مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“من الأفضل أن نعمل مع الصين بدلاً من تجاهُـلها”

السيدة سري مولياني إندراواتي (أقصى اليمين) رئيسة العمليات التنفيذية في البنك الدولي رفقة بيرتران بادري، المدير العام لمجموعة البنك الدولي خلال زيارة قاما بها يوم 26 مايو 2013 إلى مجموعة من النساء الناشطات في مجال تأمين العمل الذاتي في المناطق الريفية في قرية غايا بولاية بيهار الهندية. AFP

قوبِلَت مُبادرة الصين بتأسيس البنك الآسيوي للإستثمار في البُنية التحتية (أي آي أي بي) في عام 2014، بالترحيب من قِبل بيرتران بادري، المدير العام لمجموعة البنك الدولي، على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة النّاجمة عن خِشيتها من منافسة هذه الوسيلة الجديدة للتمويل التنموي، لصناديق التنمية الأخرى القائمة بالفعل، مثل صندوق النقد الدوليرابط خارجي والبنك الدوليرابط خارجي وبنك التنمية الآسيوي.

من جانبها، كانت سويسرا رابط خارجيمن ضِمن الدول الـ 56 التي أعربت عن رغبتها في الإنضِمام إلى الصين كعُضو مؤسِّس في البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتيةرابط خارجي. ويهدِف البنك الذي أطلَقت عليه وسائل الإعلام إسم ‘البنك الصيني العالمي’، إلى مباشرة أعماله في موفى العام الجاري 2015، بعد الإنتهاء من ترسيخ مجموعة من الوثائق القانونية وقواعد التشغيل الأساسية.

وبعد إنتقاد كلا من اليابان والولايات المتحدة إنشاء هذه المؤسسة، التي يقع مقرها في بكين، وتشكيكها في قُـدرة الصين على تطبيق الحوْكمة السِّليمة – الأمر الذي فُسِّرَ على نِطاق واسع باعتباره صِراعاً من أجل النفوذ السياسي في آسيا – سحبت الأخيرة جزءاً من تحفّظاتها، كما بدا واضحاً في زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للعاصمة الصينية، حينما أعرب عن “ترحيب الولايات المتحدة بإنشاء البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية وتشجيعها البنك على المشاركة في تمويل بعض المشاريع مع المؤسسات القائمة، مثل البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي”، ولكنه أضاف محذِّراً: “سوف يتعيّن على البنك الجديد أن يمتثِل مع معاييرنا العالية، الخاصة بالمؤسسات المالية العالمية”.

وفي مقابلة له مع swissinfo.ch خلال ندوة أقيمت في سانت – غالنرابط خارجي، أعرب بادري عن اعتقاده بإمكانية تقديم البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية للكثير، وحَثَّ الولايات المتحدة على “الدخول في مناقشات” [مع البنك]. وهذه هي الدورة الـ 45 لهذا التجمّع السنوي، الذي ينظمه طلّاب جامعة سانت – غالَّن، والذي يجمَع بين مختلف زُعماء العالم، بغية تعزيز ثقافة الحوار بين صُنّاع القرار والمساهمة في الحفاظ على نظام اقتصادي ليبرالي اجتماعي ومواصلة تطويره. وعُقدت الندوة هذا العام تحت شعار “صغار بكلّ فخر”.

swissinfo.ch: هل يرحِّب البنك الدولي بالبنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية؟

بيتراند بادري: هناك عدد من الأسباب التي تدعو البنك الدولي للترحيب بالبنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية. ينبغي أن نكون متّفِقين فيما نقول. ونحن نقول قبل كل شيء، إن الإحتياجات القائمة هائلة، وباننا نريد القضاء على الفقر، كما نقول إننا نفتقر إلى نحو 2 تريليون دولار سنوياً لتمويل مشاريع البُـنى التحتية. ليس بمقدورنا التعامل مع هذه القضايا لوحدنا أو حتى مع جميع شركائنا، لذا فإن أيّ موارد إضافية هي موْضع ترحيب دائماً. نحن بحاجة إلى تحفيز المشاريع، وكلّما زاد عدد المعنيِّين بهذه المشاريع والأطراف التي تطرح هذه القضايا، كلّما كان ذلك أفضل. لذلك أرى أن المجال يتّسع للجميع.

swissinfo.ch: هل سيكون هناك تعاوُن وثيق بين البنك الدولي والبنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية؟

بيتراند بادري: ليس لديْنا عقْد رسمي، ولكننا نعمل معهم. إن الصين تحاول – تماماً مثل الولايات المتحدة في عام 1945 – إقامة نظام يكون تحت سيْطرتها. ولكنها بحاجة للمشاركة أيضاً.
هناك 58 عضوا مُحتملا في البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية، والكيفية التي سيتِم فيها تنظيم ذلك، هو سؤال عملي جداً. وبمقدور البنك الدولي المساعدة في ذلك، لأننا نتوفّر على 70 عاماً من الخِبرة في هذا المجال.

البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية (AIIB)

أبرِمَ إتفاق تأسيس البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية في شهر أكتوبر من عام 2014 في حفل رسمي أقيم في بكين، عندما وقَّعت 21 دولة آسيوية تقودها الصين – الرّاعي الرئيسي – والكويت وسَلطنة عُمان وقطر والهند وتايلاند وماليزيا وسنغافورة والفلبين وباكستان وبنغلاديش وبروناي وكمبوديا وكازاخستان ولاوس وميانمار ومنغوليا والنيبال وسريلانكا وأوزبكستان وفيتنام، مذكرة تفاهم لإطلاق المشروع.

قدّمت الصين مبدئياً مبلغ 50 مليار دولار إلى الصندوق المركزي للبنك، ووعدت بزيادة هذا المِقدار ليصِل إلى 100 مليار دولار. وسوف يركز البنك على تمويل مجموعة من مشاريع البنية التحتية في المنطقة، لاسيما في قطاعات الطاقة والنقل والإتصالات والمياه والصَّرف الصحي.

بدورها، أعلنت الحكومة السويسرية في 20 مارس 2015، أنها تقدّمت بطلب رسمي لتُصبِح إحدى الدول المؤسسة الأعضاء الـ 57 في البنك. وأوضح البيان الحكومي أن سويسرا سوف تتّخذ قراراً نهائياً بشأن عضويتها، بعد إتمام الموافقة على النظام الأساسي للبنك في وقت لاحق من هذا العام.

swissinfo.ch: هل يشكِّل الخلاف بين الولايات المتحدة واليابان من جهة، والصين من جهة أخرى، تحوّلاً سياسياً غيْر مرغوب فيه؟

بيتراند بادري: أنا لسْت المتحدِّث باسم الولايات المتحدة أو اليابان، ولا أعتقد أنك تستطيع أن تحكم على ما سيفعله الناس مُسبَقاً. إن أفضل طريقة للتّلاقي، هي بالعمل معاً. لو أننا تجاهلنا الصين، فستقوم بذلك بمُفردها، وسيكون الأمر خارج حدود سيْطرتنا. أرى أن من الأفضل أن نعمل معاً. هذه لحظة حرِجة بالنسبة للولايات المتحدة وعليها الدخول في مناقشات [مع البنك].

swissinfo.ch: هل كان من الصّواب أن تُسارع العديد من الدول الأخرى (56 دولة بضمنها سويسرا) للإنضمام كأعضاء مؤسسين في البنك جانب الصين؟

بيتراند بادري: أعربت بعض الدول، مثل بريطانيا وأستراليا وفرنسا، عن رغبتها بالإنضمام لكي تضمَن عمل البنك كما ينبغي. وسوف يريد هؤلاء المساهمين رُؤية عمل تتوافق مع ما يضطلعون به في مؤسسات مالية دولية أخرى [مثل البنك الدولي]. وهذا يُولّـد قدْراً من التعدّدية، ربّما لم تتوقّعه الصين في البداية. عندما تقوم بإدخال التعدّدية، سيكون لهذه الدول الحقّ في التصويت والتعبير عن آرائها.

swissinfo.ch: ألا يبرز هناك خطر مُزاحمة البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية للبنك الدولي؟

بيتراند بادري: نحن نعتبِر هذه منافسة صحية. إن حقيقة وجود هذا الشّكل الجديد من التنافس، هو حافز يدفعنا لبذل المزيد من الجُهد، ويُساهم في عمليات الإصلاح الخاصة بنا.
سوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يصل البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية إلى مستوى تمويل مكافئ لذلك الذي يتمتّع به البنك الدولي. المسألة لا تتعلّق بالمال فقط، ولكن هناك الخِبرة والقدرة على إبرام الاتفاقات ووضع المشاريع والإشراف عليها والعمل على إنجاحها. ولكي يصل البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية إلى هذا المستوى في الأداء، فإنه سيحتاج لسنوات عديدة، وهذا يمنحنا الوقت الكافي لتكييف أنفسنا.

swissinfo.ch: سيُـركِّز البنك الآسيوي للإستثمار على مشاريع البِنية التحتية. هل ترى أن هذا هو النّهج الصحيح؟

بيتراند بادري: إذا أردنا القضاء على مُشكلة الفقر، فإن النهوض بالبنية التحتية وتشغيلها، مسألة ضرورية جدا. أنت لن تستطيع الوصول إلى هذه المرحلة إذا لم تتوفّر على البنى التحتية. نحن بحاجة إلى ثلاثة أنواع من البُنى التحتية: الإجتماعية (المُمَثلة بالتعليم بشكل رئيسي)، والمادية (التي تشتمل على النقل والطاقة والإتصالات وغيرها) والبُنى التحتية المالية.

swissinfo.ch: هل صحيح أن تأسيس الصين لهذا البنك جاء نتيجة شعورها بالإحباط النّاجم عن تأثيرها المحدود في البنك الدولي؟

بيتراند بادري: تتوفّر الاقتصادات الناشئة على 48% من حقوق التصويت في البنك الدولي [منذ عمليات الإصلاح التي أجريت في عام 2010]، لذا ليس هناك ذلك القدْر الكبير من عدم التوازُن. إن حقوق التصويت لا تستنِد على الحجْم الإقتصادي والناتج المحلي الإجمالي للبلدان فقط، فالصِّيغة القانونية أكثر تعقيداً من ذلك.
إن البنك الدولي مؤسّسة تنموية تتعامل مع المِنَح. والحقيقة هي أن الدّعم الأكبر يأتي من أوروبا في الوقت الرّاهن (وسويسرا هي أحد المانحين الرئيسيِّين هنا)، ثم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، تليها الصين ودول أخرى بِنِسب أقلّ.

هناك إحباط من قِبل دول مجموعة “بريكس” [البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا]، بسبب معارضة الكونغرس الأمريكي لإصلاح نظام الحِصص التصويتية في صندوق النقد الدولي (أي التنازل عن جُزء من الحصّة التصويتية للولايات المتحدة لمصلَحة الإقتصادات الصّاعدة)، وهذه هي العقَبة الحقيقية التي تشهَد التوتّرات القُصوى.
أما السبب الثاني لإنشاء البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية، فيعود إلى الحاجة الفِعلية لتطوير البُنى التحتية في آسيا، والدّور المركزي للصين في المنطقة. أنت لا تؤسِّس مثل هذا البنك فقط لتثبت أن مؤسسات بريتون وودز (أي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) على خطإ، هناك ما هو أكثر من ذلك بكثير.

البنك الدولي

أنشِئ البنك الدولي للإنشاء والتعمير (المعروف الآن بإسم البنك الدوليرابط خارجي) إلى جانب صندوق النقد الدوليرابط خارجي، على إثر انعقاد مؤتمر بريتون وودز (بولاية نيوهامشير الأمريكية) في يوليو 1944. وكان الغرض المبدئي لإنشاء كِلتا المؤسستيْن، هو تحفيز عملية إعادة تعمير الدول التي دُمِّرت أثناء الحرب العالمية الثانية.

في الوقت الرّاهن، يُعلن البنك الدولي عن هدفيْن يتمثلان بالقضاء على الفقر المُدقع (تخفيض نِسبة الأشخاص الذين يكسبون أقل من 1.25 دولار يومياً إلى 3% بحلول عام 2030)، وتعزيز دخل الطبقات الدّنيا بنسبة 40% في كلّ بلد. وتعهّد البنك في العام الماضي بمبلغ يزيد عن 40 مليار دولار للمساعدة في تمويل مشاريع مُختلفة في جميع أنحاء العالم.

يعمل في البنك الدولي، الذي يقع مقرّه في واشنطن 10,000 موظف موزّعين على 120 دولة حول العالم. ولدى الولايات المتحدة أكبَر نِسبة من حقّ التصويت، كما أنها الدولة العُضو الوحيدة التي تملك حقّ النّقض في مسألة طريقة عمل المؤسسة.

يُشار إلى أن سويسرا لم تنضم للبنك الدولي إلا في عام 1992.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية