ما الذي يتعلّمه السويسريون من الفنلنديين لمحاكمة جرائم الحرب في ليبيريا؟
بعد مرور أكثر من خمس سنوات على اعتقاله، يُحاكم زعيم سابق لفصيل من المتمردين الليبيريين في سويسرا بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وعلى الرغم من اعتبار المحاكمة إنجازاً تاريخياً، فقد تمّت في فنلندا إجراءات مماثلة بوتيرة أسرع بكثير. فما الذي قامت به المحكمة الفنلندية بشكل مختلف؟ وهل كان من الممكن أن يكون النهج السويسري بشأن المحاكمة أكثر كفاءة؟
تم نشر هذا المحتوى على
13دقائق
جوليا صحفية بريطانية كثيرة الاسفار تعمل في الصحافة الإذاعية والمطبوعة، وتختص في الشؤون الإفريقية والعدالة الانتقالية.
في تسعينيات القرن الماضي وأوائل القرن الحادي والعشرين، كان للحروب الأهلية المتداخلة تداخلاً وثيقاً في كل من ليبيريا وسيراليون المجاورة في غرب افريقيا، أثر تدميري على هذه المنطقة. لقد خلّفت هذه الحروب مئات الآلاف من القتلى، وملايين المشردين، وتميزت بارتكاب فظائع شملت عمليات بتر أعضاء المدنيين والتمثيل بهم، والاغتصاب الممنهج، وأكل لحوم البشر، واختطاف الأطفال لتجنيدهم في الحروب.
في ظل غياب العدالة الوطنية لضحايا جرائم الحرب الأهلية في ليبيريا، قامت المنظمات غير الحكومية بمساعدة هؤلاء الضحايا وذويهم على رفع قضاياهم وتقديمها إلى العدالة في بلدان أخرى – بما في ذلك سويسرا وفرنسا وفنلندا وبلجيكا – وذلك بموجب مبدأ “الولاية القضائية العالمية” (انظر الإطار أدناه).
تم الدفع بهذه القضايا إلى القضاءيْن السويسري والفنلندي من قبل منظمة غير حكومية سويسرية تتخذ من جنيف مقراً لها، وهي “سيفيتاس ماكسيمارابط خارجي“، بمؤازرة شريكتها الليبيرية، منظمة “مشروع العدالة والبحث العالمي”. فبعد انقضاء ما يقرب من عشرين عاماً على ارتكاب جرائم حرب وجرائم مزعومة ضد الإنسانية، يخضع أليو كوسياه، وهو زعيم سابق لمجموعة من المتمردين الليبيريين للمحاكمة في سويسرا. وفي الوقت نفسه، يُحاكم جبريل ماساكوي، قائد متمردي الجبهة الثورية المتحدة السيراليونية السابقة في فنلندا.
يقول آلان فيرنر، مدير “سيفيتاس ماكسيما”، إن كلتا المحاكمتين تاريخيتان، وينبغي تهنئة المحكمتين على عزمهما المضي قدماً فيهما، لا سيما وسط الجائحة الناجمة عن فيروس كورونا، مع اتخاذ جميع اجراءات السلامة المفروضة. “حتى اليوم، وبعد ما يقرب من عشرين عاماً من نهاية الحرب الأهلية، لم تُجرَ أي محاكمات لجرائم الحرب للجناة الليبيريين المزعومين في ليبيريا أو في أي مكان آخر. إنها المرة الأولى”. ويضيف قائلاً: “أعتقد أن ذلك له أهميته بالنسبة لليبيريا ولشبه الإقليم بأكمله”.
حدث تاريخي في سويسرا
المحاكمة هي أيضاً الأولى من نوعها بالنسبة لسويسرا؛ إذ ستكون هذه المرة الأولى التي تحكم فيها محكمة سويسرية غير عسكرية في جريمة دولية. أما كوسياه المحتجز في سويسرا منذ شهر نوفمبر 2014، فهو متهم بارتكاب جرائم عديدة مختلفة، بما فيها قتل مدنيين والمعاملة التعسفية للمدنيين وعمليات الاغتصاب وتجنيد الأطفال أثناء الحرب الأهلية الأولى في ليبيريا من 1989 إلى 1996.
في الواقع، كان من المقرر أساساً أن تبدأ هذه المحاكمة في شهر أبريل 2020، ولكن تم تأجيلها بسبب جائحة كوفيد – 19. وبعد أن انطلقت أخيراً في شهر ديسمبر من العام المنصرم، تم العمل بها على مرحلتين. وحالياً تتم الاجراءات المتعلقة بأهم هاتين المرحلتين، مع إفادات من حوالي خمسة عشر ضحية وشاهد تم نقلهم جواً من ليبيريا إلى سويسرا.
المزيد
المزيد
ضحايا ليبيريون يدلون بشهاداتهم في محاكمة جرائم حرب أمام محكمة سويسرية
تم نشر هذا المحتوى على
استُؤنفت محاكمة لقائد متمرّد من ليبيريا متهم بارتكاب جرائم اغتصاب وإعدامات وأكل لحوم بشرية، في سويسرا. ومن المقررّ أن يدلي ضحايا ليبيريون بشهاداتهم هذا الأسبوع في قضية غير مسبوقة بالنسبة للقضاء السويسري.
في الوقت نفسه، بدأت محاكمة مماثلة في فنلندارابط خارجي، حيث اُتّهم ماساكوي بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ليبيريا بين عامي 1999 و2003. آنذاك، كانت لبعض قادة الجبهة المتحدة الثورية في سيراليون علاقات وثيقة مع الحكومة الليبيرية التي كانت بقيادة تشارلز تيلور، (وهو مجرم حرب مدان لارتكابه جرائم في سيراليون). وتم اعتقال ماساكوي في فنلندا في مارس 2020، على إثر تحقيقات تتعلق بجرائمه كانت قد أجريت منذ عام 2018.
لم تكتسب هذه القضية المعقدة المتعلقة بالولاية القضائية العالمية أهميتها فقط بسبب الفترة القياسية لتقديمها إلى المحاكمة، ولكن أيضاً لأن ممثلي المحكمة الفنلندية قاموا بالسفر إلى ليبيريا، لزيارة المواقع والحصول على الأدلة؛ مما يُعتبر نهجاً مبتكراً. ولا يزال ممثلو المحكمة اليوم متواجدين على الميدان يتابعون تحقيقاتهم، وسيتوجّهون لاحقاً إلى سيراليون للاستماع إلى الضحايا والشهود.
تسمح الولاية القضائية العالمية للدول بمقاضاة غير مواطنيها على الجرائم الدولية المرتكبة في أيّ مكان من العالم (الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب). وتُعتبر هذه الجرائم من أخطر الجرائم التي لا تسقط بمرور الزمن.
تُعتبر هذه القضايا ومثيلاتها معقدة وقد تتطلب تحقيقات في أماكن بعيدة يصعب الوصول إليها. ولكن وفقاً لأحدث تقرير سنوي بشأن الولاية القضائية العالميةرابط خارجي أصدرته منظمة “ترايل إنترناشونال” السويسرية غير الحكومية، فإن مثل هذه القضايا آخذة في الازدياد حول العالم. في أوروبا، يستخدم عدد من الدول بشكل متزايد مبدأ الولاية القضائية العالمية، لمقاضاة الجرائم الدولية، خاصةً عند تعذّر وجود عدالة وطنية للنظر فيها في الدولة المعنية. هذا هو الحال لا سيّما في سوريا، وأيضاً في ليبيريا.
أدرجت سويسرا مبدأ الولاية القضائية العالمية في تشريعاتها الوطنية في عام 2011. ولدى مكتب المدعي العام الفدرالي، المسؤول عن التحقيق في هذه القضايا، العديد من القضايا الجارية، لكن الليبيري أليو كوسياه، الذي تم اعتقاله في سويسرا في نوفمبر 2014، هو أول من قُدّم للمحاكمة. كما تحتجز سويسرا وزير الداخلية الغامبي السابق عثمان سونكو، الذي تم اعتقاله في نوفمبر 2017، بينما يحقق مكتب المدعي العام الفدرالي في مزاعم ضده بالقيام بعمليات تعذيب وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
تقول المنظمات غير الحكومية إن سويسرا بحاجة إلى تسريع وتيرة المحاكمات المتعلّقة بتلك القضايا. ويشاع أن مكتب المدعي العام الفدرالي يُعاني من نقص الموارد للقيام بالتحقيقات في جرائم الحرب، لا سيما بالمقارنة مع دول مثل فرنسا وألمانيا، اللتين أنشأتا أيضاً وحدة مشتركة للعمل معاً في بعض القضايا.
الاتجاه السويسري المحافظ
تجري المحاكمتان في نفس الوقت، مما يفتح المجال لإمكانية المقارنة بينهما. ويقول تييري كروفيلييه، محرر موقع justiceinfo.netرابط خارجي التابع لـ”مؤسسة هيرونديلرابط خارجي” وهي منظمة سويسرية غير حكومية (من أجل الشفافية، لكاتبة هذه المقالة أيضاً إسهامات في هذا الموقع)، إنه من السابق لأوانه مقارنة نتائج المحاكمات، لكنه يضيف أن مراحل التي سبقت إجراء المحاكمتين سلطت الضوء على “نهجيْن مختلفيْن في العمل والوتيرة”.
لقد استغرق عمل الفنلنديين حوالي عامين ونصف منذ بدء التحقيقات، قبل تقديم القضية إلى المحاكمة بعد عام واحد فقط من اعتقال ماساكوي، في حين استغرق عمل السويسريين في قضية كوسياه فترة زمنية أطول. علاوة على ذلك، سافر المحققون الفنلنديون إلى ليبيريا عدة مرات، الأمر الذي لم يقم به المحققون السويسريون على الإطلاق. كما تعقد المحكمة الفنلندية الآن جزءاً مهماً من إجراءات المحاكمة في ليبيريا. ويقول كروفيلييه، الموجود حالياً في ليبيريا لمتابعة سير المحكمة الفنلندية: “هذا يضع السويسريين في موقف مخجل بعض الشيء أو على الأقل، يثير تساؤلات جدية حول حالات التأخير في الاجراءات وادعائهم عدم تمكنهم من التحقيق في ليبيريا”.
وبعد طرح هذه التساؤلات على مكتب المدعي العام الفدرالي، الذي يتولى التحقيق والمقاضاة، كان الجواب: “نظراً لاختلاف الأطر والأنظمة القانونية، فإننا نحجم عن المقارنات مع الدول الأخرى. بشكل عام، يتابع مكتب المدعي العام عن كثب التطورات في القانون الجنائي الدولي على مستوى الدول وعلى مستوى المحاكم الدولية”.
النموذج الفنلندي؟
في السياق، يقول كروفيلييه إن إجراءات السويسريين لا تتصف وحدها بالبطء؛ فلدى البلجيكيين أيضاً قضية تتعلق بجرائم الحرب في ليبيريا، ورغم مرور ما يقرب من سبع سنوات على فتح التحقيق، لم يتم الشروع بالمحاكمة بعدرابط خارجي. فقط الفرنسيون، الذين يحققون مع ليبيري تم اعتقاله في عام 2018رابط خارجي، أجروا أيضاً تحقيقاتهم على الأرض مثل الفنلنديين.
من جهته، يقول فيرنر، الذي يُتابع سير المحاكمة في المحكمة السويسرية، “لكل بلد منهجه”، لكنه يوافق على أن العملية الفنلندية “متطورة”، وأنها “نموذج للوتيرة السريعة والكفاءة”. كما يعتبر أن الذهاب إلى الميدان يسمح بإلمام أفضل بحيثيات القضية.
“لقد كان هذا هو النهج الفنلندي منذ البداية”، وفقاً لكروفيلييه. لقد سمح للمحكمة بالتعرف على المواقع المتعلّقة بالقضية وظروف المعيشة المحلية. في أسبوعهم الأول في ليبيريا، قام المحققون الفنلنديون بزيارة مواقع الجريمة المزعومة في أقصى شمال ليبيريا، بالقرب من الحدود مع سيراليون. على الرغم من اختفاء الأدلة التي خلّفتها الحرب، إلا أنهم يعتبرون أن هذه التجربة ساعدتهم على فهم القضايا التي يحققون بشأنها بشكل أفضل، لا سيما عندما قاموا بالاستماع إلى حوالي خمسين شاهداً في العاصمة الليبيرية مونروفيا.
أثر المحاكمات في ليبيريا
في غضون ذلك، تواصل المحكمة الجنائية الفدرالية في مدينة بيلينزونا، عاصمة كانتون تيتشينو جنوب سويسرا جلسات الاستماع لنحو خمسة عشر من الضحايا والشهود الليبيريين. ولكن ما هو أثر هذه المحاكمات في ليبيريا؟
بين عاميْ 2005 و2010 كانت هناك في البلد لجنة للحقيقة والمصالحة، أوصت بإنشاء محكمة جرائم حرب وطنية. ومع استمرار وجود أشخاص في السلطة، يُزعم أنهم مرتبطون بالفظائع التي ارتكبت خلال الحروب الأهلية، فإن إنشاء هذه المحكمة لم يتحقق أبداً، فلا تزال للموضوع حساسيته من الناحية السياسية. يقول كروفيلييه: “ورغم ذلك فإن النقاش حول هذه القضايا اكتسب المزيد من الزخم في العامين الماضيين”، ويُمكن القول أن “هذه المحاكمات الأوروبية أضفت معنى جديداً على النقاش”، على حد قوله.
يوافق فيرنر على ذلك. ويقول: “أعتقد أن هذه المحاكمات أعادت طرح قضية كيفية تعامل ليبيريا مع جرائم الحروب الأهلية ومسألة الإفلات من العقاب على الطاولة”، مشيرا إلى أن “الشهود الليبيريين الستة الذين أدلوا بشهاداتهم في سويسرا مؤخرا صرّحوا جميعاً للقضاة السويسريين بأنهم أدلوا بشهاداتهم لأنهم توّاقون إلىتحقيق العدالة”.
قراءة معمّقة
المزيد
سياسة فدرالية
اقتراع فدرالي: هل تحتاج عقود إيجار العقارات في سويسرا إلى تعديل؟ الكلمة للشعب
كيف يمكننا منع احتكار الذكاء الاصطناعي من قبل الدول والشركات الكبرى؟
يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على حل العديد من مشكلات العالم، لكن قد تسعى الدول الأغنى والشركات التكنولوجية الكبرى إلى احتكار هذه الفوائد لمصلحتها الخاصة.
ضحايا ليبيريون يدلون بشهاداتهم في محاكمة جرائم حرب أمام محكمة سويسرية
تم نشر هذا المحتوى على
استُؤنفت محاكمة لقائد متمرّد من ليبيريا متهم بارتكاب جرائم اغتصاب وإعدامات وأكل لحوم بشرية، في سويسرا. ومن المقررّ أن يدلي ضحايا ليبيريون بشهاداتهم هذا الأسبوع في قضية غير مسبوقة بالنسبة للقضاء السويسري.
محكمة سويسرية تبدأ النظر في جرائم حرب مُرتكبة في ليبيريا
تم نشر هذا المحتوى على
بدأت يوم الخميس 3 ديسمبر 2020 في جنوب سويسرا محاكمة تاريخية لقائد فصيل مسلح ليبيري متهم بالاغتصاب والنهب والاغتيال وأكل لحوم البشر أمام المحكمة الجنائية الفدرالية.
آمال متزايدة في إمكانية تقديم مجرمي الحرب إلى المحكمة
تم نشر هذا المحتوى على
مع توقع إجراء أول محاكمة دولية لجرائم الحرب في سويسرا أمام محكمة غير عسكرية في الأشهر المقبلة، تقول منظمة " ترايال إنترناشيونال " TRIAL International السويسرية غير الحكومية أن حالات "الولاية القضائية العالمية" هذه في تزايد في جميع أنحاء العالم. وتقول إن سويسرا لديها العديد من القضايا الأخرى قيد الدرس والتحقيق، لكنها ما زالت بحاجة إلى زيادة وتيرة عملها في هذا المضمار.
نظراً لتداعيات أزمة فيروس كورونا، أُجلت المحاكمة التي طال انتظارها لزعيم المتمردين الليبيريين السابقين إليو كوشيا، والتي كان من المقرر إجراؤها مبدئياً أمام المحكمة الجنائية الفدرالية السويسرية في أبريل الحالي، ولكن ما زال من المتوقع أن تتم هذه المحاكمة في وقت لاحق من العام. وتأمل فاليري بوليت، رئيسة تحرير مجلة "ترايال السنوية بشأن الولاية القضائية العالمية" المنشورة يوم الاثنين الماضي، في أن تفتح المحاكمة حقبة جديدة في وحدة الجرائم الدولية في سويسرا في مكتب المدعي العام (OAG).
تقول فاليري بوليت لـ swissinfo.ch: "آمل أن تكون المحاكمة علنية وأن تحظى بتغطية إعلامية كبيرة لهذه القضية، كما آمل أن يكون ذلك حافزاً لوحدة الجرائم الدولية للمضي قدماً في التحقيق وإرسال لوائح الاتهام". وتضيف: "نحن بحاجة إلى الإقرار بأهمية ما آلت إليه الأمور بأن كوشيا سيخضع أخيراً، وبعد ست سنوات من الانتظار، للمحاكمة؛ لقد حان الوقت لذلك".
كوشيا، القائد السابق لحركة التحرير المتحدة من أجل الديمقراطية في ليبيريا (ULIMO)، متهم بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب الأهلية الليبيرية الأولى بين عامي (1989-1996)، بما في ذلك أعمال عنف جنسي وقتل وأكل لحوم البشر وتجنيد الأطفال للقتال، وإجبار المدنيين على العمل في ظروف قاسية. وقد تم اعتقاله في سويسرا في نوفمبر 2014، وهو قيد الاحتجاز على ذمة التحقيق منذ ذلك الحين بانتظار المحاكمة، حيث قامت السلطات السويسرية بإجراء تحقيقات، بشأن الجرائم المنسوبة إليه.
وقد رفعت القضية منظمة سويسرية أخرى غير حكومية، هي "سيفيتاس ماكسيما" Civitas Maxima وذلك بالنيابة عن الضحايا الليبيريين، بموجب مبدأ يعرف باسم الولاية القضائية العالمية، حيث يمكن لدول مثل سويسرا التي اعتمدت هذا المبدأ في القانون الوطني، استخدامه لمحاكمة غير مواطنيها على الجرائم الدولية الخطيرة (الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية) التي ترتكب في أي مكان في العالم.
ويخضع وزير الداخلية الغامبي السابق عثمان سونكو أيضاً، منذ يناير 2017، للاحتجاز، بانتظار محاكمته في سويسرا، حيث يتم التحقيق معه من قبل مكتب المدعي العام في جرائم مزعومة ضد الإنسانية، ومنها التعذيب.
اللجوء إلى الولاية القضائية العالمية في ازدياد
يعتبر محامو حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية مثل " ترايال" في طليعة الجهات التي دفعت الولاية القضائية العالمية إلى تحمل مسؤولياتها في المحاكمات، وإجراء المساءلة عن الجرائم الخطيرة، لا سيّما عندما لا تتوفر الأطر القانونية لذلك في البلد الذي ارتكبت فيه الجرائم. وعلى سبيل المثال، لم تقم ليبيريا، حتى اليوم، بمحاسبة أي شخص على الجرائم الدولية الخطيرة التي ارتكبت خلال حروبها الأهلية، علماً أن هناك بعض القضايا أيضاً في دول أوروبية تتبنّى هي الأخرى مبدأ الولاية القضائية العالمية.
ووفقا لتقرير "ترايال"، فلقد ازداد اللجوء إلى صلاحيات الولاية القضائية العالمية في البلدان حول العالم "أضعافاً مضاعفة"، مع وجود عدد غير مسبوق من القضايا. وبحسب التقرير المذكور، واستناداً إلى عام 2019، تخضع 16 دولة لملاحقات قضائية، وهناك حالياً 11 متهماً قيد المحاكمة، و "يمكن أن يضاف إليهم قريباً، أكثر من 200 مشتبه به"، بحسب التقرير. وقد ارتفع عدد المشتبه بهم في قضايا الولاية القضائية العالمية حول العالم (207) أي بنسبة 40% عن عام 2018.
وتقول بوليت إن الاتجاه بدأ في عام 2015 بتدفق اللاجئين إلى أوروبا "الذي رافقه قدوم العديد من الشهود والعديد من الضحايا والعديد من الجناة المشتبه بهم". وتقوم الدول الأوروبية الآن باكتساب خبرتها في هذا المجال، وهناك دول مثل فرنسا وألمانيا، تقوم بإنشاء وحدات تعاون مشتركة للتحقيق في القضايا.
وتضيف بوليت: "لدى سويسرا بعض القضايا، التي رُفع الكثير منها من قبل "ترايال إنترناشيونا". "لدينا ست قضايا كبيرة قيد التحقيق، لكن أخشى ألا يتم إجراء التحقيقات اللازمة. لذا فمن الواضح أنه لا يمكن اعتبار سويسرا مثالاً"، على حد قولها.
الموارد والإرادة السياسية
لطالما اتهمت المنظمات غير الحكومية وغيرها، مكتب المدعي العام بالتباطؤ في قضايا الجرائم الدولية. ويُعزى ذلك إلى المعاناة من النقص في الموارد، والخشية من التدخلات والضغوط السياسية الممكنة. في شهر أبريل من عام 2018، كتب المقررون الخاصون للأمم المتحدة، المعنيون بقضايا التعذيب واستقلالية القضاة والمحامين، إلى الحكومة السويسرية، معربين عن قلقهم إزاء مزاعم بأن مكتب المدعي العام قد تعرض للضغط السياسي، لا سيما في القضايا المرفوعة ضد وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار، ورفعت الأسد عم الرئيس السوري الحالي.
وفي ردّ مكتوب، رفض وزير الخارجية إينياتسيو كاسيس هذه الادعاءات وأكد أن "سويسرا تعلق أهمية كبيرة على مكافحة الإفلات من العقاب، لا سيما بالنسبة للجرائم التي تقع تحت طائلة القانون الدولي". ولكن، ورغم مرور عامين على رفع هذه القضايا إلى المختصين، لم يتم فيها إحراز أي تقدم يذكر، حيث لم يتم الاستماع سوى لشاهد واحد في قضية نزار، بحسب ما تدّعي بوليت. أما في قضية سونكو، التي رفعتها "ترايال" أيضاً للجهات المختصة، فإن العاملين فيها "ليس لديهم أدنى فكرة" عن متى يمكن تقديمه للمحاكمة، على حد قولها.
ورفض مكتب المدعي العام مقابلة swissinfo.ch بشأن هذه الادعاءات، وصرّح في رد مكتوب أن التحقيقات المتعلّقة بهذه القضايا "جارية". وفيما يتعلق بقضية الوزير الغامبي السابق سونكو، ذكر أن "المشتبه به ما زال رهن الاحتجاز وأن الإجراءات الجنائية السويسرية مستمرة بحقه"، كما أن مكتب المدعي العام يتابع عن كثب ما يحدث في غامبيا بهذا الشأن وفي ولايات قضائية أخرى ذات صلة. ووفقاً لـ ترايال، ذكرت لجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات TRRC أن هناك جلسات استماع إلى شهود وضحايا أحياء تجري في غامبيا، وأن اسم سونكو تردد على لسان هؤلاء بشكل متكرر. كما تم نقل "مواد وأدلة متعلقة بالقضية، بما في ذلك شهادات أمام لجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات TRRC، وتسليمها إلى المدعي العام السويسري".
ورفض مكتب المدعي العام إعطاء تفاصيل عن موارده المخصصة لمتابعة قضايا الجرائم الدولية، وعن مدى ملاءمتها إنجاز المهام المطروحة.
الجرائم الدولية والإرهاب
ويعرب تقرير "ترايال" أيضاً عن القلق بشأن ما يسميه منحى متزايداً للمدعين العامين حول العالم، لاتهام المشتبه بهم بالإرهاب، وهي تهمة يسهل إثباتها أكثر من تهمة ارتكاب الجرائم الدولية. وهذا أمر يثير القلق، لا سيّما مع انتفاء وجود تعريف دولي للإرهاب، ولأن من عواقبه تهميش الضحايا، لأن الإرهاب جريمة ضد الدولة وليس ضد الأفراد. وتعتبر "ترايال" أن عواقب هذا المنحى، تشكل "حقيقة من الصعب تقبّلها بالنسبة للعديد من الناجين الذين يعتبرون اتباع هذا المنحى للوصول إلى تحقيق العدالة التي ينشدونها بمثابة خطوة نحو إغلاق ملفات قضاياهم".
ويشير التقرير إلى ما حصل في قضية الجهاديين الفرنسيين منير ديوارا ورودريغ كوينوم، اللذين حكمت عليهما محكمة فرنسية في ديسمبر من عام 2019 بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة الإرهاب. وكان المتهمان قد ظهرا في صوَر في سوريا وهما يرتديان ملابس قتالية ويحملان بنادق كلاشينكوف، وكان أحدهما يلوح بإحدى يديه برأس مقطوع.
وتعتبر "ترايال" أن المشتبه بهما "كان يمكن أن يتهما، بالإضافة إلى التهم المتعلّقة بالإرهاب الموجهة ضدهما، بالاعتداء على الكرامة الشخصية لضحاياهما، وهي جريمة حرب محددة بوضوح في اتفاقيات جنيف".
وترى بوليت إن المشكلة لا تكمن في سويسرا بقدر ما تكمن في واقع أن وحدة الجرائم الدولية التي، وبنتيجة افتقارها إلى الموظفين، قد تم دمجها مع وحدة جرائم الإرهاب. هذا الدمج لا يُعتبر مشكلة في حد ذاته، فقد حصل أيضاً في فرنسا. وتقول لموقع swissinfo.ch: "قد يكون من الجيد الاعتقاد بأن لديك وحدة معنية بجرائم الإرهاب تعمل أيضاً في قضايا جرائم الحرب، لأن هذه الجرائم مرتبطة ببعضها أحياناً. لكن المشكلة تكمن في الافتقار للموارد البشرية والمالية والتعرّض للضغوط السياسية التي تمارسها دولة ما. ونتيجة لضغوط الرأي العام، تجنح الدول إلى مقاضاة المشتبه بهم في قضايا الإرهاب. ثم يصبح من الصعب الدمج بين الإرهاب وجرائم الحرب، لأن جرائم الإرهاب هي التي ستُولى الأهمية ".
تم نشر هذا المحتوى على
تقول المدعية لورانس بوايّـا Laurence Boillat وهي رئيسة سابقة لوحدة جرائم الحرب إنها طردت من منصبها بسبب اعتقادها أنه يتعيّن على المكتب أن يبذل جهداً أكبر. تقول بوايّا: “سرعان ما أدركنا أن هذه الوحدة لن تتمتّع بأهميّة كبيرة، لأننا لم تكن تشغّل في المجموع.. خمس وظائف بدوام كامل”، وتضيف “ولكن مع ذلك كنا متحمسين للغاية”. في الوقت الحالي،…
هل تُفلح سويسرا في اغتنام الفرصة في قضيتي سونكو وكوسيا؟
تم نشر هذا المحتوى على
وتنظر كل من منظمة “ترايال” TRIAL الدولية (وهي منظمة سويسرية غير حكومية تقوم بملاحقة المسؤولين عن جرائم دولية) و”سيفيتاس ماكسيما” (التي توفر التمثيل القانوني لضحايا جرائم الحرب) إلى كلتا القضيتين باعتبارهما اختباراً مهما لكيفية تعامل سويسرا مع أداة قانونية دولية تُعرَف بمبدأ “الولاية القضائية العالمية”. وكان عثمان سونكو، الذي شغل منصب وزير الداخلية في غامبيا…
شارف على الإنتهاء... نحن بحاجة لتأكيد عنوان بريدك الألكتروني لإتمام عملية التسجيل، يرجى النقر على الرابط الموجود في الرسالة الألكترونية التي بعثناها لك للتو
اكتب تعليقا