مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عولَمة جِلجامِش: عرضٌ مسرحي في برن لأقدَمِ أسطورةٍ في العالم

صورة لأربعة رجال وامرأتين في حي عتيق في بيت لحم
صورة جماعية لأعضاء الفرقتين المسرحيتين من فلسطين وسويسرا بعد زيارة قاموا بها إلى كنيسة المهد في بيت لحم. © Magdalena Nadolska Bremgartner

أقدمت المجموعة المسرحية السويسرية “أكواد” (Thecodes) ومسرح القصَبة الفلسطيني على خوض مغامرة تحويل ملحمة جلجامش، التي تُعتبر أقدم أسطورة في العالم، إلى مسرحيةٍ معاصرة تتناول قضايا كونية من قبيل إساءة استخدام السلطة أو القوة، والأمل في الصداقة؛ وذلك في “بلبلةٍ لغوية” لا تخلو من تجانس. 

يقول ممثل فلسطيني، باللغة العربية: “ساقُهُ طويلة، كنصف عمود كهرباء”. على الفور يدخل إلى المسرح ممثلٌ سويسري ويُكمل بالألمانية: “كتفاه يبلغان ستة أذرع”.

على الرغم من أن النص يحتوي على فجواتٍ أو ثغرات غير مترجمة، لكنه يظل واضحا بالنسبة للمشاهدين والمشاهدات حول ما يدور أمامهم على خشبة المسرح، سواءٌ كانوا يفهمون العربية، أم الألمانية، أم الانجليزية فقط. ذلك أن جميع مَن يتحرك فوق الركح يترجمُ للآخر ، ويُساهم بالرقص والموسيقى في فهمٍ أفضل لما يُعرض. في المقابل، لا مفر من أن يتعذر على البعض أحيانًا فهم ما يتردد في الغناء العربي الذي لا يُترجَم، وأحيانًا أخرى في الغناء الألماني.

أثناء التمارين على خشبة المسرح تعترض إحدى الممثلات، حيث يجب عليها في وسَط مشهدٍ آخر أن تُغري جلجامش: “لن أُكمل. لماذا ينبغي أن يقومَ رجلٌ بدور جلجامش؟”، فتوافقها النساء الأخريات. في عمله المشترك، لا يبدّل فريق التمثيل أدواره بين الغات، بل يقوم بالترحال بين العصور والحضارات. ومن خلال لمسات من التحديث والعصرنة يجري تعديل أسطورة الملك جلجامش المُغرِقة في القِدَم، بشكلٍ مثمر.

بدعمٍ من بروهيلفيتسيا

التنوع اللغوي على المسرح له أيضًا سببٌ عملي، وهو أن الجمهور في برن – حيث سيُقدّم أول عرض للمسرحية في التاسع من يونيو الجاري- ينبغي أن يفهم العمل المسرحي بالضبط كما سيفهمه الجمهور في رام الله لاحقًا.

قبل ثلاث سنوات، تلقّى مسرح القصَبة في رام الله دعما من فرع مؤسسة “بروهيلفيتسيا” (التي تُعنى بالترويج للثقافة السويسرية في العالم) في القاهرة من أجل إنجاز مشروعٍ مشترك بالتعاون مع فرقة مسرحية سويسرية. إثر ذلك، لم يُفكر المخرج الفلسطيني فراس أبو صبّاح وزميله السويسري “ينِّس شْفابِنْلاند” في خوض تجربة سهلة أو مُريحة بل قررا – بشكل مشترك وبالتشاور مع أعضاء الفرقتين – نقل ملحمة جلجامش على خشبة المسرح.

تروي ملحمة جلجامش قصّةَ ملكٍ أسطوري كان يحكم دويلة “أوروك” السومرية. أوروك، التي تُسمى اليوم “الوركاء” في جنوب العراق، كانت قبل ثلاثة آلاف عام من ميلاد المسيح مركز الحضارة السومرية. أما جلجامش، المكوَّن من ثلثي إله وثلث إنسان، فقد كان حاكمًا قاسيًا. لذلك قررت آلهة الخلق “أورورو” خلق “أنكيدو”، ساكن البراري الذي كان عليه أن يضع حدًّا لطغيان جلجامش.  

في الواقع، تُعالج أقدم قصة مكتوبة في تاريخ البشرية مواضيعَ راهنةً جدًّا ومعاصرةً للغاية: “إنها تتناول هياكل السلطة والصداقة والسعي إلى الخلود”، كما يؤكد شْفابِنْلاند.

ملحمةٌ تاريخية وقضايا راهنة

في المناقشات التي تدور بين فريقي التمثيل السويسري والفلسطيني، يجري تناول مواضيع مثل الديكتاتورية والسلطة وحقوق المرأة وأوضاع الأقليات، لكن بالطبع من خلال منظور شخصي وفي ضوء تجارب حياتية غير متجانسة للغاية. كما أن الجدل الذي يحدث خلال التحضيرات وفي حصص التمرينات يؤثث النص المسرحي أيضًا.

في حوار معه، يروي شْفابِنْلاند كيف سافر للمرة الأولى في عام 2019 إلى رام الله في الضفة الغربية مع الفريق الفني الأساسي لمجموعته المسرحية “thecodes” لكي يتعرّف شخصيًّا إلى مجموعة التمثيل في مسرح القصبة ويستكمل تحضيراته للبدء في المشروع.

لكنْ – وكما حصل في العديد من المشاريع الفنية المماثلة – أخّرت جائحة كوفيد-19 كلَّ شيء، ولم يتمكن الفريق السويسري من العودة إلى رام الله كي يُجري التمارين هناك، إلا قبل شهر من الآن. فبعد محاولة في العام 2020 لإجراء التمرين عبر تقنية “زوم”، جمّدَ الفريقان كلَّ شيء إلى أن يتمكنا من اللقاء ثانيةً. ويوضح شْفابِنْلاند: “كان مهمًّا بالنسبة لنا أن نلتقي شخصيًّا لأن المشروع لا يُمكن تحقيقه افتراضيًّا”.

كانت الفرقة المسرحية السويسرية قد سمعت عن الظروف السائدة في رام الله، عن ساعات الانتظار الطويلة على حواجز التفتيش الإسرائيلية، عن الاستجوابات في رحلة العودة إلى سويسرا وعن صعوبات أخرى..

تقول الكاتبة المسرحية “ماجْدَلينا نادولسكا بْريمْغارتنَر”، التي حوّلت الملحمة إلى نصٍّ مسرحي: “لم يسْعفنا كوننا كنا نعرف الأوضاع سلفًا، فعلى الرغم من ذلك كنا نشعر بالصدمة أحيانًا، لا بل حتى بكينا بعدما زرنا متحفًا مُكرّسًا لأوضاع الاحتلال في فلسطين”.

أما أبو صبّاح فيقول: “كان لا بدّ للفريق السويسري أن يأتي إلينا في رام الله. لا بدَّ أن يعرفوا كيفية العيش هناك. وبشكلٍ معاكس، نحن هنا الآن أيضًا، حيث سنروي في هذه المسرحية، وبشكلٍ مشترك، قصصنا الشخصيّة”

فريق رام الله موجودٌ في سويسرا منذ أسبوعين ويُجري التمارين في برن مع الزملاء والزميلات في الفرقة السويسرية. يقول فراس أبو صبّاح: “مسرح القصبة يعتمد على مثل هذا التعاون”. ويؤكد المخرج الفلسطيني على أن المسرح وطاقم التمثيل فيه يستفيدان بشكلٍ كبير من هذا النوع من التجارب: “في رام الله لا توجد مسارحُ كثيرةٌ، لذلك فإنه من المهم جدًّا التعاون مع فرقٍ مسرحية من الخارج لاكتساب الخبرات”. وهو ما يعني بالدرجة الأولى العملَ في مناطقَ خالية من النزاعات أو التوتر.

لا شكَّ بأن اختيار ملحمة جلجامش يُوحي أيضًا برغبة في اختيار الأمل. إذ أن مشهدٌ رئيسيا في الأسطورة يعرض صراعًا مريرًا وطويلًا بين الملك المتعطش للسلطة والكائن الأرضي “أنكيدو”، لكنَّ الصراع بكل أنواعه لم ينفع بشيء، فليس هناك منتصرٌ يصمد، ذلك أن العدُويّن يُصبحان رفيقيْن في نهاية المطاف، بل يخوضان مُغامراتٍ مشتركة.

العرض الافتتاحي:

9 يونيو 2022: “غْروسه هالّة” في مدينة برن،

عروض أخرى:

29 و30 سبتمبر 2022: مسرح روكسي في بيرسفيلدن، قرب مدينة بازل

6 و7 أكتوبر 2022: مسرح “آم غلايس” في مدينة فينترتور 

نهاية 2022 وبداية 2023: مسرح القصبة، رام الله.

اِنتاج:

«Thecodes» شركة دَينِّس شْفابِنْلاند للمسرح.

منتج مشارك:

مسرح القصبة وسينماتيك، رام الله.

بالشراكة مع:

“غْروسه هالّة” في برن، مسرح روكسي في بيرسفيلدن، مسرح “آم غلايس” في فينترتور.

اللغات:

ألماني، انكليزي، عربي

بدعمٍ من:

ثقافة مدينة برن، اليانصيب السويسري/ثقافة كانتون برن، مكتب ممثليّة سويسرا في رام الله، فرع مؤسسة بروهيلفيتسيا بالقاهرة، مؤسسة دعم الثقافة التابعة لمجموعة الميغرو التجارية (Kulturprozent)، مؤسسة أيرنْست غونر، مؤسسة “لاندِز” و”غور”، المجتمع المدني-برن، آرتلنك-صندوق ثقافة الجنوب، مؤسسة العلوم والفنون.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية