“السويسريون جميعهم أجانب، أليس كذلك؟”
يفتتح مهرجان سولوتورن السينمائي أبوابه اليوم للمرة الخامسة والخمسين في المدينة التي يحمل اسمها شمال غرب سويسرا. وفي دورته هذه، سوف يَحتفي العَرض المُتميز لأحدث الافلام السويسرية بِمُديرته الجديدة أنيتا هوغي، التي شددت في الحوار الذي أجرته معها swissinfo.ch قبل أيام قليلة من الافتتاح على ضرورة "تقويض الكليشيهات المتعلقة بالسينما والهوية السويسريتين".
يقع المقر الرئيسي لمهرجان سولوتورن السينمائيرابط خارجي داخل محطة بنزين سابقة على طريق لا يحمل أي ميزة خاصة قُبالة بلدة سولوتورن القديمة. ويبدو المرآب الثقافي (Kulturgarage) الذي يُرَفرِف على سطحه علم الاتحاد الأوروبي بمثابة مركز للحياة الثقافية للمدينة، كما تَتَسم الأجواء في مكتب المهرجانات بالاسترخاء التام.
بعد سلسلة من المقابلات تَستقبلنا أنيتا هوغيرابط خارجي. وباعتبارها أحدَث مديرة للمهرجان [حيث تَسَلمت هذا المنصب بداية شهر أغسطس الماضي]، فإنها تُعتَبَر موضوعاً ساخناً – تماماً مثل مجموعة الأفلام المُشاركة في هذا التَجَمُّع الفني البارز. المَسيرة المهنية الراسخة في قطاع صناعة الأفلام (والمشهد المستقل)، والتلفزيون، وعملها مؤخراً كمديرة لمهرجان الفيلم الدولي للفنون في مونتريالرابط خارجي (FIFA Canada)، جعلت هوغي تكون آرائها الخاصة التي تُفصِح عنها صراحة وترفض تغييرها. وبدون شك، فإن هذه المخرجة والمنتجة التي بدأت حياتها المهنية كصحفية إذاعية، هي المحاور المثالي لمناقشة الوضع الحالي لصناعة الأفلام السويسرية.
يُعَدّ مهرجان سولوتورن السينمائي أحد أقدَم مهرجانات الأفلام في سويسرا وأكثرها أهمية بالنسبة لصناعة السينما في البلاد. أنيتا هوغي هي المديرة الرابعة التي يقود المهرجان منذ تأسيسه قبل 55 عاماً، حيث تحل محل سيرينا روهرر، التي أدارت هذا الحَدث الفني منذ عام 2011، والتي انتقلت للعمل الآن في مؤسسة ‘بروهيلفيتسيا’ للترويج للثقافة السويسرية.
بالنسبة للجائزة الرئيسية للمهرجان، تتكون لجنة التحكيم هذا العام من المخرجة السينمائية الفرنسية – السويسرية أورسولا ماير، والفنان الألماني الكردي جميل شاهين والدبلوماسي السويسري ميركو مانزوني، الذي توسط مؤخراً في اتفاقية سلام في موزمبيق بوصفه السفير السويسري والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في البلاد.
أفلام سويسرية.. آفاق عالمية
بعد الاطلاع على برنامج المهرجان، تَبرز بعض الأمور، في مُقدمتها كمية الأفلام المُنتجة أو المُنتجة بشكل مشترك خلال العام الماضي في سويسرا، هذا البَلَد الصغير الذي يتعدى عدد سكانه الـ 8 ملايين نسمة بقليل فقط؛ والدور الأساسي الذي تلعبه هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، المؤسسة الأم لـ swissinfo.ch في جميع الإنتاجات المشتركة تقريباً؛ والتَوَجُه العالمي للسينما السويسرية من حيث الإنتاج (الشراكات الدولية)، وصُنّاع الأفلام، الذين يعود الكثير منهم – ولاسيما الأصغر سناً – إلى أصول أجنبية، والمواضيع المطروحة الموجودة خارج حدود الكنفدرالية غالباً في شتى بقاع العالم.
مع ذلك، لا ترى أنيتا هوغي أيَّ سببٍ لإثارة الجانب الدولي للسينما السويسرية للدهشة “فنحن السويسريون جميعناً أجانب، ألسنا كذلك؟” كما تقول باسلوب لطيف. ما يُثير انبهارها بشكل أكبر على الجانب الآخر، هو عدد الافلام التي تعالج قضية أزمة المناخ والبيئة، والأعمال التي تمس قضايا أكثر عالمية، كالحياة الأسرية وقضايا النمو والبلوغ والقضايا الوجودية.
ترفض هوغي الاستسلام للكليشيهات وتتصدى لها بفعالية أيضاً. كما تعارض تماماً الفكرة العامة التي ترى بأن السويسريين لا يتمتعون بحس الفكاهة. ولتوضيح وجهة نظرها، اختارت فيلم “Moskau Einfachرابط خارجي!” (موسكو ببساطة) للمخرج السويسري ميشا لوينسكيرابط خارجي لإفتتاح مهرجان هذا العام. وهذا الفيلم هو كوميديا خيالية تخوض في واحدة من أكثر اللحظات المُشينة في التاريخ السويسري الحديث، هي “فضيحة الملفات السرية” المشهورة التي هزَّت النُخبَة والمجتمع السويسريين، والتي خَرَجت إلى العَلَن مع نهاية الحرب الباردة.
اللجوء إلى الكوميديا للتعامل مع مثل هذا الموضوع الحساس ليس بالمهمة السهلة، لكن عندما تتكلل المحاولة بالنجاح، فسوف يصل الفيلم إلى جمهور أوسع نطاقاً بكثير ويحقق أهمية تتجاوز مواصفاته كشريط سينمائي. يُذكر فيلم “Moskau Einfach!” بفيلم المخرج رولف ليسّ (Rolf Lyssy) “صنّاع السويسريين” (Die Schweizermacher)، وهو فيلم كوميدي عن ضُبّاط هجرة سويسريين يجمعون المعلومات عن مهاجرين إيطاليين وأوروبيين شرقيين كانوا يرغبون في الحصول على الجنسية السويسرية.
وقد خرج الفيلم إلى الجمهور في عام 1978، عندما كان خطاب المؤسسة الحاكمة حول هذا الموضوع متسماً بالعنصرية والتعصب، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى السياسي اليميني المثير للجدل جيمس شفارتسنباخ. وقد امتد جمهور الفيلم عبر عدة أجيال وهو يُعتبر مرجعاً للسينما السويسرية إلى اليوم.
الحرية، الأخوة، والمساواة
شاهدَت هوغي أكثر من 600 عملاً تقَدَّم بطلبٍ للإشتراك في المهرجان. أما قائمتها النهائية فتضم 178 فيلماً، إضافة إلى الفقرات الخاصة التي تشمل استعادة لأفلام المخرجة هايدي سبيكوغنارابط خارجي، وأعمال تُكَرِّم نساء رائدات في السينما السويسرية، مثل باتريشيا موراتس، وكريستين باسكال، وبول موريت. كما تجدر الإشارة إلى أن سولوتورن تفخر بعرض تشكيلة متساوية تقريباً من الأعمال التي نفذها مخرجون من كلا الجنسين.
قد لا يكون ذلك سوى واحداً من التفاصيل التي جلبتها أنيتا هوغي معها لوضع علامتها الشخصية في فترة ولايتها. مع ذلك، فإنها تبدو متواضعة للغاية عند سؤالها عن الكيفة التي تنوي بها تمييز إدارتها. “قبل كل شيء، لا بد لي من معرفة تاريخ المهرجان بشكل متعمق جداً. هذا يدخل في خط ‘احترام التقاليد’، لكن الوظيفة الأهم في مهرجان مثل سولوتورن هي ترتيب اللقاءات وبناء الجسور وجعل الناس يتعرفون على بعضهم البعض”.
وفي حدثٍ يجمع طلاب السينما من مناطق سويسرا اللغوية الثلاث – الفرنسية والألمانية والإيطالية – سوف تعمل هوغي على هدم حاجز الـ ‘روشتي’، هذه الهوة الافتراضية العميقة المُستعصية الأشبه بجدار برلين. بالإضافة إلى ذلك، سوف يُنَظَم هناك نقاش حول رواتب المخرجين وظروف العمل في صناعة السينما. وكما تقول مختتمة حديثها :” هذه هي روح سولوتورن”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.