مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

واردات سويسرا من الذهب تَخضع للتدقيق مع استهداف مجموعة السَبع للذهب الروسي

مصفاة ذهب
تُخطِّط بعض الدول الغربية لِحَظر واردات الذهب رسمياً من روسيا. وكانت روسيا قد استخرجت 314 طناً من الذهب في عام 2021، أي نحو 10% من كمية المعدن المُستخرَجة عالمياً. Ria Novosti

يَخضع ارتفاع غير مُتَوَقَّع لواردات سويسرا من الذهب الروسي للتدقيق في الوقت الذي يستعد فيه قادة أغنى دول العالم لِفَرض حَظْرٍ على استيراد المعدن النفيس.

يمثل تركيز مجموعة السَبْع على الذهب، الذي يُعَدّ ثاني أكثر سِلَع التصدير رِبحية لدى روسيا بعد قطاع الطاقة، أحدَث جُهد من جانب الدول الغربية لزيادة الضَغط على موسكو بِسَبَب حربها على أوكرانيا.

وكانت بريطانيا، وكندا، واليابان، والولايات المتحدة قد التَزَمت بالفعل بالحَظر الذي يهدف إلى مَنع أفراد الأوليغارشية الروسية من استخدام الذهب للالتفاف على العقوبات. وفي 26 يونيو 2022، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إن الإجراءات المُشتركة لأربع من دول مجموعة السَبع “ستضرب بشكل مُباشر أثرياء السلطة الروس وتَستَهدف قلب آلة بوتين الحربية”. ومن المُتوقَّع أن تَنضَم دولُ مجموعة السَبع الأخرى إلى هذا الحَظر أيضاً.

وبهذا الصدد، كتب الرئيس الأمريكي جو بايدن في تغريدة على موقع تويتر: “لقد فَرَضت الولايات المتحدة أعباءَ غير مَسبوقة على بوتين لِحِرمانه من الإيرادات التي يحتاجها لِتَمويل حربه ضد أوكرانيا”. وأضاف: “معاً، سوف تُعلِن مجموعة السَبع قيامها بِحَظر استيراد الذهب الروسي، أحد صادرات البلاد الرئيسية التي تَدُرُّ لها عشرات المليارات من الدولارات”.

كانت المُشتريات السويسرية من الذهب الروسي قد تَوَقَفت في شهر مارس المنقضي، بعد وقتٍ قصير من غزو روسيا لأوكرانيا. مع ذلك، تفاجأ خُبراء الذهب في سويسرا بوصول قرابة ثلاثة أطنان من الذهب الروسي إلى الدولة التي تشقها سلسلة جبال الألب عَبر المملكة المتحدة في شهر مايو الماضي. وكانت وكالة بلومبرغ للأنباء هي أول من أعلَن عن عملية تسليم هذه  الشحنة – التي تزيد قيمتها يزيد عن 190 مليون فرنك (198 مليون دولار). بدوره، أكد المكتب الفدرالي للجمارك وأمن الحدود في 24 يونيو الماضي قيامه بِفَحص الواردات ذات الصلة والخاضعة للعقوبات السّارية.

محتويات خارجية

وكما أشار المكتب الفدرالي للجمارك وأمن الحدود، فإن استيراد الذهب من روسيا إلى سويسرا غير مَحظور بموجب المَرسوم الخاص بالإجراءات المُتعلقة بالوضع في أوكرانيا، إلا أن تصدير الذهب إلى روسيا مَحظور بموجب نظام العقوبات الحالي.

كما ذكر المكتب في نفس البيان:”لم يَعُد من المُمكن تداول جميع السّبائك التي تنتجها المصافي الروسية بعد تاريخ 7 مارس 2022 في سويسرا. مع ذلك، ومن حيث المبدأ، يمكن الاستمرار في تداول السبائك الذهبية التي أنتجتها الشركات الروسية قبل هذا التاريخ، حيث لا توجد قيود تجارية على ذلك”.

في يوم 7 مارس، أعلَنَت رابطة سوق السبائك في لندنرابط خارجي تعليق جميع مصافي الذهب والفضة الروسية الست من قائمة ‘التسليم الجيّد’ (Good Delivery) الخاصة بها، مع تضاعف العقوبات المفروضة على موسكو. وهذا يعني أن سوق الذهب الدولية لن تقبل أي سبائك من الذهب الروسي بعد ذلك التاريخ. ورغم أن سويسرا حَذَت حذوها، ولكن لا تزال هناك بعض الثغرات.

“الأمر لا يزال لغزاً”

تم تَسجيل كل الذهب الذي دَخَل سويسرا في مايو تقريباً من قِبَل دائِرة الجمارك لأغراض التكرير أو المُعالجة، مما يشير إلى احتمال استيلاء إحدى المصافي السويسرية عليه. مع ذلك، تؤكد الرابطة السويسرية لِمُصَنّعي وتُجّار المعادن الثمينة أن أحداً من أعضائها لم يستورد الذهب مؤخراً من روسيا، وأن أيّا من مصافي التكرير الرئيسية في البلاد لم تَقبَل أي معادن ثمينة روسية.

“لم يتلق أي من أعضائنا هذا الذهب”، يقول كريستوف وايلد، رئيس الرابطة والرئيس التنفيذي السابق لشركة تكرير الذهب السويسرية “آرغور هيراوس” (Argor-Heraeus) التي يقع مقرها في كانتون تيتشينو جنوب البلاد. وكما يوضح: “لو قامت شركة تكرير سويسرية بِشِراء هذا الذهب، فَسَيَتَعَيَّن عليها الدَفع بطريقة ما. لكن كيف لها أن تفعل ذلك مع عِلمها بِخضوع مُعظم المصارف الروسية للعقوبات؟ لذا فإن تحويل الأموال [إلى روسيا] ليس مُمكناً في الوقت الحالي”.

ويقول: “شخصياً أعتقد أن السبائك مُودعة الآن في خزائن جبل غوتهارد أو ما شابه ذلك”، في إشارة إلى منطقة في سويسرا تشتهر بخزائنها التي تخضع لإجراءات أمنية مشددة. ويضيف: “ربما تم إحضارها إلى سويسرا من قبل بعض المستوردين الأثرياء جداً، وهي مخزونة الآن في بلدنا. الأمر لا يزال لغزاً في الوقت الحالي”.

تضم الرابطة السويسرية لِمُصَنِّعي وتجار المعادن الثمينة 13 عضواً، بما في ذلك أربعة من أكبر مصافي الذهب في العالم هي: ‘آرغور هيراوس’ (Argor-Heraeus) و’ميتالور’ (METALOR)، و ‘أم كي أس بامب’ (MKS Pamp) و‘فالكامبي’ (Valcambi). وهي لا تضم شركات ‘رولكس’ (Rolex) و‘نيفاروكس’ (Nivarox) و‘دي بي سي إتش’ (DBCH). كما تستضيف سويسرا 23 مسبكاً مُرخصاً لِصَهر الذهب.

“من الصعب جداً معرفة من يقف وراء هذه الصفقة التجارية”، يقول مارك أومَّل، رئيس قسم المواد الخام في منظمة ‘سويس أيد’ غير الحكومية. وبرأيه، فإن مثل هذه الكمية الكبيرة من الذهب تجعل سيناريو اللاعبين الصِغار أقل احتمالاً. وقد رَفَضت الجمارك السويسرية حتى الآن تسليط الضوء على هذه القضية، وقالت إنها لا تستطيع تقديم أيّ معلومات عن مُستوردي الذهب لأسباب قانونية.

ليست هوية الطَرف المُشتري هي ما يثير التساؤلات فقط، ولكن مَصدَرها أيضاً. وفي الوقت الراهن، يخضع ذهب البنك المركزي الروسي للعقوبات، بما في ذلك في سويسرا. وتريد كل من بروكسل وبرن مَنع موسكو من بيع سبائكها الذهبية لِحِرمانها من الإيرادات الإضافية التي تساعدها في تمويل غزوها لأوكرانيا. ووفقا للخبراء، هناك خشية من أن يكون البنك المركزي الروسي الجهة التي تقف وراء عملية البيع في مايو الماضي.

ثلاثة أنواع من الذهب

يُعتَبَر الذهب، الذي دَرَّ حوالي 15,5 مليار دولار (14,9 مليار فرنك) على الاقتصاد الروسي في عام 2021، ثاني أكبر صادرات البلاد بعد الطاقة. وقد زادَت مُشتريات موسكو من الذهب في عام 2014 في أعقاب العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا بسبب ضَمِّها لِشُبه جزيرة القرم. ويُقَدِّر مسؤولون أمريكيون أن لدى روسيا حوالي 140 مليار دولاراً من احتياطيات الذهب، أي ما يقرب من خُمُس مقتنيات البنك المركزي الروسي. في نهاية عام 2021، كان لدى روسيا خامس أكبر احتياطي من الذهب في العالم.

يشير مارك بيث في كتابه الذي يحمل عنوان ‘غسيل الذهب: الأسرار القذرة لتجارة الذهب’ (Gold Laundering: The Dirty Secrets of the Gold Trade) إلى ثلاثة أنواع من الذهب الروسي التي تجد طريقها إلى سويسرا: مُلكية خاصة تعود لإحدى شركات التعدين – وهو تفسير مُحتمل لأصل الأطنان الثلاثة التي دخلت سويسرا في مايو؛ وذَهبٌ مَملوك من قِبَل أفراد الأوليغارشية الروس المُقَرَّبين من فلاديمير بوتين، والذي تم تجميده ضِمن العقوبات الاقتصادية الأوروبية ضد روسيا؛ والذهب المَملوك للبنك المركزي الروسي، الذي يَخضع للعقوبات أيضاً.

“بالنظر إلى أن الذهب قد تم تكريره بالفعل، فإن احتمال أن يكون مصدره البنك المركزي الروسي، أو أنه تَمَّ تكريره من قِبَل المصافي الروسية السِت التي تم شَطبَها من جمعية سوق السبائك في لندن مُرتفع للغاية”، بحسب أومَّل.

“مع ذلك، من المُمكن أيضاً أن تكون هذه السبائك قد أُرسِلَت من روسيا إلى المملكة المتحدة قبل عامين. لقد وَصَل الذهب إلى سويسرا الآن، وَوَضَع المُستورِد كلمة ‘روسيا’ في حقل مكان المَنشأ، دون الالتفات إلى حقيقة وجود المعدن النفيس في المملكة المتحدة لمدة عامين”، كما أضاف. “هنا أيضا يُطرَح السؤال: كَمْ من الوقت يحتاج الذهب للبقاء في البلد الوسيط بحيث يُمكن إعلانه كبلد المنشأ”؟

شفافية أكبر

لطالما دعا أوميل وبيث إلى المَزيد من الشفافية في قطاع الذهب السويسري. وبالإشارة إلى حقيقة ازدياد حَجم واردات الذهب من دبي إلى سويسرا بعد بداية الحرب في أوكرانيا، يساور كليهما القلق من أن دولاً مثل الإمارات العربية المتحدة وغيرها من المراكز المُستَعِدّة للحصول على الذهب المشبوه في السوق، إنَّما ُتُستَخدَم للتحايُل على العقوبات.

محتويات خارجية

وكما قال أومَّل: “نحن نأمل أن تسلك سويسرا نفس الطريق وتَحظر جميع واردات الذهب الروسية – المُباشرة وغير المُباشرة – عَبر دول أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة أو غيرها من دول تعدين الذهب المحفوفة بالمخاطر”.

ومع فَرض مجموعة السَبع عقوبات تستهدف الذهب الروسي، فإن سويسرا – التي انضَمَّت إلى العقوبات الغربية ضد روسيا رغم أنها ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي – سوف تتعرض لضغوط لِبَذل المَزيد من الجُهد على هذه الجبهة. وبغية تحقيق النجاح في تشديد العقوبات على تجارة الذهب، فإن المطلوب هنا هو درجة عالية من الشفافية، الأمر الذي يرى أومَّل وبيث أنها مفقودة هنا.

يقول أومَّل: “لن تكون الواردات المُباشرة من روسيا فقط غير مُمكنة، ولكن الواردات غير المباشرة أيضاً. وهذا يعني أنه سيتعيّن على السلطات السويسرية التأكد من عَدَم ورود الذهب بشكل مُباشر أو غير مُباشر من روسيا عندما تقوم سويسرا باستيراد الذهب من المملكة المتحدة، أو دبي، أو غيرها من مراكز تجارة الذهب”.

وبالنسبة لبيث، فإن السؤال المطروح هنا هو ما إذا كانت السلطات في وَضعٍ يُمكنها من التَحَكُّم في مَصدر الذهب وفَرض ذلك بِدَعم من مصانع التكرير في البلاد. وكما قال: “تكمن الصعوبة في أن المصافي نفسها لا تشتري الذهب. إنها تقوم بتأدية وظيفة خدمية. لذا، إذا تم تصدير الذهب عن طريق منجم روسي عبر سويسرا إلى الهند مثلاً، فسيتم تكريره فقط في سويسرا. إنه يدخل ويخرج من البلاد دون تحقُّق أحد من المصافي. لا يوجد إشراف أو رقابة هنا”.

محتويات خارجية

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية