نسوية مصرية على دراجة هوائية
في الفيلم الوثائقي "مش زيّهم"، ترصد المخرجة السويسرية المصرية نادية فارس مصير المرأة في موطن والدها، من خلال قصة تدور حول شخصية "البطريرك" السويسري.
تختلف الأساليب والتجارب التي تعيشها النساء في مصر بشكل كبير: فمنهن من تظاهرن خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في ميدان التحرير، ومن يعالجن المرضى كطبيبات وممرضات ومن يوصلن كسائقات أوبر زبائنهن إلى وجهاتهم المقصودة في الوقت المحدد. ومنهن من ينجب ويربي الكثير من الأطفال ولا يغادرن المنزل دون حجاب، وأخريات يفعلن كل ما في وسعهن لإقناع بناتهن بالزواج.
القاسم المشترك بينهن جميعاً يتمثل في كونهن يتحركن في نظام بطريركي (أو أبوي) وعليهن إثبات أنفسهن في تلك الأدوار المختلفة. قد لا يكون هذا مفاجئًا بالنسبة لقارئ أو قارئة من المجتمعات الغربية. ولكن من الذي يُبدي تحدياً لهذه الأدوار المفروضة والمقيدة للمرأة بهذا الشكل في مصر؟ وهل توجد حركات نسوية مصرية؟
تعالج المخرجة المصرية السويسرية نادية فارسرابط خارجي هذا القضية في فيلمها “مش زيّهمرابط خارجي” الذي يُعرض في الدورة الثامنة والخمسين لأيام سولوتورن السينمائية هذا العام ويشارك في مسابقة جائزة سولوتورن الكبرى. ثلاثة أجيال من النسويات المصريات يقلن كلمتهن في هذا الفيلم، ويتحدثن عن عائلاتهن ونشاطهن. وتقول فارس إنها ترغب من خلال فيلمها هذا في “تكريم شجاعة كل النساء اللواتي يناضلن من أجل المساواة في الشرق والغرب”، وهي التي تمثل نفسها فيه كأحد هذه الأجيال النسوية.
تقول فارس: “مصر مجتمع طبقي. في الطبقات الدنيا منه، يكون للرجل القول الفصل، ولا يهم إن كان على صواب أم لا”. في الأحياء المحرومة من القاهرة والتي تدور فيها بعض أحداث الفيلم، تتاح للمرأة اليوم فرصة التعليم أو التعبير عن الرأي – على سبيل المثال حول اختيارها لشريك حياتها، ولكن لا يُمكنها مثلاً العيش بمفردها أو خلع الحجاب دون إذن من الأب أو الزوج.
إلّا أن المخرجة لا تنسى أن تميّز قائلة: “في الطبقتين الوسطى والعليا من المجتمع، قد لا يكون النظام الأبوي بهذا الوضوح والمباشرة، لكنه لا يزال موجودًا”.
نادية فارس مخرجة سويسرية من أصول مصرية ولدت في مدينة برن.
تتنقل اليوم كمخرجة وكاتبة سيناريو ومنتجة بين جنيف ولوس أنجلوس والقاهرة. وقد حاز فيلمها الروائي الأول، عسل ورماد (1996)، على استحسان دولي كبير باعتباره تصويرًا رائدًا للمرأة العربية المعاصرة.
كما شاركت بسيناريو “Diplomatic Corps” الذي ألفته في مختبر نيويورك للكتاب ( “New York Writers Lab”) في عام 2018، الذي حظي بدعم من الممثلتين الأمريكيتين ميريل ستريب ونيكول كيدمان.
أما عملها السينمائي الجديد “مش زيّهم” (2022) فهو أول فيلم وثائقي طويل لها.
النسوية المصرية
إلّا أن فيلم “مش زيّهم” الوثائقي يظهر أيضًا شابات لديهن رؤى مختلفة – جيل لا يريد الالتزام ولا يريد إنجاب الأطفال، ويحلم بالسفر حول العالم ويتوق للاستقلال المالي.
نوران صلاح ونهى صبح وأمينة الوهاني، هنّ بطلات هذا الفيلم من جيل الشابات النسويات في مصر، وتصوّرهن نادية فارس وهن يجبن شوارع القاهرة على دراجاتهن، ويدخلن في حوارات مع بعض النساء ويتحدثن إليهن عن أوضاعهن وحقوقهن وحرياتهن.
أثناء تلك المحادثات، يلاحظ المرء هيمنة الرجال، ولكن في نفس الوقت، يبدو واضحاً أنه حتى في أفقر المناطق، فإن النساء مصممات على عدم الخضوع، حيث يشرحن لراكبات الدراجات كيف أنه لا يوجد رجل يجرؤ على إهانتهن أو التحرش بهن جنسياً، قائلات: “إننا أكثر رجولة من أي رجل في الشارع”.
كما تُجري راكبات الدراجات في الفيلم مناقشات مع عائلاتهن، وخاصة مع آبائهن، مما يدل على أنهن حصلن بالفعل على قدر معين من الحرية: إنهن يُناقضن آراء الرجال ويُشكّكن في سلطتهم.
نوال السعداوي، رائدة الحركة النسائية في جميع أنحاء الشرق الأوسط التي توفيت عام 2021، تتحدث في الفيلم كممثلة لحركة نسوية أقدم، وتتكلم عن تجربتها الخاصة، وكيف تمكنت من تحرير نفسها كامرأة، وما الثمن الذي كان عليها أن تدفعه مقابل ذلك، حيث تتحدث عن دخولها السجن وعملية نفيها.
تقول نادية فارس: “حتى أنفاسها الأخيرة، بذلت السعداوي طاقتها في القتال وحاولت أن تنقل روحها القتالية إلى شابات اليوم في مصر وكذلك في بلدان أخرى”. كانت السعداوي قد دافعت عن حقوق المرأة في مصر والعالم العربي منذ سبعينيات القرن الماضي و”على وجه الخصوص ضد القمع الجنسي”، بحسب فارس.
وكما ترى فارس، فإن هناك فرقاً واضحاً بين نشاط السعداوي ونشاط النسويات الشابات في مصر اليوم، الذي يتمثل بالفعل في النشاط العملي أكثر من الكتابة والتفكير النظري.
“البطريرك المتحرر” كضحية
تشرح السعداوي أيضًا في الفيلم كيف يجب على الرجال أنفسهم التكيّف مع معايير السلوك التي تفرضها مجتمعات الشرق الأوسط على الأزواج والآباء في المنطقة، حيث يُعرّض الرجل الذي لا يستطيع السيطرة على زوجاته وبناته نفسه للاحتقار أو الإقصاء التام من المجتمع.
قد يبدو فيلم “مش زيّهم” وكأنه نوع من التكريم لوالد المخرجة المصري الراحل الذي تصفه بأنه “بطريرك متحرر” في نهاية الفيلم، ولكنه يعرض أيضاً مصير والدها المصري، الذي تزوج سويسرية – أي والدتها – بمثابة مرآة للفيلم، حتى لا ينسى أحد أن النظام البطريركي هو أيضًا قضية سويسرية.
كان الجد السويسري للمخرجة مُعارضاً لزواج والدتها من مصري، ومع أنه لم يستطع منعها، إلّا أنّه حرص على أن يغادر والدها البلاد وعائلته. تقول نادية فارس: “أصبح والدي ضحية بطريرك سويسري، لأن جدي هو الذي وضع خطة لترحيل والدي وإعادته إلى القاهرة من قبل السلطات”. وهكذا تُظهر فارس من خلال قصتها الخاصة وقصة والدها أيضًا جانبًا ثانيًا من البطريركية (أي النظام الأبوي)، حيث توضح كيف يصبح الرجال هم أيضًا ضحايا لهذا النظام المجتمعي.
تقول فارس إن البطريركية لا تزال حاضرة إلى حد كبير في سويسرا اليوم. “على سبيل المثال، لا تزال قضية عدم المساواة في الأجور تمثل مشكلة في سويسرا، ولا يزال التضامن بين الرجال أكثر وضوحًا ولا يتعداه ليشمل الجنسين”. أيضًا في مهنتي كمخرجة: يتم قبول صانعات الأفلام، ولكن لا يزال يتعيّن علينا بذل جهود أكبر من الرجال في كفاحنا من أجل إثبات مصداقينا. كما أنّه من المرجّح أن تُعطى الميزانيات الكبيرة لرجل أكثر منه لامرأة. الأبوية موجودة في أوروبا كما هي في موجودة مصر، حتى وإن اتخذت أشكال مختلفة”، على حد تأكيدها.
ناشطة نسوية مصرية ومؤلفة وطبيبة وناشطة من أجل حقوق المرأة في مصر والعالم العربي منذ سبعينيات القرن العشرين.
نشرت عدة كتب ومقالات تدين فيها اضطهاد المرأة في مصر والعالم العربي وعرضت وجهات نظرها حول المساواة بين الجنسين. كما أسست منظمة تناضل من أجل حقوق المرأة في مصر وتدعم المرأة في المناطق الريفية.
تلقت الكثير من الانتقادات والتهديدات بسبب نشاطها، خاصة من الأوساط المحافظة والدينية. ومع ذلك، فقد واصلت عملها وكانت صوتًا مهمًا في الحركة النسوية المصرية والدولية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.