وثائق باندورا تلقي بظلال من الشك على ممارسات المستشارين الماليين السويسريين
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها تسليط الأضواء على الدور الذي يلعبه المستشارون الماليون السويسريون في مساعدة الأثرياء والمتنفذين على إدارة أموالهم حول العالم.
لا يبدو هذا الأمر مستغرباً ولا سيما أن سويسرا تعتبر أكبر مركز في العالم لإدارة الثروات الخارجية يجري التعامل فيه مع ربع الأصولرابط خارجي العابرة للحدود في العالم (ما يقرب من 8 تريليون فرنك، أو 8.5 تريليون دولار أمريكي).
ومع ذلك، فإن ما تم عرضه مؤخراً من خلال “وثائق باندورا” المسرّبة من قبل الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيينرابط خارجي، يكشف عن بعض الممارسات الشاذة.
المزيد
“وثائق باندورا” تسلّط المزيد من الضوء على أنشطة المستشارين الماليين السويسريين
وتأتي في مقدمة هذه الممارسات، ما قامت به مساعدة قانونية سابقة من وسط سويسرا، وذلك بعد أن أُفلس مكتبها للمحاماة في زيورخ، وانتهى الأمر بإدارتها لعشرات من الشركات الوهمية أو ما يسمى بشركات العنوان البريدي، كان معظمها بأسماء أبناء الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وأعضاء آخرين في النظام الحاكم في البلاد.
في مقابلة مع صحيفة “تاغس أنتسايغر”رابط خارجي (تصدر بالألمانية في زيورخ)، تقول المساعدة القانونية السابقة التي تعمل الآن كمعالجة للجهاز التنفسي إنها شعرت “بمسؤولية ما” عن تولّي شؤون هذه المعاملات عندما أفلس مكتبها القانوني السابق في عام 2015، حيث انتاب “جميع الموظفين آنذاك شعور بالضياع بعض الشيء”. وقد دفعها هذا كغيرها من زملائها إلى المساهمة في إجراء المعاملات الورقية لشركات وهمية، مما وفر لمكتبها دخلاً مادياً مفيداً. وتضيف في المقابلة قائلة: “كنت في حينه أعتبر أن ما أقوم به هو عمل رائع ولكنني اليوم لا أعتقد ذلك”.
منظمة “عين الجمهوررابط خارجي” غير الحكومية ترى أيضاً أن تلك الممارسات غير مقبولة. وبحسب النشطاء في مجال مكافحة الفساد من المنظمة غير الحكومية، فإن المحامين والأوصياء السويسريين يقومون بمساعدة العملاء على “إخفاء أموالهم عن طريق الشركات الوهمية المسجلة في الملاذات الضريبية، مما يتيح لهؤلاء ارتكاب جرائم التهرب الضريبي والقيام بأعمال الفساد على نطاق واسع أو على الأقل تسهيلها لهم”، بحسب تصريحهم بهذا الشأن يوم 4 أكتوبر الجاري.
ولا تعدّ “عين الجمهور” الكيان الوحيد الذي يُطالب بإجراء تغيير في القانون السويسري، لإلزام المحامين وكتّاب العدل والاستشاريين القانونيين بإبلاغ السلطات عن رصد أي نشاط مالي مشبوه، حيث تشمل القائمة التي تطالب بهذا التغيير كلاً من مجموعة العمل الماليرابط خارجي (وهي منظمة حكومية دولية، مقرها باريس) ومنظمة الشفافية الدوليةرابط خارجي (غير حكومية)، بالإضافة إلى العديد من السياسيين ذوي الميول اليسارية. ومن الجدير بالذكر أن البرلمان السويسري رفض في شهر مارس 2021 الطعون المقدمة له فيما يتعلق بمُساءلة المحامين في القضايا المتعلقة بالجرائم المالية، وقرر أن القوانين الحالية قوية بما فيه الكفاية.
وضع الآليات
خلال العام الماضي، تلقى مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال في سويسرا (MROSرابط خارجي) 5334 بلاغاً عن أنشطة مالية مشبوهةرابط خارجي، تم تقديم الغالبية العظمى منها (4773 بلاغاً) من قبل المصارف. كما أبلغ الوسطاء الائتمانيون عن 30 حالة ذات صلة، إضافة إلى ست حالات أبلغ عنها محامون، وأربع حالات أبلغ عنها أوصياء.
وفي الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الجاري، اتهمت وزارة العدل الأمريكية ستة أفراد وشركة خدمات مالية، مقرها زيورخ، بمساعدة العملاء الأمريكيين على القيام بالتهرب الضريبي؛ عن طريق تنفيذ آليات معقدة تهدف إلى غسيل الأموال عبر آسيا.
ووفقًا للائحة الاتهامات الصادرة عن وزارة العدل الأمريكيةرابط خارجي، فإن أحد البنوك السويسرية الخاصة يقف وراء مخطط المعاملات الدائرية. لكن البنك نفسه لم يُتّهم بارتكاب أية مخالفات، بل تم إلصاق التهم الموجّهة بوسطاء ماليين آخرين.
ويعلق ستيوارت إم غولدبرغ مسؤول وزارة العدل الأمريكية قائلاً: “على دافعي الضرائب الذين يفكرون في إخفاء الأموال في الخارج – وكذلك المصرفيين الأجانب والمحامين والمتخصصين الماليين الذين يُصمّمون وينفّذون استراتيجيات للمساعدة في التهرب من الضرائب – أن يعلموا أن قسم الضرائب ومصلحة الضرائب لديهما ما يلزم من موارد التحقيق والخبرات، لكشف حتى أكثر الآليات إحكاماً”.
المزيد
ليست جريمة بالضرورة
واستناداً إلى ما ورد في وثائق باندورا، فهناك العديد من الاستراتيجيات المالية المعقدة التي يلجأ الأثرياء إلى استخدامها بغية التهرب من الضرائب. لكن هذا لا يعني بالضرورة ارتكاب جرائم مالية – حتى لو بدت الآليات المالية المستخدمة مقلقة بالنسبة للشخص العادي أو ضمت أسماء رؤساء مشكوك في سمعتهم؛ فمن المُمكن تحقيق “تحسين” الأداء الضريبي باحترام جميع القوانين التي تفرضها الحكومات والهيئات التنظيمية.
وقد ينطبق هذا الأمر على مجموعة “فيدينامرابط خارجي” السويسرية للخدمات المالية التي عملت مع شركة محاماة بنمية، لإنشاء أكثر من سبعة آلاف شركة وهمية، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فرغم أن وثائق باندورا المسرّبة تُظهر أن بعض عملاء مجموعة “فيدينام” كانوا إما قد أدينوا أو تم التحقيق معهم في جرائم غسيل الأموال، ومنها الجريمة المتعلقة بقضية رشوة شركة النفط “بتروبرا” Petrobras في البرازيل، إلا أن “فيدينام” أبلغت مراسلي الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن كل المعاملات متوافقة تماماً مع الإجراءات القانونية المتبعة.
ويرى مارك بيت، الناشط في مجال مكافحة الفساد من معهد بازل للحوكمة، أنه لا يوجد دخان بدون نار؛ لا سيما وأن هناك ستة وعشرين من المستشارين الماليين السويسريين الـتسعينن المذكورين في وثائق باندورا، ممن قدموا خدمات لعملاء وخضعوا لاحقاً لتحقيقات جنائية.
وفي تصريحات لوكالة Keystone – SDA السويسرية، أوضح بيت أن الأدلة الدامغة التي تشير إلى وجود “اقتصاد خفي” لغسيل الأموال والتهرب الضريبي في سويسرا، سيُجبر المُشرّعين لا محالة على العمل من أجل فرض قواعد أكثر صرامة على أداء المستشارين الماليين في المستقبل.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.