مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بول كلي إلى تونس.. “أكثر من مجرّد رحلة”

رسم مائي على الورق بريشة الرسام بول كلي، وهو على أبواب مدينة القيروان، الواقعة وسط البلاد التونسية في عام 1914. Centre Paul Klee

بمناسبة مرور قرن كامل على الزيارة التي قام بها الرسام السويسري بول كلي ورفيقيه أوغست ماكّي ولويس مواييه إلى تونس، ينظّم متحف بول كلي في العاصمة برن معرضا فنيا كبيرا لإحياء هذه المحطة الهامة في تاريخ مدارس الرسم الغربي خصوصا والفن الحديث عموما.

رغم الطابع الفني الخالص لهذه المناسبة، ارتأت وزارة الخارجية والوكالة السويسرية للتعاون والتنمية انتهاز الفرصة “الثقافية” لتسليط الضوء على علاقات الصداقة والتعاون المتطوّرة والمتنوّعة بين البلديْن.

في هذا السياق، تستضيف برن برعاية ديديي بوركهالتر، رئيس الكنفدرالية ووزير الخارجية، وتحت شعار “أكثر من مجرّد رحلة”، سلسلة من الفعاليات المتنوعة تتطرّق بالأساس إلى الدور الحيوي للمهاجرين في تعزيز التبادل الثقافي والمعرفي بين تونس وسويسرا، وإلى أوجه الدعم الذي تقدّمه الكنفدرالية لهذا البلد الشمال الإفريقي الذي يمرّ بمرحلة انتقال ديمقراطي واعدة رغم ما يكتنفها من تعقيدات ومخاطر.

أوّل معرض من نوعه

بحكم أن هذه المناسبة فنيّة قبل كل شيء، وضع متحف بول كلي في العاصمة الفدرالية لنفسه هدفا طموحا تمثّل في تجميع أكثر ما يُمكن من الأعمال الفنية التي أنتجت خلال هذه الرحلة أو استلهمتها لاحقا في معرض شامل وكبير.

للتذكير، تعود آخر محاولة لتحقيق شيء من هذا القبيل إلى ثلاثة عقود خلت، أما الأعمال المعروضة حاليا فقد كانت موزّعة في شتى أنحاء العالم، وهو ما يُقيم الدليل مجددا على أن هذه المرحلة كانت مبعث إلهام فنّي تجاوز حدود البلديْن المعنيّين، تونس وسويسرا.

لقد أنتج بول كلي في غضون الأسبوعيْن اللذيْن قضاهما في تونس 35 لوحة مائية و15 رسما آخر، في حين كانت حصيلة أعمال أوغست ماكّي 33 لوحة مائية، و79 رسما إضافيا، أما زميلهما لويس مواييه، فقد ادّخر جهده إلى حين انتقاله إلى المملكة المغربية وجنوب إسبانيا.

في الوقت نفسه، ظلّت تونس لفترة طويلة مصدر إلهام لبول كلي، حيث أن كل الأعمال التي أبدعها لاحقا كان باديا عليها تأثّره بتلك الرحلة، ويشير الخبراء إلى أنه أنتج أكثر من 20 لوحة تعكس بشكل مباشر تلك المغامرة الفريدة والمُمتعة.

الرحلة إلى تونس كانت أيضا حدثا مهمّا في مسار تاريخ الفن. فعلى ضوئها، يمكن فهم وتفسير تقنية الرسم المائي الحديث، لذلك قرّر متحف بول كلي في برن إعادة دراستها والتمعّن في تداعياتها ونشر نتائجها في كتاب علمي معمّق، سيكون مُرفقا بصور ذات جودة عالية لكل اللوحات المعروضة حتى يستفيد منها كل من أراد معالجة الموضوع من منظور مرئي.

ZPK

“أكثر من مجرّد رحلة”

على هامش المعرض، تعتزم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون التابعة لوزارة الخارجية، ومن خلال سلسلة من الفعاليات تنتظم تحت عنوان “أكثر من مجرّد رحلة”، وبالتعاون مع العديد من العاملين في المجال الثقافي من السويسريين والتونسيين إبراز الكيفية التي يؤثّر بها المهاجرون في عملية التبادل بين البلديْن. ومن المقرر أن يتم التطرّق بشكل موسّع لهذه القضية في نقاشات مفتوحة تعقب عرض فيلم، وتقديم قراءات في بعض النصوص الأدبية، تليها مائدة مستديرة.

الحلقة الاولى من هذه الفعالية ستكون تحت عنوان: “بحر الأمل، بحر القدر المحتوم، وسائل الإعلام، وفهم الهجرة”، وستنظم يوم الخميس 18 أبريل 2014، حيث يتم بداية عرض فيلم وثائقي أنتج عام 2013 بعنوان “460”، وهو يصوّر فقدان شاب تونسي في عرض البحر الأبيض المتوسّط، وكيف تعيش عائلته هذه المأساة، وذلك بحضور المنتج عبد اللطيف غرّوري، الذي سيشارك في حوار مع بعض الإعلاميين حول طريقة تناول وسائل الإعلام لموضوع الهجرة، وكيفية رؤية المجتمع لهذه الظاهرة.

المحطّة الثانية، ستكون تحت عنوان “تونس الأدب: عندما تكون اللغة مرآة للتحوّلات وللهجرات”، وذلك يوم الأحد 25 مايو 2014، بحضور ومشاركة الكاتبيْن عمر بن حميده وجوناس لوشير. يقدّم عمر بن حميده خلال هذه الأمسية تأملات أدبية أوّلا حول أصوله التونسية، وثانيا حول السنوات الطويلة التي قضاها في سويسرا. في المقابل، يتحدّث جوناس لوشير حول تونس، التي ألّف فيها روايته الأولى بعنوان “ربيع البربر” (صدرت سنة 2013).

المحطّة الثالثة والأخيرة، ستتمثل في مائدة مستديرة تحت عنوان “الهوية والتحوّلات، النساء في العالم العربي حارسات المعارف والقيم”، وذلك يوم الخميس 19 يونيو 2014، يُسلّط الضوء خلالها على تأثير النساء المهاجرات على النظرة إلى الذات وإلى الآخر، في كل من سويسرا وتونس. وفي تلك المناسبة، ستقوم المشاركات، ومن بينهن سارّه غنّوشي، مؤسسة شركة “فوطة” العاملة في ميدان النسيج، بتقديم وجهات نظرهنّ حول “دور المرأة والإسلام في الربيع العربي”.

جهود سويسرية في تونس

بالعودة إلى التعاون الثنائي بين البلدين، تبذل سويسرا منذ سنوات جهودا هامة في تونس في ثلاث مجالات تشمل “الإنتقال الديمقراطي وحقوق الإنسان”، و”التنمية الإقتصادية والتشغيل”، و”الهجرة وحماية المهاجرين”. وفي هذا الإطار، تعتبر سويسرا تونس بلدا مهما في ما يتعلّق بالهجرة، خصوصا وأن البلديْن تربطهما شراكة في هذا المجال.

ومن خلال اتفاقية الشراكة هذه (التي لم يُصادق عليها المجلس الوطني التأسيسي بعدُ)، يسعى البلدان إلى التعاون في القضايا التي تتعلّق بالمهاجرين، مثل منح التأشيرات، ومنح العودة الطوعية، ومشاركة التونسيين المقيمين في الكنفدرالية في جهود التنمية في بلادهم الأصلية. وفي هذا السياق، تُولي الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون أهميّة خاصة لدور الهجرة في تحقيق التنمية المستدامة.

وإلى جانب الوكالة، يدعم قسم الأمن الإنساني، ودائرة القانون الدولي (التابعيْن لوزارة الخارجية)، وأيضا كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية، والمكتب الفدرالي للهجرة، عددا من المشاريع التنموية في تونس. وفي عام 2013، تكلّلت هذه الجهود بقدر لا بأس به من النجاح، حيث تشير آخر المعطيات الرسمية إلى أن فُرص العمل التي أوجدتها المشروعات السويسرية في العام المنقضي ناهزت عشرة آلاف (10000) موطن شغل في عدد من الجهات الداخلية والمناطق المهمشة.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية