التصوير ثلاثي الأبعاد للوجه يتحدى القرصنة الإلكترونية
اليوم، أصبح الوقوع ضحية احتيال الكتروني أكثر احتمالا بكثير من التعرض لسرقة في الطريق، ومن أجل حماية أفضل لبياناتك، طورت شركة "وَانْ فِيزاج OneVisage" في كانتون فو، نظام تصوير ثلاثي الأبعاد للتعرف على الوجوه يعمل على هاتف ذكي بسيط.
“الأرقام تتحدث عن نفسها، ففي عام 2018، تسببت عمليات الاحتيال الالكتروني في خسائر تربو على 800 مليار فرنك سويسري في جميع أنحاء العالم، والسبب وراء 80٪ من الحالات كان انتحال الشخصية أو اكتشاف كلمة السر الخاصة بالمستخدِم”، كما أشار كريستوف رومِيّاي، المدير التنفيذي والمؤسِّس لشركة وَانْ فيزاجرابط خارجي، التي مقرها في مدينة لوزان.
وأضاف الخبير أنه: “لسوء الحظ، لم يتطوّر أمن الفضاء الالكتروني، خاصة التوثّق من هوية المستخدِم، بنفس وتيرة تطوّر العالم الرقمي، فتحوّلت الجريمة إلى الجريمة السيبرانية (الالكترونية)، حيث تقل احتمالية وقوع المنظمات الإجرامية والمحتالين في قبضة العدالة”.
هذه الحقيقة أكدها المركز الوطني لأمن المعلومات، الذي أنشأته الحكومة السويسرية منذ عام 2004 لمكافحة جرائم الإنترنت، والذي تكتسب تقاريره نصف السنوية أهمية متزايدة، وتصبح بمرور الوقت أكثر طولا، وكذلك الأمر بالنسبة لقائمة الهجمات والأدوات التي يطوّرها المحتالون، سواء البسطاء منهم الذين يمارسون ألاعيبهم كهواية، أم الأشخاص أصحاب النوايا الخبيثة الذين يسعون إلى الإضرار بغيرهم أو بالبنية التحتية والخدمات العامة، فضلا عن المنظمات الإجرامية التي تمارس الشر الحقيقي بشكل منظم وعلى أعلى المستويات.
الأولى عالميا
بعد أن أنهى دراسة الهندسية في باريس، بدأ كريستوف رومِيّاي في سويسرا حياته المهنية في عام 1990، حيث عمل بداية في العديد من الشركات العاملة في الأسواق الدولية، وفي عام 2002، دخل عالم الشركات الناشئة، التي وجدت في منطقة لوزان أرضا خصبة لأنشطتها، إلا أن بداية اهتمامه بمجال أمن تكنولوجيا المعلومات جاء عن طريق الصدفة نوعا ما.
يقول كريستوف رومِيّاي: “في عام 2013، وأثناء وجودي للعمل في الولايات المتحدة، تم خلال بضعة أيام اختراق بطاقة الائتمان الخاصة بي وبريدي الإلكتروني، وباعتبار أنّي درست الهندسة، فقد قررت البحث عن حلول تحمي هويتي الرقمية بشكل أفضل، غير أنّي كلما تعمّقت بالبحث كلما ازددت خيبة أمل، فلقد راجعت كل ما هنالك من: كلمات مرور، ورموز التعريف الشخصي، ووسائل التعرف على الهوية بواسطة الكشف البيومتري (الحيوي) المستند حينها على دلالة بصمات الأصابع، واليد، والقزحية، إلخ. وأخيرا توصلت إلى استنتاج مفاده أن المستقبل هو لبصمة الوجه أو للتعرف على الوجه ثلاثي الأبعاد”، وفق قوله.
غير أن هذه التقنية لم تكن في ذلك الوقت موجودة، فما كان من كريستوف رومِيّاي إلا أن قام، وبمساعدة بعض الأصدقاء، بتسجيل شركة تحمل اسم “وَانْ فِيزاج OneVisage”، وفي عام 2014 شرع في تطوير تقنية التعرف على الوجه ثلاثية الأبعاد بالتعاون مع المعهد التقني الفيدرالي العالي في زيورخ وجامعة بازل، اللذان يُعتبران الأكثر تقدما في هذا المجال من بين الجامعات السويسرية.
وبالفعل ربح الرهان، ففي المؤتمر العالمي للهاتف الجوالرابط خارجي في برشلونة، الذي عقد في فبراير 2015، كان الشركة السويسرية الناشئة أول من تقدم بنظام التعرف على الوجوه ثلاثي الأبعاد، يعمل بواسطة تطبيق بسيط وكاميرا من طراز “آر جي بي RGB” عادية لأي هاتف خلوي ذكي مدعوم بنظام تشغيل أندرويد، وغير مقيّد بأجهزة معيّنة، بل يمكن تشغيله أيضا على نظام ويندوز ولينُكس.
توثيق مشدّد
تتميّز تقنيّة التعرف على الوجه ثلاثي الأبعاد بكونها في متناول الجميع، نظرا لأنها لا تحتاج إلى أجهزة استشعار معيّنة ولا إلى أدوات خاصة، كما في حالة تقنيات قراءة بصمة أصابع اليد أو بصمة قزحية العين، كما أنها الأكثر أمانًا من بين الأنظمة المستخدمة حتى الآن، سواء تلك التي تعتمد على كلمة السر أو التي تعتمد على رمز التعريف الشخصي.
ويوضح كريستوف رميلي: “ليست المسألة مسألة فنية، وإنما مشكلة إنسانية. اليوم نحن نستخدم العشرات من كلمات المرور للوصول إلى مختلف الخدمات التي اشتركنا فيها، ونظرًا لصعوبة تخزين هذا الكم من كلمات المرور فنلجأ إلى تبسيطها، وجعلها سهلة للتذكّر، بل وكثيرا ما نستخدمها لأكثر من حساب، وهو ما يسهل على المخترقين والمتسللين المهمة”.
وحتى طريقة إرسال الرسائل القصيرة للتوثيق غير آمنة، وسيتوقف التعامل بها داخل الإتحاد الأوروبي مع بدء سريان قانون خدمات الدفعرابط خارجي الذي وافقت عليه المفوضية الأوروبية، والذي يُلزم المصارف ومقدمي الخدمات ابتداء من شهر سبتمبر 2019 بتطبيق معايير الأمان الجديدة “إحْكام التعرّف على العميلرابط خارجي” وتعرف اختصارا (اس سي إي SCA)، والتي تشترط لتوثيق شخصية العملاء عبر الانترنت تحقيق على الأقل متطلّبين من بين ثلاثة متطلبات هي: “المعرفة” (معلومات لا يعرفها سوى المستخدِم)، و”الحيازة” (بيانات لا يحوزها إلا المستخدِم كهاتفه الذكي أو كمبيوتره الشخصي) و”المطابقة” (العلامات الفارقة، أو البصمة الحيوية).
ومن شأن هذا التشريع أن يمهد الطريق أمام التحقق من الهوية عن طريق البيانات البيومترية أو بصمة الوجه. وفي هذا الصدد، كشف كريستوف رومِيّاي أن الحلول المستخدمة لغاية الآن، كما في المطارات، بلغت حدّها، ومن السّهل خداع نظام التعرف على الوجوه ثنائي الأبعاد عبر التلاعب بالصور أو الفيديوهات، أو باستخدام الأقنعة المصنوعة من السيليكون، ويُمكن بسهولة التقاط بصمات الأصابع من على الهاتف الذكي أو أي شيء آخر، ثم نسخها ومسحها ضوئيًا واستنساخها في لحظات.
الهوية الرقمية مهددة
وفي المقابل، فإن تقنية التعرف على الوجه ثلاثية الأبعاد قادرة على مُواجهة مثل هذا النوع من التحايل، حيث أن “المستشعِر إنما يحدد سطحا مستويا، ولذلك فإن الهجوم باستخدام صورة أو مقطع فيديو لن ينجح، وكذلك أقنعة السيليكون، كتلك المستخدمة في مسلسل المهمة المستحيلة، لا يمكنها تضليل نظام مصادقة يعمل بهذه التقنية، وبالتالي فإنه من غير المُستغرب اعتماد شركة آبل نظام التعرف على الوجه ثلاثي الأبعاد للدخول في أحدث جيل من هواتفها المحمولة.
ويذهب كريستوف رومِيّاي إلى أنه من بالغ الخطورة اللجوء، في حالة المدفوعات عبر الإنترنت والخدمات المصرفية، إلى أنظمة المصادقة التي تقدمها شركة كوبرتينو أو غيرها من عمالقة تكنولوجيا المعلومات أو الهواتف المحمولة أو وسائل التواصل الاجتماعي، ويقول: “لديهم اليوم جميع بياناتنا، ويعرفون عناويننا وتحركاتنا وعاداتنا في الاستهلاك والخدمات. يجب أن نكون حذرين، فهذه الشركات الكبيرة عوّدت المستخدمين على التساهل، غير أن التساهل لا يعني الأمان”.
“غير أن هدف شركة “وَان فيزاج” هو منح كل من المستخدمين ومقدمي الخدمات حلا نظيفا يضمن لهم السيطرة على هوياتهم الرقمية، لأن الاعتماد على نظام التعرّف على الهوية الذي تقدمه شركات تصنيع الهواتف المحمولة هو بالنسبة للبنك، على سبيل المثال، بمثابة انتحار، والأحرى بموفري الخدمات أن يمتلكوا السيطرة على قاعدة بياناتهم وعلى الهوية الرقمية لعملائهم”، كما يؤكد كريستوف رومِيّاي.
إن أمن المعلومات مسألة تهم الجميع، وهي، في رأينا، جزء من حقوق الإنسان
كريستوف رومِيّاي، مؤسِّس شركة وَانْ فيزاج
احترام الخصوصية
أطلقت الشركة السويسرية المختصة في تقنية هوية الوجه عدّة مشاريع رائدة وأقامت شراكات مع عدد من المؤسسات، من بينها الشركة الأمريكية لتصنيع الكاميرات ثلاثية الأبعاد “أوربك Orbbec” ومقرها في الصين، والمزود السويسري للهويات الرقمية “Global ID”، وبنك الائتمان الزراعي الفرنسي “Crédit Agricole”، ويقول المدير التنفيذي للشركة: “نحن لا نزال شركة مبتدئة، نعمل على تطوير أنفسنا وعرض منتجاتنا، ولكنني أعتقد بأن الانتهاكات التي ظهرت مؤخرا جعلت الكثير من الشركات تدرك هول المخاطر المتزايدة بشأن حماية البيانات والأمن الإلكتروني”.
واستطرد: “أنا مقتنع بأن التعرف على الوجه ثلاثي الأبعاد سيحل ركبه وسيطال تقريبا جميع القطاعات، ومنها الخدمات المالية والمصرفية، والحكومية والصحية، والتجارة، والنقل من السيارات وحتى المطارات”، وتعمل “وَانْ فِيزاج” على تطوير أنظمة مصادقة جديدة للعديد من القطاعات، إلا أن الطريق أمام الشركة الناشئة وموظفيها الشبان لا يزال صعبا في مواجهة الشركات العالمية العملاقة ذات الميزانيات الضخمة، مثل أمازون وفيسبوك و”علي بابا”.
كريستوف رومِيّاي أضاف: “أعتقد أنه للقيام بمثل هذه المهمة، سواء أوُلدتَ لتكون صاحب شركة أم لا، لابد أن يكون بإمكانك الاعتماد على أسرتك وقضاء بعض الليالي بلا نوم. هناك الكثير من الصعوبات، ولكن لدينا معنويات عالية، ومعنوياتنا نابعة من رغبتنا في تقديم مساهمة متواضعة لتحقيق عالم رقمي أكثر أمانًا”، ثم اختتم قائلا: “نحن نرفض مستقبلا رقميا تمليه النماذج الصينية أو الأمريكية، ويسيطر على بياناتك الشخصية ويستخدمها دون أي اعتبار لخصوصيتك. إن أمن المعلومات مسألة تهم الجميع، وهي، في رأينا، جزء من حقوق الإنسان “.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.