الأفلام العربية تستحوذ على الإهتمام في فينترتور
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، تصدرت أخبار الحروب والقتال والتفجيرات ومآسي اللّجوء القادمة من سوريا واليمن وليبيا وغيرها عناوين الصحف ونشرات الأنباء، لكن المشرفين على مهرجان فينترتور للأفلام القصيرة اختاروا إطلاع الجمهور السويسري على أوجه أخرى للحياة اليومية العادية في عدد من بلدان العالم العربي من خلال برمجة أعمال مخرجين من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين.
يُعتبر مهرجان فينترتور أهم تظاهرة سينمائية للفيلم القصير في سويسرا، حيث يجتذب كل عام الآلاف من عشاق هذا الصنف من الأعمال الفنية إلى المدينة القديمة لفينترتور. وبالإضافة إلى ما يُتيحه من منافسة نشطة بين الأفلام الدولية والسويسرية، يحرص المشرفون عليه على الطابع الأصيل والفريد لبرمجته التي “تدعو إلى التأمل”.
في دورته التاسعة عشرة التي اختتمت فعالياتها يوم 8 نوفمبر الجاري، حضر المهرجان حوالي 17 ألف مشاهد تابعوا عرض 51 فيلماً قصيراً عن مواضيع مختلفة. وقد منحت هيئة التحكيم جائزة المهرجان الأولى إلى الفيلم الفيتنامي “الأحياء بحاجة إلى النور، والموتى بحاجة إلى موسيقى” رابط خارجيللمخرج سيلفستر – كورتا ميتراجيم وقدرها 12 الف فرنك.
هذا العام، حظيت الأفلام العربية باهتمام أكبر وتابعها جمهور غفير “نتيجة الأحداث التي تمر بها البلدان العربية”، مثلما أكده عدد من المخرجين العرب الذين التقت بهم swissinfo.ch على عين المكان، والذين تمت دعوتهم من قِبل إدارة المهرجان التي تساءلت في منشوراتها: “نسمع عن العالم العربي في الأخبار، ولكن ما الذي نعرفه عنه حقيقة؟”.
في السياق، أجاب ثلاثة من المخرجين العرب الذين شاركوا بأفلامهم في المهرجان عن أسئلة swissinfo.ch، وقدموا رؤيتهم لما يحدث اليوم في عدد من البلدان العربية.
“الفن لا يحل مشاكل ولكن يطرح وجهة نظر فقط”
حسين الفاضل
ولد عام 1954 في العراق، يعيش ويعمل اليوم في لوغانو وبرلين وميلانو. درس في معهد الفنون في بغداد وتخرج منه عام 1986، ودرس في أكاديمية الفنون بيلا آرتي في فلورنسا.
منذ التسعينات، يركز في أعماله على المشاكل الإجتماعية والسياسية والإقتصادية، ويتميز باستخدام الوسائط المتعددة.
وعن مشاريعه المستقبلية، يقول فاضل: “أنا بصدد الإشتغال على فيلم طويل أحاكم فيه الرصاصة باعتبارها السبب في الحروب”.
المخرج العراقي حسين الفاضل طُلب منه أن يقدم أفلاماً تتماشى مع خطة المهرجان فيما يخص المسألة العراقية، فوقع الإختيار على آخر فيلم قصير من إنتاجه وهو “مارس ١٩٨٣”، الذي يعرض فيه صورة والده مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أثناء تقديمه التعزية له في وفاة أخيه الذي قتل أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
في هذا العمل، حاول الفنان العراقي أن يعكس من خلال الصورة ما وراء كواليس حكم بغداد في الثمانينات، بل ماضي بلد بأكمله. لقد أنتج حسين الفاضل بضعة أفلام يدور أغلبها حول العراق ويهتم أحدها بطالبي اللجوء السياسي في سويسرا. وبحكم أنه مغترب منذ أكثر من 39 عاما، فإنه يُخاطب بالأساس المتلقي الأوروبي، ذلك أن “المواطن الغربي مسؤول أيضاً عما يحدث في العراق وفي العالم كله”، على حدّ تعبيره.
وعن شريطه المشارك في الدورة 19 للمهرجان، أشار حسين فاضل إلى أن الفكرة تعتمد على صورة التقطت عام 1983 في ظروف أليمة. وأضاف “تظهر الصورة في الفيلم مُرفقة بنص مقروء. الصورة تتعلّق باستشهاد أخي. بدأ الفيلم بصورة والدي مع صدام حسين وصورة لأخي. لم أبدأ الفيلم بأي موسيقى، بعدها تُسمع أصوات قصف حقيقية، ولكن هناك مقطوعة عزف على العود لمدة نصف دقيقة كان قد أعدّها صديق أخي الجندي.. وهو أمريكي كان منخرطا في أعمال إدارية ذات طابع إنساني”.
لدى عرض الشريط، كانت القاعة مكتظة بحوالي 300 شخص، منهم 3 أو 4 من العرب، أما “التفاعل فكان ملحوظا من خلال طرح الأسئلة من قبل الجمهور بعد الإنتهاء من العرض”، كما يقول.
المخرج العراقي لفت إلى أن بلاده “لن تعود كما كانت في عهد صدام حسين”، وأضاف أن “العراق سيبقى مقسما حدودياً وطائفياً. لن يكون هناك مستقبل للعراق لأن العراق لن يكون موجودا أصلاً. هناك فقط مصالح اقتصادية وليس من مصلحة أحد أن تعود الخدمات الحكومية المجانية”.
من جهة أخرى، يرى السينمائي العراقي أن “الإعلام العربي يتبع أنظمة سياسية ومُرتبط ببعض المصالح السياسية. ولذلك يتعامل مع بعض القضايا باستحياء، ومن مصلحة النظم السياسية أن يبقى المواطن العربي في الظل.. أقول للإعلاميين العرب: استيقظوا!”.
“هناك عالم آخر يعيش في فلسطين”
من الأراضي الفلسطينية قدمت بسمة الشريف التي اشتركت في المهرجان بستة من الأفلام القصيرة أنتجت أولها في عام 2007 وانتهت من إعداد آخرها قبل فترة وجيزة.
تقول بسمة الشريف، وهي فنانة وصانعة أفلام من أصل فلسطيني درست في جامعة إلينوي بشيكاغو وعرضت أفلامها الحائزة على الجوائز في نيويورك وبرلين وتورونتو والبرازيل، إن أفلامها تقدم “تصويرا للحياة في فلسطين”، وتضيف “هناك عالم آخر يعيش في فلسطين. هناك أناس يعيشون كما يعيش الناس هنا في سويسرا. لماذا هذه الصورة الدائمة عن الحرب؟ هناك أيضاً حياة عادية مُغايرة لما تُظهره صورة الإحتلال”.
ولدى سؤالها عن سبب الإهتمام بالأفلام العربية في هذا المهرجان، أجابت أن “الناس تود مشاهدة أفلام عن المواضيع التي يرونها في نشرات الأخبار كنافذة تُظهر ما يحدث على أرض الواقع”.
المخرجة الشابة قالت أيضا: “أريد أن يفكر الناس ويحاولوا رؤية الفلسطينيين من الوجه الآخر. في فيلمي “البنات فقط” والذي جعلتُ فيه صديقة لي تقرأ لثلاثة دقائق من قاموس… يتسائل المرء ماذا يُراد من هذا الفيلم؟ أحاول أن أوجّه الناس إلى أن مايتم تصويره هو موضوع وليس الشيء نفسه. مستحيل أن يتم تصوير الشيء كله”.
في المقابل، تحدثت بسمة الشريف بمرارة عن رؤيتها لمستقبل بلادها وقالت: “نحن خسرنا فلسطين من زمان”، ثم أضافت “لن تكون هناك فلسطين كما كانت. الحضارة تهدّمت، كما بدأ هدم الحضارات في بلدان أخرى.. الآثار تُهدم ليتم بناؤها من جديد، وهذه الحقبة بدأت بالفعل”.
“أفلامي لن تُغيّر العالم”
المخرجة اللبنانية لمياء جريج المقيمة في بيروت شاركت في المهرجان بفيلم يروي “تجربتها الشخصية في حرب 2006″، وبآخر عن “الخالة روز وعن انتقالها من فلسطين إلى لبنان”، الذي يحكي عن “فقدانها لبلدها وابنها وحياتها.. وتشارك فيه ثلاثة أجيال”. إضافة إلى شريط ثالث عن “الحروب اللبنانية والعلاقة الملتبسة بين الفلسطينيين واللبنانيين”، كما تقول.
في مقاربتها الإبداعية، تلفت جريج إلى أن أعمالها “تحض على التفكير حول العلاقة بين الهويات الفردية والجماعية”، وتؤكد أن أعمالها الفنية “ليست حلاً لمشكلة ولكنها تطرح أسئلة..” وتضيف “أعمالي مرتبطة ببيروت وتاريخ الحروب اللبنانية بما فيها المشاكل السياسية والإجتماعية وتطرح أسئلة عن الماضي والحاضر”. من جهة أخرى، يبقى ” الفن فسحة حرية، وتعبيرا وتفكيرا، وليس قضية ولكنه يحكي عن قضية”، على حد قولها.
بكل تواضع، تقول المخرجة اللبنانية: “أفلامي لن تغيّر العالم، يُمكن أن تؤثر على عدد قليل من الناس. أما هذا الصنف من الأفلام فليس له تأثير مباشر”. وعن رأيها في الإهتمام الذي تلقاه الأفلام العربية في عدد من المهرجانات السينمائية بسويسرا وأوروبا، تجيب لمياء جريج: “لقد حدثت في العالم العربي، وخاصة لبنان وسوريا ومصر، حركة سينمائية أظهرت مجموعة (من المخرجين) تنتج أفلاماً جيدة”. وأضافت “في المستقبل البعيد، سوف يرى الناس أنه كانت هناك حركة فنية لا بأس بها في ذلك الوقت”.
وعلى غرار حسين الفاضل وبسمة الشريف،أعربت لمياء جريج عن قدر كبير من التشاؤم بشأن مستقبل البلاد العربية وقالت: “أنا غير متفائلة تماماً. هناك حزن كبير لفشل ثورات سوريا ومصر. كنّا في لبنان سعداء أن هناك أناس يخاطرون بحياتهم لأجل الحرية. ولكننا جزء من سياسة أكبر، والكل مرتبط ببعض، وأنا لا أرى نهاية لهذا.. الوضع في العالم العربي كارثي ومُُحزن”.
مُشاركة سورية
مثلما كان منتظرا، لم تتخلف الأفلام السورية عن برمجة المهرجان حيث عرضت جميعها في اليوم الأخير من التظاهرة على مدى أكثر من ساعة ونصف.
الأعمال المعروضة عكست أوضاع البلاد الصعبة وظروف المعيشة فيها وسط القصف الذي لا يكاد يتوقف، كما تناولت حياة الأطفال العادية في فترات اللهو واللعب والكبار في المقاهي.
ومن بين الأفلام السورية المشاركة، شريط “بحب الموترابط خارجي” للمخرج أمين الأرند، وفيلم “مدينة الملاهيرابط خارجي” للمخرجة ناندا الدولاني، وفيلم “بعدنا طيبينرابط خارجي“، للمخرج عروة المقداد.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.