سويسرا “ضيف شرف” على مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة
بعد أسبوع حافل شمل عروض أفلام ولقاءات ونقاشات، اختُتِمَت مساء التاسع من مارس الجاري، فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة، برئاسة المخرجة أمل رمسيس، الذي تمت استضافته من طرف قطاع صندوق التنمية الثقافية بـ "الأوبرا"، وشهدت مشاركة 59 فيلمًا من 23 دولة عربية وأجنبية.
هذا العام، اختارت إدارة المهرجان أن تكون سويسرا، ضيف شرف الدورة العاشرة لمهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأةرابط خارجي. وهو ما ثمنته السفارة السويسرية في العاصمة المصرية مُعتبرة أن هذا الإجراء “يعكس عمق العلاقات ببن البلدين بمختلف المجالات”. وخلال هذه الدورة التي استمرت من 4 إلى 9 مارس 2017، تم عرض أربعة أفلام من سويسرا؛ وهي: “أن أشبه أمى” و “كوبك”، و”يوم أن سقطت الشمس”، و”حياة أخرى”، فيما قامت المخرجة السويسرية، دومینیك مارغو، بإلقاء محاضرة عن الفيلم التسجيلي الشخصي.
مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة
المهرجان عبارة عن مبادرة أطلقتها مجموعة نساء، لطرح الأفلام المستقلة، التي صنعتها نساء من مصر وكافة بلاد العالم، كما يعتبر المهرجان الذي أسسته وتنظمه المخرجة المصرية آمال رمسيس، مكانًا للتبادل والتعلم؛ لذا فإلى جانب العروض هناك ورش عمل ومحاضرات ونقاشات.
يهدف المهرجان إلى تقديم أعمال النساء، لا الأعمال التي تتمحور حولهن، أو حول قضاياهن. وهو يشكل نقطة التقاء بين الجمهور والمُخرجات لمناقشة أفلامهن. لتلك الغاية تحرص مؤسسة المهرجان، والقائمات عليه على أن يكون حضور عروض الأفلام مجانيًا، وأن تكون مترجمة إلى العربية والإنجليزية، وعلى دعوة عدد من صانعات الأفلام، اللواتي تُعرض أفلامهن ضمن المهرجان.
يُنظم المهرجان سنوياً، بالاشتراك مع شركة الإنتاج المصرية “كلاكيت عربي”، وحكومة إقليم الباسك في إسبانيا، و”معهد غوته” الألماني، وعدد من السفارات الأوروبية، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهو عبارة عن مباردة مستقلة تديرها مجموعة من النساء التي تهدف إلي تقديم أفضل الأفلام، التي تم إنشاؤها من قبلهن، سواء من مصر ومختلف دول العالم.
ظهر المهرجان للمرة الأولى في عام 2008، في صورة قافلة سينما المرأة العربية واللاتينية، أو بين سينمائيات كانت- ولا تزال- تطوف العالم العربي وأمريكا اللاتينية. ثم تطور المهرجان بالتدريج ليصبح “مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة”، والذي تشكل القافلة قسمًا من أقسامه المتعددة.
يمنح المهرجان جائزة واحدة، هي جائزة الجمهور حيث يتم اختيار الفيلم الفائز عبر التصويت العام.
كانت السفارة الإسبانية بالقاهرة أول من دعم المهرجان ماديًا، وانضمّت إلى الممولين لاحقًا سفارات أخرى، أوروبية وأمريكية لاتينية، مع عدد من المراكز الثقافية الموجودة بالقاهرة.
“أن أشبه أمي”.. فيلم شخصي شجاع
استعرض فيلم “أن أشبه أمي”، رحلة المخرجة دومينيك مارغو، في مجابهتها لخوفها من أن ترث مرض أمها “الإكتئاب”. كما حكى عن ضعف حيلتها في طفولتها، وغضبها في مراهقتها، وفهمها- أخيرًا- لقدر الشجاعة التي تحلت بها أمها كي تظل على قيد الحياة.
الفيلم تناول أيضًا العلاقات العائلية، والمصير الشخصي، كما تناول انتهاء الإنسان إلى قدراته ومواطن قصوره. فهو يتقفّى التجربة الفردية، مبينًا الخواء الذي قد يحس به الإنسان، كما يبيّن اكتشاف معنى في الحياة. إنه فيلم شخصي وشجاع جدًا لا يفتش عن تفسيرات علمية، بل يستخدم مادة وثائقية وروائية كي ينسج سيرة حميمة. هذا المزيج بين الإدراك والذاكرة يطرح توفيقًا عميقًا ويمهّد السبيل لنشوء مشاعر حب رقيقة تجاه أم.
“كوبك”.. إطلالة على 3 مصائر
“كوبك”.. هو الفيلم السويسري الثاني، الذي عُرِضَ في المهرجان؛ يحكي عن يوم في مدينة اسطنبول، وإطلالة على ثلاثة مصائر؛ جيمو، ابن الأربعة عشر عامًا، الذي يبيع المناديل الورقية بالشارع، لتغطية مصروفات عائلته، يستجمع شجاعته، كي يخاطب الفتاة التي طال إعجابه بها. وحياة متزوجة زيجة مكروهة، لم يمسّها الشغف يومًا، وحين يتصل بها حبيب عمرها توافق على لقائه سرًا. وإبرو التي تعمل ببيع الهوى، كي تكسب قوت يومها، هي متحولة جنسيًا، جميلة قادرة على استمالة من تشاء من الرجال، أما رجل أحلامها فيرفض أن يدعمها.
في هذا اليوم؛ يخرج الثلاثة: جيمو وحياة وإبرو، باستعداد منقطع النظير لإخماد رغباتهم. وبعين لا تغفل عن شاعرية الحياة اليومية. وبشكل عام، يقدم أول أفلام إيسَن إيشِك الطويلة حدوتة رقيقة عن الحب والعنف والمجتمع التركي، في مطلع القرن الحادي والعشرين.
“يوم أن سقطت الشمس”.. تجربة سويسرية يابانية
الفيلم السويسري الثالث الذي عُرِضَ في المهرجان كان “يوم أن سقطت الشمس”، للمخرجة آيا دومِنِش، وهي مخرجة يابانية سويسرية، وحفيدة طبيب كان يعمل في الصليب الأحمر، حين تم قصف هيروشما بالقنبلة الذرية عام 1945.
وتتناول “دومنش”، في هذا الفيلم تجربة جدها الراحل، من خلال تتبع حياة طبيب وممرضات سابقات، مررن بالتجربة نفسها. وأثناء جمعها ذكريات آخر الناجين وآرائهم، وقعت كارثة فوكوشيما النووية (مارس 2011)، وبدا أن التاريخ يعيد نفسه.
“حياة أخرى”.. من سويسرا إلى كرواتيا
أما الفيلم السويسري الرابع والأخير في المهرجان فهو “حياة أخرى”.. ففي عام 1993، وبعد مرور عام على حصار القوات الصربية لمدينة دُوبروفنِيك، عادت “لِندا” ابنة الـ 14 ربيعًا مع أبيها، من سويسرا إلى كرواتيا. وهناك أخذتها صديقتها الجديدة “إيتا” إلى الغابة المحرمة فوق المدينة، وتبادلتا هويتيهما في لعبة أدت إلى سقطة مهلكة.
وفي الصباح التالي عادت “لِندا” وحدها، وبالتدريج بدأت تحل محل “إيتا” وسط عائلتها. كما تورط إيفو- حبيب إيتا- هو الآخر. في زمن كثرت فيه الخسائر التي جرّتها الحرب على النساء، حيث تخشى “لِندا” من شبح التعثّر، الذي يتهددها، وتخاف أن تعلق في عالم آخر، يتكرر فيه ظهور إيتا التي تحملها على مواجهة نفسها.
“دومينيك مارغو”.. والوثائقيات الشخصية
في محاضرتها التي ألقتها، تحت عنوان “الوثائقيات الشخصية أو إبراز ما لا تبرزه الصورة”، طرحت المخرجة السويسرية دومينيك مارغو ، خبراتها في الإخراج، من خلال فيلمها “أن أشبه أمي”، الذي تجمع فيه بين الأسلوب الوثائقي الكلاسيكي، والمشاهد المُعاد تجسيدها، مع التلاعب بحدود الواقع والخيال. وضربت المخرجة السويسرية، بعض الأمثلة لأفلام أخرى، كما عرضت سؤالاً حول كيفية مقاربة الواقع، قدر الإمكان، واستكشفت قدر الصراحة، الذي يطلبه الناس ويقبلونه.
مارغو أوضحت أنها أمضت سنوات في التنقل مع سيرك الروك أركاوس، حيث كانت تعمل فنانة ضوء وفيديو، قبل إنجاز دراساتها العليا (الماجستير) في الإخراج، في جامعة زيورخ للفنون ZHdk عام 1999. ومنذ ذلك الحين، وهي تعمل مخرجة ومصورة لصالح عدد من المؤسسات الإعلامية والفنية من بينها Les Arts Sauts وArte وArtefilm وBBC وChannel 4 وجهات أخرى. وهي تتنقل حاليًا بين زيورخ وفرنسا.
وقد حازت أفلام “دومينيك مارغو” الوثائقية (“طول وعرض السماء”، “توماست، ما بين الغيتار والكلاشينكوف” و”حب”، و”أن أشبه أمي”، على جوائز عدة، كما عُرضت في مهرجانات شتّى.
“الأول من نوعه في العالم العربي”
من ناحيتها، قالت المخرجة أمل رمسيس، مؤسسة ومديرة مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة: “نحتفل هذا العام بمرور 10 سنوات، على مغامرة بدأت عام 2008، إنها مغامرة إطلاق مهرجاناً للأفلام التي تصنعها النساء من كل أنحاء العالم. لقد كانت مغامرة بكل معنى الكلمة، فهو المهرجان الأول من نوعه في العالم العربي، وهو، وما زال، مبادرة مستقلة من مجموعة من النساء لا تقف وراءه أي جهة رسمية حكومية لتضمن نجاحه كما هو شائع”.
وأضافت رمسيس: “قررنا منذ البداية أن يكون حضور العروض مجانياً، حتى يكون متاحاً لكافة الفئات من الجمهور، فضلاً عن أنه مهرجان السينما الوحيد في مصر الذي يقدم عروضه مجانياً، إضافة إلى أن كل أفلامه مترجمة إلى اللغتين العربية والإنجليزية، ولهذا نجح المهرجان في جذب الناس”؛ مشيرة إلى أنه “تمت مناقشة الأفلام مع مخرجات من سويسرا ولبنان وتشيلي والأرجنتين والدنمارك وجمهورية التشيك وفنلندا.
“توظيف الخيال لخدمة الواقع”
على هامش العروض، استطلعت swissinfo.ch آراء بعض الحضور، فقال “أحمد (مدرس بالجامعة): “المهرجان كان فرصة جيدة لمتابعة الأفلام السويسرية، ولهذا كنت حريصًا على مشاهدة الأفلام السويسرية الأربعة، التي عُرِضَت في أسبوع المهرجان”، مشيرًا إلى أنه استمتع كثيرُا بفيلم “كوبك”، خاصة وأنه من نوعية الأفلام الواقعية، ويحمل بين طياته رسائل عدة، لمن يهمه الأمر.
من جهتها، أوضحت صباح (محاسبة) أنها لم تشاهد خلال فعاليات المهرجان سوى 3 أفلام، واستدركت قائلة “لكنني سعيدة لأنني شاهدت عرض فيلم “أن أشبه أمي”، للمخرجة السويسرية دومينيك مارغو”، معتبرة أنه “فيلم جميل، وأجمل ما فيه أنه يحكي تجربة فردية، ويعزز قيمة الأم في الأسرة، والدور الواجب على الأبناء تجاه تلك السيدة العظيمة التي أفنت حياتها من أجلنا”، ولفتت إلى أن الفيلم “وظف المواد الوثائقية لخدمة الفكرة”.
بدوره، أشاد نبيل (موظف بالجامعة الأمريكية بالقاهرة) بالمحاضرة التي ألقتها المخرجة السويسرية دومينيك مارغو، والتي أكدت خلالها على أهمية مقاربة الواقع، قدر الإمكان، واستكشاف الصراحة، وكشفت فيها عن نجاحها في توظيف “الوثائقيات” في فيلمها “أن أشبه أمي”، الذي جمعت فيه بين الأسلوب الوثائقي الكلاسيكي، والمشاهد المُعاد تجسيدها، مع التلاعب بحدود الواقع والخيال.
الدورة العاشرة للمهرجان في سطور
أُقيمَ المهرجان، خلال الفترة من 4- 9 مارس الجاري، برئاسة المخرجة أمل رمسيس، وقد تمت استضافته من طرف قطاع صندوق التنمية الثقافية بـ”الأوبرا”، الذي يرأسه الدكتور أحمد عواض.
شارك في المهرجان 59 فيلمًا، من 23 دولة عربية وأجنبية، عُرِضَت في 3 أماكن، هي: معهد جوته بمنطقة الدقي، ومسرح الفلكي بـ”الجامعة الأمريكية بالقاهرة”، ومركز الإبداع، التابع لصندوق التنمية الثقافية بـ”الأوبرا”.
افتُتحَ المهرجان، بالفيلم الأرجنتينى “فرانسسكو سانكتيس وليلته الطويلة”، إخراج أندريا تسلا، التي حضرت العرض، وهو الأول من نوعه في العالم العربي، حيث سبق له المشاركة فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائى الدولي، كما نال العديد من الجوائز فى مهرجانات عالمية أخرى.
اشتمل المهرجان على ستة أقسام، في مقدمتها “البرنامج الدولي”، ويضم 13 فيلمًا، و”قافلة سينما المرأة العربية واللاتينية”، ويضم 8 أفلام، و”نظرة على أعمال مخرجة”، الذي خُصِّصَ هذا العام للإحتفاء بالمخرجة الفرنسیة آنياس فاردا، حيث عرض 10 أفلام من أعمالها.
بمناسبة مرور عشرة أعوام على تأسيسه فى 2008، قدم المهرجان قسم “أفضل أفلام الدورات العشر” أعاد فيه عرض مجموعة مختارة من أفضل الأفلام التى شاهدها الجمهور فى الدورات السابقة للمهرجان، مثل: الفيلم السوري “أنا التى تحمل الزهور إلى قبرها”، والفيلم اللبنانى “12 لبناني غاضب”، والفيلم المصري “عن الشعور بالبرودة”، والفيلم الفلسطيني “رحلة في الرحيل”، والفيلم الإيرانى “المهنة: صانعة أفلام وثائقية”.
خصص المهرجان قسم “دراسة حالة”، عن شركة إنتاج الفيلم التسجيلى الدنماركي، التى أسستها مخرجات ومنتجات، وحققت نجاحًا باهراً، حتى أصبحت من الشركات الرائدة فى مجال صناعة الأفلام الوثائقية فى الدنمارك. حيث عرض 3 أفلام وثائقية من إنتاجها، كما عقدت حلقة نقاش مع المخرجة ميكالا كروج، إحدى مؤسسات الشركة.
في الحفل الختامي؛ الذي انتظم مساء الخميس 9 مارس 2017، تم الإعلان عن فوز فيلم “آية والبحر”، بجائزة الجمهور في الدورة العاشرة من المهرجان، وهو من بين أفلام قافلة سينما المرأة العربية واللاتينية، بعدما حصل على أعلى تقييم من الجمهور الذي تابع فعاليات المهرجان.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.