“السياسة الدولية”.. من “دورية متخصصة” إلى “مركز تفكير”
تحتفل مؤسسة الأهرام هذه الأيام، باليوبيل الذهبي لتأسيس مجلة "السياسة الدولية"، بوصفها أول دورية أكاديمية متخصصة في متابعة الشؤون الدولية، تصدر في المنطقة العربية. وعلى مدى نصف قرن، مثلت المجلة مرجعا أساسيا لصنَّاع القرار، في مجال السياسة الخارجية. ورغم تركيزها على الشؤون الإقليمية إلا أنها اهتمت أحيانا بدور وموقع سويسرا المحايدة أوروبيا وأمميا.
وبهذه المناسبة، أجرت هيئة التحرير حوارا مع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، نشر في العدد رقم (200) الصادر في أبريل 2015 الجاري، قدم خلاله ما يمكن اعتباره ملامِح أساسية لخريطة طريق للسياسة الخارجية المصرية.
وعلى الرغم من تركيزها على قضايا الشؤون الإقليمية، العربية والإفريقية والأسيوية، إلا أن مجلة “السياسة الدولية” أفردت جانبا من اهتماماتها ببعض القضايا التي شغلت الرأي العام في أوروبا على وجه العموم، وفي سويسرا أيضا. كما نشرت عددا من المقالات والتقارير والدراسات والتحليلات، التي تناولت الدَّور السويسري في ما له علاقة بالإتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة، ومواقِفها قبل وبعد “الحِياد”.
مجلة السياسة الدولية في سطور
أول دورية أكاديمية متخصصة في متابعة الشؤون الدولية، تصدر بالمنطقة العربية. فلم يكن العالم العربي يعرف هذا النوع من المطبوعات، عندما فكر الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير الأهرام آنذاك في إصدار مجلة “السياسة الدولية” الفصلية ومجلة “الأهرام الاقتصادي” الأسبوعية.
عكف على إعداد دراسة الجدوى الفكرية والصحفية الخاصة بالمجلة، الدكتور بطرس بطرس غالي، الأستاذ بجامعة القاهرة آنذاك، وصدر العدد الأول منها في يوليو 1965، وهي مجلة فصلية تصدر كل ثلاثة أشهر (يناير/ أبريل/ يوليو/ أكتوبر)، وصدر منها حتى أبريل 2015 (المتمم للخمسين عاما الأولى من عمرها) 200 عدد.
أسّسها وتولّى رئاسة تحريرها خلال الفترة من (1965- 1991) الدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، ثم خلفه د. أسامة الغزالي حرب (1991 – 2011)، وتلاه د. محمد عبد السلام (2011 – 2012)، وأعقبه أبو بكر الدسوقي (2012 – 2014)، ويرأس تحريرها حاليا د. وحيد عبد المجيد.
تقدّم المجلة تحليلات معمَّقة، تركِّز على الأحداث والقضايا والإتِّجاهات الرئيسية، ذات الطابع الإستراتيجي في العلاقات الدولية، استنادا على أقصى معايير المِهنية الأكاديمية صرامة، بمشاركات من أهم المفكرين والأكاديميين والممارسين في مصر والشرق والمنطقة العربية.
الهدف من تأسيسها: تعميق الاهتمام بالعلاقات الدولية، تقديم تحليلات واقعية للتحولات الإستراتيجية الكبرى التي تجري في الإقليم، متابعة ما يجري من أحداث وقضايا وتحولات و”نظريات” على الساحة العالمية، المساهمة في تشكيل “جماعة أكاديمية” مصرية وعربية، تقدم تحليلات وتصورات وتقديرات مستمرّة لما يجري في المنطقة والعالم.
تُعد واحدة من المطبوعات المحكمة، التي يتم الاعتماد عليها كمرجع رئيسي في الشؤون الدولية، أو الاعتماد على ما ينشر فيها كمسوغ للترقيات العلمية في الجامعات ومراكز البحوث، أو الدعم العلمي لعملية صنع القرار في المؤسسات العربية، إضافة إلى ما يمكن أن تسهم به في النقاش العام.
تنشر دراسات و”مقالات فكرية” وتقارير تحليلية وعروض كتب وندوات حول القضايا والسياسات الدولية والإقليمية، وِفقا لمعايير النشر العامة في الدوريات الأكاديمية، وهي الموضوعية والدقة والتوثيق.
تحدّد “هيئة تحرير المجلة”، خطّة العمل في كل عدد خلال الأشهر الثلاثة السابقة لصدوره، تبعا لتطورات الأحداث والقضايا، مع الإعتماد على التكليفات المباشرة، كما تتلقّى مقترحات شفوية أو مكتوبة لإعداد موضوعات في المجلة.
الجمهور المستهدف هو: جماعة الباحثين والأكاديميين والمهتمين بإنتاج مراكز الدراسات الأكاديمية والحكومية والخاصة والدولية، وأساتذة الجامعات وطلبة الدراسات العليا وطلبة وخرِّيجي أقسام الإقتصاد والعلوم السياسية والدراسات القانونية، فضلاً عن المسؤولين الرسميين العاملين في مجالات الخارجية والدفاع والأمن القومي والسلكيّن الدبلوماسي والقنصلي والمنظمات العربية والدولية، وأعضاء لجان العلاقات العربية والخارجية والأمن القومي في المجالس التشريعية، وغيرهم.
حِوار الشمال والجنوب
في البداية، تقول نزيرة الأفندي، مديرة تحرير مجلة الأهرام الإقتصادية السابقة: “اتفق ظهور العدد الأول من مجلة السياسة الدولية في يوليو 1965، مع تكاثر الحديث في قضية الحوار بين الشمال والجنوب، حيث أن ذلك العام كان يمثل منتصف عقد الستينات، والذي اعتبر طِبقا لقرار الجمعية العامة للمنظمة الدولية والمُتخذ في ديسمبر 1961، عقْد الأمم المتحدة للتنمية”.
وأضافت الأفندي، الخبيرة المهتمّة بمعالجة قضايا الشأن الأوروبي في مجلة السياسة الدولية: “ومن ثم كانت هذه الدورية العلمية ساحة خصبة وفرصة مواتية أمام الباحثين والدارسين، للتعرف على ما تم إنجازه على مدى خمسة أعوام من بدء هذا العقد، وما هي الأعباء المُلقاة لتحقيق هذا الهدف في السنوات التالية”.
وتابعت بقولها: “ومنذ ذلك الحين وحتى صدور العدد 106 من مجلة السياسة الدولية، كانت قضايا التنمية والحوار بين الشمال والجنوب من أبرز وأهَـم القضايا التي طرحتها مجلة السياسة الدولية، اتِّساقا مع فِكر دكتور بطرس غالى وقناعته بأهمية هذه القضية”.
ويكفي أن نعلَم أن الدراسة الأولى التي تصدّرت العدد الأول من مجلة السياسة الدولية والتي تعكس اهتمامها بقضايا الحوار بين الشمال والجنوب، حملت إسم “مؤتمر جنيف للتجارة والتنمية”، وكتبها الدكتور محمد زكي شافعي – عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في ذلك الوقت، وعضو وفد مصر إلى مؤتمر التجارة والتنمية، الذي عقد في مدينة جنيف خلال الفترة ما بين 21 مارس إلى 16 يونيو 1964، بمقتضى قرار اتخذه المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة في عام 1962، وهو المؤتمر الذي كان الخطوة الأولى في سبيل إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد، يتّسم بالعدالة والديناميكية، ويستجيب لمُقتضيات التنمية الإقتصادية.
سويسرا.. وسياسة ما بعد الحياد
وتحت عنوان: “سويسرا والأمم المتحدة.. سياسة ما بعد الحياد”؛ كتبت وردة هاشم الجارحي، الباحثة السياسية المهتمّة بالشأن الأوربي في العدد رقم 150 من مجلة السياسة الدولية، والذي صدر في أكتوبر 2002، تقول: “بانضمام سويسرا للأمم المتحدة، انتهت حالة التناقض التي ظلت قائمة لعقود وتجلت مظاهرها في احتفاظ المنظمة الدولية بعدد من مؤسساتها الحيوية على أرض دولة ليست عضواً بها، حيث تستضيف جنيف المقر الأوروبي للأمم المتحدة، وهو الثاني من حيث الأهمية بعد المقر الرئيسي فى نيويورك، كما تتّخذ عشرين وكالة تابعة للأمم المتحدة من جنيف مقراً لها”.
وفي نفس المقال، ذكّرت الجارحي بأن سويسرا “كانت قد تبنّت عملياً مبدأ الحياد منذ عام 1798، ولذلك لم تشترك في عضوية الأمم المتحدة منذ إنشائها. ولكن مع انتهاء الحرب الباردة، أصبحت سياسة الحياد تحتاج إلى مراجعة. وبدأت الحكومة السويسرية منذ يناير 2001 حملة لحشْد تأييد المواطنين للإنضمام للأمم المتحدة، خاصة وأن سويسرا تقوم بدور إيجابي عبْر مساهمتها المالية في وكالات الأمم المتحدة” بشتى أصنافها.
وتابعت تقول: “وبالفعل، صوّت 55% من الناخبين لصالح مقترح حكومي طُرِح للإستفتاء في مارس 2001 بخصوص الإنضمام للأمم المتحدة. وفي يوليو 2002، وافق مجلس الأمن على الطلب السويسري، وهو ما تمّ فعلياً في احتفال ضخم في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في 10 سبتمبر 2002”.
تفعيل دور سويسرا بالأمم المتحدة
الباحثة السياسية المهتمّة بالشأن الأوروبي أضافت أيضا: “ولا شك أن انضمام سويسرا للأمم المتحدة سيؤدّي لتفعيل دورها في المنظمات الدولية والإقليمية، لتُصبح فاعِلاً مشاركاً ونشيطاً على المستوى الدولي، لاسيما وأن هناك نَزعة داخل المجتمع السويسري لمُراجعة مفهوم الحياد والإنخِراط في الأنشطة الدولية والإقليمية. هذا التحوّل كان له العديد من المؤشِّرات، حيث قامت سويسرا بدور فعّال منذ بداية التسعينات ضمن إطار الأمم المتحدة، في أنشطة نزع وتدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، وشارك خبراؤها ضِمن بعثات التفتيش بالعراق”.
واختتمت وردة هاشم الجارحي مقالها بالإشارة إلى أن سويسرا “اشتركت في العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق عام 1990، ويوغسلافيا السابقة عام 1992، وليبيا 1992، وهايتى 1992. ومن الجدير بالذكر أن عضوية سويسرا في الأمم المتحدة سوف تكلِّفها 42 مليون دولار مقارنة بـ 8.1 مليار دولار سنويا، كانت تحصل عليها نتيجة استضافة جنيف نحو عشرين منظمة تابعة للأمم المتحدة”.
أوروبا والإصلاح السياسي..
وتحت عنوان “أوروبا والإصلاح السياسي جنوب المتوسط.. رُؤية تقيِيمية”، كتب الدكتور إيبرهارد كينلي – أستاذ بالمركز القومي للبحوث العلمية في باريس وبمعهد الدراسات السياسية في غرونوبل (فرنسا)، مقالاً في مجلة “السياسة الدولية”، قال فيه: “على عكس ما توقَّعَه، على الأقل، بعض من مهندسي الشراكة الأورو- متوسطية، لم تتمكّن هذه الشراكة من المساهمة في إرساء الحريات السياسية أو الديمقراطية في دول جنوب المتوسط”.
وأضاف كينلي: “وفيما تتراوح المسارات المختلفة التي حددها الاتحاد الأوروبي لدعم الإصلاح من حوار سياسي إلى برامج متخصصة للترويج للديمقراطية إلى دعم المجتمع المدني والقطاع الخاص، فقد انتهت جميعها حتى الآن إلى طريق مسدود”. وتابع: “أما سياسة الجوار الأوروبي الجديدة التي قامت على أسُس مشابِهة لعملية الشراكة، فقد تنجح في تحسين ظروف الحوْكمة، ضِمن الحدود التي يفرضها الحُكم السُّلطوي، ولكنها لن تؤدّي إلى دعم عملية إصلاح سياسي جادّة”.
سياسات أوروبا تجاه الشرق الأوسط
وفي مقالة بعنوان: (عودة إلى “الواقعية” في سياسات أوروبا تجاه الشرق الأوسط)، كتبت كريستينا كوش، الباحثة بمركز فريد للدراسات (مركز أبحاث أوروبي مقرّه العاصمة الإسبانية مدريد): “سلوك الاتحاد الأوروبي في معظم أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ،يبتعد بشكل متزايد عن تطبيق أهدافه المعلنة في شتى الوثائق والتصريحات، والتي تتعلق بنشر القِيم والمبادِئ التي قام عليها، وإرساء المعايير القانونية والإصلاحية”.
وأضافت كوش: “كما أن القيمة العملية لبرامج التنمية الرامية لدعم حقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاح السياسي في المنطقة قد أصبحت مهدَّدة بفعل غياب الدعم السياسي المنتظم من العواصم الأوروبية. وقد تصاعدت شكاوى ناشطي حقوق الإنسان من المغرب إلى سوريا، عن الطبيعة المتناقِضة للسياسات الأوروبية في المنطقة”.
“السياسة الدولية”.. وصنَّاع القرار
وفي تعليقه على الموضوع يقول أبوبكر الدسوقي، مستشار تحرير مجلة السياسة الدولية في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “مثلت المجلة على مدى نصف قرن العين الراصدة للأحداث الدولية والمرآة العاكسة لواقع التفاعلات الإقليمية؛ قُدِّمَت خلالها رُؤىً موضوعية شاملة لقضايا العلاقات الدولية، علما وممارسة؛ مشيرا إلى أنها صارت “شاهد عصر” على كافة الأحداث العربية، ومرجعا أكاديميا موثوقا لدارسي العلوم السياسية والإستراتيجية، ولكافة الدوائر العلمية والسياسية”.
ويضيف الدسوقي، رئيس التحرير السابق للمجلة أنه “بحُكم تخصّصها في العلاقات الدولية، تُعَـدُ المجلة مرجعا أساسيا لصنَّاع القرار في مجال السياسة الخارجية، لأن أي عملية رشيدة لصُنع القرار، تعتمد على مصادر رصينة من المعلومات، وهذا ما توفِّره المجلة من خلال نشر الدراسات العِلمية، والتقارير والتحليلات والملفات المتخصصة في قضايا العلاقات الدولية، فضلاً عن كونها “مركزا للتفكير”، يجتهد في تقديم الرُّؤى والخيارات والبدائل، التي يأمل أن يستفيد منها صانعُ القرار، مما جعلها المرجع الأساسي للدبلوماسيين، إضافة إلى كونها منبرا لإسهامات رجال السِّلك الدبلوماسي، الذين أثروها بخِبراتهم الواسعة”، على حد قوله.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.