احتفاء بالسينما والحياة وعيد الميلاد رغم كورونا وفي لوكارنو
اقتصر مهرجان لوكارنو السينمائي في نسخته لهذا العام 2020 على عرض أفلامه على موقعه على الإنترنت وفي بعض صالات العرض في المدينة من كانتون تيتشينو، مع مراعات تدابير السلامة المتعلقة بكوفيد – 19، ولكن السويسريين ظلوا مخلصين لمهرجانهم السينمائي الدولي، فهو يمثل بالنسبة لهم تقليداً لا يرغبون في الاستغناء عنه.
بسبب فيروس كورونا المستجد، اضطر منظمو المهرجان هذا العام إلى الاستغناء عن الكثير من الفعاليات التي تجذب عادة الزوار والمشاركين من جميع أنحاء العالم، كحفلات تقديم الجوائز والعروض السينمائية في الساحة الكبيرة “Piazza Grande” التي تتسع لـ 8 ألاف مشاهد. بالإضافة إلى عدم دعوة الضيوف القادمين من الخارج، من مخرجين ومخرجات ومنتجين ومنتجات وممثلين وممثلات إلى المهرجان. إلّا أن مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي قد جذب هذا العام الكثير من السويسريين القادمين من جميع أنحاء البلاد.
لا تنجح بعض العائلات السويسرية في اللقاء للاحتفال بعيد الميلاد في شهر ديسمبر من كل عام، لذلك فهم يبحثون عن موعد آخر لتعويض هذه المناسبة المهمة، وإن كان ذلك في فصل الصيف.
عائلة ماير هي أحد الأمثلة على مثل هذه اللقاءات الخاصة. العائلة مكونة من 14 شخصًا من المهتمين بالأفلام والفن والموسيقى، وهي تقيم عشاء عيد الميلاد الخاص بها في لوكارنو منذ 10 سنوات. وهذا العام أيضاً، لم يقف في طريق هذا التقليد شكل المهرجان المختصر ولا فيروس كورونا المستجد.
في الكثير من الأحيان، لا تكون الأفلام محط الاهتمام بشكل أساسي، وإنما فرصة الاجتماع بأفراد العائلة عن طريق المصادفة، إما في مطعم الفندق لتناول وجبة الإفطار أو في إحدى قاعات العرض بدون أخذ موعد مسبق أو قبل أو بعد ذلك في قهوة ومطعم ما. وأمّا عندما يتعلق الأمر بالأفلام فإن الأذواق والاهتمامات تختلف كثيراً بين أفراد العائلة.
swissinfo.ch حلّت ضيفة على العائلة أثناء وجودها في لوكارنو هذا العام وحاورت أفرادها حول تقليدهم وتجربتهم في لوكارنو في أوقات كورونا.
أنت تحتفلين مع عائلتك بـ “عيد الميلاد” خلال مهرجان لوكارنو السينمائي في شهر أغسطس، أمر يدعو إلى الاستغراب، ما خلفية هذه الفكرة؟
ب. غلوتس-ماير: بدأ كل شيء بمبادرة من إحدى أخواتي المهتمة بالأفلام، حيث زارت مع شريكها، الذي يقاسمها الشغف نفسه، مهرجان الفيلم في لوكارنو منذ سنوات عديدة.
وقبل أكثر من عشر سنوات، قررت هي وأختي الأخرى أن نلتقي معًا في لوكارنو، بالنسبة لي لم تكن هناك حاجة لإقناعي: فلقد تمكنت هكذا من الالتقاء بشقيقتيّ مرة واحدة في العام ولأكثر من وجبة واحدة فقط، حيث أعيش أنا في طرف وتعيش إحداهما في الطرف الآخر من سويسرا، والثانية تعيش في إفريقيا منذ سنوات، ولذلك التقينا نحن الأربعة في لوكارنو للمرة الأولى، وفي العام التالي انضم إلينا أفراد العائلة الآخرون.
ماذا تفعلون في لوكارنو عندما لا تكونون في صدد مشاهدة الأفلام؟
ب. غلوتس-ماير: يأتي البعض منا إلى لوكارنو بالفعل من أجل مشاهدة الأفلام، فأنا مثلاً أتطلع طوال العام إلى الجلوس أمام الشاشة طوال اليوم في لوكارنو. والبعض الآخر يهتم بشكل أكبر بممارسة الرياضة، مثل ركوب الدراجة والمشي والسباحة، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى جدل بين أفراد العائلة، حيث هناك من يتهم هؤلاء بأنهم يسلبون رواد المهرجان ممن يهتمون بالسينما أماكنهم في الفنادق والمطاعم، وهذا صحيح برأيي. ولكنه المكان الوحيد الذي يلتقي فيه جميع أفراد الأسرة – مرة واحدة في السنة.
ص. غلوتس-ماير: هنا في لوكارنو أسمح لنفسي بأن أكون أكثر كسلاً من المعتاد، وأن أنفق مالًا أكثر بقليل مما هو عليه الحال في حياتي اليومية. كما أختبر ما يمكن أن تعنيه “الأسرة” عندما تكون أكبر من مجرد الأم والأب والطفل.
يكفي أحياناً أن يتجول المرء في مدينة لوكارنو: أن يعاين الأزقة الخلابة، والبحيرة، أن يكتشف نافورة مفقودة في مكان ما بين المباني السكنية، أن يجد نفسه فجأة في منطقة حرجية صغيرة، وأن يتساءل سرًا من هم هؤلاء الذين يقضون العام بأكمله في هذه المدينة، وأن يشعر عمومًا بالامتداد الذي يمكن الوصول إليه لهذه المدينة الصغيرة الساحرة تحت قدميه.
متى وكيف يجتمع أفراد العائلة بشكل عام؟ وماذا عن “عشاء عيد الميلاد”؟
ب. غلوتس-ماير: عادة ما تكون اللقاءات عفوية وغير معقدة، فقد نلتقي في أحد قاعات السينما وبعد أو قبل ذلك، نخرج لشرب القهوة أو تناول الطعام سوية أو نتواعد لنلتقي في المساء على العشاء. لذلك يجتمع أفراد العائلة عدة مرات وفي كل مرة في تشكيلة مختلف، بحيث يكون الجميع قد التقى مع الجميع خلال بضعة أيام. ولكن هناك أمسية يمنع التخلف عنها لأسباب أنانية تتعلق بالاهتمامات الشخصية للمرء، وهي الأمسية التي تجتمع فيها العائلة لتناول العشاء معاً، وهي ما نسميها “أمسية عيد الميلاد”.
ما هو أهم ما يميز المهرجان بالنسبة لك؟
ص. غلوتس-ماير: بالنسبة لي، فإن أهم ما يميز المهرجان هو في الواقع دائمًا الشعور الداخلي بالإشباع الروحي، الذي يشعر به المرء بشكل متزايد بعد قضاء الأيام القليلة في لوكارنو وبفضل أعداد الأفلام الجيدة التي شاهدها هناك.
ب. غلوتس-ماير: أحد الأحداث البارزة بالنسبة لجميع زوار المهرجان تقريبًا هو الفيلم الذي يعرض عادة مساءا في الساحة الكبير “Piazza Grand “. عندما تنطفئ أضواء الشوارع في الساعة التاسعة والنصف وتُعكس أضواء المهرجان على المباني القديمة بجميع الألوان، وأخيرًا تصبح الساحة مظلمة، ومن ثم تظهر مشاهداً قصيرة من الجمهور الجالس في الساحة في انتظار بداية العرض على الشاشة الكبيرة، فتجد من يراقب على أمل التعرف على شخص ما، أو من أجل رؤية تعبيرات الوجه الخاصة لأحد الأشخاص عندما يرى نفسه فجأة على الشاشة، فمنهم من يقبل جارته، والبعض الآخر يأكل الآيس كريم عمداً بطريقة “مقرفة”.
هذا العام، لم تعرض الأفلام في الساحة الكبيرة، كيف عايشتم مهرجان لوكارنو السينمائي بصورته المرتجلة هذه؟
ص. غلوتس-ماير: على الرغم من حماسي الكبير للأفلام، ما زلت أذهب إلى لوكارنو كل عام لأنني أريد أن ألتقي بعائلتي، التي لا أراها عادة على مدار العام، لذلك كانت التجربة هذه المرة في الواقع نفسها كما في السنوات السابقة.
ربما يمكنك فقط أن تقول إن التحفيز الروحي هذا العام من نوع مألوف، لأنه لا يأتي بشكل أساسي من الأفلام، ولكن من المحادثات التي أجريناها مع بعضنا البعض – محادثات ربما حدثت هذا العام لأننا جميعًا كان لدينا المزيد من الوقت أطول وأكثر حدة من المعتاد.
ف. أ. ماير: بالنسبة لنا وبصفتنا أكثر مشاهدي الأفلام كسلاً في العائلة، فإن برنامج الأفلام لهذا العام لم يؤثر علينا إلّا بشكل ثانوي. أمّا الإيجابي في الأمر فهو أنّنا تمكنا من الاستمتاع بالعشاء الجماعي وذلك مع غياب الضغط الزمني، حيث لم يتعين على أحد منا ترك مائدة الطعام مسرعاً في الساعة 8:30 مساءً للحصول على مقعد في الصفوف الأمامية من الساحة الكبيرة لمشاهدة أهم العروض في لوكارنو.
وفي نهاية المطاف، كانت زياراتنا للعروض السينمائية القليلة في دور السينما ممتعة للغاية، حيث أن قلة عدد الأشخاص ونظام حجز المقاعد المتطور يجنبك الإحباط الناجم أحياناً من عدم القدرة على الحصول على مكان في فيلم سينمائي ترغب بمشاهدته بشدة ولكن بعد وقفة طويلة في طابور طويل لا تستطيع الدخول، كما يمكنك النظام المعتمد من الذهاب إلى السينما دون الخوف من الإصابة بالفيروس.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.