مؤسسة ثقافية سويسرية تحتفي بالرسام المغمور بيار بونّـار
تكريما للرسام الفرنسي المغمور بيار بونّار (1867 -1947)، تحتفي مؤسسة بيلير، وهي واحدة من أكثر المتاحف السويسرية استقبالا للزوار بأعماله، وتفتح الطريق إلى الجمهور السويسري لمشاهدتها لأوّل مرة منذ سنة 1999.
وقد لخّص سام كيلّر، مدير هذه المؤسسة المنزلة التي يحتلها اليوم هذا الفنان فيقول: “نظنّ أنفسنا أننا نعرف بيار بونّار، لكن الكثيرين يجهلون أعماله في الواقع”.
أدار “نابي”، الذي يطغى على أعماله الطابع الشخصي، الغير القابل إلى أي تصنيف مسبق، ظهره لحركة ما بعد الإنطباعية، وربما أسهم ذلك في قلّة إشعاع أعماله، ومحدودية شهرته في تاريخ الفن الإنساني. وقد نُظر إليه لزمن طويل، كفنان منضبط ويحترم التقاليد، ولكن اللوحات الستيْن المعروضة حاليا ببازل تكذّب هذا الظن.
ويهدف هذا متحف بيلير الذي وضع تصوّره رونزو بيانو، وفتح أابوابه سنة 1997 من خلال هذا المعرض إلى إنزال هذا المبدع الخبير في عالم الألوان المنزلة التي يستحق. ويغطي هذا المعرض الذي يستمر إلى 13 مايو 2012 كل الفترة الإبداعية من حياة بونّار. ويضيف كيلّر، الذي لم يتوان منذ بداية عمله مع مؤسسة بيلير عن تنظيم معارض لقيت نجاحا كبيرا، وحققت أرقاما قياسية في عدد الزوار: “نتمنى أن يسمح هذا المعرض للأجيال الجديدة باكتشاف هذا الرسام الفذ”.
وتتمثّل خصوصية هذه المؤسسة في تجديد معروضاتها بشكل منتظم حتى بالنسبة للمعارض الدائمة، وتعتمد بإستمرار على مجموعة من الأعمال المرموقة مثل تلك التي أنشأها أرنست بيلير، أو قرينته هيلدي، وتزاوج كذلك في معرضها بين الإلتفاتة إلى الماضي، وأعمال المبدعين المعاصرين، ويكون الجسر الرابط بين الحقبتيْن الإتجاه الفني المتطابق لهذه الأعمال. وضمن هذا التوجّه يأتي الإحتفاء هذه المرة ببيار بونّار، الذي يحظى بإعجاب كبير من طرف أرنست بيلير.
متحف جديد خاص ببونّار
يشهد هذا الرسام انبعاثة جديدة من خلال المعرض التي تستضيفها المتاحف، حتى وإن كان آخر معرض شهدته سويسرا حول أعماله يعود إلى اثني عشرة سنة خلت، وكانت قد نظّمته مؤسسة جيانّادا (في مدينة مارتيني). كما شهدت سنة 2006 تنظيم معرض كبير خصص لآثار هذا الرسام في متحف الفنون الحديثة بباريس. وتحتوي “لافيلا فلورا” بمدينة فينترتور على العديد من لوحات هذا الرسام. كما شهد شهر يونيو 2011 افتتاح متحف خاص ببونّار بمدينة كانّات الفرنسية، وهي المنطقة التي توفي فيها هذا المبدع.
المعرض يستعيد قولة الرسام: “أنا لا أنتمي إلى أية مدرسة، كلما أصبو إليه هو إبداع أشياء شخصية”. وفيما تؤكّد أعماله المفعمة بالجدة والطرافة ما ذكره، إلا أن الملفت أكثر في هذه الأعمال هو قدرته على التلاعب بالألوان، وطبيعة الرؤية التي يصدر عنها في ذلك. وقد تحدّث جون كلارك عن بونّار فقال بأنه “مغامر، ثاقب الرؤية”، وهو محلّ اهتمام كبير اليوم.
مؤسسة بيلير قررت تنظيم هذا المعرض الذي أطلقت عليه “بيت بونّار الخيالي”. وسوف يجد المشاهد الزائر إلى هذا المعرض نفسه مدعوا منذ الرواق الأوّل إلى مشاهدة “الشارع”، أحد المحاور المهمة التي شغلت الرسام في بداية تجربته الفنية. وهي اللحظة التي كان يسهم فيها في تأسيس مجموعة “نابي”. وطبع أعمال هذا الرسام كذلك في نهاية القرن التاسع عشر الولع بـ “الأسلوب الياباني”، وهو ما دفع البعض إلى إطلاق لقب “نابي جابونّار” عليه. وتؤكد مجموعة أعمال “جولة الممرضات” هذا الإقبال الخاص على الذوق الفني الياباني.
حزن ونظرة سوداوية
ننتقل لاحقا إلى الرّواق الثاني، حيث تعرض الأعمال التابعة ل”قاعة الاكل”، وفيها يصطدم الزائر بالنظرة الحزينة والإحساس بالضياع المنبعث من عيْني الشابة التي نراها في لوحة “ميزيا ناتانسون خلال فطور الصباح”، وقد نجح الفنان في تمثيل هذا الحزن من خلال أسلوب رقيق وحسّ عذب، يرتسم على خلفية طبيعية يخنقها الجفاف ما يسمح لبونّار بإعطاء آفاق جديدة لأعماله الإبداعية. ووفقا لأولف كاستر، المشرف على هذا المعرض: “يعرض بونّار من خلال هذا العمل كيانا مجتمعيا بصدد الاندثار والزوال”.
هذا الجمود والحزن الذي يلف “قاعة الأكل”، يتناقض تماما مع “الحمّام والمشاهد العارية”، وهي من الموضوعات المفضلة لدى هذا المبدع، والتي تحوم حول زوجته وملهمته، مارثا. وهنا نعثر على لوحة “الرجل والمرأة” (1900)، وهي واحدة من أروع اللوحات في المعرض، وفيها تبدو مارثا جالسة على سرير، في حين يبدو صورة الرسام على المرآة العاكسة الموضوعة في الجانب المقابل، واقفا على مقربة منها. ليس في المشهد أي شبقية، ولكنها مشاعر وعواطف لا تخلو من حزن وسوداوية.
إلى جانب ذلك، احتوت العديد من الاروقة الاخرى بهذا المعرض على العديد من الرسوم الفنية حول موضوع الحدائق، ومن ذلك لوحات “الحديقة البرية”، و”الحديقة المشمسة”، و”الحدائق والمناظر الطبيعية”. وقد كرّس بونّار لهذا المحور عددا كبيرا من الأعمال، أوّلا في النورماندي، في دار “Ma Roulette” بفيرمونّات، ثم لاحقا على شاطئ الريفيرا، بفيلا “لي بوسكات” بكانات. ولقد استغلّ العديد من الأفكار لإختبار براعته بشأن الألوان. والصور المعروضة تقدّم فكرة من جهة على الحديقة باعتبارها مكانا للحياة الأسرية، وكذلك حول الإستعدادات التي تسبق الشروع في عملية الرسم، بينما تتمشى مارثا عارية بين الأشجار.
الصور الذاتية
خارج هذه الأروقة، فإن اللوحات التي ارتسمت عليها وجوه لشخصيات يغلب عليها الغموض، إلى حد أنه يصعب التعرّف عليها، ولم يستثن بونّار نفسه من ذلك، ويتجلى وجهه من خلال إحدى اللوحات أطلق عليها إسم “الملاكم” (1931)، وبإمكان الزائر ان يرى على وجهه مسحة من الألم، وغموضا مألوفا في لوحاته، أو كما لو أنه متردد في الظهور على حقيقته. كذلك نجد ملامحه من خلال “صورة المبدع في مرآة بيت الراحة” غير واضحة، وفي عمر يتجاوز عمره الحقيقي، وقد كست ذقنه لحية كثة، وينظر مباشرة إلينا نحن (الزائر والمشاهد).
تعتبر الألوان بالنسبة لبونّار، طريقة للتأثير على الروح، أو كما يقول هو نفسه: “لا يتعلّق الإبداع برسم الحياة، بل بإضفاء الحياة على اللوحات المرسومة”.
1867: ولادة بيار أوجين فريديريك بونار يوم 3 أكتوبر بفونتيناي -أو – روز.
1885 – 1888: بونار يلتحق بكلية القانون بباريس. وبالتوازي مع دراساته الجامعية، تابع كذلك دروسا بأكاديمية جوليان، وفي عام 1887، ألتحق بمدرسة الفنون الجميلة.
ابتداءً من 1888: تحت تأثير افكار وأسلوب بول غوغين، وبونار، وموريس دينيس، وبول سيريسياي، اتفق كل من هونري غابريال إبيلس وبول رونسون على تأسيس مجموعة ما بعد الإنطباعية، وقد حلّت هذه المجموعة سنة 1900.
1890: كان لمعرض “النحت الياباني” تاثيرا كبيرا على الأعمال اللاحقة لبونار، حتى أن البعض أصبح يلقبه بعد ذلك المعرض “بيار بونار، اليابانيّ الهوى”.
1891: للمرة الأولى يعرض بونار أعماله في “صالون الأحرار”. وظلت لوحته “فرنسا – شامبانيا” معروضة لوقت طويل على جدران البنايات في باريس.
1893: تعرّف بونار على ماريا بورسين (1869 – 1942) بمونمارتر، وكان عمرها آنذاك 24 عاما، وكان يطلق عليها إسم “مارثا دي ميلينياي”، ولقد أصبحت لاحقا رفيقة عمره.
1912: اشترى بونار فيلا بفيرمونات، الواقعة بالشمال الغربي لباريس. وكان يتردد على زيارة كلود مونات في منزله بجيفارني، على مقربة من ذلك المكان.
1916: استجاب بونار لدعوة أصدقائه هايدي وأرثر هانلوزر، وقدم إلى فينترتور، حيث قام بعرض 15 لوحة من اعماله خلال معرض مخصص للرسم الفرنسي.
1925: بعد 30 عاما من العيش المشترك، قرّر بيار بونار ومارثا بورسين الزواج يوم 13 أغسطس.
1940: انسحب للإستقرار في كانات، حيث قضى السنوات اللاحقة، ولم يرجع إلى باريس طيلة سنوات الحرب.
1942 – 1946: بعد وفاة مارثا بونار، انكبّ زوجها في السنوات التالية على مضاعفة عدد المعارض التي نظمها، وكثرت كتاباته المنشورة، وتزايد أنشطته الفنية.
1947: توفي بيار بونار بكانات بعد اصابته بالسل وبألتهاب في الحنجرة.
(ترجمه من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.