سويسرا تَنظر إلى المثال النرويجي قبل شغْلِها مَقعداً غير دائم في مجلس الأمن
سوف تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر يونيو المُقبل بالتصويت على تَرَشُح سويسرا لِشَغل مَقعد غَير دائم لِمُدة عامين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومع وقوفها أمام هذا الإجراء الذي يُعد مسألة شكلية، تَتَساءل الدَولة الصغيرة عَن التَغيير الذي يُمكن أن تُحدِثه في أهمِّ أجهزة الأمم المتحدة. المثال النرويجي يُظهر أن كل شيء ممكن.
في صباحِ يومٍ قارصِ البرودة من شهر يناير، هَبَطَت طائرةٌ نرويجية خاصة في مطار جارديموين غرب العاصمة أوسلو. ووسط الثلوج المُتساقطة، خَرَجَ منها أحدَ عشرَ رجلاً مُلتَحِياً يرتدون أثوابا طويلة. وفي غضون دقائق قليلة، اختفَت المَجموعة داخل سيارات الليموزين السوداء التي كانت في انتظارهم على المَدرَج، وابتَعَدت عن أنظار بَعض مُمَثلي وسائل الإعلام الذين كانوا قد سَمِعوا عن هذه الزيارة الخاصة.
كان هؤلاء القادمون مسؤولين من حَرَكة طالبان. ولأول مَرَّة منذ عودة الحركة إلى السُلطة في أفغانستان في أغسطس الماضي، يُسافر وفدٌ من هذا النظام الأصولي إلى دولة أوروبية. ولِمُدة ثلاثة أيام، دخل الوفد بقيادة وزير خارجية الحركة أمير خان مُتقي في محادثات مع مُمَثلين عن المُجتمع المدني الأفغاني، ووفود دبلوماسية للدول الدائمة العُضوية في الأمم المتحدة [الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، التي تتمتع بحق النقض (الفيتو)]، تمحورت حول مسألة حقوق الإنسان. وانعقدت المُحادثات التي سَهَّلَتها النرويج خلف أبواب مُغلقة في فندق “سوريا موريا” شمال العاصمة النرويجية أوسلو – حيث يتفاوض الشركاء المُحتَمَلون للحكومة بعد الانتخابات النرويجية على اتفاقياتهم الائتلافية.
حول ذلك، أوضَحَت وزيرة الخارجية النرويجية أنيكين هويتفيلدت لـ SWI swissinfo.ch أن المُحادثات “لا تمثل شَرعَنة لطالبان أو اعترفاً بها، لكن علينا التَحَدُّث مع السلطات التي تدير البلاد بِحُكم الأمر الواقع”.
ما لَمْ تقُله هويتفيلدت على الجانب الآخر، هو أن وُجهَة وتوقيت أوَّل رحلة خارجية لطالبان لم تأتِ بِمَحض الصدفة. وكما أوضَحَ هنريك أوردال، مدير مَعهَد أوسلو لأبحاث السلام (PRIO) والخَبير الضَليع في مشاركة النرويج في أهم هيئة في الأمم المتحدة: “لقد تَرأَسَت النرويج في هذا الشهر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأصبَحَت مسؤولة أيضاً عن مِلَف الاتصالات مع طالبان”. وأضاف: “هذه هي المرة الخامسة بالنسبة لنا كعضو غير دائمٍ في مجلس الأمن الدولي”.
التَصَور الشائِع لكيفية عَمَل أهَم هيئة مُتعددة الأطراف في العالم، والمَسؤولة أساساً عن حفظ السِلم والأمن الدوليين، والتعاون على حَلّ المشاكل الدولية وتعزيز احترام حقوق الإنسان، هو أن الدول الخَمس الدائِمة العُضوية التي تَمتَلك حق النَقض (الفيتو) تُهيمن على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بينما لا يتمتع الأعضاء العَشرة الآخرين غير الدائِمين بِسُلطة حقيقية ويُعتَبرون جِهات فاعِلة ثانوية.
كما يحدث غالباً، يَحمل هذا الاعتقاد قَدَراً كبيراً من الصحة، حيث يَتم اللجوء إلى استخدام حَقّ النَقض (الفيتو) في أحيان كثيرة لاتباع سياسة العَرقلة المَبنية على المَصالح الخاصة. مع ذلك، لا يعكس هذا الانتقاد واقع الحال تماماً، حيث أصبحت السياسة العالمية أكثَر ديناميكية وبالتالي أكثر غموضاً مع نهاية الحرب الباردة. وقد أدى ذلك إلى إقامة روابط وشبكات جديدة غالباً ما تكون قائمة على مواضيع مُحددة، وغير متوقعة أحياناً – ولا تَستَنِدُ فقط إلى التحالفات في الساحة السياسة الواقعية.
مساهمة لوكسمبورغ في إنشاء مَمر إنساني في سوريا
بالنسبة للدول الصغيرة، يُوَفر هذا الوَضع فُرَصاً لِطَرح شواغلها الخاصة. وهكذا طَوَّرت هذه الأخيرة بمرور الوقت نُهُجاً لِتَمرير بنود جدول أعمالها في مجلس الأمن. من جهته، قام مركز الدراسات الأمنية في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ بتجميعرابط خارجي الاستراتيجيات المُمكنة لسويسرا، والتي يمكن تلخيصها تحت عناوين الاستعداد، وتحديد الأولويات، والتعاون والاستمرارية.
الأمثلة التالية توضح المذكور أعلاه: في الأعوام 2013/2014، نَجَحَت أمارة لوكسمبورغ والمملكة الإردنية الهاشمية إلى جانب أستراليا، في تَوصيل المُساعدات الإنسانية إلى سوريا التي كانت الحَرب الأهلية تَعصِف بها من خلال اتباع نَهجٍ مُنَسَّق، على الرَغم من مُعارضة روسيا والصين، الدولتان دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وقد آتى هذا التعاون المُستمر أٌكله، حيث لا يزال هذا المَمَر الإنساني فَعالاً إلى اليوم. وقد وافق مجلس الأمن في العام الماضي بالإجماع على استمراره، وهي نتيجة غير عادية نجمت عن جهود أيرلندا، الدولة الصغيرة الأخرى التي تَحتَل مَقعداً في مجلس الأمن حالياً. وكما قالت سفيرة أيرلندا لدى الأمم المتحدة جيرالدين بيرن ناسون في مقال ظَهَر في النشرة الإلكترونية المُتخصصة في شؤون الأمم المتحدة (PassBlue) : “إن ميثاق الأمم المتحدة يُلزِمُنا – بِصِفَتِنا أعضاء في مجلس الأمن – باتباع سياسة إنسانية”.
يُعتبر مجلس الأمن واحداً من أجهزة الأمم المتحدة. وهو يتكون من خمس أعضاء دائمين (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة) وعشرة أعضاء غير دائمين. ويتم انتخاب الأعضاء غير الدائمين من قبل الجمعية العامة للمنتظم الأممي وذلك لمدة عامين.
لأسباب تاريخية، تحتفظ الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن ـ وهي القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ـ بحق النقض (الفيتو). ويعني هذا أنه في مقدورها عرقلة أي قرار. أما الدول التي تشغل مقاعد غير دائمة في مجلس الأمن، فإنها تقوم بدور هام كوسيط، لتصحيح أي موقف خاطئ.
وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، فإن مجلس الأمن يتحمل مسؤولية حفظ السلام العالمي. حيث يمكنه فرض عقوبات أو السماح بالتدخل العسكري، إذا ما تعرّض السلام الدولي للخطر. أما قراراته فهي مُلزمة لجميع الدول الأعضاء وفقاً للقانون الدولي، وهذا بخلاف قرارات الجمعية العامة.
يحمل ترشح سويسرا شعار “لأجل مزيد من السلام” لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن لعاميْ 2023 و 2024. وبعد مشاورات موسّعة مع البرلمان، قامت الحكومة الفدرالية باتخاذ القرار، وقدمت ترشحها منذ عام 2011.
سوف تجرى الانتخابات في شهر يونيو 2022 بنيويورك. وسوف تتكون لجنة الانتخابات من الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولها الـ مئة وثلاث وتسعين (193). وتبدو حظوظ سويسرا جيّدة، ذلك لأن هناك دولة وحيدة تُنافس سويسرا على أحد المقعديْن المُخصّصيْن للدول الغربية وهي مالطا.
الاستمرارية من خلال التَنسيق بين الأعضاء غير الدائِمين
من الأمثلة الأخرى على ذلك هو قضية “المرأة والسلام والأمن”، التي مَكَّنَت السويد من تقديم بَند جدول أعمالها “السياسة الخارجية النسوية” إلى مجلس الأمن. ويَنطبق الأمر ذاته على موضوع “تَغَيُّر المناخ والأمن”، الذي تناوله الأعضاء غَير الدائمين بالتناوب على مَرِّ السنين. وبهذه الطريقة يُمكن ضَمان الاستمرارية المَنشودة من خلال التَنسيق الصحيح، والتأَكُد من عَدَم اختفاء الموضوعات من الجدول بعد عام.
سويسرا من جانبها، لم تُحَدِّد أولوياتها في مجلس الأمن بَعد. لكن من الواضح أنها سوف تُصاغ بما يتماشى مع التزام سويسرا العام تجاه الأمم المتحدةرابط خارجي في مجالات مثل مَنع نشوب النزاعات، والوساطة، وتحديات تغير المناخ، وكذلك إصلاح أساليب عَمَل مجلس الأمن. على الجانب الآخر، سوف تُهيمن الحَرب في أوكرانيا بلا شك على جَدول الأعمال – لذا لا تزال هناك العديد من الاسئلة المفتوحة في الوقت الحالي.
وكما قالت رئيسة الكنفدرالية ووزيرة خارجيتها السابقة ميشلين كالمي راي – التي أطلَقَت مشروع تَرَشُح سويسرا في عام 2011 – في مقابلة مع SWI، فإن تَوَفُر سويسرا على مَقعدٍ في مجلس الأمن هو فُرصة لها لِمُمارَسة دورها التقليدي كوسيط على الساحة الدولية. كذلك يَحظى الحياد السويسري باحترام في مجموعة القوى، كما يُقَدَّر دورَها كبانية للجسور.
المزيد
“سويسرا بموقفها المستقل قادرة على خلق التوافق في مجلس الأمن”
وبِحَسَب هنريك أوردال، كانت هناك خَلفية أخرى أيضاً لزيارة مُمَثلي حَرَكة طالبان لأوسلو في بداية هذا العام. وكما قال مدير معهد أوسلو لأبحاث السلام: “لقد قُمنا بالفِعل بِتَنظيم مائِدة مُستديرة مع وزارة الخارجية حَول المسألة الأفغانية بَعد تَوَلّي طالبان السلطة في الصيف الماضي”.
نَقل المَعرِفة إلى نيويورك
يقوم أوردال بِتَنسيق الاجتماعات المِهنية المُنتَظَمة بين مُمثلي النَرويج في مجلس الأمن وخُبراء من القَطّاع العلمي والمُجتَمَع المَدني في النرويج. وكما يؤكد: “نحن نُريد أن نَضْمَن استفادَة دبلوماسيينا من مَعرفتنا وتَمَكُنَهم من استخدامِها في المُفاوضات التي تَجري على أرض الواقع في نيويورك”.
هل كان هذا هو الحال عندما زارَ ممثلو طالبان أوسلو في الشتاء؟ هذه المسألة لا تزال مُثيرة للجدَل. فَمِن ناحية، حَظَرَ المجلس العسكري الإسلامي المُتطَرِّف زراعة الخشخاش منذ ذلك الحين. لكن النظام الإرهابي في كابول تراجَعَ من ناحية أخرى عن الوَعد الذي قَطَعَهُ في أوسلو بتوفير التعليم للفتيات على جَميع المُستويات.
المزيد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.