السينما الآسيوية تقتنص “الفهد الذهبي” في لوكارنو
في لوكارنو جنوب سويسرا، اختُـتمت الدورة الثانية والستين لما يُعرف بـ "أصغر المهرجانات الكُـبرى" للسينما، بتسليم الفهد الذهبي إلى شريط "هِـي، صينية" للمخرجة Xialou Guo، المقيمة في بريطانيا، والذي لم يكن ضِـمن الأفلام المرشحة للفوز.
ولدى تقديمها لعملها في الدليل الرسمي للمهرجان، أوضحت المخرجة الصينية أنها تريد “إنجاز شريط يمنَـح مكانا مهمّـا للجيل الصيني الجديد وأن يكون فيلما قادرا على اختراق الحدود والهويات الثقافية”.
شريط “هي، صينية” يروي قصّـة سفر الشابة Mei، التي فرّت من القرية التي ولِـدت فيها لتجد نفسها مضطرّة لمواجهة الواقع الصّـعب والمعقد للمدن الكبرى، في الصين أولا وفي لندن تاليا، حيث انتهى بها الأمر إلى الاقتران برجل عجوز.
هذه القصّـة تقترن بنكهة “السيرة الذاتية” لأن مُـخرجة الشريط، التي ولّـدت في منطقة ريفية في الصين، تعيش اليوم في إنجلترا، وبعد أن درست السينما في بيكين، استكملت في لندن تكوينها.
وسبق لـ Xiaolu Guo، وهي روائية ولِـدت في عام 1973، أن حصُـلت على العديد من الجوائز عن أشرطتها الوثائقية وأفلامها الروائية الخيالية، ومن بينها “كيف حال سمكتك اليوم؟”، الذي فاز بجائزة مهرجان فريبورغ في عام 2007.
مغالطة التكهّـنات
يوم السبت 15 أغسطس، أعلنت لجنة تحكيم المسابقة الدولية للمهرجان عن اسم الشريط الفائز بالفهد الذهبي، دون إبداء أية حماسة، بل إنها لم تُـبرِّر حقيقة اختيارها.
جوناتان نوسّـيتر، الذي يرأس لجنة التحكيم، صرّح أن “الاختيار تمّ في إطار احترام آراء الجميع. فنحن سبعة أشخاص يقدمون من آفاق مختلفة ولم نكن متفقين جميعا على كل شيء، لكن القرار النهائي اتُّـخذ بموافقة كل شخص”.
باختيارها مكافأة شريط “هي، صينية”، فنّـدت لجنة التحكيم توقّـعات الصحافة واختيارات الجمهور، التي كانت تتّـجه في معظمها إلى شريط « Summer wars » (حروب الصيف)، وهو شريط صُـور متحرِّكة ياباني يتناول الاختلالات القائمة في مدينة Oz الإفتراضية، كان يفترض أن يأتي فوزه بالجائزة الأولى، متناغما مع الحدث الإستثنائي، الذي ميّـز دورة هذا العام لمهرجان لوكارنو من خلال تظاهرة “تأثير المانغا”، التي خُـصِّـصت لمراجعة شاملة لإبداعات هذا الصِّـنف من السينما اليابانية وتأثيره على السينما الغربية.
حصيلة الدورة 62
عند الحديث عن حصيلة المهرجان، يرى أنطوني بوبو، الصحفي في مجلة « Film français »، الخاصة بالحِـرفيين العاملين في المجال السمعي والبصري، أن هذه الدورة “كانت جيّـدة”، ويضيف “من الممكن أن يوجّـه بعض اللوم إلى ضعف البرمجة في الساحة الكبرى، لكن فريديريك مير (مدير المهرجان المغادر) تمكّـن من افتتاح الدورة بأول عرض دولي لشريط 500 days of summer الذي يُـمثِّـل في اللحظة الراهنة نجاحا كبيرا للسينما الأمريكية المستقلّـة”.
ويرى أنطوني بوبو أن جودة الاختيار والحميمية، اللّـتان تميِّـزان مهرجان لوكارنو، تجلبان له الاحترام، ويقول: “لا وجود هنا لنجوم واستعراضيات (كان)، لكننا نعود هنا إلى أصول سينما المؤلِّـفين، وهذا ليس مرادِفا لسينما مثيرة للقلق. إن ما يُـعجبني في لوكارنو، هو أنه مكان للإكتشافات ومنجم حقيقي للمواهب. فاكتشاف مُـخرجين في بداياتهم، مثير للإهتمام دائما”.
هذا الرأي يشاطره الناقد السينمائي السويسري كريستيان جورج، المواظب على حضور المهرجان منذ 25 عاما، ويقول: “تظل لوكارنو مختَـبرا رائعا للتنوّع، وهو تذكير بأن السينما ليست ما نشاهده في القاعات على مدى الأعوام فحسب، بل هو عالم أوسع بكثير. هناك قارات بأكملها لا نطّـلع على أشرطتها، ولوكارنو تقوم بتقديم هؤلاء السينمائيين إلى جمهور مشدوه، وليس فقط إلى العارفين الجيدين بالفن السابع”.
مدير مغادر وآخر قادِم
وفي معرض التقييم للعمل الذي أنجِـز من طرف فريديريك مير Maire، الذي أشرف على إعداد هذه الدورة الرابعة (والأخيرة بالنسبة له)، اعتبر كريستيان جورج أنه كان “عملا ممتازا”، مشيرا إلى أنه – بالإضافة إلى خِـصاله الإنسانية، التي أجمع المراقبون على التنويه بها – فقد عرِف كيف يندرج في مسار أسلافه ونجح في منح الأولوية للأشرطة وللذين يقومون بإنتاجها.
فريديريك مير، الذي سيتحوّل إلى مدينة لوزان للإشراف على خزينة الأفلام السويسرية، سيترُك مكانه للفرنسي Olivier Père، الذي تابع هذه الدورة كمتفرِّج. ويرى أنطوني بوبو أن تداول المسؤولية بين الرجلين، يحمل في طياته خبرا جيِّـدا، مذكِّـرا بأن المدير الجديد “أنجز عملا جيدا على رأس تظاهرة (الأيام الـ 15 للمخرجين في مهرجان Cannes)، حيث نجح في جسر الهوّة – وهو أمر ليس بالهيِّـن – بين الجانب الاستعراضي والنجومي وبين سينما المؤلِّـفين” في مهرجان كان الشهير، وأشار بوبو أيضا إلى أن أوليفيي بير، الذي سجّـل نجاحات مهمّـة، (مثل اكتشافه لشريط “سكر بنات”، وهو أول عمل لمخرجة لبنانية، لقِـي تجاوبا واسعا)، “سيتمكّـن من صنع الحدَث ورفع التحديات وتحمُّـل مسؤولية اختياراته”.
أخيرا، يُـعبّـر كريستيان جورج عن ثقته في “ذكاء وحبّ المدير الفرنسي القادم للسينما، لكن ما يجهله الجميع الآن، الكيفية التي سيتعامل بها مع خصوصيات الفدرالية السويسرية والتعدّد اللغوي، وهي مقاييس لم يتعوّد على أخذها بعين الاعتبار، وهو ما يعني أن المرحلة القادمة في لوكارنو قد تشهَـد اختبارا طريفا ومثيرا، للتعايُـش مع التنوّع الثقافي السويسري.
كارول فيلتي – لوكارنو – swissinfo.ch
(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)
مُـنح الفهد الذهبي (90000 فرنك) إلى شريط She, a Chinese، للمخرجة الصينية Xialou Guo (إنتاج بريطاني – ألماني – فرنسي).
الجائزة الخاصة للجنة التحكيم وجائزة الإخراج، حصُـل عليها شريط « Buben.Baraban » للمخرج Alexie Mizgirev (روسيا).
فهد الأعمال الأولى، مُـنِـح لشريط “لا شيء شخصي” للمخرجة Urszula Antoniak (هولندا – إيرلندا).
جوائز أخرى:
فاز بمسابقة سينمائيو الحاضر، شريط « The Anchorage »، للمخرجين C.W. Winter و Anders Edström (الولايات المتحدة – السويد).
جائزة الجمهور حصُـل عليها شريط سويسري يحمل عنوان “اختفاء جوليا”، للمخرج Christoph Schaub.
في مسابقة الأفلام القصيرة، فاز شريط Believe، للمخرج Paul Wright (بريطانيا) في صِـنف الأفلام الدولية وشريط Las Pelotas للمخرج Chris Niemeyer (سويسرا)، في صنف الأفلام الوطنية.
أخيرا، منحت لجنة تحكيم الشبان جائزتها الأولى إلى شريط “لا شيء شخصي”.
سجّـل إقبال الجمهور في دورة هذا العام، زيادة في متابعة الأشرطة المعروضة في الساحة الكبرى، لكن العدد الإجمالي تراجَـع بـ 12.7% (157000 متفرج مقابل 180000 في 2008).
في معرض شرحه لأسباب هذا التراجع، أنحى فريديريك مير، مدير المهرجان المغادر، باللائمة على الأزمة الاقتصادية، التي أدّت إلى تراجُع إقبال السياح السويسريين والأجانب على زيارة كانتون تيتشينو.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.