مقترح “الضريبة العادلة” بين حجج المعارضين ودفاع المؤيدين
نجحت مبادرة الإشتراكيين "الضريبة العادلة" في كسب تعاطف المواطنين السويسريين أكثر مما كان متوقعا. وضاعفت الأحزاب البورجوازية، والأوساط الاقتصادية في البلاد في الفترة الأخيرة حملاتها لتجنب نجاح هذه المبادرة في الإستفتاء العام الذي تنظمه سويسرا يوم 28 نوفمبر 2010.
ومنذ البداية كان من الواضح أن مبادرة “الضريبة العادلة” سوف تحتل مرتبة ثانوية لدى الشارع السويسري الذي يتهيأ لإستفتاء 28 نوفمبر القادم، حيث انصب كل الاهتمام على مبادرة حزب الشعب (يمين محافظ) الداعية إلى طرد المجرمين الأجانب.
لا يبدو أن المبادرة الاشتراكية تمتلك حظوظا كبيرة للفوز بثقة الناخبين. فمضمون المبادرة يبدو معقدا جدا، ونادرا ما نجحت أحزاب اليسار في الحصول على أصوات الأغلبية في معركة جابهت فيها الكتلة البرجوازية موحدة.
لكن استطلاع الرأي الذي أجراه معهد سبر الآراء Gfs.Bern حول المحطات الانتخابات الفدرالية القادمة، والذي نشرت نتائجه هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية يوم 22 أكتوبر الماضي مثّل تحذيرا قويا لمناهضي المبادرة. وبينت نتائج ذلك الاستطلاع أن 53 % من الأشخاص الذين شملهم أعربوا عن مساندتهم لمبادرة الاشتراكيين، وأن 23% يرفضونها. وشهدت الأيام التي تلت نشر هذه النتائج، تصاعد الحملة الانتخابية، كما تسارعت وتيرة اتخاذ المواقف من النص المطروح للإستفتاء، خاصة من طرف المعارضين.
مزايا المنافسة
التجأ ممثلو الحكومة والأحزاب البرجوازية، والأوساط الإقتصادية إلى إستخدام كل الوسائل المتاحة لإقناع الناخبين السويسريين بعدم التصويت لهذه المبادرة. وفي سياق هذه الحملة قال هانس رودولف ميرتس، وزير المالية السابق والذي غادر الحكومة نهاية شهر أكتوبر 2010 : “تعد هذه المبادرة بتحقيق أكبر قدر من المساواة، لكن الأمر يتعلق في الحقيقة بمشروع سيء الصياغة، لا يستطيع ان يفي بوعوده. ولا نستطيع ان نتحدث عن عدالة ضريبية عندما نريد أن نرفّع من نسبة الضريبة على 1% منصنف من المواطنين، الذين يوفرون في الأصل 35% من الموارد الضريبية العامة”.
ودافع وزير المالية السابق عن المنافسة الضريبية بين الكانتونات قائلا: “إنه بفضل هذه المنافسة تحديدا تتمتع سويسرا بوضع ضريبي مريح، إذ تضطر الكانتونات إلى انتهاج سياسة متوازنة سواء على مستوى المعدلات الضريبية، او على مستوى الأنفاق العام. وإذا ما فرض العمل بمعدلات الحد الأدنى على المستوى الوطني، كما تطالب المبادرة، يكمن خطر في ان تقدم الكانتونات على إنفاق الأموال بشكل غير مجدي”.
ونجح ميرتس في الحصول على دعم مؤتمر حكومات الكانتونات، وهي هيئة يتمثّل هدفها الأوّل في الدفاع عن سيادة الكانتونات. وقال لويجي بيدرازيني، عضو حكومة التيتشينو، متحدثا بإسم هذه الهيئة: “تمثل المبادرة التي طرحها الإشتراكيون ضربة قوية لإستقلال الكانتونات والبلديات في المجاليْن المالي والضريبي”.
وبحسب هذا المسؤول تسمح المنافسة الضريبية للكانتونات الواقعة على الأطراف بالحفاظ على جاذبيتها “بالمقارنة مع المناطق الإقتصادية الرئيسية في البلاد، وتواجه هذه الكانتونات صعوبات كبيرة في جذب أصحاب رؤوس الأموال، وفي تعزيز علاقاتها مع الأسواق الدولية. وبفضل هذه المنافسة الضريبية، يمكنها التعويض عما تخسره نتيجة لذلك”.
اللجوء إلى الواحات الضريبية
يقول المدافعون عن هذه المبادرة أن كل تلك الحجح داحضة، وبالنسبة للنائبة الإشتراكية جاكلين فيهر: “هذه المبادرة، وعلى عكس ما يقول مناهضوها، تعزّز إستقلالية الكانتونات، لأنها ترفع عن حكوماتها الضغوط التي تفرضها عليها المنافسة الضريبية غير العادلة، والتي تفرض عليهم التخفيض المتواصل من معدلات الضريبة لصالح الأغنياء على الرغم منهم”.
وتضيف فيهر: “يمكن أن يستفيد من هذه المبادرة 99% من المواطنين، ولا تمس إلا 1% هم المكلّفون الأثرياء. هؤلاء الأشخاص هم الذين يجب ان يفوا بواجباتهم الإجتماعية، وألا يجدوا لهم ملاذا في الواحات الضريبية المترامية على أطراف بحيرة زيورخ وزوغ”.
يؤكد النائب عن حزب الخضر، أليك فون غرافنريد في نفس الإتجاه على أن المبادرة لا تنال من سيادة الكانتونات، التي بإمكانها ان تواصل ضبط معدلات الضريبة بالنسبة ل 99% من السكان بكل حرية. وأضاف: “ما نريده هو فقط منع تزايد التفاوت بين الكانتونات، ووضع حد للمنافسة الضريبية التي تضر بالتضامن الوطني”.
ابتزاز
يشدد المعارضون على أن مبادرة “من أجل ضريبة عادلة” تضر بالجاذبية الضريبية لسويسرا بأكملها. ويتمثل خطرها بحسب مارتين لاندولت، النائب الديمقراطي المسيحي: “ليس فقط في أنها تعرقل محاولات جذب شركات أجنبية، بل قد تتسبب في مغادرة العديد من الشركات ومن أصحاب رؤوس الأموال الذين إستقروا في سويسرا في السنوات الأخيرة. وعندما نتحدث عن الشركات، فنحن نتحدث عن فرص عمل”.
هذا المبرر ليس مقنعا بحسب أصحاب المبادرة، وترد جاكلين فيهر بغضب وقوة: “ليس بمقدورنا قبول هذا الابتزاز من أشخاص يهددون بالمغادرة لأنهم لا يريدون دفع إستحقاقاتهم الضريبية العادلة، في الوقت الذي يسجلون فيه أرباحا خيالية”.
ودائما بحسب وجهة النظر هذه، لن تفقد سويسرا قدرتها التنافسية حتى لو صوّتت غالبية الناخبين لهذه المبادرة، لأن البلدان الوحيدة التي تفرض معدلات ضريبية أقل على أصحاب المداخيل التي تتجاوز 300.000 فرنك هي فقط بلغاريا، ورومانيا، وبولندا.
تدعو مبادرة الحزب الإشتراكي إلى تحديد معدل ضريبي أدنى لا يمكن للكانتونات النزول عنه بالنسبة للأشخاص الذين ترتفع مداخيلهم المالية إلى 250.000 فما أكثر، وهذا المعدّل هو 22%.
كذلك تطالب المبادرة بمعدّل ضريبي لا يقل عن 5 من ألف بالنسبة للأشخاص الذين تتجاوز ثرواتهم مليونيْ فرنك. كما تدعو إلى منع أي معدلات ضريبية مقلصة أومخفّضة (ينخفض معدّل الضريبة كلما زادت قيمة الثروة) بالنسبة لأصحاب الثروات الطائلة.
الحكومة: توصي برفض هذه المبادرة لانها تحد من جاذبية سويسرا لرؤوس الأموال وللشركات الأجنبية.
أحزاب اليمين والدوائر الإقتصادية: توصي هي الأخرى برفضها لأنها سوف تضر بالإقتصاد، وتحد من فرص العمل التي يتيحها وجود رؤوس الأموال والشركات الأجنبية.
أحزاب اليسار والنقابات: تدعم هذه المبادرة وتدعو الناخبين إلى التصويت لصالحها.
البرلمان: خلال تصويت البرلمان على المبادرة، تم رفضها من طرف 128 نائبا، وصوّت لها 64 آخرين في مجلس النواب، كما رفضت من طرف 29 نائبا بمجلس الشيوخ مقابل 11 صوتا فقط.
(نقله إلى العربية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.