مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات
كوسوفو في سويسرا… سويسرا في كوسوفو

ديا جينوفتشي “ما يثير التعاطف، الأفلام وليس النصب التذكارية”

المخرجة الجنيفية ديا جينوفتشي
المخرجة الجنيفية ديا جينوفتشي واحدة من مغذي ومغذيات «الموجة الجديدة في كوسوفو» وهي مقتنعة بأن الأفلام هي شكل من أشكال إحياء الذكرى والعلاج النفسي للماضي. © 2020 By Thomas Krempke

غالبا ما يتركز اهتمام الفيلم السويسري الكوسوفي على الآثار النفسية التي خلفتها حرب كوسوفو (1998- 1999). وتظهر المخرجة ديا جينوفتشي كيف تقدّم هذه الأفلام لكوسوفو طريقة لتجاوز ذلك.

ولدت المخرجة ديا جينوفتشي (30 عاما) ونشأت في جنيف، غرب سويسرا. وعلى الرغم من أنها لم تتعرض للقمع والحرب التي شنتها صربيا على بلدها الأصلي، إلا أن ما عاشته أسرتها قد أثّر عليها: فالصدمات تنتقل من جيل إلى جيل.

تترك الحروب آثارًا حتى بعد التوصل إلى السلام. وتتنوع تداعياتها، فهي ليست اقتصادية أو سياسية بل تكون لها تداعيات نفسية، وهذا الجانب نادراً ما يُتحدث عنه.
تقول ديا جينوفتشي “إن تاريخ بلد ما يشكّل مصيرك وهويتك”. ومن خلال عملها كمخرجة، اهتمت بحرب كوسوفو والصدمة الجماعية التي تسببت فيها.

هربت أسرة جينوفتشي إلى سويسرا قبل بدء الحرب مباشرة. كان والدها أصلان جينوفتشي طالبًا في الفيزياء في جامعة بريشتينا عام 1998 عندما فر على عجل نسبيًا، لأنه كان عضوا في الحركة التي تطالب باستقلال كوسوفو عن يوغوسلافيا، وتعرض للاضطهاد السياسي وأُجبِر على الإقامة في المنفى.

محتويات خارجية

 وجدت ديا جينوفتشي في الفيلم وسيلة لمعالجة تجارب عائلتها الصادمة، وتقول: “أريد من خلال هذا الطريق أن أفهم بشكل أفضل كيف أثر ماضي والدي على حياتي وكيف يتواصل هذا التأثير”. 

ولهذه التجربة الشخصية أبعادا اجتماعية: ففي كوسوفو، لايزال الكثيرون غير قادرين على العثور على الكلمات التي يعبّرون من خلالها عن الصدمة التي ألحقتها بهم الحرب. وتُعد أفلام الشتات السويسري وسيلة للتغلب على هذه الصدمات في كوسوفو نفسها.

وترى ديا جينوفتشي، أن الذاكرة الجماعية في كوسوفو تسكنها صور شخصيات بطولية، مع بعض التمجيد للحرب. ورغم وعي المخرجة، بأن هذه الصور تعزّز وحدة الأمة الكوسوفية، فإنها لا تترك مكانا لإجراء مناقشة حول الحزن والألم الذين واكبا الحرب. وتضيف المخرجة: “يمكن للآثار أن تحافظ على الذاكرة حية، لكن الأفلام فقط تستطيع جلب التعاطف”.

Filmfestival Prizren
مهرجان دوكوفاست (Dokufest) هو مهرجان دولي للأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة يقام كل عام في أوائل أغسطس في مدينة بريزرين الكوسوفية. Ferdi Limani / Getty Images

“موجة كوسوفية جديدة” في السينما

ديا جينوفتشي هي واحدة من جيل جديد من صانعي وصانعات الأفلام السويسريين الكوسوفيين الشباب الذين تشترك إبداعاتهم وإبداعاتهن في ميزتيْن: تقدم هذه الأعمال معالجة فنية للحرب بوصفها تشكل صدمة، وهي كذلك أعمال ناجحة جدا.

لقد تمكن صانعات وصانعو  الأفلام السويسريون الكوسوفيون الشباب مثل فيسنيك ماكسفيل، وألونا سيلماني، وإلير حسناج من ترسيخ مكانتهم في الساحة السينمائية العالمية. وساد حديث بالفعل عن وجود “موجة كوسوفية جديدة”رابط خارجي. وقالت جينوفتشي باعجاب: “أداء كوسوفي مثير للإعجاب -على الرغم من أن هذا البلد الصغير لا يحظى بعدُ باعتراف بعض الدول”.

وما يلفت نظر جينوفتشي أن الكوسوفيات والكوسوفيين الذين تميّزوا في هذا المجال الفني هم من الشتات، ويرجع هذا جزئيا بحسب رأيها، إلى جزئيًا إلى الفرص الأفضل التي حظوا بها في البدايات – من حيث التعليم والتمويل – في بلدان مثل سويسرا والولايات المتحدة وبريطانيا. قبل أن تشرح جينوفتشي، بأن “صانعات وصانعي الأفلام الكوسوفيين في الشتات يصطدمون “بطريقة معيّنة” بقضايا الهوية، أكثر من مواطنيهم في كوسوفو.

على خُطى الأب

يتناول فيلم جينوفتشي الأوّل، الذي عرض لأوّل مرة في عام 2017، قصة والدها أصلان، بما في ذلك رحلته الشاقة على طريق اللجوء.  في هذا الفيلم الوثائقي، قامت ديا جينوفتشي، برفقة والدها، برحلة على طول طريق الهروب لمدة ثلاث سنوات، رحلة قادته في النهاية إلى سويسرا عبر كرواتيا وإيطاليا.

وانطلاقا من معسكر لجوء في إيطاليا، عاد الوالد وابنته إلى كوسوفو، مكان ولادة أصلان. وتشرح المخرجة أبعاد هذا العمل قائلة: “بالنسبة لي، بوصفي ابنته، كوسوفو كانت بمثابة جزء مجهول من هويتي، تشكّل من خلال معلومات تتعلق بحرب وقعت في نهاية التسعينات”. ومثّل انتاج هذا الفيلم الوثائقي سعيا شخصيا ولم يكن استجابة لرغبة والدها فقط، بل لرغبتها هي أيضا. 

مع أوّل انتاج لها، فازت ديا جينوفتشي بجائزة “أفضل فيلم وطني” في المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية في كوسوفو. 

قوة التعاطف

أنتجت بليرتا باشولي، مخرجة أفلام أخرى من كوسوفو، تقيم في الولايات المتحدة، ويعد أهم فيلم روائي طويل ضمن «الموجة الكوسوفية الجديدة» حتى الآن. ويستند فيلم “خلية” Hive إلى وقائع حقيقية تروي قصة كوسوفية تسمى فهريجي، اختفى زوجها خلال حرب كوسوفو عام 1999. الحزن، ولكن أيضًا المشاكل المالية التي أعقبت هذه الخسارة، تؤثر بشدة عليها وعلى أقاربها، ما دعاها إلى إنشاء شركة صغيرة لدعم أسرتها – مما تسبب في نبذ قريتها لها تحت تأثير التقاليد والنظام الأبوي السائديْن فيها.

لقد حقق فيلم “خلية” ما لم يحققه أي فيلم كوسوفي من قبله: إدراجه في القائمة المختصرة لجوائز الاسكار، ولكن الأهم من ذلك هو التأثير البالغ الذي تركه على سكان كوسوفو. وتؤكّد جينوفتشي بالفعل أن “هذا الفيلم قد ترك تأثيرا ثقافيا كبيرا”. وأن لهذا النوع من الأفلام صدى خاصا في كوسوفو، حيث يرحب بها السكان وينظرون إليها كشكل من أشكال الاعتراف بمعاناتهم. وتضيف المخرجة المنحدرة من مدينة جنيف، هم يشعرون بأنهم محل اهتمام الآخرين.

Blerta Basholli vor Filmplakat Hive
بليرتا باشولّي خلال عرض فيلمها “الخلية” يوم 9 نوفمبر 2021 في واشنطن دي سي Shannon Finney / Getty Images

لم يشاهد الفيلم فقط الكوسوفيات والكوسوفيون الذين تعرفوا على أنفسهم من خلال هذا الفيلم ، بل أثار فيلم “خلية” اهتمام جمهور دولي واسع. ولا يمكن لأي شخص شاهد الفيلم بالضرورة أن يتعرّف على تفاصيل ما عاشه الشعب الكوسوفي، لكنهم بالتأكيد يشعرون بالتعاطف معه. هذا التعاطف مهم وقوي للغاية”، تضيف جينوفتشي.

وفي سويسرا، حيث يزيد عدد الكوسوفيات والكوسوفيين في الشتات عن 250 ألف شخصا، تتيح أفلام مثل فيلم “خلية”، بحسب المخرجة   جينوفتشي، الفرصة لغير مواطني هذا البلد بالتعرّف أكثر على تاريخ كوسوفو وسكانها. وتوضّح المخرجة قائلة: “بالنسبة لي، فضلا، عن كونها مسألة اعتراف بأصولي، تساهم هذه الأعمال في تشكيل السردية التي تحيط بالألبان في سويسرا بشكل مستقل”. وتحظى الأفلام عن كوسوفو والحرب التي شهدتها في التسعينات باهتمام كبير لدى المجتمع السويسري. وتشهد إقبال عدد كبير من الأشخاص الذين ليس لديهم صلة مباشرة بهذا البلد على عروض المهرجان السويسري للأفلام الكوسوفية ( festival du film suisse Kino Kosova).

“الاستيقاظ على المريخ”: صدمات على مدى أجيال

ديا جينوفيتشي غير متفاجئة من ان عملية المواجهة الجماعية لتاريخ الاضطهاد الصربي والحرب والفرار بدأت الآن. وتشرح قائلة: «يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى يتمكن الأشخاص المصابون بصدمات نفسية من استيعاب ما حدث لهم». وبالنسبة لفيلمها الوثائقي “الاستيقاظ على المريخ”، تلقي المخرجة نظرة فاحصة على كيفية ظهور الصدمة على مر الأجيال.

محتويات خارجية

وتصوّر جينوفيتشي في هذا الفيلم أسرة ديميتري، التي فرّت إلى السويد بعد الحرب بسبب اضطهاد الأقليات. وتعاني الفتاتان المراهقتان من متلازمة الاسقالة”. فبسبب صدمتهن الشديدة أثناء رحلة الهروب، دخلن في غيبوبة قبل ثلاث سنوات. وصوّرت المخرجة هذه الأسرة لعدة أشهر، وأظهرت كيف يحاول الآباء والأخوة عدم فقدان الأمل، والنظر إلى وطنهم الجديد كفرصة للانبعاث.

إنه فيلم عن الهروب والصدمات وممارسات اللجوء العنيفة. ومع ذلك، فهو ليس فيلمًا سياسيًا، ولكنه فيلم نفسي. وأوضحت جينوفتشي في مقابلة قبل عامين: «أردت الابتعاد عن السياسة والعودة إلى جوهر وقيم مجتمعنا». وقالت في مقابلة أُجريت معها قبل سنتين: «المقاربة الثقافية في الأفلام هي، بطريقة ما، أقوى من السياسة»، مضيفة أن عيب التناول السياسي هو هو تركه الأشخاص يواجهون آلامهم بمفردهم”.

تحرير: بنيامين فون فيل

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية