كين لوتش وبول لافيرتي: الخوف ألاّ تحدث ثورة قريبا
اُستقبل المخرج البريطاني كين لوتش وكاتب السيناريو بول لافيرتي بترحيب وتصفيق طويليْن من قبل جمهور تجاوز 8 آلاف شخص في بياتزا غراندي ضمن فعاليات الدورة السادسة والسبعين للمهرجان الدولي للأفلام بلوكارنو بمناسبة عرض فيلمهما "البلوط القديم".
عبّر كل من لوتش ولافيرتي خلال حديثهما إلى SWI swissinfo.ch عن مخاوفهما إذا لم تحدث ثورة قريبا.
وتظهر إحدى مشاهد الفيلم مجموعة من الأفراد ينظرون إلى صورهم في غرفة خلفية متداعية للسقوط بحانة قديمة. وقد التقطت لاجئة سورية كل هذه الصور، لأن هذا يمنحها الأمل، على حد قولها: لحظات فراغ في الشارع، مشاهد من صالون الحلاقة – وقائع يومية بسيطة ومعتادة، قد لا يظن أحدنا أنها ستجد طريقها إلى الشاشة الكبرى يوما ما.
مع ذلك، تغمر كل هؤلاء الأشخاص سعادة جماعية عميقة. وما تعرضه الشاشة يمثّل تفاصيل وقائع حياتهم، وحياة الحي الذي يسكنون فيه، والقرية التي إليها ينتمون، والتي عانت من الانعكاسات السلبية لإضراب عرفته القرية في عهد رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغيت تاتشر.
قد تكون هذه إحدى الطرق لوصف السينما الواقعية التي أثثت السيرة الفنية لكين لوتش: أعمال إبداعية تنقل إلى الشاشة الكبيرة قصص أشخاص نادرا ما توجه الكاميرا منظارها إليهم: المجتمعات المهمّشة، والأشخاص الذين أدار المجتمع ظهره إليهم، أولئك الذين هم ضحايا الاستغلال ومنسيو النظام السائد. وكان لوتش الذي اشتهر بأفلامه التي تتميّز بلهجات موغلة في محليتها والمستفزّة والمثيرة، أعظم مخرج سينمائي في بريطانيا منحاز بامتياز إلى الطبقة العاملة.
كان بالامكان توقّع تحوّل لوتش البالغ عمره 87 عاما إلى رجل أكثر هدوءًا وتحفظا. ولكن، كلامه يتميّز بنبرة ترفض الاستسلام، وتنبئ بأنه ليس فقط على دراية بوضع العالم بل هو مشارك في صناعته.
يقول لوتش: “الأمل سياسيّ”، في سياق تستغل فيه الحركات اليمينية قلق الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم. وبالنسبة للمخرج البريطاني: “إذا كان لديك الأمل، وإذا كنت واثقا من نفسك، يمكنك إحداث التغيير المرجو. وأما إذا انعدم الأمل، حينها سترى أن تغيير الوضع مهمّة صعبة للغاية، وترى أن الأعداء أقوياء جدا. حينها يشعر الناس بالإحباط واليأس”.
وفي حالات اليأس والإحباط، يركب اليمينيون التيار، ويطفو العنصريون على السطح، ويقبل الناس على الاعتقاد في الأجوبة السهلة.
إسهام كاتب السيناريو
وراء كلمات لوتش وصُورِه، يقف أيضا بول لافيرتي، كاتب السناريو الذي يتعاون معه منتج الفيلم منذ عام 1996. ويعطي الاستماع إلى لافيرتي، وهو يتحدّث، الانطباع بالاستماع إلى أحد الشخصيات التي ابتكرها في نصه. ولا يخلو كلامه من حماس ونضالية. ويفتخر لوتش ولافيرتي بكونهما قد تحدثا يوميّا لمدة ثلاثين عاما عن كل شيء ابتداءً من الواقع اليومي وصولا إلى السياسة ومرورا بكرة القدم.
ويقول لافيرتي مازحا: “نحن مثل الثنائي الهزلي: أنا أضع الكلمات وكين يروي النكات. فيردّ لوتش، بتواضع تشوبه روح الدعابة: “أقدّم اقتراحات، وعادة ما تكون غير جيّدة”، وفي النهاية، كلاهما يؤكّد على القيم المشتركة التي تجمعهما.
ويستخدم لوتش نفس النهج مع الممثلين – دائم البحث عمّا يقربه إليهم. ويمكن لأي شخص أن يقوم بدور في أفلامه، بغض النظر من أين يأتي أو هل قام بتدريب في مجال التمثيل أم لا. ويقول لوتش إنه سعيد جدا باكتشاف الأشخاص في الحانات المحلية، وخلال سهرات الأداء، وهو حريص جدا على اشراك العاملين في قطاع التجارة، “ويتوقّف الأمر فقط على مدى صدقهم”، يقول لوتش.
وينتاب لوتش ولافيرتي قلق كبير إزاء الاضطرابات السياسية التي تهزّ العديد من المناطق في العام. ومن نافلة القول إنهما يدعمان إضراب الكتاب والممثلين في الولايات المتحدة.
يقول لوتش: “يعود الأمر كل مرة إلى من يمتلك السلطة، ومن يسيطر. وستكون السلطة على الدوام بيد المستثمرين الخواص الكبار، الذين سيقومون باستمرار بانتاج الأفلام التي يرغبون فيها. علينا أن نضرب عن الأفلام التي نحن بصدد انتاجها. أما كتاب السيناريوهات، فتتمّ معاملتهم تماما كما هو الوضع في أي قطاع صناعي آخر. وفي أي صناعة كانت، نحن بحاجة إلى أجور عادلة وظروف عمل أفضل”.
ويستطرد متسائلا: “لماذا تكتبون ما يأمركم به أصحاب العمل؟ ينبع ذلك دائما من كونها مؤسسة رأسمالية، ويوجد هذا التناقض دائما بين الأفلام: من جهة هي تواصل بين صناع الأفلام والجمهور، ومن جهة أخرى، هي سلعة بين المستثمرين والمستهلكين. نحن نرى مشاهدين ومستمعين وهم يرون مستهلكين وزبائن”.
ويشرح المخرج البريطاني بأن الوضع قد تفاقم مع ظهور منصات البث، لأنها تبحث باستمرار عن صيغة سحرية. “يجب أن ترافق الأفلام مكتبة جيّدة ومتنوعة. ولكن ما لدينا هو رف من الروايات المصممة للقراءة خلال الرحلات الطويلة في أغلب الأوقات. ويتوقّف الأمر على الأشخاص الذين يختارون الاستثمار في العمل”.
ولا عجب إذا اتفق لافيرتي مع هذا الرأي، حيث يضيف من جانبه: “ستجد الشركات دائما طرقا أسرع لكسب المال. المعضلة الكبيرة الآن هي الذكاء الاصطناعي. وكيف سيتم استخدامه. أعني إنه أداة رائعة، ويمكنك أن تتأكّد من مدى روعته. ولكن من المهم طرح أسئلة حول كيفية استخدام كل هذه المعرفة التي يعيدون تشكيلها؟ أو من أين تنبع؟ سوف تجد (الشركات) أيضا وسيلة لخوصصة الذكاء الاصطناعي وتحقيق الربح منه، تماما كما يفعلون مع البيانات التي يتم جمعها وبيعها الآن”.
انتهى مجد التلفزيون
من القضايا التي تشغل لوتش كذلك الشكل الذي يتخذه العمل التلفزيوني حاليا. فهذا السينمائي بدأ مسيرته الفنية في الستينات بصناعة الأفلام للبث التلفزيوني. ولكن نظرته الآن لهذه الوسائط تبدو سوداوية نوعا ما. خاصة فيما يتعلّق بتغيّر ديناميكيات هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية بي بي سي، المؤسسة الداعمة للسينما في المملكة المتحدة.
ويقول لوتش: “بي بي سي هي إحدى أذرع الدولة. وهي تمنح المبدع مستوىً معيّنًا من الاستقلالية، شريطة ألا يستخدمه. وبي بي سي هي رمز الطبقة الحاكمة في بريطانيا. فهي متطوّرة جدا وهي سخيّة وهي مصمّمة للضحك على نفسها، ولكنها قاسية جدا”.
لقد كان هناك اقتصاد مستقرّ نسبيًا، ومجتمع ديمقراطي في الستينات. وكان هناك أيضا ملكية عامة لعدد من الخدمات، لذا كانوا متسامحين جدا. وكنت محظوظا جدا إذن. كانوا متسامحين تجاه الاعتراض الذي كنا نبديه نحن الشباب، وكان هناك اقتناع من المديرين بأننا لا نستطيع أن نلحق الضرر، كما لو أنهم كانوا يقولون: يمكنكم ان تفعلوا ما تريدون، ولكن كل شيء سيبقى على حاله”.
ويستفيض لوتش في شرح الصورة، مضيفًا بالقول: “ننتقل إلى زمن تاتشر، حيث تم حَظْرٌ العديد من الأشياء، لتجريد طبقة العمال والنقابات من أي سلطة. فقد تم منع ذكر الإضراب وذكر العنف الذي يزعم أن عمال المناجم قد ارتكبوه على سبيل المثال، خلال تلك الفترة. لذلك كانت هناك ديناميكية تقوم على أنه عندما تكون المؤسسات العامة مهددة، يجب التقييد والتضيق، وعندما تكون مستقرة وواثقة من نفسها تبدي تسامحا”.
هذه المؤسسات الآن ليست متسامحة على الإطلاق، لأن المجتمع منقسم. وقد بات مجال التحرّك بالنسبة للأشخاص (العاملين في مجال السينما) ضيقا جدا. عندما كنا نعمل ونحن في العشرينيات من عمرنا، كان بمقدورنا الافلات من عقال الكثير من الأشياء التي لم يعد بالامكان الآن الافلات منها. والشبان العاملون اليوم ليس بمقدورهم الإفلات من الكثير من القيود.
الفضاء الاجتماعي
فيما يتعلّق بمستقبل الفنّ السابع، يشير لافيرتي إلى شعر به لدى استقباله بحفاوة بالغة من قبل 8000 شخص جاؤوا لمشاهدة فيلم “البلوط القديم”في بياتزا غراندي في لوكارنو.
وعلى غرار الحانة في الفيلم، التي توفّر لسكان القرية إحساسًا بالانتماء للمجتمع، فإن السينما، بالنسبة للافيرتي، توفّر أيضا مساحة لتجربة جماعية. وهو يحذّر من التهديدات التي تخيّم على هذه الصناعة، كغلق أماكن العروض والتضييق على استقلاليتها، والمثال الحي على هذه التهديدات هو فقدان إدنبورغ، عاصمة سكوتلندا بالمملكة المتحدة، لدار السينمارابط خارجي هناك.
ونتيجة لذلك، لن يُتاح لأجيال عديدة من الطلاب خوض تجربة السينما المستقلة الحقيقية. وهناك العديد من الأشياء الأخرى المهددة ويجب أن نكافح لحمايتها. “وهذا أيضا اختيار سياسي”، يقول لا فيرتي.
لا تهدّد المخاطر السينما فقط، بل العالم بأكمله. وعندما سئل المخرج والكاتب إن كانا لا يزالان يؤمنان بالثور، كان ردّ لافيرتي، ماذا سيحدث لو لم يكن لدينا ثورة؟
هل يمكننا تخيّل ما سيحدث بعد خمسين عاما إذا استمرينا على هذه الحال؟ إذا لم نفعل شيئا، سوف نقع في مشكلة كبيرة. وهذا ليس ما يقوله لنا صانعو الأفلام بل ما يقوله العلماء_ إنهم يخبروننا بهذا منذ 40 عاما. فالعلماء العاملون لصالح شركتي “بريتش بيتروليوم” (BP) و”شال” (Shell)، هم أوّل من حذّر ممّا سيحدث، وكانوا يعلمون بذلك، ثم لم يفعلوا شيئا. هذا إجرام.”
يسود انطباع في أغلب الأحيان أنه مع تقدمك في العمر، تتعب وتتخلّى عن النضال. ولكنّ كين لوتش وبول لافيرتي لا يزالان مرابطيْن على جبهات النضال. ويثير خطابُهما تضامنًا فوريًا ومكثفًا؛ وما يظهرانه ويتحدثان عنه يمكن تلخيصه ببساطة: إنهما يهتمّان بمصير المجتمع.
تحرير: إدواردو سيمونتوب
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
دورا ليو ناقدة سينمائية رومانية ومخرجة أفلام من حين لآخر. بالإضافة إلى إخراخ الافلام، درست أيضًا تاريخ الفن. تشمل مواضيعها البحثية الرئيسية الموجة اليابانية الجديدة وأفلام المقالات والسينما التجريبية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.