القصة المُصوّرة “لن تُعدم جيلا جديدا” من المُبدعين
أرسل المهرجان الدولي للقِصص المصورة "فوميتو" Fumetto، الذي أقيم في مدينة لوتسرن مؤخّراً، إشارات حيوية قوية عن نفسه.
وأظهر العمل التوضيحي لمنظمات المهرجان ودور النشر وخبراء هذا الوسط، تأثيره على تغيير الأحكام المُسبَقة المرادفة لهذا الأسلوب الفني في التعبير، والتي كثيرا ما تصفه بـ “الحَدَث”.
بين 16 و24 من شهر مارس، احتفلت مدينة لوتسرن، وعلى مدى تسعة أيام، بالقصص المصورة (الكوميكس)، المستقلة والبديلة والطليعية، كنوعٍ خاص من الأشكال الفنية. كما تقول مارتا نافروكا، المديرة المساعدة والمسؤولة الإعلامية للمهرجان الدولي للقصص المصورة “فوميتو” Fumetto: “يُمثِّل هذا المهرجان بشكلٍ لا لُـبس فيه، معرضاً ومهرجاناً للفنانين، وهو ليس معرِضاً لأكشاك البيع والأشخاص المتنكّرين”.
دافيد باسلَر، الذي شارك في عام 1981 مع ثلاثة زملاء آخرين بتأسيس دار النشر “إديسيون موديرن”Edition Moderne كما شارك عام 1984 بتأسيس مجلة “سترابازان” Strapazin، يُبدي إعجابه الشديد بالمهرجان ويقول: “هذا المهرجان بالغ الأهمية، لأنه يضع المشهد تحت دائرة الأضواء الكبيرة. كما يلقى البرنامج الاستثنائي للمهرجان، إهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام، وهذا أمرٌ رائع”.
وكما فعل مهرجان “فوميتو”، إلتزمت دار النشر الوحيدة في سويسرا الناطقة بالألمانية بما يسمّى بـ قصص “تحت الأرض”، المُصوّرة الطليعية والفنية. ويختلف هذا النوع من القصص المصورة “الكوميكس” والتي ظهرت في نهاية ستينيات القرن الماضي، عن القصص المصوّرة السائدة، بكونها ذات صلة اجتماعية أو طبيعة ساخِرة على الأغلب، وبِعَرضها لمحتوياتٍ تحظُرها هيئة قانون الكاريكاتور على المنشورات الرئيسية، كالجنس والعنف والمخدرات.
” فوميتو يعمل العجائب”
بالنسبة لنافروكا، يعني الاعتراف المُستمِر بالقصص المصورة الفنية، ضغطاً في خِدمة التعليم أيضا. وعند البحث عن الرّعاة على وجه الخصوص، يكون التخلّص من الأحكام المُسبَقة التي عفا عليها الزمن، أمرٌ ضروري التطبيق. وحسب نافروكا: “في سويسرا الناطقة بالألمانية، ما زالت صفة “الحَدَث” لَصيقة بالقِصص المصوّرة، وبكونها “رسومات صغيرة”، ستُركَن جانباً بعد انقضاء سنوات المراهقة”.
وتبتسم نافروكا حينما تقول، بأن مهرجان فوميتو كان له أثر الأعجوبة على مَن زاره من المُتشكّكين. وحسب كلماتها: “بعد انتهاء الزيارة، عادةً ما يكون هؤلاء مقتنعين من المُحتوى الفني للقصص المصورة”.
ويُـقر كريستيان غاسَّر، الذي يتابع المشهد بصفته الصحفية وكمُحرر مشارك بمجلة “سترابازان “منذ عدة سنوات، بأن الحكم المُسبق [على هذا النوع من القصص]، ما زال مُتعنِّتاً في مناطق سويسرا الناطقة بالألمانية.
ويظهر التطور الحاصل خلال السنوات العشرين (20) الماضية، بأن القصص المصوّرة هي شكل من أشكال الأدب الفني المتنوع والشامل، الذي يصل إلى فئة واسعة من الجمهور. وكما يقول غاسَّر: “في قطاع الإعلام، الذي أعرفه جيداً، تراجعت الأحكام المُسبَقة والمُتحيِّزة، وأصبحت القصص المصورة تحظى بالاحترام، بوصفها شكلا أدبياً جادّاً”.
ولعب غاسَّر دوراً كبيراً بتغيير وجهات النظر المُسبقة هذه، من خلال مساهماته المُنتظمة في كل من صحيفتيْ “نويه تسورخر تسايتونغ” (الصادرة بالألمانية في زيورخ) و”دير بوند” (الصادرة بالألمانية في برن)، والتي أدى فيها إلى حدٍّ ما، دور الوسيط لهذا الفن، واضعاً بذلك الواجهة الثالثة المهمّة لشبكة القِصص المصوّرة “الكوميكس”.
تقارير مرسومة
وتفنِّد مارتا نافروكا الأفكار المُسبقة القابعة في أذهان البعض والتي تفترض ضرورة أن تكون القصص المصورة ذات مضمون فُكاهي، بالإشارة إلى رسّام القصص المصورة آرت شبيغلمان، الذي بَرَز هو الآخر في برنامج مهرجان 2013. وكان الرائد الأمريكي لقِصص “تحت الأرض” المصوّرة، قد فاز في عام 1992 بجائزة “بوليتزر” مع قصّته المصورة “ماوس” (الفأر). ويعالج شبيغلمان في كتابه المكوَّن من 296 صفحة، قصة والديه الذين استطاعا النّجاة من المحرقة، والتي صوَّر فيها النازيون كقِطط، واليهود كفِئران.
وبحظور فنان القصص المصورة (الكوميكس) جو ساكو في لوتسرن، حظِي المهرجان بِتَمثيل أسطورة أخرى. ويُعَدُّ رسّام الكاريكاتور والصحفي المالطي الأمريكي، كمُبتكر للرواية المصوّرة، من خلال تقاريره المرسومة عن مناطق الصّراع، مثل غزة والعراق والبوسنة وإنغوشيا والهند وفلسطين.
ويقول الناشر باسلير: “إنها عبارة عن قصص مصورة وثائقية، أو سِيَر ذاتية مكوّنة من 100 صفحة أو أكثر. وعلى ضوء المحتوى، بإمكانها أن تصل إلى الجمهور من خلال المشهد الكامل للقِصص المصورة، وِفقاً للمُعادلة: “أنا أشتري رواية مصوّرة، على الرغم من كونها قِصة مصورة”
وكانت القِصص المصوّرة الكلاسيكية (الكوميكس) قد لاقت شُهرتها من خلال أبْطالها، وكما يوضح الناشر: “لم يكن أحد يعرِف رساّم مجلة ميكي ماوس”. ويضيف: “أما الروايات المصورة، فأصبحت أكثر شُهرة من خلال المؤلف والفنان، كما هو الحال مع رسّام ومؤلف القصص المصورة السويسري توماس أوت”.
المزيد
لوتسرن تحتفي بالرسم الكاريكاتوري
حماس كثير مقابل مال قليل
وكان دَور دار النشر “إديسيون موديرن”، هامّاً على وجه الخصوص، بسبب كون المشهد وعدد الناشرين كذلك، صغيراً ككل. ويلخِّص باسلر تاريخ دار النشر الصغيرة، التي تُصدِر سنوياً اثني عشرة (12) مجلّداً قائلاً: “كنا في السنوات العشر (10) الأولى، هُـواة، وأصبحنا في العشرة الثانية شِـبه مِهنِيِّـين، ثم تحوّلنا إلى مهنيين في العشرة الثالثة”.
وكان نَسف الشكل الكلاسيكي لِشريط القصص المصورة المكوّن من نحو 40 صفحة، أمراً جذاباً بالنسبة لباسلر، لسبب آخر: “في الرواية المصورة، تتقارب ثقافات القِصص المصوّرة في القسم الغربي من سويسرا وجزئها الألماني”.
وقبل مجلة “سترابازان” Strapazin، لم يكن هناك مشهد أو تيار رئيسي شامل في سويسرا الناطقة بالألمانية، مما جعلها تمتلك “المشهد الإبداعي”، حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي.
غرب سويسرا (الناطق بالفرنسية) من الجهة الأخرى، كان يمتلك تُراثاً كبيراً من القِصص المصوّرة، والذي كان يعرض فُـرصاً تجارية أكبر بكثير، بسبب دُور النشر الفرنسية والسوق المحلية هناك.
وكما يؤكّد الناشر باسلر: “كان لفنّاني القِصص المصورة “زيب” (الإسم المُستعار للفنان فيليب شابوي من جنيف)، و”كوزي” (برنارد كوزينداي من لوزان) و”دريب” (كلود دي ريبوبيير من كانتون فو) وما يزال جمهوراً يُقدَّر بالملايين وبإمكانهم أن يعيشوا من أعمالهم بشكل جيد جداً”. وعلى عكسهم، نجد الفنانين الذين يقوم باسلر بِنَشر أعمالهم اليوم، بعيدين كلّ البُعد عن ذلك.
هكذا هو الحال بعض الشيء مع توماس أوت، الذي يُعَدّ دولياً أحدَ الكِبار في تأليف قِصص “تحت الأرض” المصوّرة السوداء، والذي يعمل أيضاً كمحاضر في جامعة زيورخ للفنون.
ووِفقاً لكريستيان غاسَّر، لا ينفرد أوت بِحَمل هذه السِّيرة. فجميع المدرِّسين تقريباً ممَّن يقومون بتدريس مِهنة الرسوم الإيضاحية التدريبية في مدارس الفنون السويسرية، جاؤوا من محيط مجلة سترابازان”. ويضيف فرِحاً: “الآن، سيترك جيل كامل قريب جداً من القصص المصورة، جامعاتهم. لذا، فليس هناك أي مسوغ للقلق في سويسرا من عدم وجود نشءٍ جديد في هذا المجال”.
القصص المصورة الخيالية
أحد ممثلي هذا الجيل الجديد، هو باستيان غاشي. وقد أتاح مهرجان “فوميتو” لهذا الشاب القادِم من جنيف والذي يبلغ السادسة والعشرين (26) من العمر، فرصة أول ظهور مَرمُوق ونَشر أول كتاب. واستغل الرسّام هذه “الفرصة الهائلة” كحقلِ اختبار، لاستكشاف حدود هذا الأسلوب الفني.
وصمّم غاشي المعرض، كأداء بصري صُمِّم خصِّيصاً للمهرجان ولِحُجرة في مصلّى سابق. ويحمل شريط “جوليان 2″، لوحات منحوتة من النّحاس للشّخص ذاته.
وللوهْلة الأولى، ليس للكتاب علاقة تُذكر مع القِصص المصورة، عدا عن التسلسل. ولا يكشف السّرد عن نفسه، إلّا بشكلٍ تدريجي أثناء المشاهدة، حيث يكون على المرء تصوُّر حِكايات أحد الأبطال أو كِليْهما. ويؤكِّد غاشي في الختام: “إنه لَمِـن المثير جداً أن يُحافظ مهرجان فوميتو على هذه النّظرة المفتوحة والواسعة جدا لهذا الأسلوب”.
انتظمت الدورة 22 لمهرجان “فوميتو” للقصص المصورة في مدينة لوتسرن من 16 إلى 24 مارس 2013 واستقبلت 50000 زائر.
تحصل البلجيكي مارتن فيوت المولود عام 1989 في بروكسل على جائزة الجمهور. رسوم هذا الفنان الشاب كانت بالأبيض والأسود وتناولت موضوع العدالة.
في المقابل، منحت لجنة التحكيم جائزتها للفنان التايواني تسي واي تو (28 عاما) حيث حظي عمله “الهدية” بالتقدير لنبرته التي اتسمت بـ “التبسيط والمُركبة في نفس الوقت”.
من بين الفنانين السويسريين، تحصل ماكس كامبر، أصيل كانتون برن على مرتبة مشرفة. ففي عام 2012 فاز بالجائزة للصنف المخصص للأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن 12 عاما.
وفي هذه السنة، حقق نفس النتيجة ولكن في الصنف الأعلى، أي للذين تتراوح أعمارهم ما بين 13 و17 عاما.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.