ما هي تَكلُفة فَشَل الاتفاقية الإطارية بالنسبة لسويسرا؟
قام مَركز الأبحاث الليبرالي ‘آفينير سويس’ (Avenir Suisse) الذي يُرَكِّز اهتمامه على مُستقبل سويسرا في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بِحِساب مِقدار الخسائر التي قد تتكبدها البلاد في حال الإخفاق في التوصل إلى اتفاقية إطارية - مؤسساتية مع الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف. وبِحَسب المركز، فإن التوقعات الاقتصادية قاتِمة بالنسبة لسويسرا.
لم يُحَقِّق الاجتماع الذي طال انتظاره، بين الرئيس السويسري غي بارمولان ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في بروكسل يوم الجمعة 23 أبريل 2021 التَقَدُّم المأمول لتسوية نقاط الخلاف في الاتفاق الإطاري المُرشح للتوقيع بين الجانبين. وتصر سويسرا على حَذفِ ثلاث نقاط مثيرة للجدل، بينما يواصل الاتحاد الأوروبي رَفضه لذلك.
وكما أوضح بارمولان أمام وسائل الإعلام، فإن سويسرا، وفي إطار المناقشات على المستوى الفني “قدَّمت مُقتَرحات مَلموسة” حول القضايا الثلاث المُثيرة للجدل، والمُتَمَثِّلة بِحماية الأجور، والمُساعدات الحكومية، واللوائح الخاصة بمواطني الاتحاد الأوروبي التي توسِّع فُرَص الحصول على الإعانات الإجتماعية. ورغم وَصْفه للحوار بـين الطرفين بـ “الصريح للغاية”، لكن بارمولان قال إن سويسرا لا تستطيع التوقيع على الإتفاقية بشكلها الحالي.
من جانبه، قال إريك مامر المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بعد المقابلة التي استمرت ساعة ونصف الساعة، بأن المفاوضات “قَدَّمَت توضيحات بشأن المواقف السياسية لكلا الجانبين”.
بعد موافقة الناخبين السويسريين على المبادرة الداعية إلى الحَد من عدد الأجانب المسموح لهم بالإقامة والعمل في سويسرا في عام 2014، قامت مجموعة من الباحثين من بازل بِحساب الآثار الاقتصادية لإلغاء الحزمة الأولى من الاتفاقيات الثنائية بين سويسرا والاتحاد الأوروبي. وكما استنتجت الدراسة، فإن الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا سوف يكون أقل بنسبة 7,1% (أو نحو 64 مليار فرنك) مما لو استمرت الاتفاقيات مع التجمع الأوروبي. ووفقاً لحسابات الباحثين، كان هذا يعادل آنذاك 540 فرنكاً شهرياً لكل مواطن/مواطنة.
من جانبها، شرعت خلية تفكير ‘آفنير سويسرابط خارجي’ (Avenir Suisse) بإجراء حساب مُماثل للاتفاقية الإطارية – المؤسساتية التي يُمكن أن تتعرض للفشل بسبب وجود نقاط خلافية. وهي تَعتَزم نَشْر تحليلٍ حول ذلك قريباً.
على عَكس الحساب الذي تم إجراؤه في ذلك الوقت، لا يتعلق الأمر الآن بإنهاء افتراضي لاتفاق ما، ولكن بِاتفاقية إطارية لَمْ يتم إبرامها، وهو ما يَجعل بالتالي استخلاص استنتاجات مُباشرة صعباً بالتالي. لكن الفَرق الكبير بين ذلك الوقت واليوم، هو ان “اتفاقيات مُهمة [ضمن الحزمة الأولى] لنْ يتم تَحديثها على الأرجَح. كما أن مُشاركة سويسرا المُتساوية إلى حدٍ كبير (مع الدول الأعضاء) في أنشطة السوق الأوروبية سوف تتراجع تدريجياً نحو الوصول المحدود إلى هذه السوق”، كما يقول باتريك دومّلررابط خارجي، الباحث الأقدم في ‘آفينير سويس’.
بِحَسب دومّلَر، فإن الإتفاقيات القائمة حالياً سوف تَفقد قيمتها على المدى الطويل بدون توفر اتفاقية إطارية – مؤسساتية، وهو ما من شأنه أن يَخلق حواجز تجارية. وعلى سبيل المثال، سيتعيّن تحديث اتفاقية التجارة العابرة للحدود في منتجات التكنولوجيا الطبية في نهاية شهر مايو المقبل لانتهاء صلاحيتها، وما لم يَحدُث ذلك، فإن عقبات تصدير جديدة سوف تلوح في الأفق. وبِحَسب تقدير قطاع التكنولوجيا الطبية لوحده، سيؤدي ذلك إلى تكاليف سنوية إضافية تقدر بـ 75 مليون فرنك سويسري.
“من المتوقع أن تواجه صناعة الآلات حواجز تقنية جديدة أمام التجارة اعتباراً من عام 2023. وإذا افترضنا وجود تكاليف مُماثلة لتلك الخاصة بقطاع التكنولوجيا الطبية، فسوف يُنتج ذلك عبئاً إضافياً (على القطاع) يزيد عن نصف مليار فرنك سنوياً”، وفقاً لـتقييم دومّلر.
تأثر مُختلف للقطاعات
بَيد أن فَشل الاتفاقية الإطارية لَنْ يؤثر بنفس القدر على جميع قطاعات الاقتصاد. “كلما زاد تركيز قطاع ما على السوق المحلية السويسرية، وكلما كان المُنتج أقل قابلية للتداول، كلما كان تأثره أقل”. يقول دومّلر. وبالتالي، فإن ما يُسمّى بالخدمات الشخصية مثلاً لن يتأثر تقريباً. “بعض الأعمال مثل حِلاقة الشعر، أو العديد من خدمات الرعاية الصحية التي يجب أن تتوفر محلياً، لن تتأثر بوجود اتفاق إطاري من عدمه”.
لكن، والحديث لـ دومّلَر، توجد قطاعات – مثل التكنولوجيا الطبية – تَكَبَّدَت تكاليف إضافية بالفعل. وحيث يهدد الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة بعدم تجديد اتفاقية الحواجز التقنية، فقد استعدَّ القطاع مبكرا لهذا السيناريو. وكما يوضح دومّلر “قامت العديد من الشركات بإنشاء فرع لها في منطقة الاتحاد الأوروبي لكي تكون قادرة على تصديق منتجاتها هناك. وقد تم بالفعل تكبد تكاليف هذه الاستثمارات التي تقدر بنحو 100 مليون فرنك سويسري. ويعني ذلك بالنتيجة استثمار هذه الشركات في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وليس في سويسرا – وهذه نتيجة للسياسة المُتَرَدِّدة لحكومة برن”.
لسوء الحظ، فإن البيانات المُتاحة حالياً تجعل التَحديد الكمّي الدقيق لجميع الآثار التي قد تترتب عن إخفاق الطَرَفين في التوصل إلى الإتفاقية المأمولة أمراً مُستحيلاً بحسب ‘آفنير سويس’. وكما يضيف مركز الأبحاث، فإن صناعة التكنولوجيا الطبية ليست حالة معزولة. “من الضروري أن نأخذ في الحُسبان ليس فقط تكاليف التغَلُّب على الحواجز الجديدة التي تحول دون الوصول إلى الأسواق، ولكن فُقدان القُدرة التنافسية أيضاً”. ومن شأن عدَم إبرام اتفاقيات جديدة للوصول إلى الأسواق الداخلية الأوروبية أن يُخفض من امكانات النمو بشكل كبير. وعلى سبيل المثال، يرفض الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاقية بشأن الكهرباء بدون وجود اتفاقية إطارية بين الطرفين.
وبالنظر إلى ارتفاع التكاليف التي يُمكن أن تنجم [في حالة عدم التوصل إلى اتفاق]، فإن من الصعب بمكان من منظور خارجي فَهم سبب عدم رغبة سويسرا في إبرام اتفاقية إطارية. “هذا القرار يثير الاستغراب في الخارج لأننا نضع العراقيل في طريق الشركات الخاصة بنا”، بحسب دومّلر.
طريقان للخروج من “وادي الدموع”
وفقًا لدومّلر، لا ينبغي مناقشة التكاليف الباهضة فقط، ولكن عَرض البدائل أيضاً، ويقول: “السؤال الكبير هو: “كيف يُمكننا تعويض فشل الاتفاقية الإطارية من خلال جهودنا الخاصة”؟
“بدون بديل مُجدِ اقتصادياً للاتفاقية الإطارية، سوف تستمر سويسرا في فقدان جاذبيتها كموقع”
وفقًا لـلباحث في ‘آفنير سويس’، هناك طريقان رئيسيان لذلك، يتمثلان بِبِناء وتعزيز اقتصاد السوق في داخل البلاد، كما كانت ’آفنير سويس’ تطالب منذ فترة طويلة، بالإضافة إلى عقد اتفاقيات اقتصادية شاملة مع دولٍ ثالثة. “نحن بحاجة إلى زيادة إنتاجية القطاع المحلّي، لكن هذا لن يَروق للشركات الصغيرة وقطّاع الزراعة، لأنه ينطوي على الانفتاح والمَزيد من المنافسة”.
في السياق، تسعى سويسرا منذ فترة طويلة إلى إبرام اتفاقية للتجارة الحُرّة مع الولايات المتحدة ودول السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية (تُعرف اختصاراً باسم ‘ميركوسور’). وتلقى مثل هذه الاتفاقيات ترحيب ‘آفينير سويس’، التي ترى ان التوصل الى اتفاق مع الولايات المتحدة بالذات “من شأنه أن يعزز النمو الاقتصادي في البلاد”. لكن القيام بذلك يتطلب من سويسرا فتح القطاع الزراعي (بوجه المنافسة الخارجية)، الأمر الذي سيشكل عقبة كبيرة لسياسة البلاد الداخلية، وفقاً لـ دومّلَر. وكما يشير الواقع، فإن المزارعين هم الأعضاء الرئيسيون في حزب الشعب السويسري (يمين محافظ) الذي لن يُوافق على عَقْد اتفاق مع الولايات المتحدة على الأرجَح. وهكذا لا تبدو الآفاق وردية بالنسبة لسويسرا.
ما الذي يُخبّؤه المستقبل؟
من وجهة نظر شخصية، يعتقد دومّلر أن الحكومة السويسرية سوف تسعى لتأمين ما تَمَّ تحقيقه حتى الآن من خلال الاتفاقيات الثنائية. لكنها مع ذلك، لم تُقَدِّم بدائل قابِلة للتطبيق في حالة التَخَلّي عن الإتفاقية الإطارية – المؤسساتية مع بروكسل.
“سويسرا تتصرف مثل الضفدع في الماء المغلي”
قد يستغرق الأمر سنوات عدّة قبل أن تتوصل سويسرا إلى اتفاق جديد مع أهم شريك تجاري لها لإعادة تنظيم علاقاتها الثنائية معه. في غضون ذلك، يُحَذر المعلقون من خطر تآكل الاتفاقات الثنائية. وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن مراراً وتكراراً أنه لن يُوَقِّع على مُعاهدات جديدة مع سويسرا، كما أنه لا يَعتَزم تحديث الاتفاقات القائمة بعد الآن.
“تتصرف سويسرا مثل الضفدع الذي يوضع في إناء على النار: إذا وضعناه في ماءٍ مُعتَدل الحرارة ثم سخنّاه ببطء، فإن الضفدع لن يقفز وسيبقى في الماء حتى نقطة الغليان لأنه لن يشعر بالخطر التدريجي القادم، ويموت بالتالي”، بحسب دومّلَر. “بدون إطار تعاقدى مُستدام، سوف تتآكل فرص سويسرا للوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة تدريجياً، كما ستستمر العواقب الاقتصادية الضارة بالإزدياد. وعلى عَكس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا يُوجد هناك اتفاق على موعد نهائي مُحدد”. وكما يضيف الباحث في ‘آفنير سويس’: “بدون بديل مُجدٍ اقتصادياً للاتفاقية الإطارية، سوف تستمر سويسرا في فقدان جاذبيتها كموقع”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.