سينما “الجيل الثاني” بسويسرا تتألّق في هوليوود
نجحت مخرجة سويسرية من أصول إيرانية في "الصعود" إلى هوليوود. وتشارك تلخون حمزفي بشريط تخرجها القصير "بارفانه" أي "الفراشة" (Parvaneh) في مسابقة للفوز بجائزة الأوسكار التي سيُعلن عن نتيجتها مساء 22 فبراير 2015. وهو إنجاز استثنائي بالفعل.
الجميع في حالة عصبية شديدة: المنتج ستيفان إيشنبرغر، وأساتذة الفن السابع بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بزيورخ، وأعضاء فريق الفيلم، الذين حلّوا في لوس إنجليس بداية الأسبوع. أما هي، مخرجة الفيلم، تلخون حمزفي، التي يحلو للجميع مناداتها بـ “تالي”، فتتسلّح بالهدوء ورباطة الجأش، وتضيف عبر الهاتف بين موعديْن في مدينة الملائكة: “لا يمكننا أن نكون عصبيين من الصباح إلى المساء”.
على فريق فيلم “بارفانه” (الفراشة في اللغة الفارسية) القيام بـ “نشاط دعائي كبير” لإقناع أعضاء الأكاديمية بالتصويت لصالح هذا الشريط القصير، وهو فيلم تخرّج أُنجِز في عام 2012، وأُختِير إلى جانب أربعة أفلام قصيرة أخرى من ضمن 141 فيلما، تنافس في فئة “الأفلام الواقعية القصيرة”.
تروي تلخون حمزفي ، على مدى 24 دقيقة، قصة شابة أفغانية لاجئة، تسمى بارفانه، تقيم في مركز للجوء بشفيتس (وسط سويسرا)، حيث تنتظر قرارا بشأن طلب اللجوء الذي تقدّمت به. وبعد أن علمت هذه اللاجئة أن أباها، الذي تركته في البلاد وراءها، مريض، قررت مساعدته عبر إرسال مبالغ من المال، تحصل عليها من خلال “العمل الأسود” لدى مزارع في الجهة يستغلّ وضعها القانوني الهش فلا يدفع لها كل مستحقاتها.
انتقال هذه الفتاة إلى زيورخ فتح الباب لتعرضها لصدمات متعددة بسبب الفوارق الكبيرة من ناحية بين المناطق الجبلية بشفيتس، والحياة الحضرية بزيورخ، وبين وضع الفتاة المحجبة- التي أحسنت تمثيل دورها نيسّا كاشاني، وهي ممثلة إيرانية الأصل مقيمة بكانتون فو- والشابة المدللة والضائعة التي قدمت لها المساعدة، والتباين الكبير على مستوى العلاقة بين الآباء والابناء بين الثقافتيْن. وسمحت براعة المصوّر ستيفان دوكس، والإخراج البسيط والدقيق، في التعبير عن حالة العزلة التي تعاني منها الشابة الافغانية، وفي رصد نشأة علاقة الصداقة بين الفتاتيْن، من دون الحاجة إلى حوارات مطوّلة.
ثقافات أخرى
الإنتقال من وظيفة إلى أخرى ليس بالأمر الغريب على السينمائيين المبتدئين. في هذا السياق، أوضح بيرنهارد ليهنر، المؤسس والمشرف على قسم الباكلوريوس بمدرسة الفنون الجميلة بزيورخ، وأحد مدرّسي تلخون حمزفي أن “نصف عدد الطلاب هنا سبق لهم ان حصلوا على دبلوم مهني متخصص، ويأتون من خلفيات متعددة، بدءً من تكنولوجيا المعلومات ومرورا بالتخصصات التجارية المتعددة”.
جوائز عديدة
فيلم “الفراشة” وراءه تجربة طويلة حصد خلالها العديد من الجوائز، ومن أبرزها الميدالية الفضية بالأوسكار، صنف أفلام الطلاب لعام 2013، والعديد من الجوائز في المهرجانات. وهذه هي المرة الثانية التي “يصعد” فيها فيلم “الفراشة” إلى هوليوود.
أما مخرجة هذا الشريط القصير، فقد ولدت في طهران، وهاجرت إلى سويسرا في سن السابعة، حيث أقامت في كانتون آرغاو. وهي ترفض رفضا مطلقا أي مقارنة بين حياتها وحياة بطلة الفيلم، على الرغم من أنها، وفقا للمنتج ستيفان إيشنبرغر، “تعرف بكل تأكيد وعن قرب شعور من يحل بمكان يجهله من قبل تماما”. وكانها، ومن أجل أن تضع مسافة بين مسيرتها وبين حياة اللاجئة، جعلت المخرجة بطلة الفيلم أفغانية وليست إيرانية.
رغم أن السينما كانت باستمرار إحدى هواياتها، إلا أن تالي”لم تتمكّن من القيام بدراساتها الفنية مبكّرا”. وتوضّح ذلك قائلة: “والديّ، اللذان يُمارسان الفن بنفسيهما، عرفا هشاشة الأوضاع الإجتماعية التي يُعاني منها أصحاب هذه المهارة. فأبي وأمّي رسامان، وقد حرصا على أن أتعلّم حرفة قبل أن أبدأ تجربتي الفنية”.
هذا ما قامت به فعلا. فبعد حصولها على دبلوم كمساعدة بعيادة طبية في بادن (كانتون آرغاو)، مارست مهنتها هذه طيلة عاميْن كامليْن. حتى إذا ما نضجت لديها الحاسة الفنية وتأكدت منها، بدأت مسيرتها. فتابعت أوّلا “دروسا تمهيدية” في المجال الفني بآرغاو، ثم حصلت على دبلوم مهني تخصصي في زيورخ، قبل أن تلتحق بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بنفس المدينة في سن الخامسة والعشرين.
وهذه الطالبة سابقا ليست الوحيدة التي لها أصول ثقافية أجنبية، ويضيف البروفسور ليهنر: “لدينا عدد كبير نسبيا من الشبان على هذه الحالة. وربما يكون هذا التنوّع الثقافي مثمرا ومفيدا لإنتاج نصوص سينمائية جيّدة”.
في المقابل، يشير ليهنر إلى سرعة تميّز المخرجة الشابة عن أقرانها، ويقول: “حصلت أعمالها باستمرار على أفضل الأعداد، وهذا لا يحصل إلا مع طالب أو طالبيْن. وشخصية هذه الفتاة هادئة جدا، وخجولة، ومتحفّظة”.
وقد سبق لها أن وجدت دافعا قويّا لفيلم أعدّته للحصول على الباكلوريوس. ويروي هذا الفيلم الذي يحمل عنوان “الأصم” (2010) قصة زوجين منحرفيْن- يستهلكان الكحول والعقاقير- ويتعرّضان إلى حادثة بسبب الحبوب المنوّمة التي ناولها إيّاهما أطفال على وجه الخطأ.
ويواصل البروفسور: “تالي، دقيقة جدا في عملها، وتستغرق وقتا طويلا في التحقيق حول القضايا التي تنشغل بها. وتضع سيناريوهات أفلامها استنادا إلى قصص واقعية. ومن الملفت للنظر أنه ومن خلال ما تتميّز به من حذر وتواضع، قد نجحت في شقّ طريقها بنجاح. فهي لا تحبّذ التحليق مع النظريات، وتعرف ماذا تريد بالضبط، وتربطها علاقة جيدة مع أعضاء فريقها”.
ويؤكّد ستيفان إيشنبرغر، الذي كان زميلا لها خلال فترة الدراسة، على غرار أفراد آخرين في الفريق العامل معها، بأن تالي “تمتلك بديهة قوية، وهي لا تستغرق وقتا طويلا للتفكير في ما يجب أن تفعل. يجب على العامل معها أن يضع ثقته فيها، لأنها لا تفسّر لمن حولها لماذا اختارت أن تفعل الأشياء على هذه الطريقة وليس تلك”.
اختيار الممثلين “عملية ممتعة جدا”
يتذكّر ستيفان إيشنبرغر، كم كان التصوير السينمائي لهذا الفيلم صعبا “لقد قمنا بالتصوير في مركز لجوء حقيقي بمورشباخ بكانتون شفيتس، بمشاركة المتساكنين الحقيقيين هناك، ثم انتقلنا إلى زيورخ، وكل ذلك خلال عشرة أيام”. وإذا كانت إحدى الشخصيتيْن الرئيسيتيْن في الفيلم – الشقراء المدللة – قد أدت دورها بامتياز شيريل غراف، وهي في الأصل ليست ممثلة، فإن سوزان مولّر، المسؤولة عن توزيع الأدوار في الفيلم تتذكّر جيّدا تلك التجربة “السعيدة جدا” خلال البحث عن ممثلين للقيام بالأدوار في الفيلم.
ويضيف ايشنبرغر: “كانت لتالي فكرة واضحة جدا حول الممثلين الذي تريد منهم لعب أدوار في فيلمها. ولحسن الحظ، كنت تعرّفت على نيسّا كاشاني، التي سبق أن درست في المدرسة العليا للمسرح بسويسرا الروماندية (la Manufacture)، ويوجد مقرّها بلوزان، وقد سبق أن التقيتها قبل عام من ذلك التاريخ في إطار شبكة “المهارات الشابة” في سويسرا. كنت أعلم أن نيسّا تجيد إلى حد ما اللغة الألمانية. وقد اقترحت الممثلتيْن على تالي، فقبلت بهما بسرعة بعد أن تحدثت إليهما”.
كذلك تقول سوزان مولّر، في نبرة لا تخفى سعادتها: “إنه لشيء رائع أن يُنجز هذا الفيلم”. ثم يعلّق بيرنهارد ليهنر: “مهما كانت النتيجة في النهاية، هو إنجاز بالفعل”. أما المدرسة العليا للفنون الجميلة بزيورخ التي ستكون حاضرة في لوس إنجلس، ممثلة بستيفان إيشنبرغر، فسوف تعرض أحداث الإحتفال مباشرة على الشاشة الكبرى بالمدرسة نفسها. وقد أعلن بيرنهارد ليهنر بأنه “سيوزّع الشمبانيا، في كل الأحوال”.
وفي كاليفورنيا، يستعدّ فريق فيلم “برفانه” لإحياء ليلة 22 فبراير التي ينتظر أن تكون طويلة. وتجد “حملة الاوسكار” الدعم المالي من الوكالة السويسرية لتشجيع الإنتاج السينمائي، ومن هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، ومن المكتب الفدرالي للثقافة.
انجاز آخر ينضمّ إلى القائمة السويسرية للمتفوّقين والفائزين، وهذه القائمة في مجال الفن السابع لم تشهد أي إضافة منذ 1991: في تلك السنة حصد كسافي كولّر جائزة الاوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعمله “رحلة نحو الأمل”. وهذه الرحلة هي أيضا رحلة “بارفانه” في فيلم تالخون حمزفي، وربما أيضا لعمل آخر لنفس المخرجة بعنوان “صناعة الأحلام”، ولكن لتأكيد ما يقوله عنها زملاؤها وأصدقاؤها، تظل هذه المخرجة السويسرية – الإيرانية متواضعة، وتقول: “أنا بصدد كتابة أوّل شريط سينمائي طويل. هذا الأمر يستغرق وقتا… ولا أستطيع أن أقول عنه أي شيء الآن”.
الأوسكار والسينما السويسرية
من المؤكد أن السينما السويسرية “ذات الإنتاج والإشعاع المتواضع” لا تتصدّر المشهد حين ينظّم الإستعراض العالمي الكبير للفن السابع مرة في السنة بمدينة الملائكة (لوس انجلس)، وتوزّع فيه 24 جائزة تغطي أصنافا عديدة من الإنتاج السينمائي.
في الإحصاءات الرسمية لأكاديمية الفنون والعلوم البصرية، تحتلّ سويسرا، التي حصلت في الماضي على جائزتيْ أوسكار، وترشحت لخمس أخريات، منزلة مشرّفة ضمن قائمة البلدان غير الناطقة بالإنجليزية.
تحتلّ إيطاليا (11 جائزة كبرى، و28 ترشحا، و3 جوائز خاصة) المرتبة الاولى، تليها فرنسا (9/35/3)، ثم اسبانيا (4/19). وبعد سويسرا، نجد بلدانا مثل كندا (1/6)، واليابان (1/12/3)، وروسيا (1/5).
الفيلمان السويسريان اللذان حصلا على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم اجنبي كانا “مربّع الجنون” اخراج ريتشارد ديمبو، وهو انتاج سويسري- فرنسي، و”رحلة نحو الأمل” للمخرج كسافي كولّر، انتاج سويسري- تركي.
ومن بين الافلام المرشّحة، نجد الفيلم الوثائقي “مصوّر الحرب” لكريستيان فراي (2002)، أو أيضا “فيلم على الطريق”، وهو شريط روائي قصير لريتو كافّي (2008).
بدوره حصد المنتج أرثور كوهن (من بازل) ثلث جوائز أوسكار لأفضل فيلم وثائقي في 1962، و1991، و2000.
فائز آخر أقلّ شهرة: دار Praesenz-Film للإنتاج السينمائي، وقد أنشأت في عام 1924 من قبل رائد الطيران فالتر ميتّلهولزر، الذي كان من أوائل الذين تولوا إدارة شركة “سويس آر”.
حصلت هذه الدار على ثلاث ترشيحات و ثلاث جوائز أوسكار: لأفضل سيناريو لفيلم “ماري- لويس” في عام 1945، ولأفضل طفل ممثل لإيفان ياندل في عام 1948، ولأفضل سيناريو أصلي لفيلم “الموت” في عام 1948.
الفيلم السويسري “الدائرة”، والذي كان ضمن الأعمال المرشحة في القائمة الأولى، لم يُسعفه الحظ في أن يكون في “القائمة المضيّقة”(خمسة أفلام) المشاركة في الإحتفال النهائي.
ينظّم احتفال تسليم جوائز الأوسكار في دورتها السابعة والثمانين يوم 22 فبراير، وبالتحديد في الليلة الفاصلة بين الأحد 22 والإثنين 23 فبراير بتوقيت أوروبا.
سبق للسويسريين أيضا الحصول على جوائز الاوسكار في المجالات “التقنية”، مثل ماركوس غروس، أستاذ تكنولوجيا المعلومات بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، والمتخصص في تقنيات التصوير، وقد حصل على الجائزة في عام 2013.
(نقله إلى العربية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.