي تظل هوية مالكها غير مُسماّة)، وأخرى ألغت الحاجة لإعلام عملاء المصارف في حال ما كانوا قيد التحقيق من قبل السلطات الضريبية. وقد أعلنت سويسرا العام الماضي أيضا عن نيّتها في اعتماد التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية مع بلدان أخرى بحلول عام 2018.
والآن، وبعد أن أزيلت العقبات القانونية أمام سويسرا لبلوغ هذا الهدف، يعتزم المنتدى العالمي تقييم الكيفية التي تُطبق بها المعايير الجديدة لتبادل المعلومات خلال المرحلة الثانية من عملية المراجعة التي سيقوم بها نظراء سويسرا من البلدان الأعضاء في المنظمة. ومن المُتوقّع أن يبدأ التقييم في النّصف الثاني من هذا العام، وأن يستمر لأشهر عديدة.
“البيانات المسروقة”
وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، قال باسكال سانت-أمان، مدير مركز سياسة وإدارة الشأن الضريبي بمنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية: “لقد قامت سويسرا بخُطوة في الإتجاه الصّحيح، ولكن الإختبار الحقيقي هو كيفية تبادل المعلومات في المُمارسة العملية”، قبل أن يضيف “إن مجموعة النظراء المكلفة بالمراجعة ستفحص عدد الطلبات المُرسلة إلى سويسرا، والرّدود على تلك الطلبات، وإن كانت البلدان التي تقدّمت بالطّـلبات سعيدة بما تلـقّـته من رُدود”.
وحذّر سانت-أمان من أن سويسرا لن يتسنى لها الإفلات من التعاطي مع طلبات المعلومات المُستندة إلى بيانات مصرفية مسروقة بمجرد اللجوء إلى رفض منهجي لهذا الصنف من المطالب، وقال: “هذا موضوع حساس وصعب، ولكن إذا تواجد شخصٌ ما على قائمة [المشتَبهين بالإحتيال الضريبيٍ] فلا ينبغي أن يكون في مأمن من الملاحقة القضائية فقط بحجة أن البيانات قد سُرقت”.
وكانت البيانات المصرفية المسروقة بمثابة شوكة في ظهر سويسرا خلال السنوات الأخيرة، بحيث أحدثت ضجة في وسائل الإعلام، كما تسببت في نزاعات دبلوماسية. ولعلّ أحدث مثال المعلومات التي سُرقت من فرع مصرف “إتش إس بي سي” البريطاني الخاص في جنيف، والتي أثارت اهتماما عالميا واسعا أضرّ كثيرا بسمعة المركز المالي السويسري.
ويذكر أن سويسرا رفضت بقوة التعاون مع عدد من الطلبات – وأبرزها من الهند – التي تستند إلى بيانات مسروقة لأن ذلك من شأنه كسر قوانين السرية المصرفية. وفي توضيحات لـ swissinfo.ch، قالت آن سيزار، المتحدثة باسم كتابة الدولة للشؤون المالية الدوليةرابط خارجي: “سويسرا لا تتعاون مبدئيا على أساس البيانات المسروقة، لأن ذلك سيكون مخالفا للقانون السويسري”.
ولكن يبدو أنه تم العثور على صيغة تتيح في الآن نفسه التفاوض حول القانون السويسري وتجنب المزيد من النزاعات مع بلدان بعينها، أو حتى مع منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية بصفتها الجهة التي تقود المرحلة الثانية من مراجعة النظراء. وفي أكتوبر من عام 2014، وقّـعت سويسرا والهند بيانا مُشتركا ورد فيه أن السلطات السويسرية “يُمكن أن تتعاون في حالات البيانات المسروقة إذا ما كشفت الهند أولا عن أدلة مؤيدة أخرى لارتكاب جرائم ضريبية، من شأنها تأييد طلبها”.
سجل مركزي عمومي؟
في هذا السياق، يُمكن أن يُصبح استخدام التّـحقيقات المنجزة من قبل البلدان المعنيّة للتثبت في حالات المشتبه بارتكابهم لجريمة الإحتيال الضريبي [الواردة أسماؤهم في البيانات المسروقة]، وللعثور على أدلّة مُستقلة تدعم وقوع المخالفات، نموذجا لسويسرا يُساعدها في مجال التعاون مع بلدان أخرى تمتلك معلومات مصرفية تمّ الحصول عليها بطرق غير مشروعة.
وقد رحّب إريك مارتان، رئيس الفرع السويسري لمنظمة الشفافية الدوليةرابط خارجي، بالتغييرات الأخيرة التي طرأت على القانون السويسري، والتي مكنت البلاد من الإنتقال إلى المرحلة الثانية من المراجعة التي يقوم بها نظراء سويسرا في المنتدى العالمي.
غير أن مارتان يرى أن القوانين الجديدة لا تذهب بعيدا بما فيه الكفاية للقضاء على الفساد المُتسرب إلى سويسرا. وبعد الإشارة إلى الإدعاءات الأخيرة التي مفادها أن شركة النفط البرازيلية العملاقة “بتروبراس” تستخدم المركز المالي السويسري لإخفاء ممارسات فاسدة، قال مارتان إن المشرعين السويسرين لم يذهبوا بعيدا بما فيه الكفاية.
وأضاف في حديثه إلى “swissinfo.ch”: “كان سيكون من الأفضل توجيه البرلمان أمرا بوضع سجلّ مركزي عمومي يسلط الضوء على المُستفيدين الحقيقيين من الهياكل المُبهمة مثل الشركات الوهمية والإتحادات الإحتكارية. لدينا قوانين قوية لمكافحة غسل الأموال، ولكن لازلنا نلاحظ أنه يصعب تطبيقها أحيانا، في غياب المستوى المطلوب من الشفافية”.
(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.