علي لغروني: “سأظل مغربيا حتى لو عشت 12 قرنا خارج بلدي”
علي لغروني، رسام وموسيقي، متعدد المهارات، ذاق طعم الهجرة من مسقط رأسه في المغرب وهو لم يبلغ من العمر 16 سنة، حطّ به الترحال في مدينة باريس أولا، ثم انتقل إلى سويسرا، ليطوّر مهاراته الإبداعية.
ورغم معرفته الواسعة بالعديد من الفنون الجميلة، يظل الرسم التشكيلي مجاله المحبّذ في رحلته الفنية التي تمتد لثلاثة عقود.
يقضي هذا الفنان وقته في الإنتقال من لون إبداعي إلى آخر، ويقول عن العلاقة بين الموسيقى والفنون التشكيلية: “مثلما توجد موازين في الموسيقى، توجد ألوان وطبقات في الرسم التشكيلي، وكما أن هناك ألوان زاهية وأخرى خافتة، هناك ألحان رئيسية وأخرى ثانوية في القطعة الموسيقية الواحدة”.
ويضيف هذا الفنان العابر لخطوط التماس بين الأشكال الإبداعية: “عندما أعزف على البيانو، يتجلى لي مشروع لوحة، وتتمايز أمامي الألوان، فأنتقل إلى الرسم، وكلما انتهيت من لوحة، تبيّن لي مشروع موسيقى، فأعود إلى البيانو أنسج الألحان، وأبني الأوزان”.
المسار الذي اتخذته حياة هذا الرجل يخرج شيئا ما عن المألوف، ومن يعود قليلا إلى بداية السبعينات في القرن الماضي، سيجد أن أغلب الذين تركوا ديارهم وحلوا بأوروبا كان من أجل الارتزاق، وإخراج أهليهم من واقع البؤس ثم العودة لاستكمال رحلة العمر.
وكأبناء جيله، اقتصر حلم علي لغروني في البداية على الإسهام في إنارة القرية التي ينحدر منها بإحدى ضواحي مدينة فاس العريقة، وعلى مساعدة عائلته على تحمّل أعباء الحياة، لكن زيارة مفاجئة لبعض أصدقائه المقيمين بمدينة برن، العاصمة الفدرالية بسويسرا سنة 1973، وكان اغلبهم من المشتغلين بألوان مختلفة من الفنون (رقص وموسيقى ورسم…)، قلبت أولوياته، وكما يقول المثل العربي: “من جاور السعيد يسعد، ومن جاور الحداد يحترق بناره”، تحوّل اهتمامه من التجارة إلى الموسيقى، وانتقل من فرنسا إلى جارتها سويسرا، لينتظم في صفوف معهد برن لموسيقى الجاز، وهذا النوع الأخير من الموسيقى، تحوّل في السنوات الأخيرة إلى لغة عالمية تتسع وتستوعب كل الثقافات، وإن أحتفظ يلمسة من أصوله الإفريقية.
ثلاثون سنة تفصل اليوم علي لغروني عن تلك المرحلة، وتبدو له أحلام شبابه الأولى ضربا من الخيال والوهم، لم تعد تغريه فكرة العودة إلى مسقط الرأس، ويقول متأسفا: “اليوم، لم يعد بالإمكان العودة إلى المغرب، المهم بالنسبة لي الآن إكمال مشواري الفني، وتوفير الظروف المساعدة على التعريف بأعمالي، ولا أظنّ أن الوضع الحالي في المغرب يسمح لي بتحقيق ذلك”.
في المقابل، لا يخفي الغروني سعادته بإقامته بجنيف التي يقول عن مزاياها العديدة: “تكثر فيها المعارض الفنية، ويسهل التنقل منها وإليها لوجودها في وسط أوروبا، بالإضافة إلى أنها ملتقى ثقافات متعددة، وهذه أمور مهمة بالنسبة لي للاستفادة من تجارب الآخرين، والتعريف بأعمالي”.
الوظيفة التعبيرية للفنون التشكيلية
تنتظم أعمال علي لغروني ثلاثة محاور كبرى هي الإستشراق و التراث الروحي، والقيم الإنسانية المشتركة. ومن خلال أعماله التي تعد اليوم مئات اللوحات، يحاول هذا الأخير أن ينقل الحقائق والوقائع بالألوان والأشكال، وكل لوحة من لوحاته تحمل إسما وتشير إلى معنى. فيصبح تعدد طبقات الألوان داخل الصورة الواحدة رمزا لتلاقي الثقافات في تعددها، ويصبح حضور الأقواس والأبراج في الأشكال المعمارية دلالة التقاء وتقارب بين ثقافة الشرق وحضارة الغرب.
ومن لوحاته الشهيرة تلك التي تحمل اسم “الإجتماع”، في إشارة إلى الإجتماع الإنساني بأطيافه المتعددة، ولوحة “ملك مصر”، وفيها احتفال بتاريخ مصر الحضاري، تاريخ الفراعنة والملوك، والخلفاء، وهي لوحة يمزج فيها بين اللون الأزرق الذي تشتهر به مدينة فاس المغربية واللون الأصفر الرّملي الذي تشتهر به الأهرامات المصرية.
ذكريات الطفولة
كما لا تخلو لوحاته التشكيلية من مضمون سياسي، كلوحة “الظهور” (Apparition) التي تعود بالذاكرة إلى صراع الكتلتيْن، الغربية بقيادة الولايات المتحدة والشرقية الإتحاد السوفياتي سابقا، وفيها كما يقول لغروني: “تصوّرت القوات الأمريكية في صورة الإنسان الآلي، والقوات السوفياتية في صورة الكائنات الخيالية القادمة من كوكب آخر”، أما بقية العالم ، فيبدو من خلال هذه اللوحة جاثما على ركبتيْه عند أقدام هاتيْن القوتين.
في المقابل، يكتفي لغروني في بعض أعماله الفنية باستعادة ذكريات طفولته في مدينة فاس التي تعبق منها إلى اليوم نفحات القيم الروحية الإسلامية، ويقول معلقا على إحدى لوحاته التي يتوسطها مسجد، ويحيطها المصلون من كل جانب: “لما كنت طفلا، كنت أرافق والدي إلى المسجد أيام الجمعة، حيث يصطف المصلون في الشوارع، بعد أن يضيق بهم صحن المسجد وساحاته الخارجية”.
ويكتفي في أعمال أخرى بتضمين رسومه التشكيلية قضايا الوطن الأم ومستقبله، كهذه اللوحة التي تحمل عنوان “نظرة الأمل”، وفيها مشهد لطفلة صغيرة ترسل نظرها في الفراغ، وعن هذه “النجمة”، يقول الرسّام: “هذه الطفلة تمثل أجيال المغرب القادمة، وهي تتأمل مستقبلها ومستقبل المغرب، ومن خلال نظرتها تتساءل عن موقعها في هذا العالم، ورغم ما يبدو عليها من حيرة، فإن مشاعر الطمئنينة تظل بادية على محيّاها”.
القيمة النقدية
يمتلك على لغروني إلى جانب براعته الفنية، رؤية نقدية في مجال الرسم التشكيلي ، واللوحة الناجحة بالنسبة إليه هي “التي تتيح للمشاهد فرصة لتخيّل الرسالة التي يحملها المشهد”. ويضيف مقارنا بين براعة الكتابة وفن الرسم: “في الكتابة، يستقبل القارئ المضمون جاهزا، أما في الفن التشكيلي، فلا يحصل المشاهد في أحسن الأحوال إلا على عنوان اللوحة، وله بعد ذلك أن يتخيّل القصة التي يريد”.
وفي رد عن سؤالنا له عما يوحد إذن لوحاته التي تعد اليوم بالمئات، والتي تعمّر معارض ومتاحف من طوكيو إلى نيويورك ومن باريس إلى جنيف مرورا بأمستردام وبروكسال، يجيب: “في جل أعمالي، أبحث دائما عن نقطة إلتقاء بين الثقافات والحضارات المتعددة”.
وعند الجمهور الذي يتوجه إليه باعماله، يجيب بكل بساطة: “عندما ارسم، في الحقيقة أرسم لنفسي، لأن الرسم يساعدني على فهم نفسي والتعبير عنها، كما انه يساعدني في الإبقاء على التوازن الشخصي، لأن كل لوحة تعبّر عما يمور في وجداني”.
لكن ليس لهذا فقط يرسم لغروني، فهو يعي أيضا دوره التاريخي، ويضيف: “أسعى جاهدا من خلال براعاتي إلى تطوير الأشكال التعبيرية في الثقافة العربية، وإن كنت أأسف للإهمال الذي تلقاه أعمالي من الرسميين العرب، لقد حصلت على التشجيع والدعم من مؤسسات عديدة، ليس من بينها دولة أو سفارة عربية”.
سويس إنفو – عبد الحفيظ العبدلي – جنيف
علي لغروني، رسام وموسيقى على درجة عالية من البراعة الفنية، مغربي من اصول سويسرية، كما يحلو له القول، هاجر في البداية إلى باريس ثم انتقل بسرعة للإقامة في سويسرا أولا في برن ثم لاحقا في جنيف.
درس الموسيقى بالعديد من مدارس الفنون الجميلة ببرن وبيل وجنيف، ثم بدأ مشواره الفني والوظيفي.
إلى جانب الرسم التشكيلي، يعمل علي لغروني حاليا كعازف مرافق في العديد من نوادي الرقص المعاصر في جنيف.
ينظّم دروسا خاصة ودورات تدريبية في مجال العزف والموسيقى.
يمارس التدريس في العديد من المؤسسات الخاصة والرسمية، منها مركز الترفيه بحي “الباكي” بجنيف، وبمعهد الموسيقى بنيون (كانتون فو)، ومدرسة “ليير” للموسيقى بجنيف.
هذا بالإضافة إلى انشغاله بالمشاركة في تنظيم معارض الرسوم التشكيلية في سويسرا وخارجها.
2008، معرض بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف، بمناسبة مرور 12 قرنا على تأسيس مدينة فاس.
2006، معرض لافونتان بجنيف
2006، معرض الفنون الحديثة بمونترو
2005، معرض الفنون الفرنكفونية بأمستردام
2004، الحصول على جائزة أفضل عارض بمعرض “فونتانا دي روما”
2003، معرض فون إرنست بموناكو
2002، معرض بازل، وكانت المملكة المغربية ضيف الشرف في تلك السنة
2001، معرض “الزمن الذي هو بصدد الانقضاء”، بجنيف
1994، معرض فندق واحات الخليج بمراكش
1991، معرض “مانوار دي كلونيي” بجنيف
1988، معرض بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف
1976، معرض “رينغ” ببيان.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.