مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الربيع العربي بريشة رسام كاريكاتور سويسري مُتميّــز

يحظى الرسام باتريك شابات (من أب سويسري وأم لبنانية) بشهرة عالمية، وكان قد أصبح معروفا على المستوى الدولي بعد أن عاش لفترة في نيويوك واشتغل لحساب صحيفة نيويورك تايمز ومجلة نيوزويك Keystone

أفــرد باتريك شابات حيزا هاما لثورات الربيع العربي، وخاصة لتونس ضمن قصته المصورة الجديدة "تحقيقات صحفية من الربيع العربي إلى كواليس الإليزيه".

وقد اختار تسليط الضوء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية بما يحدث منها في الضفة الجنوبية، وعلى رياء الدول الغربية في تعاملها مع المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئها.

يُعد باتريك شابات، وهو من أب سويسري وأم لبنانية، من ألمع رسامي الكاريكاتور السويسريين ذوي الشهرة العالمية. وقد تعوّد عليه الجمهور السويسري من خلال إطلالته اليومية عبر صحف بارزة على المستويين الوطني والدولي، التي تنشر رسومه الكاريكاتورية الملخصة لأحداث العالم والأحداث السويسرية بنظرته الثاقبة المهتمة بأدنى التفاصيل.

لكن شابات الذي مارس التحقيقات الصحفية من خلال الرسوم الكاريكاتورية منذ أكثر من 15 عاما، عرض يوم الجمعة 16 ديسمبر 2011 في مكتبة الزيتونة بجنيف، محتوى كتابه الثاني الجامع لست ربورتاجات عن أحداث العالم في ستة مناطق من الكرة الأرضية من ضمنها ثورات الربيع العربي، وبالأخص ثورة تونس مرورا بقطاع غزة في عام 2009، والأحياء الفقيرة في كينيا، وحرب كوت ديفوار وانتهاء بقصر الرئاسة الفرنسية الإليزيه.

وعن العامل المشترك بين كل هذه الأحداث، يقول باتريك شابات في حديثه لــ swissinfo.ch: “العامل المشترك  بين كل هذه الأحداث هو نظرتي كرسام كاريكاتور يحاول التجرد من تأثيرات الأحداث اليومية لتقديم قصة، إما من اختياره أو بحكم الصدفة، عما يعيشه الناس في تلك المناطق”.

 سراب الهجرة للشمال!

اختيار الحديث عن الربيع العربي وأحداث غزة كان في كلتا الحالتين بحكم تلقي باتريك شابات دعوة من برلمانيين سويسريين زاروا كلا من تونس وقطاع غزة وطلبوا منه مرافقتهم. وقال في هذا الصدد: “إن تلقي دعوة لزيارة تونس في شهر فبراير 2011 كان فرصة لم أرد تفويتها. واهتمامي لم يكن فقط للوقوف على الواقع هناك واستنشاق عطر الثورة، بل للبحث عن القصة التي يمكن أن أحكيها عن تلك الثورة والتي يمكن أن تتسم بالصمود مع مر الزمن”.

وعن زيارته لتونس، عدد باتريك شابات لقاءت مع سياسيين من بينهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في يوم عودته لتونس من المنفى، ومنصف المرزوقي الذي أصبح أول رئيس للبلاد بعد الثورة. لكن على الرغم من ذلك، لم يتناول في كتابه هذه اللقاءات مبررا ذلك بقوله: “الخطب السياسية تعكسها الصحف اليومية وما كنت أرغب في كتابته، هي قصص تتسم بالديمومة والاستمرارية رغم التقلبات”.   

    

لذلك اختار الحديث عن موجة الهجرة نحو بلدان الشمال، وإبراز جوانب غير معروفة عن هذه الهجرة. ويوضح شابات: “إننا نعرف جميعا  لامبيدوزا (الجزيرة الإيطالية التي يقصدها المهاجرون غير الشرعيين)، ولكنني أردت تسليط الضوء على منطقة “الشابة” هذه القرى الساحلية التي ينطلق منها المهاجرون من الضفة الأخرى حيث قابلت هناك الشباب العاطل والمتدمر لانسداد الآفاق أمامه” قبل أن يضيف: “لقد قابلت شابا حاول إحراق نفسه قبل قيام محمد البوعزيزي بذلك، ولكن والدته أثنته عن ذلك في آخر لحظة، وهذا ما يوضح  بحق درجة اليأس السائدة هناك”.

وتناول باتريك شابات بالتفصيل مغامرة هؤلاء الشباب الذين تجذبهم مظاهر الرفاهية في الشمال فينطلقون غير عابئين بكل المخاطر معرضين حياتهم للخطر، ومنهم العديد ممن دفع حياته ثمنا لذلك. وقد زار الرسام السويسري بالتحديد مدينة سيدي بوزيد الذي انطلقت منه شرارة الثورات العربية. وأوضح قائلا: “أردت التعرف على المكان بالضبط الذي أحرق فيه محمد البوعزيزي نفسه بعد أن أحس بالإهانة، هذا الحدث الذي عرف تطورات كبرى قد تسفر قريبا على الإطاحة بالديكتاتوري الرابع”.

ويختتم بارتيك شابات “هذا ما حاولت سرده من خلال هذه القصص واقتياد القارئ إلى تلك الأماكن ليتعرف عليها”.

“الربيع العربي كما أراه كرسام”

لقد تم تناول أحداث الربيع العربي بكل الطرق ووسائل التعبير المختلفة. لكن الخصوصية في تناوله عبر ريشة رسام كاريكاتور يلخصها باتريك شابات في كونها “الطريقة التي تعبر عن أحاسيسه وشعوره”. يُضاف إلى ذلك أن التعبير عبر شريط رسوم كاريكاتورية “يسمح بالنفاذ إلى الشعور الباطني للشخصيات التي تخضع للبحث، وهو ما لا يسمح به لا النص الصحفي ولا حتى الصورة الفوتوغرافية. كما يسمح بإعادة الحياة إلى شخصيات ميزت هذا الربيع العربي، ومحاولة تسليط الأضواء على وقائع من هذه الثورات لتسهيل فهمها على العامة”.

وقد وقع اختيار بطل قصة باتريك شابات المتعلقة بالثورة التونسية على مرشده ومساعده الذي كان صحفيا مستقلا، والذي من خلال ملاحظاته قبل كل لقاء، “كان يكشف جانبا من نظرته لهذه الثورة ولمن أصبحوا اليوم يتسابقون للظهور بمظهر الأبطال”.

رياء الغرب

باتريك شابات لم يتناول موضوع الهجرة غير الشرعية فقط من منظور الجنوب، بل تطرق أيضا، سواء من خلال رسومه الصحفية أو من خلال قصته المصورة الجديدة لـ”رياء الغرب” في التعامل مع هذه الهجرة، إذ يقول: “كرسام هنا في سويسرا، أتطرق لسرد الأحداث من منظور ما يهمنا هنا. وبالفعل هذا الرياء في الغرب كان من قبل تجاه نظام بن علي، وهو اليوم تجاه احتياجات هؤلاء المهاجرين، وفي الطريقة التي يتم بها التعامل معهم”.

وهذا ما جسدته باتريك شابات عبر عدة رسومات من بينها الرسم الممثل لرجل جمارك إيطالي يخاطب عددا من الشبان المهاجرين عند وصولهم  إلى جزيرة لامبيدوزا على متن أحد القوارب ويقول لهم “هل ترغبون فعلا في التخلي عن صفة أبطال ثورة، والتحول إلى مجرد مهاجرين مكروهين”.

كما أن تطرقه لوقائع التعذيب التي تعرض لها أحد الإسلاميين من أنصار حركة النهضة، يعكس “وقائع لطالما لم تندد بها الأصوات المدافعة عن حقوق الإنسان في حين وقوعها على الرغم من فضاعتها”.

وعن إمكانية رؤية طبعة عربية لكتاب الرسوم الكاريكاتورية للرسام السويسري باتريك شابات عن الربيع العربي بمرحلته التونسية، يقول كاتبه “إن ذلك ممكن نظرا لظهور طبعات بالإيطالية والانجليزية. ولكن لم يتقدم أحد لحد اليوم بعرض في هذا الاتجاه”. لكن الجمهور في تونس قد اطلع على جانب من هذه الرسوم عبر ما نشرته مجلة “جون افريك” وصحف أخرى صادرة باللغة الفرنسية.    

     

ورغم تعامل باتريك شابات مع عدة صحف من آفاق ثقافية ولغوية مختلفة مثل اليوميتين السويسريتين “لوتون” الصادرة في جنيف بالفرنسية و”نويه زوريخر تسايتونغ” الصادرة في زيورخ بالألمانية، او “الهيرالد تريبون الصادرة في لندن بالإنجليزية، لا يرى “أن هذا التنوع يتطلب مجهودا من الرسام الكاريكاتوري للتكيف مع كل ثقافة ولغة على حدة”.

ولئن كان معظم الفنانين لا يودون الاختيار من بين إبداعاتهم، فقد طلبنا من باتريك شابات تحديد رسومه التي يرى أنها تعبر بحق عن الربيع العربي فكان جوابه “يجب ترك المجال أمام المشاهد والقارئ للإختيار”، وهذا قبل أن يسترسل في وصف “الرسم المستوحى من الثورة الفرنسية وفيه سيدة تحمل علم الثورة التونسية… أو رسم سقوط مكعبات الدومينو التي تجسد سقوط الحكام الديكتاتوريين، ولو أنني اخطأت في الترتيب عندما وضعت الأسد قبل القذافي، أو الرسم الممثل بحق لاستخدام الثورات العربية لشبكات التواصل الاجتماعي والذي يسأل فيه أحد الحكام العرب المستبدين نظيره “كم لديك من عدو على صفحة الفيسبوك”.

من مواليد عام 1967 في باكستان لوالد سويسري ووالدة لبنانية.  ترعرع ما بين سنغفورة وسويسرا.

شرع في مزاولة مهنته كرسام كاريكاتور في عام 1988 في صحيفة لا سويس التي كانت تصدر في جنيف باللغة الفرنسية.

أسمه أصبح مرموقا في عالم الكاريكاتور على المستوى السويسري بعد أن تنقل ما بين عدة مجلات وجرائد سويسرية منها مجلة الهيبدو التي تصدر بالفرنسية في لوزان، وصحيفة فيلتفوخيه التي تصدر بالألمانية في زيورخ .

كما أصبح مشهورا على المستوى الدولي بعد أن عاش ما بين 1988 و1995 في نيويورك  واشتغل لحساب صحيفة نيويورك تايمز ومجلة نيوزويك.

وبعد عودته لسويسرا، استمر في التعامل مع صحيفة هيرالد تريبون التي تصدر بلندن إضافة الى مواصلة المشاركة في عدة صحف ومجلات  سويسرية، منها مجلة “بيلان” الاقتصادية التي تصدر بالفرنسية في جنيف، وصحيفتي “زونتاغس تسايتونغ” و”نويه زوريخر تسايتونغ” التي تصدران بالالمانية في زيورخ.

وبحكم هذه المشاركة في العديد من المجلات والصحف الدولية، يجد باتريك شابات سهولة في التعبير عن أوضاع العالم في رسوماته سواء باللغة الفرنسية أو الالمانية او الانجليزية.

وإلى جانب رسوماته اليومية التي تنشر في الصحف، يعمد من حين لآخر لنشر قصص كاريكاتورية على شكل ربورتاج مصور، مثل الذي أصدره مؤخرا تحت عنوان “تحقيقات صحفية من الربيع العربي الى قصر الإليزيه”.   

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية