الحياة متعدّدةُ الجوانب للمُخرج باربي شرودر، السويسري العالمي بامتياز
يُعتبر باربي شرودر أكثرَ المخرجين السويسريين عالمية، حيث عرض عمله الجديد "ريكاردو والرسم" في مهرجان لوكارنو السينمائي.ويتحدّث إلى SWI swissinfo.ch عن العقود الستة التي كرّسها للعمل السينمائي.
عندما سُئِل شرودر عن معنى الانتماء للهوية السويسرية، قال إن وطنه ليس البلد، بل مدينة لوزان الناطقة بالفرنسية. وُلِد المخرج الذي بلغ من العمر 82 عاما في 26 أغسطس 1941، في العاصمة الإيرانية طهران، وأمضى طفولته في كولومبيا، وانتقل في سن 11 عاما، مع عائلته إلى فرنسا، حيث أكمل دراسته في جامعة السوربون.
وعندما أصبح مراهقا، بدأ شرودر في مشاهدة الأفلام المعروضة في مؤسسة السينما الفرنسية (Cinémathèque Française)، وهو مكان التقاء عشاق الفن السابع، وأصبح الكثير منهم فيما بعد أكثر صانعي الأفلام والنقاد تأثيرا في فرنسا وخارجها.
التقى شرودر هناك بالمجموعة المحيطة بمجلّة “كاييه دي سينما” (Cahiers du Cinéma)، التي أطلقت ما يُسمّى بالموجة الجديدة في السينما الفرنسية.
استمرّت مسيرته بالعمل الفني برفقة مجموعة مميزة من صنّاع السينما مثل جان لوك غودار، وفرانسوا تروفو وإريك رومر. وكان أول فيلم له كمخرج يحمل عنوان “المزيد” (1969)، والذي عالج حياة مدمني الهيروين في “جنة الهيبيز” في إيبيزا- إسبانيا. وساعدت الموسيقى التصويرية لفرقة الروك البريطانية بينك فلويد في تعزيز شهرة الفيلم لعقود. وبعد ذلك، صوّر شرودر في إفريقيا وآسيا وهوليوود وكولومبيا، من بين العديد من الأماكن الأخرى.
وتمّ خلال الدورة السادسة والسبعين للمهرجان الدولي للأفلام بلوركارنو، التي انتهت مؤخرا، عرْض فيلم شرودر “ريكاردو والرسم”، وهو من بين أكثر أعماله تجسيدا لشخصيته. ويحتفي الفيلم بصداقته التي تمتدّ لأكثر من أربعين عاماً مع ريكاردو كافالو، الفنان الأرجنتيني المقيم في فرنسا.
SWI swissinfo.ch: أنت تحمل اسما ألمانيا، لكن لغتك الأم هي الفرنسية، أليس كذلك؟
نعم، ووالدي يحمل اسما ألمانيا لأن عائلته ذهبت إلى جنيف من هامبورغ. لذلك انتهى به الأمر في نهاية المطاف إلى أن يكون سويسريا متعصّبا، بينما لم ترغب والدتي في التحدث بالألمانية بسبب الحرب [العالمية الثانية]، لذلك اختارت رجلا يتحدث الفرنسية.
هل كانت والدتك يهودية؟
لا. لكن كان لديها طوال حياتها أصدقاء يهود.
إذن لم يجر التحدث باللغة الألمانية أبدًا في المنزل؟
أبدًا.
وأنت لا تتحدث الألمانية؟
كلاّ. على الإطلاق، ولا حتى كلمة واحدة.
بدأ اهتمامك بالأفلام أيضا في هذه السن المبكرة للغاية؟
لا، لقد تمّ إخراجي من القاعة التي كان يعرض فيها أول فيلم شاهدته، وأنا أبكي. وقرّرت والدتي أن الأفلام لا تناسبني، لأنني كنت حسّاسا للغاية. كان الأمر يتعلق بفيلم الرسوم المتحركة بامبي. وبعد سنوات فقط، بدأت بالفعل في مشاهدة أفلام مؤسسة السينما في باريس. لكنني لم أذهب إلى المسرح بشكل طبيعي، مثل بقية الاطفال العاديين.
حياتك المهنية في مجال السينما واسعة النطاق للغاية، لقد جرّبت جميع الأدوار: حيث عملت كمخرج ومنتج، وممثل …
يمكنك أن تحذف: ممثّل ومنتج. حياتي هي صناعة الأفلام.
بدأت حياتك المهنية كمساعد لمخرجي الموجة الجديدة، أمثال غودار….
كان لدي أستاذ، وهو إريك رومر، وفي أحد الأيام ذهبت إلى مكتب [مجلة] “كاييه دي سينما” (Cahiers du Cinéma)، حيث كان هو أحد نقاد السينما، وتحدثت معه، وأخبرته عن مدى إعجابي بعمله. ثم قال لي، أتعلم، يمكنك مساعدتي. ثم بدأنا في صنع الأفلام معًا وبِدُون أموال على الإطلاق.
ولكن بعد ذلك تم طرده من المجلة – كان جاك ريفيت هو الذي طرده – وهكذا، فجأة، غدا رومر في الشوارع دون مال. لقد كنت معه في اليوم الذي طرد فيه. وقال، “حسنا، أعتقد أنني سأبدأ في تأسيس مجلة أخرى مثل “كاييه.”
فقلت، “لا، سأذهب غدا لإيداع الأوراق لفتح شركة أفلام لوسانج (Les Films du Losange)، وهذا ما سأفعله وستعمل معي فيها.” كان عمري حينها 21 عاما! وقلت، سنقوم بصنع أفلامك وأفلام المخرجين العظماء، وهذا ما حصل.
استمرت هذه الشراكة حتى نهاية حياة رومر. هل يمكنك الكشف عن أجمل ذكرياتك معه؟
هناك الكثير منها… ولكن كانت هنالك الفترة التي كنا نصور فيها أحد الأفلام، أعتقد أنه كان فيلم “ركبة كلير” (1970) … الذي تضمّن مشهدا كان على الممثل خلاله قطف زهرة. وبينما كنا نستعد للإنتاج، خطّط رومر لزراعة تلك الزهرة لتنمو في الوقت المناسب لاستخدامها في الفيلم. لقد جعلنا النبات ينمو ويصل إلى مرحلة النضج بالضبط في اليوم الذي كنا فيه بحاجة إليه من أجل التصوير. ومع رومر، بصرف النظر عن الحوارات في أفلامه، لم يكن هناك ارتجال في صنع أفلامه. حيث كان يجري إعداد كل شيء بأدق التفاصيل. وكنا نعرف بالضبط أين ومتى يمكننا التصوير. لذلك، كان ذلك بمثابة معلّم جيد.
.. وكيف كانت علاقتك بغودار؟
عملت في البداية معه كمساعد متدرب في فيلم الشرطة ( 1963, Les Carabiniers)، وعملت معه بعد ذلك كمنتج للجزء الخاص به من الفيلم التشاركي “باريس كما يراها…” (وعنوانه في النسخة الانجليزية: ستّة في باريس، 1965). لقد كان شخصا رائعا وذكيا وطريفا للغاية.
ما رأيك في الطريقة التي قرّر بها وضع حد لحياته، أي الانتحار بمساعدة الغير؟
رائع، أنا معجب بهذا كثيرا. وكانت العملية مخطّطًا لها بشكل جيد للغاية. وإذا وجدت نفسي في الموقف ذاته، فسأقوم بالشيء ذاته.
هل ربطتك أيضا علاقة وثيقة مع مخرجي الأفلام السويسريين من جيلك، مثل فريدي م. مورير أو دانيال شميد؟
كان دانيال شميد (1941-2006) أقرب أصدقائي. وكان من المهم جدا بالنسبة لي أن أرى سويسرا وأفهمها بِعَينيه.
ثم بعد ذلك، حدث الانتقال من فرنسا، من أفلام الموجة الجديدة إلى هوليوود. كيف جرى هذا الانتقال؟
كنت أفكر دائما في الذهاب إلى هوليوود. وبالنسبة لي، كانت السينما هي هوليوود. وفيلمي الأول “المزيد” كان من أفلام هوليوود. كان باللغة الإنجليزية ومع ممثلة أمريكية، لذلك أعتبر أن فيلمي الأول كان بالفعل فيلما أمريكيا.
إلى أي مدى كنت جزءًا من الثقافة المضادة في ذلك الوقت؟
وهل توافقت هوليوود مع توقعاتك؟
بالتأكيد! كنت أعرف كيف يصنعون الأفلام هناك. وهي رفاهية لا تصدّق أن تصنع أفلاما بتلك الطريقة، لأن كل ما تحتاجه يمكنك الحصول عليه. وفي أغلب الأوقات عندما تصنع أفلاما بدون مال، فإن معظم ما تحتاجه، لا يمكنك الحصول عليه أبدا. بالإضافة إلى أنني لن أقوم بعمل فيلم أبدا إذا لم يكن شكله النهائي متوافقا مع طريقتي. ولم أنفّذ أيا من مشاريعي في هوليوود من أجل المال فقط.
هل ما زلت ترغب في صنع أفلام في هوليوود اليوم؟
لا، لأنني لا أحب المؤثرات الخاصة. ومن المملّ قضاء أيامك أمام شاشة زرقاء من أجل صنع مؤثرات خاصة. بالطبع، إذا كانت لديك قصة رائعة وممثلون رائعون، فإن الأمر يستحق ذلك دائما. لكنني لا أحب الوقت الذي يستغرقه عمل مؤثرات خاصة. ولم يعودوا يصنعون أفلاما هناك دون تلك المؤثّرات.
عملت في العديد من المشاريع التي أصبحت تعرف الآن باسم ثلاثية الشرّ الخاصّة بك، والتي تشمل أفلام الجنرال عيدي أمين دادا: صورة عن الذات (1974)، والمدافع عن الإرهاب (2007)، والمبجل دبليو (2016). هل خططت لأفلام أخرى على هذا المنوال؟
نعم، كانت لدي العديد من المشاريع الأخرى التي لم يتم إنجازها. كان هناك واحد عن [نظام] الخمير الحمر [الكمبودي] و [زعيمه] بول بوت. وكان لدي مشروع آخر مع الرئيسة الأرجنتينية السابقة إيزابيليتا بيرون، التي لم تستطع أبدا تكرار [السيدة الأرجنتينية الأولى السابقة] إيفا بيرون، أو إيفيتا، وأطاح بها انقلاب عسكري في عام 1976، وآخرين. وللأسف، هناك مواضيع لا حصر لها لمحاولة فهم الشرّ. لكنني أعتقد أنني توقفت عن ذلك، لأنني استنتجت أنه لا يوجد شر، وأنما مجرد جانب من جوانب الإنسانية.
إذا أتيحت لك الفرصة، أو توفرت لديك الإرادة لعمل فيلم آخر على هذا المنوال اليوم، فعلى ماذا ستركز؟
هناك رجل يجب تناوله، الشخص الذي حّل محلّ [الزعيم الأوغندي] عيدي أمين دادا، [واسمه] يوري موسيفيني، لأنه شخص فظيع جدا. حيث أنه أصدر قوانينًا في أوغندا تحظر أي شكل من أشكال العلاقات الجنسية المثلية. هذا الرئيس أسوأ من أمين دادا، فهو الشخص الذي كان لديه الشجاعة أو الضعف لتمرير هذه القوانين، وإطلاق وتيرة امتدت إلى كينيا ودول أفريقية أخرى.
تطلع المشاهِدَ في فيلمك الأخير على وجهات نظرك المعتلّقة بالفنّ، ووجهات نظر ريكاردو كافالو كذلك. هل أنت جامعُ أعمال فنية أيضا؟
لقد بدأت إلى حدّ ما في ذلك، لكن معظم ما تضمه مجموعتي هي أعمال فنية لريكاردو كافالو. في الآونة الأخيرة، أثار اهتمامي أيضا فنان سويسري متوفّي منذ عدة سنوات، هو يورغ كراينبول. وبالنسبة لي هو عبقري تماما، ولدي عدد قليل من أعماله الفنية.
هل اهتمامك بفن الرسم والنحت حديث العهد؟
لا، إنه أمر قديم، ورثته من والدتي التي لم تكن تعرف أين تتركنا، أختي وأنا، عندما جاءت إلى باريس. لم تكن تعرف أحدا، وقرّرت استخدام متحف اللوفر كروضة أطفال (رعاية نهارية). لذلك تمكّنا من رؤية الكثير والكثير من الأشياء أنا وأختي، طوال تلك الساعات. وترك ذلك أثرا دائما علينا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.