“دُورَّنْمات أكثر أهميةً وعمقاً وإمتاعاً مِن بعض مَن نالوا جائزة نوبل”
حتى الآن، وبعد مرور حوالي 27 عامًا على وفاته، يُعتبر فريدريش دُورَّنْمات، إلى جانب معاصره وزميله «ماكْس فْرِيش»، أبرز أدباء سويسرا الناطقة بالألمانية، فقد مهَّد، مع «فْرِيش»، الطريق أمام الأدب السويسري-الألماني للإنتقال إلى مرحلة جديدة أثارت اهتمامًا ألمانيًّا والتفاتًا أوروﭘيا وعالميًّا.
ورغم أن الكانتونات التي تتشكل منها الأنحاء المتحدثة بالألمانية من سويسرا حاليًّا قد ساهمت في بلورة وانتشار اللغة الألمانية المدوَّنة، من خلال الدور الذي لعبه الراهب Nokter Labeo «نوكْتَر لابْيو» (950-1022)، فقد بقي نتاجها الإبداعي بعد ميلاد سويسرا في العام 1291، وعلى امتداد عصور الأدب الألماني، خارج دائرة الفعل والتأثير. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، اقتحم الأديبان السويسريان ساحة الأدب الألماني، وفي الخمسينيات دخل معهما الإبداع السويسري دائرة الإهتمام ثمَّ التأثير.
روائي وكاتب مسرحي ورسام ولد في 5 يناير 1921 في كانتون بَرن.
في العام 1941 درس الأدب الألماني وتاريخ الفنون والفلسفة.
في العام 1946 قطع دراسته، وانصرف إلى الكتابة. تزوج بالممثلة «لوتّي ﮔـايْسْلَر»، ثمَّ بالمخرجة والممثلة «شارلوته كير» بعد وفاة ﮔـايْسْلَر في العام 1983.
كان لديه اهتمام كبير بالعلوم الطبيعية، وخصوصًا الفلك.
تُرجمت أعماله إلى أربعين لغة. منح العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية ونال التكريم من جامعاتٍ ومؤسساتٍ أكاديمية مختلفة في العالم، كما نال عدداً كبيراً من الجوائز الأدبية.
في العام 1952 انتقل للعيش والإستقرار في كانتون نوشاتيل حتى وفاته يوم 14 ديسمبر 1990.
له 6 روايات و22 عملاً مسرحيًّا وأكثر من 30 تمثيلية إذاعية ولوحات رسم عديدة، بعضها اكتشف بعد وفاته.
بعد وفاته أيضًا، صدرت له عشرة أعمال غير منشورة في حياته وتحول بيته في نوشاتيل إلى متحف يقصده الطلاب ومتذوقو الفن والأدب.
عن دُورَّنْمات يقول سمير جريس، المترجم المصري والمتخصص في الأدب الألماني: «إن دُورَّنْمات يحتل مكانة مرموقة في الأدب الألماني المعاصر، بل وفي الأدب العالمي كله. وليس من قَبيل المبالغة أن نقول إنه أكثر أهميةً وعمقاً وإمتاعاً مِن بعض مَن نالوا جائزة نوبل».
جريس ترجم مؤخرا لدُورَّنْمات مجموعته القصصية «السقوط» (Der Sturz)، فصدرت الترجمة عن دار «الكتب خان» في مصر وعُرضت في الدورة الثامنة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، كما استقبلت بحفاوة من طرف الوسط الثقافي ووسائل الإعلام المصرية. وبهذه المناسبة، التقت swissinfo.ch بالمترجم المصري وأجرت معه هذا الحوار:
swissinfo.ch: هل لك أن تحدثنا قليلاً عن محتوى المجموعة ومضامينها؟
سمير جريس: تحتوي قصص هذه المجموعة على كل ملامح أدب دُورَّنْمات النثري. في القصة الأولى يعود الكاتب إلى مسرحية «زيارة السيدة العجوز»، وهي المسرحية التي ارتبط اسمه بها طويلا. كتب دورنمات عدة صياغات نثرية لهذه المسرحية، كان آخرها القصة التي تستهل هذه المجموعة بعنوان «الخسوف». في المسرحية تعود امرأة ثرية إلى قريتها لتنتقم من خطيبها السابق الذي تخلى عنها، أما في “الخسوف» فيرجع «السيد العجوز» إلى قريته ومسقط رأسه لينتقم من الجميع. في هذه القصة يتناول دُورَّنْمات، مرّة أخرى، أحد موضوعاته الأثيرة متأملاً في ماهيّة العدالة، ومسلطاً الضوء على غرائز إنسانية أزلية، مثل الرغبة في الإنتقام والتشفي وكذلك النهم والطمع الذي لا يعرف شبعاً.
أما القصة الثانية، «السقوط» –التي كُتبت في العام 1971- فيرسم فيها دُورَّنمات «بورتريها» بارعاً لمجموعة من المتعطشين إلى السلطة والمتشبثين بها، وهي مجموعة يسيطر عليها رعب فقدان السلطة. ويرجح النقاد أن دُورَّنمات كتب هذه القصة عَقِبَ زيارته إلى الإتحاد السوفياتي، عارضا فيها صورة ساخرة عن نظم الحكم الشمولي.
وأخيراً يصور الكاتب في قصتة الكابوسية «حرب التيبت الشتوية» نهايةَ العالم، أو العالمَ بعد نهايته، بعد الحرب العالمية الثالثة، الحرب الذرية التي ستبيد الجميع. وهي أمثولة عن الطبيعة البشرية وشهوة السلطة والقوة، والمتاهة البشرية التي نعيش فيها. الإنسان هنا ذئب بالنسبة لأخيه الإنسان وعدوه، وهو ضائع في «متاهة» السلطة الأبدية، نظرته محدودة بمنظور النفق الذي لا يجد مخرجاً منه، أما وسيلته الوحيدة لإثبات وجوده فهي القتل. في هذا النص يقدم دُورَّنْمات رؤيته لفترة الحرب الباردة، لكنه –كمعظم نصوص الأديب السويسري – نصٌّ متعدد الطبقات، يحتاج إلى أكثر من قراءة لكي يبصر القارئ طريقه في هذه المتاهة القصصية الجميلة.
swissinfo.ch: بماذا يختلف دُورَّنمات عن مواطنهِ وزميلهِ، الكاتب البارز أيضًا، ماكس فْرِيش؟
سمير جريس: في رأيي، كان فريدريش دُورَّنمات مشغولا بالقضايا الكونية الكبرى، مثل العدالة والحرب والموت، كما كان مهموما بالسؤال الذي حاول أن يجيب عليه في عدة أعمال، وهو: هل يحقق القانون العدالة؟ هذه الأسئلة نجد صداها في «زيارة السيدة العجوز» وفي «الوعد» و«القاضي وجلاده»، وكذلك في قصص هذه المجموعة. أما ماكس فْرِيش –لا سيما في رواياته- فهو ابن القرن العشرين، الكاتب المهموم بقضايا ذاتية جدا: الهُويَّة والإغتراب ونظرة الآخرين إلى الذات. هذه القضايا طرحها فْرِيش في أكثر من رواية، مثل «مونتوك» و«يُقال إن اسمي غانتنباين» و«شتيلر» و«هوموفابر».
swissinfo.ch: برأيك، ما سبب تركيز المترجمين العرب، كأنيس منصور ومصطفى ماهر، على مسرحيات دُورّنْمات دون أعماله الروائية؟
سمير جريس: أعتقد أن شهرة دورنمات في العالم كله هي باعتباره كاتبا مسرحيا في المقام الأول. كما أن الإهتمام بمسرح دُورَّنمات عربيًّا جاء في الستينيات، عندما كانت الدول العربية، لا سيما مصر، تشهد فورةً مسرحية.
swissinfo.ch: هل كان لإقامة أدباء ألمان قبل الحرب العالمية الثانية مثل هرمان هيسه وتوماس مان وأريش ريمارك تأثيرٌ ما على حركة الإبداع الأدبي في سويسرا عمومًا وعلى دُورَّنمات خصوصًا؟
سمير جريس: لا أعتقد. لقد كان الأدب الذي يكتبه أدباء ألمان، مقروءاً ومؤثراً في سويسرا بالتأكيد، سواء أقام بعضهم في سويسرا أم لا. على كلٍّ، ينبغي البحث جيداً في حياة دُورَّنْمات، لنرى ما إذا كان قد قابل أحدهم، وفيما إذا كانت تلك اللقاءات –في حالة حدوثها– قد تركت أثراً فيه. وربما علينا أن نذكر هنا أن الجملة الإفتتاحية في قصة «النفق» –في مجموعة «أبو حنيفة وأنان بن داود»- تتشابه مع أسلوب توماس مان المعقد، هكذا يقول النقاد، كما أن بطل رواية «الجبل السحري» لتوماس مان كان يركب في بداية الرواية قطارا ويدخن سيجارا، كبطل قصة «النفق». يمكننا هنا، إذن، أن نتحدث عن تشابهات أسلوبية. ولكني لا أعتقد أن دُورَّنمات، عموما، متأثر بتوماس مان.
سمير جريس
مترجم مصري درس الألمانية وآدابها في القاهرة وتابع دراساته العليا في «ماينتس» بألمانيا.
في عام 1996 حصل على الجائزة الأولى في ترجمة القصة، وذلك من المجلس الأعلى للثقافة في مصر.
في عام 2014 حصل على جائزة “معهد جوتة” للترجمة الأدبية مترجمًا متمرسًّا.
ترجم العديد من الأعمال الأدبية الألمانية المعاصرة إلى العربية مثل: عازفة البيانو لـ «ألفريدا يلينك»، الكونتراباص لـ «باتريك زوسكيد»، رجل عاشق لـ «مارتين فالزر»، حرفة القتل لـ «نوربرت جشتراين»، مونتاوك لـ «ماكْس فْرِيش» ومجموعة مقالات نقدية بعنوان «غونتر غراس ومواجهة ماضٍ لا يمضي».
ترجمة أعمال دُورَّنمات
في عام 2004 ترجم لـ «دُورَّنمات» تحت عنوان «أبو حنيفة وأنان بن داود»، الجزء الأول من كتاب «روائع دُورَّنمات النثرية»، الذي أصدرته عام 1992 دار ديوجَينيس السويسرية.
في عام 2009 ترجم روايته «الوعد».
في عام 2017، ترجم الجزء الثاني من «روائع دُورَّنمات النثرية» تحت عنوان «السقوط».
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.