تداعيات الحرب الإسرائيلية الفلسطينية تمتدّ إلى عالم الفنّ
أحدثت الهجمات الإرهابية التي شنتها حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر والهجوم الإسرائيلي العنيف والمدمّر اللاحق على قطاع غزة، انقساماً في عالم الفن. وفي سويسرا، يدافع متحف كونستهاله بازل عن مديره الذي اُختير حديثا، والذي وقّع رسالتيْن تدعوان إلى وقف إطلاق النار. بينما أيدت فنانات وفنانون آخرون علنًا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
بعد وقت قصير من إعلان متحف كونستاله، أحد أقدم متاحف الفن المعاصر في البلاد، أن محمد المسيبلي البالغ من العمر 33 عامًا سيتولى منصب مدير المتحف في شهر مارس المقبل، انتقدت إحدى الصحف المحلية القرار. وتساءلت عما إذا كان قيام المسيبلي، وهو أحد منسّقي المتحف وله أصول يمنية ومولود في جنيف، بتوقيع رسالتين مفتوحتين تعبّران عن تعاطفه مع الفلسطينيين، يمثل مشكلة.
وتتهم إحدى الرسائل، التي وقعها أكثر من 4 آلاف فنان وفنانة حول العالم، بما في ذلك الممثلة تيلدا سوينتون والمخرج مايك لي، الحكومات “بالمساعدة والتحريض” على جرائم الحرب في غزة. كما تحثّ على وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، بالإضافة إلى وقف فوري لإطلاق النار.
أما الرسالة الأخرى، التي نشرتها مجلة “آرت فوروم “(ArtForum) المؤثرة، والتي حملت 8 آلاف توقيع، فتطالب المؤسسات الثقافية بالخروج عن صمتها بشأن الحرب والتعبير عن دعم “تحرير فلسطين”.
ولم تذكر الرسالتان الهجمات الإرهابية التي شنها مسلحون فلسطينيون في 7 أكتوبر، والتي أودت بحياة حوالي 1200 شخص. بينما تمت مراجعة رسالة “آرت فوروم ” لاحقًا لتشمل هذه النقطة.
وفي بازل، وصف جويل تورينغ، عضو برلمان الكانتون عن حزب الشعب اليميني، المسيبلي بأنه “كاره لإسرائيل” على موقع إكس (X). وطالب الحكومة المحلية بسحب التمويل من متحف كونستاله إذا لم يلغ المتحف تعيينه.
ويسلّط هذا الجدل الذي اندلع الأسبوع الماضي الضوء على الانقسامات داخل عالم الفن بشأن الحرب المستمرة. فبينما يعرب بعض الفنانين والفنانات والمؤسسات عن دعمهم للفلسطينيين والفلسطينيات الذين يتعرّضون للهجمات الإسرائيلية، يدعم آخرون حق إسرائيل في الدفاع عن النفس.
الخوف من التحدث علناً
تكشف الرسائل المفتوحة التي وقّعها فنانات وفنانون سويسريون عن طبيعة هذه التوترات. إحدى الرسائل، والتي أطلقها مبدعون ناطقون بالفرنسية، تعرب عن الحزن واليأس إزاء الخسائر في الأرواح الناجمة عن هجمات 7 أكتوبر ، لكنها تقول إن فظاعة تلك الهجمات “لا تبرّر بأي شكل من الأشكال هذه المذبحة الجديدة”، الناجمة عن القصف الإسرائيلي على غزة. وحتى اليوم أودى هذا القصف بحياة أكثر من 14 ألف شخص في غزة، وفق ما أفادت السلطات في القطاع.
ودعت الرسالة إلى وقف فوري لإطلاق النار، مطالبةً الحكومة في برن بـ”إنهاء كل تعاون عسكري مع دولة إسرائيل والدفاع عن تنفيذ اتفاقيات جنيف” في الشرق الأوسط. وقد دعت الحكومة السويسرية بالفعل مرارا وتكرارا “جميع الأطراف إلى الامتثال” للقانون الإنساني الدولي منذ بدء الحرب.
المزيد
استطلاع رأي يظهر انقسامًا في سويسرا بشأن الحرب الإسرائيلية الفلسطينية
في المقابل، اتخذ فنانون وفنّانات آخرون موقفًا مؤيدًا لإسرائيل بشكل علني، حيث وقع كتّاب وكاتبات في سويسرا وألمانيا والنمسا على رسالة تضامن مع إسرائيل والشعب اليهودي، مُدينين معاداة السامية. وكتب الموقّعون والموقّعات: “إننا نرى معاناة المدنيين والمدنيات الفلسطينيين ونطالب بوصول المساعدات الإنسانية، ولكننا نعارض استخدام معاناة الناس في قطاع غزة لإضفاء طابع نسبي على إرهاب حماس، ونزع الشرعية عن دفاع إسرائيل عن نفسها”.
وجاء في الرسالة أن الصمت هيمن على العالم الأدبي منذ 7 أكتوبر: وتساءل الموقّعون: هل الكتّاب والكاتبات خائفون إلى هذا الحد من ارتكاب خطأ، أو جعل أنفسهم عرضة للخطر من خلال التحدث علنًا؟
وتنأى بعض المؤسسات بنفسها عن أي موقف قد يثير ردود فعل عنيفة. وفي هذا السياق قررت المنظمة الأدبية الألمانية “ليتبروم” (LitProm)، بعد فترة وجيزة من الهجمات التي وقعت في السابع من أكتوبر، تأجيل منح جائزة للروائية الفلسطينية عدنية شبلي في معرض فرانكفورت للكتاب. خطوة تم انتقادها في رسالة موقّعة من أكثر من 1500 كاتب وكاتبة، من بينهم شخصيات حائزة على جائزة نوبل.
وفي الوقت نفسه، أُلغِيت معارض الفنان الصيني “آي ويوي” (Ai Weiwei) في باريس ولندن ونيويورك بعد نشره تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي حول “التأثير اليهودي” على قرارات الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل.
إقالات واستقالات
وفي سويسرا، كان من المقرر أن يؤمّن عازف البيانو التركي فاضل ساي حفلات موسيقية نظمتها سلسلة ميغرو ( Migros ) التجارية للبيع بالتجزئة في نهاية شهر أكتوبر. لكن المجموعة، التي تموّل العديد من الفعاليات الثقافية في سويسرا، سحبت دعوتها للفنان. وكان موضوع النقاش منشورًا على موقع إكس للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعاد ساي مشاركته، والذي يلوم فيه إسرائيل على الهجوم الصاروخي المميت على المستشفى الأهلي في قطاع غزة.
وأوضحت تعاونية ميغرو في اتصال مع الإذاعة السويسرية العامة الناطقة بالألمانية (SRF) إن موقف ساي “لا يمكن الدفاع عنه”. ومن جانبه، قال عازف البيانو إنه يعتقد أن حرية التعبير تعني شيئًا ما في أوروبا وأن جميع تصريحاته جاءت من منطلق روح السلام.
وأدى إعلان بعض الشخصيات الثقافية عن آرائها إلى خسارتها وظائفها. وكان من بينها ديفيد فيلاسكو، رئيس تحرير آرت فوروم، الذي تم فصله بعد أن قالت الجهات الناشرة إن نشر الرسالة المفتوحة “لم يكن متّسقًا مع عملية التحرير في المجلة”. فيما اختار آخرون المغادرة بمحض إرادتهم، كما كان الحال بالنسبة لأعضاء لجنة معرض دوكومنتا (Documenta) للفن المعاصر المرموق في ألمانيا. وكان من بينهم الناقد الفني رانجيت هوسكوتي، الذي أدلى في السابق بتعليقات مؤيدة للفلسطينيين.
هوسكوتي صرّح بعد استقالته، موضحا: “بالنسبة لي أنه لا يوجد مجال، في هذه الأجواء السامة، لإجراء نقاش دقيق. لقد طُلب مني قبول تعريف شامل وغير مقبول لمعاداة السامية، يخلط بين الشعب اليهودي ودولة إسرائيل؛ وفي المقابل، يعتبر التعاطف مع الشعب الفلسطيني دعمًا لحماس”.
وبالعودة إلى بازل، فإن متحف كونستهاله يتمسّك بموقفه ويرفض التراجع عن تعيين المدير الجديد. وقد أصدرت جمعية بازل للفنون (Basel Kunstverein)، التي تدير المتحف، بياناً أعربت فيه عن صدمتها إزاء ردود الفعل “العنصرية والكراهية الصريحة” في بعض الأحيان. وأضاف البيان: “نأمل أن يمنح جمهور بازل الفرصة لمحمد المسيبلي لإثبات موهبته العظيمة أمينًا للمتحف.”
وجمعت عريضة تعبّر عن الدعم للمدير المستقبلي للمتحف ما يقرب من 2500 توقيع من قِبل أعضاء المجتمع الفني.
من جانبه، قال المسيبلي إنه يرفض معاداة السامية بجميع أشكالها، حسبما ذكرت صحيفة بازلر تسايتونغ، مضيفاً أنه وقّع على الرسائل من منطلق “القلق العميق إزاء المعاناة الحالية في الشرق الأوسط لجميع الأطراف”.
تحرير: فيرجيني مانجين
ترجمة: مي المهدي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.