قرية مُهددة بالاندثار.. تتحوّل إلى مُنتَجع سياحي
قامت مجموعة من القرويين بقيادة امرأة، بتَحويل القرية الجبلية "فنا" Vnàالواقعة في منطقة الأنغادين الأسفل، في كانتون "غراوبوندن" جنوب شرقي سويسرا، إلى أّوّل "مُنتجع" رَسمي مأهول بالسكان.
ومن أجل النُهوض بِقريتهم والحفاظ عليها من الانقراض بسبب ارتفاع مُعدّلات الشيخوخة من ناحية، ونُزوح السكان من ناحية أخرى، وحـّد سكان قرية” فنا” Vnà جُهودهم وقاموا بتحويل قريتهم بأبنِـيتها القديمة، ذات الطابقين، إلى أول مُنتَجع أو”قرية فندقية”، تم افتتاحها رسميا في غرة شهر مايو الجاري.
تَتميز القُرى الفندقية، والتي تُعرف بـ “المنتجعات” عادة، بمواقعها المُمتدّة على سواحل البِـحار في الأقاليم الدافئة، حيث ُتوفـّر هذه المُنتجعات لِـزائريها من خلال تكوينها المِـعماري، الذي يعكس الطابع الفني والفولكلوري للمنطقة، بيئة مُـنفصلة عن المُحيط الخارجي تسمح بقضاء أوقات ممتعة وهادئة.
وفي العادة، يتم الحجز على هذه المنتجعات على شكل صفقة متكاملة، تشمل حُجوزات السفر بالطائرة والإقامة وتوفير وسائل النقل.
الحال في قرية “ڤنا” مُختلف، فهي، وعلى عكس هذه المُنتجعات، لا تَطّلُ على أي ساحل، بَل تَقع على طريق مُشمِـس على ارتفاع 1630 مترا عن مُستوى سَطح البحر. وقد قرَرت هذه القرية الجبلية، التي يُحظر تشييد أي منشآت عُمرانية حديثة فوق أراضيها، لكونها مُصنّفة من المناطق الأثرية المَحميّة، فتح أبوابها للسياحة بِفكرة حديثة ومُختلفة.
الهدف الرئيسي من هذه الفكرة يَكمُن في الحِفاظ على هَوية هذه القرية الجبلية وتُراثها الحضاري من جهة، وإعادة شرايين الحياة إليها من جهة أخرى، من خِلال تَحويلها إلى ُمنتجع سياحي يَستقبل الضُيوف ويوفِّـر كافة مُستلزمات الراحة لهم، كما أنها تَحظُـر في الوقت نفسه استغلال مباني هذه القرية من قِبَل الُمستثمرين الأجانب وتَحويلها إلى شُقق سكنية، غير مُستغلة مُعظم أوقات العام (على غرار ما يحدث في كانتوني فالي وتيتشينو).
مُنتَجع مجهـّز بكل مُتطّلبات الراحة
وانطلاقا من ذلك، قامَت مَجموعة من السكان المحلّيين بتطوير مشروع سياحي مُكّون من مبنى رئيسي للثقافة والضُيوف، أطلق عليه اسم “بيتز تشوتّا” (“piz tschütta”)، بالإضافة إلى غُرف مخصصة لإيواء الضيوف مُوزّعة على مباني القرية المُتعددة، تُشيد بالاعتماد على موارد البناء الطبيعية، التي تَزخَر بها هذه القرية.
من أجل إحياء المركز الثقافي “بيتز تشوتّا”، تَم تَحوير أكبَر مَبنى في القرية والاستعانة بمواد البناء المَحلية الموجودة فيه، بَدلا عن استخدام مَواد البناء الحديثة أو إنشاء فنادق وشُـقق سياحية جديدة، وكان هذا المَبنى المُـسمى “هيربيرغ” Herberge، عِبارة عن حانة قديمة مَهجورة مُنذ عام 1995.
ويُمثل مَبنى الثقافة والضُيوف “بيتز تشوتّا” (“piz tschütta”)، مَركز القرية بما يَحتويه من مَطعم وصالات استراحة، كما يَشتمل على 5 غُرف للضيوف، إضافة إلى هذه الغُرف الخمس، هنالك 13 غُرفة أخرى خاصة بالضيوف موَزّعة بصورة لا مركزية في الأبنية المُختلفة، المُنتشرة في هذه القرية وبمجموع 36 سرير.
من جهتها، صرّحت السيدة أوريتزا فاموس، رئيسة الهيئة الإدارية لـ “بيتز تشوتّا” في مُقابلة مع سويس انفو، بأنه “من غير المُـمكن استيعاب عَدد أكبر من ذلك”.
دعم مالي مُتنوع المصادر لمشروع مُتناغم مع الطبيعة
تَقف العَديد من الجهات المالية، وبخطة اقتصادية مدروسة، خَلف عملية تمويل ودَعم هذا المشروع المُتناغم مع تراث المنطقة وطبيعتها. وتقف شركة “بيتز تشوتّا” في طليعة هذه الجهات، كونها تُمثل الجِهة المُشغلة والمالكة للمشروع وبرأسمال 000’450 فرنك سويسري تَعود إلى سُكان القرية المَحليين، بالإضافة إلى المُبادرين بفِـكرة المشروع وبَعض المؤسسات المَحلية.
كذلك، تُشارك مؤسسة Vnà بنشاط في عملية إعادة إعمار هذه القرية بمبلغ 000’600 فرنك، حيث تهدف هذه المؤسسة إلى المُحافظة والارتقاء بالرّفاه الثقافي والاقتصادي لقرية “ڤنا” (Vnà)، ويقف خلف هذه المؤسسة 220 مُموّل من القِـطاع الخاص.
من جانب الحكومة، قامت دائرة الاقتصاد والسياحة بالمُشاركة، كما انضمّ قسم نجدة الجبال السويسرية وبنك كانتون غراوبوندن، كما منح اتحاد القروض الفندقية قرضا من جانبه، وقدّمت كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية (Seco) دعمُها من خلال برنامج تطوير المواقع الخاصة به.
السيدة أوريتزا فاموس، التي تتمتّع بسُمعة معروفة في منطقة الأنغادين الأسفل، باعتبارها سيدة أعمال ومديرة ثقافية وأحد الأعضاء المؤسسين لشركة “بيتز تشوتّا”، بَذلت قُصارى جهدها لإنجاح هذا المشروع، ولِمنع المستثمرين الأجانب من اكتشاف المناطق الطبيعية التي لم يَطلها العُمران، كما وقفت ضد مشاريع بناء فنادق في هذه المناطق، ليس للسكان الأصليين أية علاقة بها.
الدمج مع الثقافة
أوكلت عملية تَوسيع وتَجديد مبنى “بيتز تشوتّا” إلى المُهندسَين المِعماريَين، كريستوف لوش ورولف فورر، وقد ارتأيا استخدام الأخشاب المُتوفرة مَحليا لهذا الغَرض، كما قاما بإزالة مواد الإنهاء الحديثة، مثل اللينوليوم، المُستَخدم لتغليف الأرضيات وطلاء الجدران، من أجل إبراز مواد البناء الأصلية، وتتم تدفئة المبنى بأسلوب تَحييد غاز ثاني أكسيد الكربون.
كما شدّد رئيس المؤسسة، المهندس المعماري كريستوف روش على أهميّة أن يكون مبنى “بيتز تشوتّا” مركزا للفعّاليات الثقافية، حيث يَشتَمل برنامج فعاليات شهر مايو الجاري، بالإضافة إلى حفل الافتتاح، على البرامج الموسيقية والمُناقشات والبث الإذاعي المباشر، مع شريط يشرح انبثاق فِـكرة المشروع.
بصورة عامة، يَهدف روّاد تطوير قرية “ڤنا” إلى التوصّل إلى مشروع يُقتدى به على نِـطاق واسع، لَتطوير المناطق الجبلية والبلدات والقرى ذات المواقع الهامشية.
وقد لاقت جُهود هؤلاء لتغيير النظرة السائدة إلى السياحة، اهتماما في البلديات المجاورة وجَذبَت الأنظار إلى أهمية تقدير قيمة التُراث المحلي، حتى أن سُكان بلدية تشلين Tschlin المجاورة، رفضوا مشروعا لبناء فندق من تصميم المهندس المعماري المعروف بيتر تسومتهور، لهذا السبب.
وقد قَطف هؤلاء الروّاد بالفِعل ثِمار تجربتهم الرائدة، حيث تَم تكريمهم في شهر يناير الماضي بِمَنحِهم الجائزة الأولى لمؤسسة “هانز موبيرت” Hans E. Moppert، المُختصة بـ “المحافظة على السياحة في جبال الألب”.
سويس انفو – أليكسندر كونسلي
تقع قرية ڤنا Vnà على بُـعد 20 دقيقة (بحافلة البريد) من مركز سباحة سكول Scuol.
تقع بالقرب من قرية Vnà، مناطق التزلج على الجليد Scuol/Ftan/Sent، جنة التسوق سامناو، الحديقة المركزية وقُرى الأنغادين، مثل Guarda Golfplatz Vulpera; Dreiländereck..
ينجذب إلى هذه المنطقة، مُحبي الطبيعة من السياح الذين يملكون روح المبادرة الشخصية ومُتسلقي الجبالهوواة ركوب الدراجات الجبلية والمُهتمين بالثقافة، بالإضافة إلى المشاركين في الاجتماعات.
تقوم مؤسسة “Fundaziun Vnà” بدعم مشروع الفندق اللامركزي في منطقة الانغادين الأسفل.
يحيط بالمبنى التاريخي، الذي يمثل مركز القرية بيتز تشوتا، العديد من الشقق السياحية الموزعة على المباني القريبة.
يتم تناول الوجبات الغذائية بصورة مركزية في مبنى الفندق. الاتصال بالسكان المحليين يتم بشكل تلقائي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.