مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دعم سويسري لنشر الثقافة السينمائية في محافظات تونس المُهمَشة

مجموعة من الطالبات يُشاهدن عرضا سينمائيا
شهدت العروض السينمائية في المناطق الداخلية إقبالا واسعا من طرف الفئات الشبابية التي أبدت حماسة كبيرة لمناقشة القضايا التي عالجها شريط "غدوة حي" مع ربطها بأوضاعهم الإجتماعية ومشاعر الحرمان والخصاصة التي تملأ أيامهم. swissinfo.ch

لم يكن السينمائيان لطفي عاشور وأنيسة داود يتوقعان أن مناقشة شريطهما السينمائي "غُدوة حي" (غدا حيٌ يُرزق) ستستقطب ذاك العدد الغفير من الشباب خصوصا وأن قاعات العرض السينمائي قليلة في تونس، وهي تتضاءل سنة بعد الأخرى. 

لقد اختار لطفي وأنيسة الإتجاه إلى دور الثقافة المنتشرة في الولايات الداخلية (تحت إشراف وزارة الثقافة)، واستطاعا في ظرف وجيز عرض الشريط، الذي يتناول قضية الشباب الذي صنع ثورة 14 يناير 2011، ثلاثين مرة من شمال تونس إلى جنوبها.

عروض مجانية

في كل المحطات، أبدى الشباب حماسة كبيرة لمناقشة القضايا التي عالجها الشريط مع ربطها بأوضاعهم الإجتماعية ومشاعر الحرمان والخصاصة التي تملأ أيامهم. لكن لطفي وأنيسة نادمان على أنهما لم يُصورا تلك المناقشات العفوية والخصبة بالأفكار، وقالا لـ swissinfo.ch إنهما عقدا العزم على القيام بجولة ثانية، تكون فيها العروض مجانية، وتصحبهما خلالها آلتا تصوير، وأضافا كابينة خاصة لتسجيل انطباعات من لا يُريدون الإدلاء بملاحظاتهم أمام الملإ. لطفي وأنيسة يعملان في إطار جمعية “الفن ديموقراطية” أو “ديموكرارت” (Democr’Art)، وهي تسمية مشتقة من المزج بين الفن والديموقراطية.

ملصق إشهاري لشريط سينمائي
الملصق الإشهاري لشريط “غدوة حي” (أو غدا حيّ يُرزق) للمخرج التونسي لطفي بن عاشور. lotfi ben achour

المواطنة والديموقراطية

عموما، يرمي مؤسّسو الجمعية إلى جعل الفن والثقافة حاملين أساسيين للمواطنة والديموقراطية، بإفساح المجال أمام الجمهور الواسع ليُمارس الفنون، بمنح الفرصة للجميع، وفي الدرجة الأولى سكان الولايات الداخلية، للإستمتاع بالممارسة الفنية، وأيضا باستخدام أدوات الفن من أجل مساءلة الواقع الإجتماعي واستجلاء كُنهه، بُغية المزج بين الثقافة والمواطنة.

وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، قال لطفي عاشور وأنيسة داود: “إن الجمعية ترمي أيضا للتقريب بين المواطنين في مجتمع منقسم على نفسه أكثر من اللزوم، وذلك بإيجاد مساحات لتبادل الآراء والتأملات وتقاسُم الأفكار”.

كانت العروض العشرين الأولى مفتوحة للجميع، وأتاحت مناقشة ظاهرة العنف التي رافقت الثورة التونسية في مطلع 2011، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيبرابط خارجي، وهو ما أتاح إشراك خبراء شرحوا للجمهور ما معنى التعذيب؟ وما هي أشكاله وأحكامه القانونية؟ وما هي آثاره وأبعاده الجسدية والسيكولوجية والإجتماعية؟

فيلم وثائقي

يأمل كل من لطفي وأنيسة أن يصنعا فيلما جديدا انطلاقا من الجولتين اللتين قاما بهما، واحتكا خلالهما مع الجمهور. وهما يعملان حاليا لتحويل المشاعر العاطفية إلى تفكير في القضايا التي يطرحانها، ومن ثم الولوج من التفكير إلى كلمات فاعلة. ويقولان في هذا الصدد إن غايتهما هي إنتاج فيلم وثائقي تشاركي “يتحول فيه المشاهدون إلى ممثلين إذا ما رغبوا في ذلك”. وفي هذا السياق، سعيا إلى جمع كل أنواع القراءات وردود الأفعال من دون انتقاء أو إقصاء.   

في هذا الصدد، أوضح لطفي وأنيسة أن العروض العشرين تمت بين شهري نوفمبر وديسمبر 2017، وشارك فيها خبراء من الهيئة تابعوا العروض وأجابوا على أسئلة الجمهور، ومنها السؤال الكبير التالي: أين نحن اليوم من الوقاية من التعذيب؟ وهل هناك حالات إفلات من العقاب؟ وما هي العقوبات التي تطال مُرتكبي هذه الجريمة؟

جولة جديدة

من حسن حظ الثنائي أنيسة ولطفي أنهما دعيا جهات عديدة لحضور العروض والمناقشات التي تلتها بالعاصمة، وكان من ضمن الحضور الذين لبوا الدعوة موظفون من السفارة السويسرية، فأعجبوا بالعمل السينمائي والنقاش الذي أعقبه. كانت اللُقيا منطلقا لإجراء جولة جديدة بدعم من سويسرا تشمل هذه المرة ثلاثين عرضا خاصة بالطلاب فقط، مع توجيه المناقشات نحو موضوع علاقة الشباب بالعنف، علما أن طلاب اليوم لم يكن سنهم يتجاوز 14 عاما أيام الثورة (يناير 2011). وكان من المفيد أن يُسألوا عن تصوراتهم للمستقبل.

وبحسب لطفي عاشور، قدمت وزارة التعليم العالي دعما معنويا للمبادرة بأن فتحت أبواب المؤسسات الجامعية أمام هذا العمل السينمائي. أما الطرف الثالث الذي دعم هذه الجولة فتمثل في مديرية التعاون بالسفارة السويسرية بتونس. وعلقت أنيسة داود على ذلك بقولها “لم نكن نعرفهم (السويسريون). حضروا بين الجمهور مثل مندوبي مؤسسات أخرى مدعُوة. حضروا أربعة أو خمسة عروض، واستمعوا للحوارات، وهكذا جاءت فكرة دعم سلسلة جديدة من العروض، خاصة أن المواضيع التي طرقها الشريط نالت إعجابهم، ومنها وصول الثقافة إلى المناطق المحرومة، والعلاقة مع الماضي وكيفية التعاطي معه اليوم”.

كانت السعادة لاستمرار سلسلة العروض الثانية بادية على وجهي لطفي وأنيسة، لأنهما اصطحبا خلال هذه الجولة، التي تستمر إلى يوم 17 أبريل الجاري، آلتي تصوير وأضافا كابينة خاصة لتسجيل انطباعات من لا يريدون الإدلاء بملاحظاتهم علنا.

 فيلم سويسري

شاركت سويسرا في أسبوع الفيلم الفرنكفوني الذي أقيم في تونس من 23 إلى 31 مارس 2018 بشريط “بونتي… أسود من الخارج، أبيض من الداخل”، وهو يصف أوضاع الشباب ذوي الأصول الأفريقية الذين نشأوا وكبروا في سويسرا. كما يُبرز الفيلم الأبعاد الثقافية والحيرة التي تملأ قلوب أولئك الشباب حول هويتهم. وقد أخرج هذا الشريط السينمائي شياكا كاغامي Shyaka Kagame المولود في جنيف سنة 1983، وهو ينحدر من أصول رواندية.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية