الأديب السويسري ماكس فريش في نظر قرائه
كيف يمكن تنظيم معرض عن عملاق من عمالقة الأدب السويسري مثل ماكس فريش؟ هذا ما حاول متحف "شتراوهوف" في زيورخ القيام به بمناسبة مرور 100 عام على ميلاد الأديب و20 عاما على رحيله، من خلال توجيه السؤال إلى قرائه.
فقد قال ماكس فريش في حصة “مونتوك” في عام 1975: “بالطبع أعرف جيدا أن لي منذ بضع سنوات قراء، وقد شاهدت بعضهم في القاعات، ولكنني لم كن أتصور أن اصادفهم على متن نفس الحافلة”.
لكن لو أتيح له أن يطلع على ما يعرفه قراءه عنه اليوم أو ما عبروا به عنه، لأصابته الدهشة. فقد أعد متحف “شتراوهوف” فيلما مدته ثلاث ساعات تدور وقائعه عن شهادات القراء بخصوص ماكس فريش.
وفي الواقع تتجاوز سمعة ماكس فريش حدود الأجنحة السبعة عشر التي أقيمت في معرض “شتراوهوف”، التي خصص كل واحد منها لمحور أو موضوع ما.
ويسمح التجوال عبر هذه الأجنحة للزائر بإلقاء نظرة على محطات حياة هذا الكلاسيكي المعاصر، والتعرف بالدرجة الأولى على جمهوره من المختصين والهواة الذين عبروا عما يعرفونه أو ما لا يعرفونه عنه.
في غاية التعقيد
فقد كتب عنه أحد التلاميذ: “لا أعتقد أن لي رغبة في قراءة كتاب آخر من كتب ماكس فريش. إذ لم أرتح له عند قراءتي لكتابه “هوموفابر”، كما أن أسلوب كتابته معقد للغاية”.
وفي مقابل ذلك قال المخرج السينمائي الألماني من أصل تركي، فاتح أكين “لقد كنت ممتازا في دروس اللغة الألمانية. وكانت الدروس تعتمد بشكل كبير على قراءة القصص والمسرحيات. ولذلك تطرقنا للعديد من مؤلفات هاينريش بول وماكس فريش. وهذا ما كان مهما بالنسبة لي”.
لكن الساهرين على المعرض لم يرغبوا في عرض الجوانب الإيجابية عن ماكس فريش فحسب، بل أوردوا آراء تنتقد اهتماماته اليومية. وفي هذا الصدد تقول الفنانة مايا فيلي: “إن القضايا التي تناولها ماكس فريش لم تعد من المشاكل التي تشغل بالي اليوم”. فهي إن كانت في مرحلة الشباب تجد تجاوبا مع القضايا التي يطرحها ماكس فريش مثل الهوية وطريقة العيش، فإنها لا تجد تجاوبا اليوم “إلا فيما عبر فيه عن الرغبة في الهجرة”.
من جهتها، تشير المسؤولة عن المعرض، آن ماري هورليمان في حديث لـ swissinfo.ch إلى أن ماكس فريش ليس متواجدا في كل الأذهان وتقول: “لقد قمنا باستجواب المارة، وما حصلنا عليه من أجوبة يدعو للإستغراب، نظرا لأن الكثيرين لا يعرفون ماكس فريش بالمرة. لكننا عثرنا في برلين على شاب تركي أحب قراءه مؤلفات ماكس فريش باللغة التركية”.
تساؤلات عن تساؤلات
ما يميز أعمال ماكس فريش بالدرجة الأولى هي تلك القدرات المتطورة جدا على طرح التساؤلات، كقوله في إحدى التساؤلات التي دونها على بطاقة تهنئة “هل بالإمكان تصور حياة زوجية بدون فكاهة ؟”، والتي أجاب عليها بالنفي.
هناك أيضا تساؤل طرحه في مذكرته اليومية لما بين عامي 1966 و 1971 والمكونة من أحد عشر استمارة جاء فيه: “إذا ما انطلقنا من مبدإ أنكم لم تقوموا في حياتكم بقتل إنسان: كيف تفسرون كونكم لم تجرؤوا على ذلك؟”. هذه التساؤلات قد تكون مستفزة نوعا ما ولكنها تثير إحساس القارئ والقارئة.
كما نجد من بين تساؤلاته : “هل تُكنون حبا لشخص ما؟ وما الذي يجعلكم واثقين من ذلك؟ وتقول الطالبة إيفا شبيرشنايدر في أحد الأفلام المعروضة في المتحف: “ما وجدته مثيرا على سبيل المثال، سؤاله حول القيمة الحقيقية لورقة نقدية عندما نقوم بحرقها؟”
على العكس من ذلك، كان لتساؤلات ماكس فريش التي تبدو في جزء منها صبيانية، تأثير مهمّ على المستشار الألماني السابق هيلموت شميت إلى حد أنه اصطحب الكاتب السويسري ضمن وفد ألماني رسمي كان يؤدي زيارة إلى جمهورية الصين الشعبية.
ماكس فريش والنساء
كان ماكس فريش يختار دوما الشخصيات التي يتأثر بها من الذكور: من أمثال غانتباين، شتيللر، فابر، دون خوان. ولكن الحب كان يمثل موضوعا كبيرا بالنسبة له.
وترى الطالبة ليا ذلك من خلال قراءة قصة هومو فابر بقولها: “إن النساء يشكلن بالنسبة لفابر عبئا ثقيلا. لأنه عندما تصاب آلة حلاقته بعطل، يمكنه استبدالها بأخرى والتعرف بسرعة على طريقة استخدامها. ولكن المرأة لا يمكن استبدالها لذلك تبدو متعبة بالنسبة له…”.
حساسية لمفهوم “الوطن”
قال ماكس فريش عن شعوره بالإنتماء للوطن، في عام 1957 أثناء إلقاء خطاب بمناسبة العيد الوطني السويسري (1 أغسطس):” أعشق إنتمائي السويسري، ولكن ليس إلى حد تفضيل سويسرا على باقي البلدان الأخرى”.
هذا الموقف المنتقد لسويسرا دفع كثيرا من المحافظين إلى معارضته. وفي هذا الصدد، كتب القائمون على المعرض في إحدى المطويات: “بمواقفه وأفكاره تحول ماكس فريش الى شخصية يُقتدى بها بالنسبة للعديد من السويسريين والسويسريات، صغارا وكبارا، ممن يضايقهم المفهوم الضيق الذي يوجد لدى المحافظين السويسريين لمعنى الوطن”.
فماكس فريش، الذي وصف في عام 1974 حياد واستقلالية سويسرا على أنهما “مجرد خرافة”، كان يرى أن مفهوم “الوطن” لم يتم تحديده بدقة، فهو يعتبر أن “من يلفظ عبارة وطن، يتحمل مسؤولية كبرى على عاتقه”.
أين يمكن تصنيف ماكس فريش اليوم؟
لقد ولد ماكس فريش قبل 100 عام، وتوفي قبل 20 عاما بالضبط (4 أبريل 1991). والسؤال المطروح ما هي الفئة التي يمكن أن يتم تصنيفه فيها اليوم؟
عن ذلك تجيب مديرة العرض آن ماري هورليمان “لقد تعرفتُ على أعمال ماكس فريش وأنا طالبة في المدرسة كباقي الطلبة: من خلال رواية بيدرمان، أندورا، وهومو فابر. ولم أكن أشعر بمتعة كبرى في البداية لكي أعيد الإهتمام بأعماله من جديد”.
لكنها عاشت لمدة طويلة في الغربة، ومن خلال ذلك المسار، عادت للإهتمام به من خلال تجربة شخصية وتقول: “من خلال حنين ماكس فريش دوما للغربة ثم للعودة الى الوطن، وهذا ما جلب اهتمامي”.
خيارات فردية
يمثل المعرض بالنسبة للسيدة هورليمان “عرضا يشتمل على الكثير من المواد. بحيث يتطلب الأمر عند زيارة كل جناح ما بين دقيقتين إلى ثلاث دقائق، يضاف إلى ذلك الوقت الضروري للإطلاع على أعماله”. وإذا ما قرر المرء زيارة المعرض بأكمله، فقد يتطلب الأمر حوالي ست ساعات.
ومع أن هذا الأمر “يتعدى طاقة الزائر العادي”، إلا أن مديرة المعرض تعتبر أنه “بالإمكان تحديد خيارات معينة من خلال فقرات المعرض الموثقة، بحيث لو نغادر بعد ساعة من التجوال نكون قد حققنا استفادة معينة ولم نضيع الشيء الكثير”.
ولد في 15 مايو 1911
1924: الدراسة الثانوية في زيورخ
1930: بداية الدراسة الجامعية في قسم اللغة الألمانية في زيورخ
1931: بداية التعاون مع صحيفة نوي زورخر تسايتونغ
1932: بعد وفاة والده، تولى إعالة والدته من عمله الصحفي
1933: عمل مراسلا رياضيا في صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ لتغطية بطولة العالم في الهوكي على الجليد في براغ ثم زار أوروبا الشرقية والجنوبية ومول رحلته بنشر قصص عدة مسلسلات.
1934:نشر أول قصة له “يورغ راينهارت، رحلة صيفية مصيرية”.
1936: بداية دراسة الهندسة المعمارية بتمويل من صديقه فيرنر كونينكس
1939: بداية الحرب العالمية الثانية وأداء الخدمة العسكرية كجندي مدفعية
1942: زواجه من هايدي فون ماينبورغ
1943: ولادة ابنته أورسولا
1944: ولادة إبنه هانس بيتر
1951 – 1952: منحة دراسية وإقامة في الولايات المتحدة الأمريكية
1954: انفصال هادئ عن العائلة
1957 : نشر قصته ” هومو فابر”
1958: نشر قصة” بيدرمان ومشعل الحرائق”
1960-1965: إقامة في روما مع إينغبورغ باخمان
1966: أول زيارة للاتحاد السوفياتي، ووفاة والدته
1968: زواجه من ماريان اوللرس
1970: انسحابه من عضوية اتحاد الكتاب السويسريين، ومشاركته كعضو مؤسسة لما يُعرف بـ “مجموعة أولتن”.
1990: اكتشاف مرضه بالسرطان
1991: وفاته في 4 ابريل في زيورخ
(نقله من الألمانية وعالجه: محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.