التنوع المغربي يُسجّل حضورا مُلفتا في معرض الكتاب في جنيف
استضاف معرض الكتاب الدولي في جنيف المغرب كضيف شرف في دورته السادسة والعشرين المستمرة من 25 الى 29 أبريل الجاري.
وبدا واضحا حرص القائمين على المشاركة المغربية على إبراز أولويات بلادهم في مجالي الثقافة والسياحة على ضوء التغيرات المُرافقة للربيع العربي ووفقا لما يتوق اليه الزائر السويسري والأوروبي عموما.
حرص المسئولون على جناح ضيف الشرف في معرض الكتاب الدولي بجنيف على أن يكون للمغرب تواجد بكل مكونات ثقافته وتعدديتها اللغوية والعرقية والدينية وأن لا يقتصر الأمر على الكتاب والمؤلفات، بل أيضا من خلال الموروث التاريخي، والتقاليد، والمعمار، والفنون والذوق المطبخي.
وفي هذا السياق، يقول السيد مصطفى العلوي، مدير الجناح المغربي: “لقد أردنا تقديم المغرب بديناميكية الحالية لأصدقائنا في جنيف وفي سويسرا عموما. وهذا يعني بأن هناك نقاط ارتفاع ونقاط انخفاض بالطبع”.
وزير الثقافة المغربي الجديد السيد محمد أمين الصبيحي، صرح لـ swissinfo.ch أن “هذه الدعوة للمشاركة تشرّف المغرب على الصعيد الحضاري والثقافي. وقد حاولنا عبر حضورنا الى جنيف إبراز أمرين: أولا جانب التراث لنظهر لساكنة جنيف عراقة المغرب تاريخيا وتراثيا وثقافيا، وفي نفس الوقت لنظهر تنوع الإبداع في مجال الكتاب والفنون التشكيلية المرتبط بالحركية الديمقراطية وتوسيع مجال الحريات الذي عرفه المغرب خلال العقد الأخير”.
خمسُ فضاءات متكاملة
إذا كان معرض الكتاب في جنيف قد اعتاد على تسليط الأضواء ولو لفترة قصيرة على تفاصيل الإبداع الأدبي والفني للبلد الذي يختاره كضيف شرف، فقد خصص المغرب هذا العام خمس فضاءات لتقديم هذه الصورة المتكاملة عن حضارته وثقافته، إضافة الى إمكاناته السياحية.
وفي جولة مع مدير الجناح السيد مصطفى العلوي، أكد أن “العنصر الأساسي هو جناح الكتاب أو المكتبة والمتميز بالخط العربي الذي يُعتبر الرابط بين مختلف مكوناته. ومن خلال إلقاء نظرة على الكُتّاب الذين تُعرض مؤلفاتُهم في هذا الجناح، ستدركون بأننا اردنا تقديم المغرب بدون أية عقد نفسية، مغرب بإمكانه الحديث عن واقع حقوق الإنسان، والرشوة، والحقوق والحريات الأساسية مثل حرية التعبير والصحافة، وحقوق المرأة، إضافة الى المؤلفات الأدبية”.
وبما أن معرض جنيف يتوجه إلى جمهور ناطق بالفرنسية، فقد تم التركيز على كُتاب مغاربة مشهورين تميزوا بالتعبير باللغة الفرنسية، نذكر في مقدمتهم الطاهر بن جلون. كما أفرد حضورا متميز لكتاب شبان يقيم معظمهم في المهجر وبالأخص في فرنسا أو الفضاء المتحدث بالفرنسية، وشمل أيضا عددا من الكتاب الأجانب الذين أحبوا المغرب وتبنوا الحديث باسمه في شتى مجالات الأدب والفن.
إضافة إلى ذلك، تم تخصيص مجال للتراث الوثائقي لعهود مـرّ بها المغرب مثل حقبة المرابطين أو الموحدين، من خلال جناح “القلم: التاريخ والذاكرة”، تم فيه استعراض نسخ لمخطوطات إما قرآنية أو علمية، أو لقطع نقدية تعود لتلك الحقب.
وفي المجال المُخصّص لمغرب الحرفيين، تم عرض العديد من التحف التقليدية من لباس وحلي وأدوات برونزية وجلدية ونحاسية. إضافة الى تخصيص فضاءات لحرفيين يزاولون مهنهم أمام الزوار، مثل الخطاط، أو حرفي النجارة، أو حرفي صناعة الأواني النحاسية أو تغليف الكتب. وهو ما استهوى الكثير من الزوار الصغار الذين اكتشفوا بفضول هذه الحرف لأول مرة.
جناح الفنون التشكيلية احتوى على حوالي 100 لوحة بعضها يعود إلى تاريخ عريق وتعكس في تنوعها تنوع المدارس الفنية التي تواجدت او التي لا زالت متواجدة في المغرب لحد اليوم. ويعمل مجموعة من الفنانين المغاربة في ركن من المعرض على رسم جدارية كبيرة سيتم إهداؤها لمدينة جنيف.
فضاء “الحوار” أريد به أن يكون فضاء حوار يجسد” التقليد الشفهي” في المجتمع المغربي، وفرصة للسماح لكتاب وفلاسفة ومفكرين وتقنيين وسياسيين وحقوقيين بالتعبير عن واقع المغرب اليوم. هذا الواقع “يعكس بتنوعه الاهتمام بهذا المغرب الذي لا يشكل استثناء في حركية الربيع العربي، بل البلد الذي استبق الاحداث سواء في مجال الحريات او في التطبيق الفعلي للمواطنة. وهذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام. ولكن المهم هو أننا نسير الى الأمام”، على حد قول مدير الجناح السيد مصطفى العلوي.
وبنظرة سريعة على جدول الندوات والمواضيع المطروحة للنقاش في مجال الحوار، يكتشف المرء أنها تُظهر جليا تأثيرات الربيع العربي. إذ كان الإفتتاح بندوة حول “المغرب بعد عام من الربيع العربي”، تلتها ندوة حول العدالة الإنتقالية، وحول المرأة، والشباب ، والهجرة، والإسلام والهوية والحقوق اللغوية. وتتخلل ذلك بالطبع ندوات مخصصة لواقع الكتابة والأدب والشعر والفنون والسينما في المغرب. وشارك في تنشيط هذا الفضاء نخبة من مثقفي المغرب من الداخل والخارج نذكر منهم محمد الطوزي، وإدريس خروز وجمال الدين الناجي وإدريس اليازمي وسليم جاي ورشيدة لمرابط وإيمان الناصيري… وآخرين. كما كان للكتاب الشباب حضور من خلال كل من صونيا تراب، ومحمد حمودان.
ولا ننسى ذكر الفضاء الأخير المخصص للطبخ المغربي، الذي كان حاضرا من خلال تقديم أطباق تقليدية طيلة أيام المعرض تحت خيمة كبيرة، ومن خلال الورش التي أحياها عدد من كبار الطباخين لتمكين الهواة من السويسريين من اكتشاف خفايا المطبخ المغربي وأسراره.
“من ثقافة النخبة إلى ثقافة للجميع”
حاول المغرب إدخال لمسة تظهر جليا تأثيرات الربيع العربي على الميدان الثقافي والأدبي كما عاشه المغرب. وقد تجلى ذلك من خلال مواضيع النقاش التي تم تناولها في مجال الحوار. وفي اللقاء الذي خص به معالي وزير الثقافة سويس إنفو، أوضح السيد محمد أمين صبيحي بأن “المغرب يعيش اليوم حياة ثقافية متميزة على عدة أصعدة منها المسرح والموسيقى وغيرها من مجالات الإبداع. وهذا يعطي لثقافتنا عمقا جديدا، ويُخرجها من مفهومها النخبوي الضيق إلى جعل الثقافة شأنا متداولا لدى الجميع”. فالثقافة، مثلما يقول الوزير إنها “ليست حكرا على فئات معينة ولا على المدن الكبرى، بل نسعى اليوم لكي تلعب الثقافة دورا على الصعيد الترابي”.
وبالنسبة للأولويات التي حددها وزير الثقافة المغربي ضمن عمل الحكومة الجديدة التي تولت مقاليد السلطة في أعقاب ثورات الربيع العربي “تطبيق سياسة القرب الثقافي”. ويدرك الوزير بأن الأمر لن يكون بالسهل “لأن ذلك يتطلب تمكين المواطنين والمواطنات في كل أرجاء التراب الوطني، وبالإشتراك مع الجماعات المحلية والقطاع الخاص، من الإستفادة بأن تكون لها مكتبات، ودور عرض مسرحي ومجالات الفنون التشكيلية. وهذا ما شرعنا فيه من خلال مخطط خماسي”، على حد تأكيده.
ولاشك أن من يزور معرض الكتاب قد ينتابه نوع من الإندهاش عندما يُعاين أن الحضور المغربي لم يقتصر على الإبداع الأدبي والفني بل تعداه إلى شبه ترويج سياحي وبحضور وزير السياحة المغربي في جل النشاطات. هذا السؤال لم تتردد swissinfo.ch في طرحه على معالي وزير السياحة السيد لحسن حداد الذي أجاب بأن “المغرب متواجد هنا بكل أوجهه الحضارية المتنوعة من أدب ومعمار وفنون وتقاليد، ومتواجد كوجهة سياحية، لأن السائح السويسري اليوم لا يتوجه الى وجهة معينة من أجل الإستجمام فقط بل أيضا لتلبية جانب من فضوله الفكري والثقافي”.
لذلك ، يقول السيد الوزير مبتسما “نحن هنا لنستفيد من هذا الفضول وهذه الرغبة في معرفة المزيد عن المغرب، ولنترجم ذلك إلى سفر سياحي، وهذا ما يفسر تواجدنا وتواجد عدد من مسؤولي الفنادق الكبرى في المغرب”.
ومع أن السوق السويسرية لا تمثل أكثر من 70 ألف سائح يزورون سنويا المغرب، فإنها تتميز بنوعيتها الهامة، حسب تقدير المختصين.
في دورته السادسة والعشرين التي تتواصل من 25 إلى 29 أبريل 2012، ينظم المعرض لقاءات مع المؤلفين والكتاب، ومؤتمرات، وندوات نقاش، كما يقترح عددا من الأفلام والمعارض، من بينها معرض مخصص لجون-جاك روسو، الكاتب والفيلسوف والموسيقي الذي ولد في جنيف (من أصل فرنسي)، ومعرض خاص بالفنان التشكيلي الفرنسي غوستاف كوربي، أحد رواد المدرسة الواقعية.
من بين الكتاب الدوليين المدعوين للمعرض: الفرنسي فريديريك بايغبيدير، الفرنسي باسكال بروكنير، البرازيلي باولو كويلو، الأمريكي دوغلاس كينيدي…
تتميز الدورة 26 للمعرض باستحداث جائزة أدبية جديدة يترأسها الروائي السويسري من أصل تركي ميتين أرديتي، وسُلمت يوم 25 أبريل للكاتب ليونيل ترويو من هايتي.
كما شهدت الدورة إنشاء فضاء جديد للحوار وتبادل الرأي يحمل إسم ” L’Apostrophe” أو “الفاصلة”.
واقتداءً بتقاليده، سيحتضن المعرض الكبير، معرضا صغيرا، “المعرض الإفريقي” الذي ينتظم هذا العام للمرة التاسعة، تحت شعار: “إفريقيا، إلى أين نحن ذاهبون الآن؟”.
على هامش مشاركة المغرب كضيف شرف في معرض الكتاب في جنيف، تم تنظيم حدث للترويج لمشروع تحليق الطائرة الشمسية السويسرية سولار إمبلس التي تشتغل بالطاقة الشمسية.
الحدث يتمثل في تنشيط كل من رجل الأعمال السويسري بيرتران بيكار والمشرف على المشروع وقائد الطائرة الشمسية أندري بورشبيرغ لحلقة نقاش ضمن جناح المغرب يوم السبت 28 ابريل 2012 وبحضور وزاري مغربي إضافة إلى أحد كبار المعنيين بالطاقات المتجددة في المغرب.
المناسبة هي للترويج لأول رحلة تقوم بها الطائرة الشمسية السويسرية إلى المغرب كأول وجهة خارج النطاق الأوروبي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.