أهوال الحرب.. في بضعة صور!
بين عامي 2012 و2017، زار المصور السويسري ماتياس بروغمان (أصيل كانتون فو) سوريا عدة مرات. والتقط صوراً توثّق «صراعاً مقلقاً / مُحيّراً». يستمر عرض أعماله في متحف الاليزيه بمدينة لوزان لغاية 27 يناير المقبل.
تحذير: ممنوع على أصحاب القلوب الضعيفة. فهناك مشاهد وحشية تنتظر الزائر الذي يذهب إلى متحف الإليزيهرابط خارجي في لوزان لمشاهدة الصور التي التقطها ماتياس بروغمان وجمعها تحت عنوان: «أعمال عنف لا توصف». وتتلاحق الصور كفصول قصة دموية يرويها الشاب، الذي تعود أصوله إلى كانتون فو، على مدى حوالي ست سنوات. وكان ماتياس بروغمان قد سافر عدة مرات إلى سوريا بين عامي 2012 و2017. وقد التقط عدداً لا يُحصى من الصور، معرضاً حياته للخطر، تُعرض ثلاثون منها في المتحف، والباقي في كتاب تم نشره بمناسبة افتتاح المعرض.
بالإضافة إلى الجودة الفنية للعمل المعروض، لدينا هنا التزام مصور وثائقي يحرص على «البقاء أقرب ما يمكن من الواقع، وعدم الانحياز»، حسب ما يذكر بروغمان. ثم يضيف: «لقد أُعطيَ الصراع السوري صدى مُبَسَّطاً، حيث يوجد الأشرار من جهة والطيبون من الجهة الأخرى. من ناحيتي، أنا لا أدافع عن النظام ولا عن المتمردين، فهذا ليس من مهمتي ولا هو هدفي. أعتقد أن كل شيء يعتمد على نظرة الجمهور. فيختلف الشرير والطيب حسب الزائر. وقد أردنا حماية أنفسنا حتى الآن عندما كنا نُروّج لفكرة “استثنائية الوحشية”: فكنا نسمع أن الذي يُعذّب لا بد أن يكون متوحشاً. وهذا خطأ. باعتقادي، يحمل كلٌ مِنّا في داخله عنفاً يمكن أن يتحرك في لحظة مفاجئة، لأسباب عديدة».
الوفرة (الخير) والقلّة
مباني مهدّمة، وأشلاء متناثرة، وأهالي مصابون بصدمات نفسية… بالطبع، يمكننا الاكتفاء بمشاهدة الصور بشكل سطحي، بحيث لا نرى سوى مجرد تتابع مقاطع من فيلم عنيف، كالذي تنتجه صناعة السينما الأمريكية حول الحروب في الشرق الأوسط. ولكن ذلك سيقلل من أبعاد معرض هدفه التفكير بمآسي بلد. وأكبر دليل على ذلك الصورة التي استُخدِمَت كشعار للمعرض.
في المشهد الأمامي، نشاهد حمام سباحة فندق الخير (والخير يعني الوفرة). ويمكننا قراءة اسم الفندق على الستارة البيضاء الموجودة في الشرفة المُشمِسة. بعض النزلاء يجلسون إلى جوار شابات يرتدين المايوهات (البيكيني) ويتشمَّسن على كراسي الاسترخاء. وفي خلفية الصورة، نرى سلسلة جبلية مغطاة بشكل خفيف بشيء يبدو وكأنه طبقة من الضباب.
لو لم تكن الكتابة باللغة العربية لظننا أن المشهد في قلب منطقة البروفانس الفرنسية بألوانها الخلابة. ولو أمعنّا النظر في الصورة، للاحظنا أنَّ الضباب ليس سوى دخان قذائف. إذن أين نحن؟ في مرمريتا، مدينة صغيرة في وادي النصارى غرب سوريا، قريبة من البحر، وبعيدة جداً عن الشرق حيث يغرق ساكنيه في المياه التي تعكرها ظلامية داعش الإجرامية.
في مكان ما على الطريق، في مكان ما من العراق في سبتمبر 2016. في مواجهة العبث، المصور لا يشرح. وإنما ينقل لنا الصورة:
مَن يقتل مَن؟
في 2013 ـ 2014، واجهت مرمريتا تهديد حشدٍ من السلفيين الذين احتلوا المناطق المُتاخمة لقلعة الحصن، المَعلم التاريخي الشهير المُطِل على المدينة الصغيرة. وقد تم طرد السلفيين، فيما بعد، عقب إحدى المعارك. وما تبقّى على الصورة، ليست ذكريات المعركة وإنما انعكاس لحالة بلد صار رهينة تناقضاته المأساوية: فالمُتعة والمعاناة تلتقيان فيه إلى درجة غير معقولة. ويُقدّم الخير وجهاً مُسترخياً للنقص الحاد الذي تُعاني منه سوريا اليوم.
ويعترف ماتياس بروغمان وهو يضحك بطريقة انفعالية: «أنا لم أذهب إلى هناك بشجاعة مني». وكان الفائز بجائزة الدورة الثانية لمتحف اليزيه، مكافأةً له على العمل الذي قدَّمه عن سوريا، قد وثَّق العديد من النزاعات: العراق، وهايتي، وليبيا، والصومال… ويتابع قائلاً: «الحرب، أعرفها جيّداً، لكن تلك التي نشبت في سوريا تبقى بالنسبة لي الأكثر غموضاً. ففي عام 2017، كانت هناك فترة هدوء، فاعتقدت حينها أنَّ الصراع سيتوقف. كنت مخطئاً تماماً. وفي وقتٍ من الأوقات لم أعد أعرف مَن يقتل مَن، ومَن يبتزّ مَن».
هذا السؤال المُثير الذي يطرحه بروغمان يُعيد المعرض طرحه بطريقته الخاصة: حيث لا توجد تعليقات على الجدران للتعريف بالصور وشرحها. ولكل زائر أن يفسّرها كما يشاء!
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.